... لا شيء يدوم على حاله ، أو كما يقال : (( دوام الحال من المحال )) . نزع الليل حداده عن غيوم صيفية عقيمة تلبس وجه الصباح ، تاركة فجوات واسعة لألسنة شمس غشت الحارقة ، التي لم تتأخر في لفح وجهه عندما استدار إلى جانبه الأيسر .
عيل صبره أمام إلحاح النوم عليه واشتداد حرارة تلك الشمس الصباحية ، ولم يجد بدا من الاستدارة مرة أخرى رغم الآلام العميقة التي يعانيها . قام من مكانه وتوجه صوب النافذة المشرعة . أراد أن يغلقها إلى الأبد . تبخرت كل أمانيه بين تلك النافذة وهذه الشمس . عاد إلى مكانه واستلقى على ظهره مستسلما لهذا الإزعاج الذي لم يتعوده . (( نواض بكري بالذهب مشري)) قولة قديمة قالتها له أمه أو جدته أو شخص آخر لا يذكر ذلك اليوم . رددها مرة أخرى فارتسمت على وجهه ابتسامة هازئة ، لم يتمالك إخفاءها حتى أعلنت عن نفسها عبر خياشيمه : بالذهب ᴉᴉ... وأين هو هذا الذهب ؟؟؟ من الذي أدخل هذه الفكرة الهروينية في عقول الناس ؟؟؟ ... الذهب لا يوجد في السماء ، حقيقة بديهية ، إذن هو في الأرض استنتاج منطقي ، هو شيء ثمين دون شك ، هو القيمة المعادلة للاستيقاظ باكرا . الذهب حقيقة أم مجاز؟ نعم هما معا عند رجلين عالم وشاعر : مستيقظ وحالم ؛ المستيقظ قد يرى الذهب إذن . ومعناه أن الذهب في الأرض : حقيقة واقعية. والحالم لا يراه إلا في الخيال : حقيقة مثالية . لا يهمه كل هذا التحليل والبحث عن الذهب . لقد كان يعلم أنه لن يملك مفاتيح معاقل الذهب أبدا ، لأنه يذكر جيدا كل أيامه السالفة حين كان يستيقظ باكرا ، حين توهم كباقي أقرانه أن هناك ذهبا ... لقد ضاع الذهب ، أو بالأحرى ضاع هو .