2013-08-25, 09:27
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | تدريس الأمازيغية: الدلالات والمعوقات - الأستاذ بودريس بلعيد | تدريس الأمازيغية: الدلالات والمعوقات - الأستاذ بودريس بلعيد
بودريس بلعيد
أستاذ باحث
شكل إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية في المغرب حدثا فاصلا بين مفهومين للوطنية وللتعليم على حد سواء.
فعلى المستوى الوطنين قطع المغرب مع الإرث الواحدي الذي تأسس تكتيكيا، في غمرة مواجهة شراسة الاستعمار التي كانت
تعمل على إماتة مكونات المغرب اللغوية والثقافية، والذي تحول بعد الحصول على الاستقلال، موضوعيا، إلى فعل إقصائي يخدم الإبادة
بدل التنمية. وأسس لمفهوم تدبير المتعدد والمتنوع والمختلف وفق مبادئ الحياة والتطور في مقابل إجراءات القتل والإماتة.
وعلى مستوى البيداغوجيات الحديثة (بالجمع ودون استثناء) شكل حدث إدماج الأمازيغية تفعيلا ممكنا لتمحور العملية التعليمية حول
المدرس من خلال الاعتراف به والانطلاق من مكتسباته السابقة نحو تطوير شخصيته دون حاجة إلى ترهيبه بنموذج براني يسحق كل
إمكانية للوجود الطبيعي وللتطور المتناغم لشخصيته. ومعلوم أن هذا الاعتراف هو الشرط الضروري للمساهمة الإيجابية للتلميذ في العملية
التعليمية التعلمية. ناهيكم عن كل النظريات المعرفية التي تتحدث عن ضرورة إدماج المعارف اللاحقة في الإطار المعرفي السابق،
من أجل بناء إنسان يجيد التفكير المنظم والمركب كما يتجلى في حل المشكلات واتخاذ القرارات المناسبة والتفكير النقدي والإبداعي.
حيث تشكل اللغة الأم المعبر الأساس لتحقيق هذا المستوى المعاصر (المؤسس علميا والمساهم في بناء الديمقراطية سياسيا)
من الأهداف البيداغوجية.
وعلى المستوى الثقافي، تجاوز المغرب مراودات النقص والتبعية من خلال احتلال تيفيناغ للمكانة التي تمتد من الحرف
(باعتباره إبداعا تقنيا صرفا) إلى كل الأعماق الثقافية والتداولية بدءا من المعمار دون الانتهاء بالوشم والحناء مرورا بكل المظاهر
الجمالية والإبداعية التي تشكل خلفية الشخصية المغربية والإفريقية الشمالية على حد سواء.
في هذا الإطار من التلخيص المفرط، يمكن الحديث عما تحقق في تدريس اللغة الأمازيغية على المستويات التالية:
على المستوى التربوي: مكن تدريس اللغة الأمازيغية من إدخال البهجة إلى القسم المدرسي في المغرب. إذ أن كل المعاينات، ودون استثناء،
تؤكد أن درس الأمازيغية كان لحظة تعلم فعال بامتياز. فسواء تعلق الأمر بالتلميذ الناطق بالأمازيغية أو غير الناطق بها، فقد حققا معا
الرقم القياسي في سرعة التعلم والاكتساب، وبأكبر نسبة من الفرح والانخراط.
على المستوى الديداكتيكي: مكن درس اللغة الأمازيغية من فتح الباب العلمي للتداول في ديداكتيك اللغات، بما في ذلك القيمة النوعية المضافة
لديداكتيك العربية. ذلك أن دخول اللغة الأم إلى المدرسة، لأول مرة، قد مكن من إعادة الطرح الأكثر نجاعة لمشاكل تدريس اللغات في النسق
التعليمي المغربي. وهكذا تم تصحيح (دون تعميم طبعا) مفاهيم اللغة الأم والتعلم والاكتساب والتمكن والنجاعة اللغوية والفهم والإنتاج اللغويين
وعلاقة اللغة بالفكر، وما إلى ذلك مما لا يمكن لديداكتيك اللغة أن يستقيم دونه.
على المستوى الثقافي والاجتماعي: أعيدت الجسور، التي دكت خطأ، بين المجتمع المغربي الفعلي والمدرسة. وتم تدشين مسار مساهمة
المدرسة في تطوير المجتمع المغربي بدل نسفه واستبداله بالغير دون سبب موضوعي. وصار بالإمكان تفتح المدرسة على المجتمع المغربي
ونهاية خوفها منه وإشهارها لعدائها له. وهكذا صار بإمكان التلميذ أن يسأل أبويه وأسرته وجيرانه عن مكونات لغوية معجمية أو تركيبية
أو دلالية في تناسق تام مع أهداف المدرسة التنموية في إطار الحق في الكينونة وفق مقتضيات الكرامة الإنسانية.
إن الانتقال من النسق التعليمي التقليدي، المؤسس على مفارقة المدرسة للمجتمع، الذي تمثل، في المقام الذي نحن بصدده، في إدماج اللغة
الأمازيغية في المنظومة التعليمية، لم يكن ليمر دون عوائق. لأن استبدال النظر القبل ديمقراطي (على المستوى السياسي) والقبل علمي
(على مستوى الوعي البيداغوجي والديداكتيكي النظري) بالتدبير المؤسس الإقرار الديمقراطي والفهم العلمي اصطدم بمقاومة التداعيات
القديمة خصوصا منها التمييزية والإقصائية والقبل علمية. لذلك يمكن اعتبار ما لم يتحقق، نتيجة (غير عادية من الناحية السياسية)
لاستمرار تبعات الاستلاب الغرباني أو الشرقاني؛ أي التفعيل السياسي لوضعية الشعور بالنقص وتكريسها. مع ما يعنيه ذلك من استمرار للمفهوم
التقليدي للتربية والتعليم كاستمرار لعدم التمييز بين البناء والهدم، بل وإنجاز الهدم تحت يافظة البناء. وفي هذا الإطار تندرج كل العراقيل المالية
(عدم تخصيص ميزانية للنهوض بالمشروع) والإدارية (عدم احترام تطبيق المذكرات) والتربوية (عرقلة التكوينات والحد من تعميمها كما
ومن فعليتها كيفا)...
ومع ذلك لا يمكن للإنسان المغربي إلا أن يشعر بالاعتزاز وهو يعاين احتضان المدرسة المغربية (الممولة بعرق أكتاف المغربيات والمغاربة)
لأحد مكونات المغرب اللغوية والثقافية وتدشين مسلسل النهضة اللغوية والثقافية. لأن تدريس اللغة الأمازيغية هو أحد المداخل الرئيسة
من أجل تعليم منتج وفعال يمكن من تجسيد فرص نمو الذات المغربية في إطار الانتماء لقيم المساواة والإنصاف والتطور المتوازن والمتكافئ.
في هذه السيرورة، يأتي الدستور الجديد، معترفا بالأمازيغية لغة رسمية، مكرسا بذلك الإرادة السياسية الصريحة في بناء ممارسات ديمقراطية
ومنصفة ومتجهة نحو الأفضل. تختلف في فلسفات التدبير ومرجعياته ولكنها لا تختلف في الهدف الذي يظل مؤكدا دون التباس وهو:
جعل التربية والتعليم أحد المسالك المهمة لتطوير وتنمية الذات القادرة على رفع تحدي المنافسة العالمية من أجل عالم يضمن جميع
الحقوق للجميع. | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=674932 آخر تعديل خادم المنتدى يوم 2013-08-25 في 09:30. |
| |