الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية


منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية خاص بجميع إبداعاتكم الأدبية الخاصة بكم والمكتوبة بأقلامكم ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2009-12-18, 17:17 رقم المشاركة : 1
mustapham
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية mustapham

 

إحصائية العضو








mustapham غير متواجد حالياً


وسام المراقب المتميز

افتراضي رسالة معلم مغترب في وطنه




أمــــــي


يخـيل لـي و أنا قابـع بمملكتي (المـسكن)، اللصيقـة بالمـدرسة / القـسم ، و الشـبيهة بـبناء الأضرحة أنني ولي من أولياء الله، ترتادني يوميا طوائف من التلاميذ و المريدين راغبة في مـدد الـعلم، و طامعة في أن أمحو عنها غشاوة جهلها...هذا جلب معه خبزا، و ذاك لبنا، و عندما يكون مطـلب الزائـر أو جـرمه كبـيرا، فإنـه يضـطر لطلـب الـشفاعة والصـفح بجلـب بيـض و زبـدة و حليب!!!
أنا أيضا أماه كنت أستغرب هذه العادة الشاذة، و أصنفها في عداد السلوكيات المشينة قبل أن أقتحم أدغال التعليم، لكنني الآن و من موقعي هذا المنحوت بين الجبال سأحاول أن أبرر لك، بارحة هذا اليوم الذي أخط لك فيه رسالتي هاته، تحولت المنطقة لصحراء جبلـية مـن الثـلوج، و مساء اليوم مع إطلالة محتشمة لأشعة شمس الجنوب، انصهر كل الثلج فتحولت المنطقة الى بحر من النتوءات و المستنقعات الطينية و الوحلية... مطبخ المسكن / البيت يعرف خصاصا مهولا فـي بعـض الخضراوات و القطـاني الرئيسـية، و الخـبز والسكر و الشـاي....و لازالت تفصلنا ليلتان عن يوم السوق، توسمت الخير في أحد تلاميذي ، استدعيته، وطلبت منه أن يأتيني بخبزة، أو نصف خبزة، أو قليل من الخبز فقط، ذهـب ولم يـعد ... استدعيـت الثـاني و استجديته بتوسل و تسول لجلب فتات من الخبز، قصد إخماد نيران هذه الطاحونة التي اعتادت هضم الخبز، و لا شـيء غـيـر الخبز، معبود المغاربة و أمير موائدهم ... ذهب راضـخا و عـاد مـعـتـذرا قائلا بالشـلحـة مـا مـعـنـاه : ( كـالـتـلـك مـي مـا بـقـاش الـخـبـز.) و تـرجـمـت قـولـه لعـشـيــري هـكـذا: ( كالتلك مو الله يسهل! ! !). انتابنا خليـط من مـشـاعـر الشـفـقـة المكلـفــة، و التكافل المتكلـف، و التبـني القـسري، هــو أيـضـا جنــس من أجـناس الحوافــز، و الاحتـضان، و التـعايـش، الميسر لـظروف حياة طرفيـن، لكل منهما مصـلحـة فـي الآخـر، و هـو كذلك سلوك مغربي حاتمي، متجدر في المكان، ومتأصل في الزمان، يستحيل استـئصاله لراهـنة الوضـع، و لظروف من فطـمته الحـضارة و أهملته الوزارة. و أحيانا يتـفاقم الســلوك بـتفــشي سمــات السـذاجـة و البساطة القـرويـة و الطمـع المـتمـدن، و ارتـباك ملــكات التخطـيط والتدبير و التسيير، مع تراكم التبعات النفسية لهواجس انتـظار صـرف الرواتـب، و العـطل، و الرسائل و... لكن المطمئن أن الظاهرة سائرة في طريق الاندثار، منذ البدايات الأولى لسياسة تشبيب القطاع، و انتشار الشحنة الأولى من الهوائيات المقعرة فوق سطوح دور دواوير مغربنا، و أيضا مع توالي سنوات الجفاف ...
أمـــــــي، لـم أكـن أعتقد أن مغربنا لا زال يحوي بين طيات و نتوءات خريطته هذه الفـئة مـن شعبه ( ... ) الـذي لـم تخـدمه أي حـكومـة، و لـم يعـره مـسؤولونا، و منظماتنا ، وجمعيـاتنـا، و أحزابنا، أدنى اهتمام أو التفات، و لم أكن أتصور أن مغربنا لا زال يخفي بين جباله هذه العينة من نسائه المعذبات ليلا و نهارا ... أنا أدعوهن بـ (الأشجار المتحركة) لإختفاء أجسادهن النحيلة، وراء ثقل أكوام وأطنان من الحطب و الأغصان ... تكوينات و تفاصيل أجساد نساء الدوار غريبة، مكامن الأنوثة فيهن مشوهة، أعناق مقوسة، ظهور محدودبة، مؤخرات بارزة متهدلة و نهود متدلية، هن غير مسؤولات عن قوامهن، كونهن مرغمات على الجلوس طويلا أمام مراشم حياكة الزرابي، و المداومة على السقي، وحمل كل أصناف الأثقال، و تحمل كل أشكال الأعباء و المشاق و استحمال غباوة صدور مكبوتة غير قنوعة و غيرمقتنعة... كنت قد قررت يوما التخطيط لتحريضهن و إعلامهن بالتعديل الذي وقع على مدونة الأحوال الشخصية، و بمستجدات مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، كما أزمعت تألـيب خضوعــهن و خنوعهن، لكنني عدت و تذكرت أنني عجزت عن تبليغ مطلب بسيط لهن، يتمثل في رجاءهن التقليل من وضع الزغب و الحصى في خبزة المعلم، فكيف لي أن أخبرهن بتخويل الحكومة لهن حق اقتراح اسم أب وهمي لابن زنا ! ؟
أحيانا أمي، أشعر أنني جندت هنا لمحاربة آفة أضخم من الجهل و أشسع من الأمية، آفة ضاربة بظلالها و جذورها في الأوصال والشرايين، و الخلايا و المعتقدات، و الفطرة... تمـتد وظيـفتي للمسـجد، لـدور شيخ الـدوار، للحيوانات، للأعـراف و الـعادات، لتحـريـر الرسائـل و الشكايات، للبث في النوازل و لفك النزاعات و الخصومات... تتعدى مهمـتي بضعة حـروف و أرقام لتطال عوالم أخرى غير الأمية و اللغة في المخيلة الأمازيغية لناشئتي، أجاهد كي أفتح عيونهم المسجونة وراء سلسلة من الجبال على الصورة و الصوت و التخيل و الحلم، و على شساعة وطننا، و تعدد أناسه و دواويره و معلميه. تلاميذي يعتقدون أن حدود العالم القصوى تقف عند البلدة التي سافر إليها شيخ الدوار، هناك حيث الطريق المعبدة، و حيث الجماعة، و حيث المستوصف، و حيث الدرك، وحيث الحلوى و السيارات... هناك حيث ذهب ابن الشيخ يوما واحدا للإستشفاء، وعاد ليحكي لأصدقائه عن عجائب و غرائب البلدة شهرا من الزمن بل زمنا من الشهور...
كم أتمنى أمي، أن أصاحب تلامـيذي في رحـلة طويـلة ،لـزيارة بعـض مـدن وطـنـنـا، لرؤية البـحر و الـقطـار و مركز البريد و علامات المرور و الدور العالية و .... و ... علني أوفق في توسيع آفاق فكرهم الضيق، و تحرير رؤاهم ووعيهم المحنط بغشاوة سميكة من الجهل و الانغلاق. لكن خوفي أن أولد لديهم – حينها – إحساسا بالحرمان و أحرضهم وقتئذ على الهجرة... أراضي الـمنطقـة جـد خصـبـة، لـكـن رجـال الـدوار متـقاعـسون عـن شقـها و قلـبها ، و سقـيها وحفـر مـجار مـياه تجاهـها، زراعتـهم المحـببـة هي النـسيج، و شغلهم الشاغل انتظار اكتمال زربية كل شهر، و ترقب تفتح زهور الزعفران، ومتابعة سكنات و حركات المعلم...! الرجال هنا يفتخرون بتخصصهم في زراعة الزرابي، و الفلاح الأصيل من تنتج نطفته جنسا خصبا من الإناث الناسجات. أتساءل فقط ؛ ما ذنب هذه الأرض؟ و ما ذنب هؤلاء الناسجات الصغيرات؟…
تـذكرين أمي ولعـي الشديد بالجرائد، و البرامج، و الربورطاجات المتلفزة والسينما ... الآن، من موقعي هذا، أصبحت أرى في نفسي و مجريات يومي مادة ناجحة لبرنامج وثائقي مؤثر، أو لسيناريو مسلسل درامي عنوانه "كضرون حياتي"... فأن يفقد الإنسان إنسانيته، أن يتزاحم مثل الأكبـاش داخـل أو فـوق سـيارة غـيـر مؤمـنـة، أن يـشـعر أنـه أهيـن في آدميتـه و كرامته فهذا أحط درجات العيش الكريم (... )
من المؤسف حقا أمي، أن يكتشف المرء انه يخادع نفسه و ينافق مجتمعه، يجامل هذا تصنعا و يخضع لسذاجات و إكراهات ذاك قسرا، و من العار أن تجد نفسك مرغما على تقديم الغرابة لتلاميذ، هم أحوج ما يكونون لقطعة ثوب، وقطعة خبز، وحقنة دواء، وشحنة حب و عطف و حنان ... !
و لعلمك أمي، لا يوجد في هذا الوطن، من يحمل حقا هموم أطفال بوادي و مـداشر مغربنا، غيرنا نحن المعلمون، لا يوجد من يعرف بنفـس عمـق معرفـتنا، حقيقة أوضاع قـرى و فلاحي هذا الوطن، و تأكدي كما الآخرون، انه لا يوجد من يؤرقه مستقبل هذا الوطن، بنفس حدة أرقنا، و لا يوجد من ينوء بأوزار هذا الوطن، غيرنا نحن من لبى نداء الجنوب، نحن من يؤمن بأن حقلنا، هو خير ميـدان للإستـثمار و الإنتاج و تحقـيق الرقـي، كما لا يوجد من يـدرك بنفس عمق إدراكنا بأن الدواويـر و البوادي، هي الأصل في نفعية هذا الوطن أو مضرته...
أماه، تبدو الأيام لأصدقائي متوالية ببطء قاتل، و أنا أراها زاحفـة بـسرعة الضوء، أيـام عمري تجري و أنا أعدها و أسجلها يوما يومـا و بالتاريـخ الهـجري و الـميلادي، الوقـت هـنا لا أهمية له و المؤكد أن ساعتي غير مضبوطة، إذ لم أجد من اضبط عقاربها عليه... فباتت هي الأخرى تجاري رتابتي، مرة تقدم ساعتين، و مرة تؤخر أربع ساعات، حتى المذياع أبت موجاته أن تستقر على محطة واحدة، و إذا حدث يوما أن خففت تيارات رياح الجنوب من وطيس غضبها، فإنه يتحدث بثلاث لغات ممزوجة، لكنني أقولها لك صراحة، لقد اكتشفت – متأخرا – هذا الجهاز المؤنس المسمى مذياعا. تذكرين أمي، ذوقي الغذائي ،توابلي المحببة، فواكهي المقدسة، تذكرين طقوس كتابتي، و أكلي و نومي، لا أظنك ستنسين كل هذه الأشياء ... لكن أود أن أخبرك أنني تخليت عن عاداتي، إن لم تكن هي التي تخلت عني، لم أكن أتصور يوما أنني سأغير – أو أنه سأرغم علي تغيـير – ذوقي الغـذائي و الموسيـقـي و الأدبي، و أنني سأستسيغ مذاق اللـفـت و الشـحـمة و " البـيصارا البـايتـة "، أو أنني سأطرب لإيقـاعات الـراي و الريكي و كل الأنواع الموسيقية الصاخبة، المكسـرة لسـكون هـذا الـدوار الأخـرس. أو أنني سأصبح مستهلكا غبيا لكل ما يقرأ و لكل ما يقال و لكل ما يجري و يروج... أو أنني سأرتعد حد الفناء عند ترتيلي أو إنصاتي لتجويد آيات من الذكر الحكيم.
أمي، ثلاثة أسابيع مرت على تواجدي بالدوار، و لم أعرف بعد متى و أين و كيف يكون الاستحمام، أو بتعبير أدق، لم أستحم بعد. أردت حك بقعة دغدغتني أسفل ذقني، فعـلت و أخمدت نار الحكة، لكنني أيقضت طبقة وسخ من سباتها ففاحت رائحتي، ابنك " الجيلالي" خبير الروائح و العطور أصبح يضاهي في رائحته رائحة مجدوب حينا ...
والدتي العزيزة، لا شك أنك لا زلت تذكرين أناقتي و اهتمامي الكبير بتناسق هندامي، تلك أيام خلت...راهنا لم أعد أميز بين ملابس العمل و ملابس النوم، قد تختلط وظيفتهما و قد تتوحد، لم أعد أجد رغبة في تسريح شعري، أو تلميع حذائي، أو تنظيف أسناني، أو تعطير مناطق التصاق مفاصلي، لأجل من سأفعل كل هذا ؟ ستقولين من أجل نفسي؟ و سأجيبك: ماتت في تلك النفس الأنيقة.
تخيليني أمي في أي وضعية لم يسبق لك أن رأيتني فيها، مريضا مهملا، ضمآنا، جوعانا، بردانا... تخيليني واجما، متأملا، صامتا منصتا لسكون الجبال و أغاني الراي وترتيل آيات القرآن. مرارا أغسل وجهي دون أن أفطر، أو أفطر دون أن أغسل وجهي، و أحيانا ، أرغم على الصوم و أنا جوعان، و على الأكل و أنا شبعان، لم أعـد أميز بيـن صبحي و ليلـي ،و بين بارحتي و يومي. الخواء و العدم و الفراغ و اللا شيء و اللا معنى باتت أبراج حظي... هنا بين الجبال أمي، اكتشفت أن لكل شـيء صدى، اكتشـفت أيضـا أن الحـياة خدعـة و أن للصمت صـوت رنينـي مسترسـل، و أن فـي عمـق العتمـة الدامـسة ****** هلامية خفـية، و اقتنعت أخيرا أن هناك شعورا أقوى من الحب يدعى الألفة، و أن مبتكر النميمة إنما كان عدوا لذوذا لمعلم، و أن الأنثى هي سبب تخلف هذا الميدان، و هذا الوطن، و هذه العقول العاشقة، كما حظيت مؤخرا بخزي رؤية مكمن تخلف إدارتنا ...
بالمناسبة أمي، أود أن أخبرك أنني عدت لعادة قضم الأظافر، ووضع سبابة يسراي في الفجوة اليمنى لأنفي، و أبشرك أنني شفـيت من فوبيا الكـلاب و الزواحـف و الأماكـن المرتفعـة و الشاسعة. كيف لا و أنا نفسي أصبحت قطعة من هذا الفضاء التجريدي... كما لا أنسى شكرك على ذلك المنديل الذي دسسته لي خفية في ثنايا حقيبة سفري، و صدقيني أن عبق رائحتك العالقة به تخفف عني قسطا من آلام بدني و غربتي... أمي قد أسأم هذه الحياة، قد أتذمر و قد أتمرد، لكنني أعود و أتذكر أنني أعمل مرضاة لوجه الله، أعود و أتذكر أيضا براءة عيون و صفاء قلوب هؤلاء الصبية، فأقتنع أن الذنب ليس ذنبهم كونهم لا يتحدثون عربية أو دارجة، و كـون نطـفهم تشكـلت بين الجـبال، و أعـود في الأخير، لأتذكر حالـة زحمـة "راس الـدرب" و مقـاهي الدرب، و مـجازي الـدرب، فانكـمـش و أنتفض من سأمي...
أماه ، و أنـا أصـلي داخـل بيتـي المشـيد فوق أعلى هضبة صخريـة بـالـدوار، أشعــر -و هـذا أجمل شعور- أنني قريب من الله أكثر من أي وقت مضى، قريب من ملكوته و عـظمـته و مشـيئتـه، قريـب مـن رحمـته و عـنايـته و لطـفه... فأتـضرع و أتـذلل و أبكي و أتلاشى حسـا لا جسدا ...
مستلقيا على فراشي، أجد نفسي مرغما على استرجاع كل حلقات شريط حياتي عشرون حلقة، أتذكرها سـنة سنـة، شـهرا شهـرا و يوما يومـا، أسترجعـها بأجمـل و أتعس لويحـظاتها و بأبطأ و أسرع هنيهاتها.
والدتي، صدقيني أنني لا زلت أتذكر مذاق حليب ثدييك، و أتذكر أيضا أنني طالما عضضتك من حلمتيك، و طالما شددتك و جذبتك من ظفائر شعرك، بل و تعود بي الذكرى إلى يوم مولدي و يـوم فـطامي و يـوم خـتاني. أعـرف أنك لـن تستـوعبي ما أقـول، لكن أصدقـائي و الجبال يستوعبون و يبررون ما أقول، عندما تعصف بي نزلات برد حادة فأرعف على إثرها مرارا و تكرارا، و أفقد وعيي، ثم أسترسل في التذكر و الهذيان، و أذكر أيضا، و لا أدري إن كنت ستصدقينني هذه المرة أيضا، لكنني أقسم و قسمي غير جائز، لأنني كنت وقتها لا أزال جنينا، قلت إذن أنني أذكر – و الذكرى ليست ببعيدة – كل لحظة مكثتها بداخل أحشائك، فأذكر مثلا أنك حملتني أزيد من تسعة أشهر بخمسة أشهر أخرى، وأذكر أيضا ساعة مخاضك و نفاسك و أذكر كذلك لحظة شعرت بأول نفس، و بأول ركلة، و بأول نبض من حياتي يدب في ظلماتك الثلاث ...، و أنك وضعتني بيسر، و أن "مي صفية" هي التي جذبتني للوجود، بل و أذكـر ما حدث قبل و بعد ذلك بكثير فما رأيك والدتي ؟؟ حقا لكم هو رائع أن تنجب الأمهات معلمين.
أيام قبـل سـفري حذرتـني مـن أكـل الطعـام "البائـت"، و من المـرور بالأماكـن المظـلمة و ارتياد الأماكن المهجورة، أطمئنك و أخبرك في هذه الرسالة غير المرسلة إليك، إن ابنك يقطن بمسكن لصيق بفرعية معزولة عن الدوار، محاط بمقبرة فسيحة و مـطل على صهريج مهجور، و أن غذاؤه الدائم ما تبقى من عشاء البارحات... و أن العقارب و الكلاب و الزواحف باتت من أخلص أصدقائه و مؤنسيه.
أمي، لن أنسى يوم ودعتني بعينين دامعتين و قلب خافق متهدج : "سير أوليدي راك محضي و مرضي الوالدين، سير ربي يسترك و يحفظك و ينجيك، راك سالم غانم من شر الشيطان و بنادم"، و أحسست وقتها بخاتم الرضا يطبع على جبيني، كما استحضر كلما هممت باقتراف الفواحش نصيحتك الغالية برفق و دفء و حياء صوتك: "ولدي خـدم بنـيتك و ديـر ثقتـك فـالله، و ما تكمي ما تسكر ما تزني باش رجاك و رجايا يكون مقبول"... أنا خاضع لحد كتابة هذه الأسطر لوصاياك الغالية.
فقط ، اعلمي أنني لم اعد ذلك الجيلالي "الذي تعرفينه، أشعر أن هزة نفسية ألمت بوجداني، فقدت تلك الروح المرحة و تلك الابتسامة التي ما كانت لتفارق محياي.

أعـدك أمي، أنـني لن "أكمـي" و لن "أسكـر" و لـن "أزني" لكـنني سأبـكي و أحكي و أشكي سأكتب و اعترف و سأفضح كل التجاوزات، كل الخروقات، و كل التواطآت المحاكة ضد هذه الأقاليم المغربية المحافظة، سأفرغ حويصلات الأقسام من جثتها و ديدانها و سأمزق ستائر المداراة حقا، و أنا أعيش الأجواء الماجنة، كشاهد عن كثب وسط معمعة عاهرة، أقاوم رغبة جامحة في تجاوز نصائحك الغالية، فبين الحين و الحين ينتابني ظمأ كبير لسيجارة رخيصة، و لكأس خمر رديء و لأنثى عاهرة، أسـترجع و إياهـم لحـظات الصخـب و الإنتـشاء و اللـذة، و أحيانا تغويني حتى الاستسـلام رائحـة دخـان السـجـائر و الكحـول و الجـنس، و تتحامـل علي الجـبـال و الرجـال و الغيـــوم، فتذيقنـي مـتراكمـة ، مرارة الحـياة و شـقــاء غربـة الـوطـن، و تشجعني غير ما مرة هذه الظروف المعربدة على تجرع مرارة النبيذ، لأمزج المرارتين علني أتذوق الحلاوة، لكنني أعود و استحضر وصاياك الثمينة فأعصم نفسي عن الوقوع في الرذيلة.
صعب جدا أماه، أن يقضي الإنسان عقدين من حياته، بين أحضان الأم و العائلة و المدينة بكل مقوماتها، ليجد نفسه فجأة و دونما أدنى تهيئ نفسي لوسط قروي محض، أو لنقل لبادية إحدى القرى، و بتعبير أوضح لأبعد نقطة عن طريق ثانوية معبدة، فطام الحضارة لا يعادل فطام ينبوع أمومتك يا مجد الأمومة و يا فيض الرضا...
ميزة المدينة أن يومها ينسيك بارحتها، و غدها سينسيك قطعا في أمسها، بين الجبال أعيش يومي بذكرى البارحة و أتأكد أنني سأعيش غدي بأحداث أيامي الماضية، خلاصة القول أن أيامي هنا متشابهة باستثناء يوم زارني المفتش (... )، مفاهيم جديدة أمـــي، اقتـحمـت قامـوس حـياتـي: الغربــة المـوخـزة، "القـسـارة العامـرة و القـسارة الخاوية"، "العشرة"، "التقدية"، "الكميلة"، "الدكة"، "الحكرة"... ما كنت والدتي العزيزة سأعيش هذه المفاهيم لحظات، و هذه الأحاسيس جرعات زعاف لولا ولوجي سلك المتاعب النبيل. قديما و كل قديم غير بعيد، كنت أتألم على بعض السويعات المؤنسة، و أتحسر عليها، أعيشها و أحاول جاهدا الإستمتاع بها قدر الإمكان، ليقيني أنها ستصبح ذكرى...، الساعة، اليوم و كل الأيام اللاحقة، أنتظر بلهفة و ترقب كبيرين متى تصبح للذكرى بالرغم من انسيابها الحتمي.
الجرائد هنا ، طبعا جرائد البارحة أو قبل البارحة، أستشف و أنا أتصفحها على نغمات صمت الجبال أنها دون مصداقية. الافتتاحيات، و الأعمدة الثابتة، و الأخبار، و التحاليل، تتجرد من مساحيـق الـمدينة، فتقـرأ عاريـة مفـضوحة ناشـرة لغسيلـها الوسـخ. الأقلام السياسية و الصحفية، يسقط قناعها ليكشفعن وجوهها المزيفة، الكاريكاتورية ، الوصولية، و المنافقة...
أمي، كنت قد أبديت رغبتك في مرافقتي، أو زيارتي للإقتراب من أجوائي و أحوالي،
وللإطمئنان علي أكثر، لكنني ماطلتك و تهربت من رغبتك بحجة و بغيرها. أتعرفين لماذا ؟ لأنني لا أريدك أن تحملي صورة حزينة عن ابنك، لا أريدك أن تنامي و كوابيسي تلاحقك، أريدك فقط ، أن تقبلي كون ابنك مغتربا داخل حدود وطنه، من أجل وظيفة نبيلة محترمة، و من أجل واجب إنساني وطني.، ومن أجل دريهمات قليلة و كفى.
مطمئن عليك لأنني وفقت في أكاذيبي – سامحني الله – صورت لك حياتي نعيما و أنا القاطن بمسكن مغشوش البناء مطل على مقبرة للأموات، ترجمت لك أيامي فردوسا،
و أنـا الـذي طالما حـرم مـن وجبـات رئيسية، أبلغتـك راحتي و سعادتـي و أنـا مـن صارع لشهـور طويلـة خلـيطا مـن مشاعـر السجـيـن، و اليتــيم، و المريض، و المغتصب، و المغدور، و المفجوع، و المرعوب و المهاجر المغترب ...

ختاما أمـــــــي ؛
هـي رسالة شخصية لك، لكنـها مفـتوحة للقراءة لكـل المعنيين بحقل التعليم و التربية، و بحقل هذا الوطن هي وثيقة إدانة في حق الدولة وهي صك اتهام في حق ديماغوجيينا، هو نداء استغاثة عاجل من أطفال الجنوب، و هي لحظات اقتنصتها من صدق الواقع ، ومن صدق الذكرى و من قتامة الوضع، فتداركوا أيها المسؤولون جزاكم الله خيرا، من أجل خير هذا الوطن و مـن أجـل أطـفال نفـس الوطـن ...قبـل أن يفـوت الأوان و قـبل أن يحتضر الأمـــل و يحتضر الوطن.
و أستودعك أمـــي ، الله الذي لا تضيع ودائعه .

ابنـــك الـــبـــــار


منقول بتصرف






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=54689
التوقيع


هل جلست العصر مثلي ... بين جفنات العنب
و العناقيد تدلـــــــــــــت ... كثريات الذهب

آخر تعديل mustapham يوم 2009-12-18 في 18:24.
    رد مع اقتباس
قديم 2009-12-18, 17:33 رقم المشاركة : 2
أم علاء وعمر
المديرة القانـونية
 
الصورة الرمزية أم علاء وعمر

 

إحصائية العضو








أم علاء وعمر غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

وسام المنظم للمسابقة الرمضانية الكبرى

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

أم القمرين

المرتبة الثالثة

المرتبة الثانية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المطبخ المرتبة 3

افتراضي رد: رسالة معلم مغترب في وطنه


الله يكون في عونه
و عون أمه بعد قراءتها الرسالة
شكرا على الموضوع





التوقيع


اللهم بارك لي في أولادي ووفقهم لطاعتك واهديهم وخذ بأيديهم إليك
وارزقهم النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة وأولاد المسلمين أجمعين
ربي أرزق ذريتي صحبة الأخياروخصال الأطهار وتوكل الأطيار
ربي بلغني فيهم غاية أمالي ومناي وارزقني برهم بحولك وقوتك
ربي متعني ببرهم في حياتي وأسعدني بدعائهم بعد مماتي









    رد مع اقتباس
قديم 2009-12-18, 17:54 رقم المشاركة : 3
بلابل السلام
بروفســــــــور
إحصائية العضو







بلابل السلام غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

وسام حفظ سورة الكهف

وسام المرتبة الأولى في مسابقة القرآن الكريم والتجو

افتراضي رد: رسالة معلم مغترب في وطنه


بمجرد ما قرأت الأسطر الأولى علمت أن الجيلالي هو من يحكي ..هو من يستطيع رسم ملامح هذا الواقع بكل سخرية وواقعية
رسالة تحمل زخما من المعاني والاشارة ، ورغم طولها لم اشعر بملل في قراءتها
فتحية كبيرة لكاتبها : اديبنا القاص القدير نور الدين شكردة
وشكرا جزيلا لك أخي مصطفى على نقلها لنا ، لكن سؤال بسيط : لم آثرت وضعها فيقسم التسلية وليس قسم الابداع ؟؟
مجرد فضول هههه





التوقيع


    رد مع اقتباس
قديم 2009-12-18, 18:20 رقم المشاركة : 4
mustapham
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية mustapham

 

إحصائية العضو








mustapham غير متواجد حالياً


وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: رسالة معلم مغترب في وطنه


السلام على من اتبع الهدى

-شكرا لك خالتي الفاضلة ام عمر، دائما بصماتك حاضرة في كل مكان.

-أختي بلبلة، طلباتكم أوامر، و به النقل و السلام...لكن أود التذكير أنني لست متأكدا من أن هذه "الجيلالية" من كتابات الأستاذ "نور الدين شكردة"، لأنني صادفتها بالشبكة العنكبوتية و هي غير مذيلة بأي توقيع، فعلا هي رسالة معبرة و تحية إجلال لكاتبها.

تحياتي





التوقيع


هل جلست العصر مثلي ... بين جفنات العنب
و العناقيد تدلـــــــــــــت ... كثريات الذهب

آخر تعديل mustapham يوم 2009-12-18 في 18:28.
    رد مع اقتباس
قديم 2009-12-18, 18:31 رقم المشاركة : 5
بلابل السلام
بروفســــــــور
إحصائية العضو







بلابل السلام غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

وسام حفظ سورة الكهف

وسام المرتبة الأولى في مسابقة القرآن الكريم والتجو

افتراضي رد: رسالة معلم مغترب في وطنه


حقيقة حتى أنالست متأكدة ، ولكن هذه هي طريقة الأستاذ نور الدين شكردة والله أعلم





التوقيع


    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 08:36 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd