المهاجر المهاجر نشأ الزاكي مدللا بين أفراد أسرة تشبعت بتقاليد القبيلة الصارمة ، فرضت على الإناث التفرغ للتربية وتدبير الأشغال داخل البيت . وعلى الذكور السعي لكسب الرزق . تفوق الطفل في دراسته وتميز بذكائه ، إلا أن والده اختار له الانضمام في سن مبكرة إلى ورشة العائلة التي تتوسط أحد الأحياء المهمشة بالمدينة . بها أتقن السباكة والتلحيم مع بعض المعلومات عن ميكانيك المحركات . ارتياح الأب يزداد مع نمو الفتى . واطمئنانه على الورشة ومستقبل العائلة يكثر بما أحرزه ابنه " المعلم الزاكي " من خبرة مهنية وقدرة على التدبير والتسيير . طموح الفتى يسابق تراكم سنوات عمره . يتتبع بإعجاب المهاجرين من أبناء مدينته ، العائدين بسيارات فارهة ، المدمنين على اللهو والتبذير . يشاهد أنهم يعودون بحقائب الهدايا النفيسة ، ويعتقد أن لديهم أرصدة بنكية لا تنفد ... يتوق ليعمل على التأسي بهم . يطمح إلى امتلاك آخر أنواع السيارات الرياضية الجذابة ، يطوف بها على دوره الفسيحة ، المتواجدة بمدن شاطئية عديدة . وإلى التوفر على العديد من الحسابات بأشهر البنوك وأعرقها . عندها سيقتني لكل يوم بذلة ومع كل بذلة زوجة ... لا زال عمره المتدحرج نحو السنة السادسة عشرة يحول دون إتمام وثائق وإجراءات السفر خارج الوطن . اقترح عليه أحد أقاربه التوجه نحو الجنوب حيث تتيسر عمليات الهجرة الجماعية في اتجاه بعض دول الأورو . تسلل عبر الكتبان والواحات وأقام هناك بالعاصمة مختفيا بضعة أيام ، يشتغل بإحدى الشركات . يبحث بجد عن الذين سيسهلون عملية عبوره . تلقى عدة وعود بمختلف الشروط ، اختار أيسرها ورحل ممتطيا جنح الظلام . قبل انبلاج الضياء ، حطت القافلة بمركز لانتظار العتمة القادمة ، لمتابعة المسير استلقى بكوة خيمة ، يئن من تعب الطريق ، بعد غفوة أفاق على صوت ملثم يخبره بأن القافلة التي وفد معها رحلت . وعليه أن ينتظر وصول قافلة أخرى . انتفض ... مشدوها ... متسائلا .. وكم ستكون مدة الانتظار ؟ لا تقل عن شهر أو شهرين وقد تمتد إلى عدة شهور . شعر بضياع يلفه بإحكام . سرت عبر عروقه وتعاقبت أمواج الفشل والإحباط . ثم نهض متثاقلا يستطلع المكان . خيام مرصوصة في صفوف طويلة ، يقطنها رجال ونساء وأطفال ذووا وجوه كالحة ، وأعين متحجرة ، وبشرة متفحمة ، لغاتهم مختلفة ، توحدهم الإشارة من أجل التخاطب والتفاهم ، وراء كل منهم عالم من الأسرار والفواجع . أحياء الخيام مسيجة بجدار من الأسلاك الشائكة . الممرات كلها مغلقة ، والأبواب موصدة محروسة . قبل زوال قرص الشمس ، شاهد عربات مجرورة أو مدفوعة تطوف عبر الدروب والأزقة ، اقترب منها فأمره أحدهم بالعودة إلى خيمته قبل ضياع حصته من الطعام . الطعام قليل والماء نادر ولن يتسلم إلا وجبة واحدة مع قنينة ماء صغيرة عن يوم بليله . لقد حاول الهرب مرارا فلم يفلح ، وضع داخل مستودع السيارات المعطوبة ، وأمر بسبك وترميم بعض أجزائها . تساءل مع نفسه .. من أخبرهم بحرفتي ؟ سأشتغل مكرها وسأبحث دائما عن وسيلة للنجاة . لا أدري ما الذي حل بأسرتي بعد رحيلي . استعاد بمخيلته أيام دراسته وفترة اشتغاله إلى جانب والده . ومستوى النعيم الذي عاش فيه بهجة دائمة ، وسعادة شاملة . يأكل حتى بعد الشبع ، ويشرب متى شاء وقدر ما شاء . يستحم في كل وقت ، ويتصرف داخل أسرته الآمر الناهي بعد أبيه . هجره النوم فجلس يبكي ويردد آخر كلمات أمه وهي طريحة على سرير مرض الموت . أصبح منهكا من الأرق . لم يلتحق بعمله الجديد . مر به أحدهم يصيح ويتوعد ، فعنفه على تأخره وحاول ضربه . انتزع الفتى منه العصا ، وهوى بها على رأسه . فسقط أرضا مدرجا بالدماء . سيق إلى السجن . فقال : وأي فرق بين خيمة الإقامة وخيمة السجن ؟ نقل أحدهم همسه ، فحكموا عليه بالأشغال الشاقة المهينة وأولها : إفراغ الحفرة الضخمة المخصصة لاستقبال مياه الصرف الصحي للمراحيض . رفض تنفيذ العقوبة . انتابه هيجان . فقد التحكم في أعصابه . أخذ يشتم ويهدد ويتوعد . فأخذه ثلاثة أشداء ، وألقوا به وسط حفرة الصرف الصحي ، فهوى وسط محتوياتها إلى أن لفظ أنفاسه وكانت له المثوى الأخير. |
رد: المهاجر .أحسنت أحسن الله اليك القناعة كنز لا يفنى. تقديري |
رد: المهاجر ************************* شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك... **************************** |
رد: المهاجر الفاضل a khouya مشكور على الاهتمام والتتبع والتشجيع |
رد: المهاجر الفاضل خادم المنتدى مشكور على الاهتمام والتتبع والتشجيع |
الساعة الآن 12:11 |
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd