منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - هل يقضي دفتر - التتبع الفردي للتلميذ- على الهدر المدرسي والتكرار؟

استدعت نيابة الناظور بالجهة الشرقية بعض أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي قصد "تكوينهم"، في إطار "خلايا اليقظة بالمؤسسات التعليمية حول التتبع الفردي للتلاميذ". ويندرج هذا التكوين السريع ،الذي لم يدم إلا يوما واحدا، في مشروع رقم 5 للمخطط الاستعجالي، ويسعى هذا المشروع ذي الرقم 5 لتحقيق هدفين ثقيلين هما القضاء على الهدر المدرسي والتكرار. ولتحقيق هذين الهدفين الثقيلين ابتدع المخطط الاستعجالي دفترا، سماه دفتر "التتبع الفردي للتلاميذ" واسم الدفتر كاشف عن مهمته، ألا وهي تتبع حالة المتعلم العائلية والاقتصادية والصحية والتعليمية. وهذا التتبع الدقيق مسند للمدرسين، إذ أصبح عليهم أن يتقصوا ظروف تعلم التلميذ، فعليهم أن يبحثوا عن معلومات شخصية تهم المتعلم، مثل اسم الأب والأم ومهنتيهما، وهاتف الأب وعنوان الأسرة. وعليهم أن يتتبعوا حله وترحاله كي يعرفوا أين كان مستقره وأين هو الآن؟
ثم على المدرس أن يعرف هل يستفيد المتعلم من الإطعام المدرسي؟
وهل يستفيد من الداخلية أو دار الطالبة؟
وهل يستفيد من النقل المدرسي؟
كما على المدرس أن يعرف هل يساعد المتعلم في أعمال البيت ورعاية الأخوة الصغار؟
وهل يتوفر على مكان الدراسة في البيت؟
وما عدد الإخوة الممدرسين حاليا؟...
كما على المدرس أن يتعرف الحالة الصحية للمتعلم: هل يعاني إعاقة جسدية؟
وهل المتعلم مصاب بمرض مزمن؟ هل نظره ضعيف ؟ هل سمعه ضعيف؟ هل له مشاكل في النطق؟
كيف هو سلوكه: عدواني أو انعزالي؟... وعلى المدرس أن يعرف هل المؤسسة بعيدة عن المنزل؟
وهل المتعلم يجتاز مسالك صعبة؟ وهل في المؤسسة مرافق صحية؟
وهل توجد في منطقته فرص عمل مبكر؟...وعلى المدرس أخيرا أن يقيس مدى تمكن المتعلم من الكفايات المرتبطة بالموارد والكفايات المنهجية، والكفايات التي تخص الجانب الشخصي والاجتماعي، مثل الثقة بالنفس والتعامل مع الآخر والاستقلالية؟...
وقيل إن غرض هذه "الهلهلات" كلها هو معرفة سبب الهدر المدرسي والتكرار! أبادر فأقول إن المدرس والناس من حوله جميعا يعرفون أسباب الهدر المدرسي والتكرار، وليس المدرس والناس في حاجة إلى أن ينتظروا هذا التفتيش كي يكتشفوا بعد الإجابة عن تلك " الهلهلات" سر انقطاع المتمدرس عن الدراسة والتكرار فيها. فأسباب الهدر المدرسي ليست أسرارا تحتاج إلى كل هذا البحث الطويل. فنحن مثلا في بلدة عين الزهراء التابعة لنيابة الناظور نعرف جميعا ولسنوات ماضية عديدة أن المتعلمين والمتعلمات، المجتهدين والمجتهدات والمهملين والمهملات ينقطعون عن الدراسة إما لبعدهم عن المؤسسة وغياب وسائل النقل المدرسي، وإما امتثالا لأوامر آبائهم وأولياء أمورهم، الذين وثقوا أن التعليم لن يحقق لهم أي مستقبل مادي... لذلك فالتعليم عند من لهم هذه الثقة ما هو إلا مجرد محطة انتظار...انتظار هجرة البحث عن العمل في الخارج أو الداخل. وهدف مرحلة الانتظار معروف. ولهذا السبب الأخير لا يهتم جل المتعلمين بدراستهم. ومن ثم يصبح النجاح والرسوب عندهم سيّان. هذه حقيقة الهدر المدرسي والتكرار في عين الزهراء، وقس هذا على معظم المؤسسات التعليمية في وطننا العزيز. إن أهم أمر يبرر به متعلمو المغرب تهاونهم في الدراسة وانقطاعهم عنها هو انسداد آفاق التعليم، وهذه مشكلة فكرية معقدة لم يُشَرْ إليها في " الهلهلات" السابقة، فلم يقولوا هل للمتعلم رغبة في الدراسة؟
بل لم يقولوا لماذا فقدت الرغبة في التعلم؟
إن غياب الرغبة سبب حقيقي في مشاكل التعليم كلها، وعلى هذا ينبغي على المهتمين بالتربية والتعليم أن يعالجوا هذه المشكلة بحلول واقعية محسوسة، ولا أقصد هنا الحل المادي وحده، بل على المربين خاصة أن يقنعوا المتعلم بأن التعليم مفيد لهم في حياتهم الشخصية، وأن غرض التعليم لا ينحصر في الحصول على وظيفة عمومية. إننا إذا استطعنا أن نقنع المتعلم والناس كافة بأن للتعليم فوائد، وأنه هو سبيل الازدهار والرقي، آنذاك يمكن أن نحارب الهدر المدرسي والتكرار. من الواضح جدا أن هدف القضاء على التكرار هو الرفع من نسبة الناجحين، ومما لا شك فيه أن هذا الهدف يكرس الجانب الكمي في التعليم على حساب الجودة، والجودة شعار كان مرفوعا في الأمس القريب.
فإذا كان الرفع من نسبة النجاح عنوة هدفا متهافتا عليه، فهذا في ملتي واعتقادي نجاح مغشوش، إن ما يحتاجه التعليم هو أن نشجع على الاجتهاد المؤدي إلى النجاح والتفوق، أما أن نعمل على أن يكون النجاح سهل المنال أو حقا ضمنيا من حقوق المتعلم فهذا لا قيمة له ولن يزيد التعليم إلا خبالا. إن ما يؤسف له أن يجاري المدرسون هذا الهدف، فيسارعوا في "نفخ" نقط المتعلمين قصد الرفع من نسبة النجاح، وإنه لمن الظلم القبيح أن ينجح المتعلم بنقطة مغشوشة لا تعبر عن مستواه الحقيقي. ويبدو أن الظاهرة تفشت، فأصبح المتعلم ينجح بمعدل مرتفع، وإذا قست مستواه في أي مادة شئت لملئت منه رعبا ولوليت منه فرارا. وقضية الغش من القضايا التربوية التي يطول الحديث فيها، وما يمكن قوله باختصار حولها هو أنها تحتاج للقضاء عليها إلى جرأة وشجاعة. وقد بينت أنواع الغش وأخطاره على المتعلم في مقال منشور بجريدة الشروق. العدد 13. 12 ماي 2008. أيها السادة إن أسباب الهدر المدرسي والتكرار واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، إن ارتفاع نسبة المنقطعين والمكررين يرجع إلى:
1- غياب الرغبة في التعليم.
2- قسوة ظروف المتعلم الاقتصادية والاجتماعية.
3- الغش المتمثل في إنجاح ما ليس حقه النجاح، ومن ثم يصبح المتعلم عاجزا عن مسايرة التعلم في مستوى متقدم.
4- الحرية الزائدة التي منحت للمتعلم، حيث أصبح بفضل القوانين والتشريعات متحررا لا حرا، فانفلت الأمن والانضباط داخل القسم، وذهبت سلطة المدرس أدراج الرياح، فلم يعد من حقه أن يُخْرِجَ المتعلم من القسم إذا لم يكتب دروسه أو إذا لم يحضر كتابه، ولا حق له في أن يعاقبه ،عقابا ماديا أو معنويا، على الكلام الثنائي والثلاثي والرباعي...أو عدم الانتباه داخل القسم ...فكل ذلك داخل في شؤونه الداخلية فلا حاجة للمدرس أن يتدخل فيما لا يعنيه! ومما ينبغي الإشارة إليه أخيرا هو أن دفتر " التتبع الفردي للمتعلم" يحتاج إلى تفرغ تام لتعبئته، وهذا معناه أن يترك المدرس القسم وما يتطلبه إعداد الدروس ليضرب في الأرض بحثا عن أباء وأمهات المتعلمين ومكان سكناهم وعدد الأبناء المتمدرسين منهم وغير المتمدرسين، ولعل هذا العمل خارج عن اختصاص المدرس. ويظهر أنه من اختصاص "المقدمين" و"الشيوخ". كما أنه ليس من اختصاص المدرس أن يفحص الحالة الصحية للمتعلم... إن ملء هذا الدفتر يستدعي شخصا لا شغل له، ومعلوم أن المدرس ليس من الذين لا شغل لهم، وبناء عليه فإما أن يسند هذا العمل إلى من لا شغل له وإما أن يسند إلى المدرس بشرط أن يهجر عمله الأصلي وهو التدريس.

العوني احميدة
www.oujdacity.ma 18.12.2009