منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية (https://www.profvb.com/vb/f89.html)
-   -   نوستالجيا مكناسية (https://www.profvb.com/vb/t128019.html)

محسن الاكرمين 2013-08-31 19:27

نوستالجيا مكناسية
 
نوستالجيا مكناسية

جلست قاب قوسين من السور الاسماعيلي بباب كبيش ،اسندت ظهري بعزة على ماضي المدينة العتيد ،لحظة لاحت في مخيلتي مشاهد من الماضي ،لا اخفيكم سرا فهي لم تتلون بألوان طيف الحرباء ،بل اكتفت بالأبيض والأسود، اذا الامر نوستالجيا ماضوية ،ابتسمت لرؤية طفولتي بمدينتي ،وأنا اطوف حولها من محلة الزيتون الى وادي ويسلان وعراصيه ، حدائق الحبول، الى ضفاف وادي بوفكران...كم كانت مدينتي خلابة المنبت وجميلة الحدائق.
في عزة طوافي خبرت ذاتي عند تمام وقوفي بمحاذاة شجرة التوت بساحة باب الجديد قرب قبة "الشيخ الكامل " ، لم يمهلني شيخ لحيته البيضاء الممتدة الى صدره برده السلام علي، بل استطرد القول وطاردني بسؤال عن الزمان و مستجداته ، لم اتمالك كلماتي وعيناي تنظر الارض سيدي الفاضل زماني الحاضر تم تنكيسه عنوة ، تم تحطينه بالتهميش والتضييق ،انا من ابناء المدينة، جدي الاكبر ارتوى من ماء الزيتون وتغذى من نعيم غلة ونعيم الارض المعطاء ،خبرت الحياة الاولية بين باب كبيش والشراشر ودار المخزن "قصر ومتنزه عمة الملك الحسن الثاني رحمة الله عليهم أجمعين " لعبنا بمياه بوفكران سباحة، ثم تعلمنا اصول الدين بمسجد سيدي امبارك ...
استوقفني شيخي بضحكة لم ينفتح فيها فمه ،بل زاد الامر تعقيدا علي ،وما اتى بك الى محلة الشيخ الكامل ؟ نظرت اليه نظرة المتحسر وتلعثمت القول: سيدي الفاضل حسرتي على مدينتي حرقة ،حيث ما حللت وارتحلت يطاردني الاسمنت والأجور ...ألمي على أهل مدينتي حرقة التهميش الاجتماعي ،الحكرة الاجتماعية للمواطن المكناسي ....بكائي على الهديم "الحفير " الذي اصبح لا يفارق شوارع مديني ،حتى انهم شكوا في وجود النفط بباب بوعماير. رفع الشيخ رأسه حامدا لله على هذا الفتح المبين الذي خيره سيعم الساكنة والوطن، ولكن الواقع ارجعه الى رشده . لم امهله الوقت بل اردفت ان امر ما هو إلا تسرب للنفط من المحطة الموجودة بباب بوعماير وهو ما عجل بإجلاء شركات التنقيب عن النفط عودة الى ديارها ، والشروع في ترميم الارصفة درا للرماد في الاعين ....
وبينما نحن في جدال القول بين الماضي المجيد للمدينة والحاضر البغيض الذي تعيشه المدينة ، مر موكب جنازة باتجاه المقبرة ، وهم في استعجال من امرهم ،تمتم الشيخ بكلمات لم افهم منها إلا الدعاء الاخير للميت ، وبما ان الجنازة تجاوزت مكاننا ، طوح الشيخ بتفكيري مرة ثانية ، وما أمر موتاكم ؟ تململت من مكاني مسافة قدم ثم قررت المكاشفة ولو بعيوبها ،الموت سيدي بمدينة مكناس حط رحله واستوطن المكان ،انه يسكننا فرادى وجماعات ،موت الضمائر ، فساد الاخلاق ، انسداد في افق التنمية، فالموت الحقيقي سيدي رحمة بالأحياء المقهورين من سلطة الحياة نحو مراقد المقابر، وحتى هي لم تسلم من جفاء الاحياء فأصبحت مراحيض بدون اداء.
وأنا أعايش الظرف الماضي وابحث عن حلول اجرائية للحاضر الضاغط بعودتي المكرهة اليه ،لاح امامي طفل يركب قصبة وهو مزهو الحال ،شدني الامر جرا الى مفاتحته القول عن لعبته الحصان ،توقف امامي توقف الفارس الواثق من أمره ،مباغتا اياي بالقول انه أرفع حصان بالمدينة ، ابتسمت لقوله ،ثم سألته عن اسمه . فكر للأمر لان ذلك يستدعي الوثوق ،ثم اجابني بأنه حصان اقتطعه ابوه من اعلى قصبة من قصر المنصور بالروى ، كنت مدركا ان القصب لم يعد له وجود بالروى إلا ما قرب من المصلى ، ثم أردفت القول اليه الحمد لله الذي ابتدل الجياد بالقصب .لم يفهم من قولي إلا حسرة ماثلة في ملامحي. لم يمهله اخوه الطالب المعطل بل ضحك على لعبة اخيه الصغير بنبرة تهكمية ، انتبه اياك ان تسقط منه . ضحكنا جميعا ، وفتحت عليه ليلة القدر كي ينفس عن نفسه حسرة البطالة والكفاف الاجتماعي المكناسي . شحد لسانه على المعارضة والحكومة والوسط ، ثم تلا كلامه بالعولمة التي اصابت الاقتصاد الوطني والمكناسي بالركود كأنها تسونا مي مدمر . لم اكن انصت اليه فكلامه للمرة المائة قد شنف مسامعي ، لكني كنت اتابع الطفل الصغير في رغبته لفهم ما يجري في الحاضر ...في الوقت نفسه نادت الام على طفلها ملحة عليه ان يترك القصبة ، لكنه تنطع مع قصبته ورد على امه ان حصانه القصبة هو المنقذ من تسونامي العولمة الغول الاتي ، في الحقيقة لم تفهم الام ولا الطفل اي دلالة من الكلمات ، وإنما زادت من حدة نبرة صوتها لطفلها بطاعة الامر ...كنت اتابع الامر لاني لا اجد ما انشغل به إلا اسناد ظهري على السور الاسماعيلي وكأنني اسانده من تداعيات الحث الزمني ،اقترحنا على الطفل حلا وسطا وهو ان يترك حصانه تحت رعايتنا الى ان يعود، رغب بالأمر مترددا ولكنه فضله بدل ضياع قصبته الحصان في ظل النشل والسرقة المستشرية بالمدينة .
وبينما نحن قعود لاحت لنا بلغة الحاج كريشة ألقى بتحية نصفها تهكم عن المكان ،ما لكوم شدين السور واش خايفين يطيح؟
نظر الي الطالب المعطل وسألني عن حال "كوديم" لم امهله بتمام كلامه بل اجبته بان كلشي عندنا في مكناس طايح و مايل...استغرب الحاج بوكريشة الامر وأراد ان يدلي بدلوه في النقاش ،وماذا حل بالكوديم ؟ فرحت اقص عليه قصة الفريق المكناسي في الايام الخوالي"عبد الوهاب / لشعل /الدايدي/ لغويني واخوته /الحسين...." وكيف كان الفريق يصول ويجول في البطولة ،كنت مدركا ان مخاطبي لا يفهم من الكرة إلا الخير والإحسان ، ولكني اثرت الاطناب في القول حتى يمل من امر سماع قصة الكوديم والنزول الى اسفل الدرك.
وفي تمادي في الشرح بادرني الحاج بوكريشة القول ،ومن كان سببها حتى تخلفت عن الركب؟
لا اخفيكم سادتي الكرام الامر فكنت انتظر مثل هذا السؤال ،فسارعت في الجواب :ليس هناك سبب واحد بل هناك اسباب متعددة جعلت المدينة تخلف موعدها مع الانطلاقة التنموية ،انه التسيير السياسي للمدينة ،انه النكوص الاقتصادي بالمدينة ،انه الاختناق الاجتماعي لأهالي مكناس ،انه ناهبو المال العام ...احس الحاج بوكريشة ان الامر بدا يخرج عن السيطرة ،والتلميح يصيبه فجر بلغته تاركا وراءه الغبار المخيم على سماء المدينة...
ونحن نتداول امر سقوط المدينة وفريقها الى مرتبة الهواة ضمن المنظومة الوطنية ،صدح الاذان معلنا وقت الصلاة ...تركت مكاني، ورفيقي المعطل يرغد بالسب والدعاء البغيض لمن كانت له اليد الطولى في ترك المدينة تعيش الكفاف والنكوص نحو البداوة . ثم توجهت الى الجامع لعل الله يفك عن المدينة نحسها الساخط.....

محسن الاكرمين

ام ادريس 2013-08-31 19:55

رد: نوستالجيا مكناسية
 

بالتوفيق 2013-08-31 22:28

رد: نوستالجيا مكناسية
 
توصيف جميل

و حكي بعمق و ود كبير للمدينة و ما بداخلها

Abderrahman1 2013-09-01 02:12

رد: نوستالجيا مكناسية
 
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:A...q7mW9-4TFbfeZl


فعلا إنها نوستالجيا و رحلة بين زمانين و صورتين لمدينة جميلة ذات سحر أخاد ...

صورة المدينة التي تجمع بين البساطة و البيئة المعمارية التارخية و المعاصرة و العرصات و الأودية المخضرة التي تزهو و تقدم للناظر البهجة و الآمان فيشعر كأنه في الجنان و لو للحظة ... أزقة يفوح من أرجائها عبق الماضي و ملامح تنطق بروعة هاته اللوحة الفاتنة ...

ترك ـ بضم التاء ـ مصير المدينة لسلطان الإسمنت و البنايات الشاهقة التي حجبت الآفاق الهامسة بشظايا الأمس القريب ..و ازدادت الفوارق لتبدو مجالا للتناقضات المختلفة ...و أصبح أبناء المدينة المخلصون يتأملون ـ بروح حب الأوطان من الإيمان ــ متسائلين أليس من الواجب رسم استراتيجية شمولية للحفاظ على المكتسبات الحضارية و البيئوية ..لمكناس حتى تعود للواجهة بعيدا عن اجتثاث المساحات الخضراء و المعالم و الرموز ...


كتابة نابعة من قلب مكناسي حتى النخاع للأخ محسن الأكرمين ، الذي تتقاطع في نوستالجيته جوانب فكرية ،ثقافية ، إنسانية ..حضارية تدل على تكوينه الغني و ارتباطه بمدينة الزيتون ...في الحقيقة سافرت مع كل ما ذكر صورة صورة ..و أحسست أنها نداء لإنقاد هاته المعلمة من الضياع قبل فواة الأوان .


تحياتي


محسن الاكرمين 2013-09-01 16:48

رد: نوستالجيا مكناسية
 
تحياتي

الشكر موصول لكل من تجرع معي مرارة ساكنة مكناس حتى ولو بالقراءة ....الشكر الخاص للاستاذة ام ادريس على تشجيعها المتواصل للكتابات الحصرية ،وعطفها الحنون للابداع .....الشكر للاستاذ بالتوفيق على كلماته الدافعة الى المناولة الدائمة في الكتابة واخراج الحرف للتعبير والتفريج عن الذات .....الشكر للاستاذ objectif على رده الراقي والذي من خلاله احسست انني بلغت حرقة المكناسيين ...
الشكراليكم جميعا سادتي الكرام...

تحياتي


الساعة الآن 02:36

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd