منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   القصة (https://www.profvb.com/vb/f214.html)
-   -   جهر الشرود (https://www.profvb.com/vb/t127349.html)

أبو سامي 2013-08-12 23:41

جهر الشرود
 
مرت أيام قليلة ، كأنها شهور ، على آخر لقاء بينهما . ذلك اللقاء الذي كان بمقهى "الداوليز" ، حين كان يحدثها عن الحب ، وكانت تحاول إفهامه معنى الطهارة ... كان ساعتها يرحل عنها بذهنه إلى أعماق نهر أبي رقراق ، يغتسل من كل أدرانه ، ويعود إليها صبيا يقرأ على شيخه سورة الرحمان ، ولا يعلق بخلده إلا آية (( فبأي آلاء ربكما تكذبان)) . تنغص عليه تنبيهاتها لذة شروده المتكررة إلى نساء كثيرات غيرها . كان يحكي لهن عن الحب والإخلاص والوفاء ... كان يقسم لهن ـ صادقا ـ أنه سيحبهن مدى الحياة ... ثم جاء الفراق وطواهن النسيان .. لماذا نسي من عرف قبلها ؟ أهي سخرية الحياة ؟ أم أن منطق السن سيعلمها ما تعلم هو ؟ أتكون امرأة جديدة في حياة رجل جديد ، كما كانت امرأة جديدة في حياته هو مكان نساء كثيرات قديمات ؟.
يا لبحر هذه الحياة الغريب الساحر بأنواع الكلام ᴉ ؛ صدق وكذب ، حب وكراهية ، جمال وقبح ، حرية وقيد ، سر وعلانية ، صراحة ونفاق ... وتستمر عجلة الزمن في الدوران إلى ما لا نهاية ، وهما يبحثان لنفسيهما عن موضع آمن بين محطاتها . هل هما الآن في أمان بين دواليبها ؟ يسألها ولا ينتظر ردها .
مرة أخرى ينتفض من ذهوله على سؤالها الملح :
ـ ما بك هذا اليوم كثير الشرود؟
يطمئنها على حاله ، ويعود لسماع براءتها ، براءة حمامة غريرة في كهف النسور . يريد أن يحضنها تحت جناحيه ، لكنه يخاف على نعومتها من خبث أظافره . يريد أن يبني لها سدودا كهربائية تكوي كل من سولت له نفسه إيذاءها ، لكن لغته تتعطل تحت قبضة أسنانه ... يخشى لو صارحها أن ينفرها ، لا كبرياء منه أو اعتزازا .. وإنما لأنه دفن حبه منذ زمن ، بل إن من سبقتها خدعت إيمانه ، فجرته ، على الرغم منه ، إلى الرذيلة ، فأصبح لا يفهم معنى الحياة ، لا يفطن إن كان مقبلا أو مدبرا ، إن كان متبصرا أو يهيم في ظلام حالك ... غابت عنه كل الشموس ، فآمن أن من سبقتها كانت مثلها ...
تحدثه عن العقل والمنطق والعلاقة والصداقة والطهارة ... عن كل ما تغنت به قرائح الشعراء في الحب . أليس قلب الشاعر هو قلب إنسان ؟؟ أليس هو من خلق هذه الأشياء وهو من يخنقها ؟؟ أهي الطبيعة البشرية الحرباء ؟؟ . الأحاسيس والأفكار سلع معروضة للبيع ، لمن يدفع أكثر، وهي تحدثه عن الإنسان الذي لا يبيع أحاسيسه حتى ولو كان خسيسا . لا أحد يتمنى أن يعيش كالصخرة الجامدة التي لا تحس بجمال الزهور والورود المتفتحة جانبها .ما يعتقد هو الان أن الإنسان قد يتحكم في أفكاره وأحاسيسه تارة ، ولكنها قد تتحكم فيه هي تارة أخرى ، أما الصداقة عنده فهي فراشة شديدة النعومة لا تتحمل كثرة الشروط ، وتنتحر بمجرد ما تلمسها الأيادي غير النظيفة . ترغب في أن تراه كما تشاء ولا ترغب في أن يراها كما يشاء ، أي عدل ذاك ؟ من منهما الذئب ؟ ومن منهما غزال الغدير ؟؟؟
تتمنى له أن يكون سعيدا . أيصرخ ملء فمه :
ـ يا هذه الدنيا الذميمة ، لك الويل ، لماذا أنا فيك غير سعيد ؟
يا لسذاجة صراخه ، أليست السعادة في قاموسه ـ إن كانت موجودة حقا ـ لحظة قصيرة مثل لمح البصر أو هي اقصر ، متبوعة بالضجر والملل واليأس والقنوط الجاثمين على القلوب ؟ وهل تعرف هي من عاش كل حياته سعيدا حقا ؟ إن السعادة عنده أشبه بالشبح والطيف يلهث الإنسان وراءهما ، فإذا بها قطار سريع يحمله كالسكران إلى خنادق الأسى والتحسر . لو ارادت الحقيقة فالسعادة في اعتقاده غير موجودة إلا في المخيلة . السعادة فقدت يوم خرج آدم وحواء من الجنة . وبعد ذلك كل ما يوجد بالدنيا هو الشقاء ، وما يعيشه المرء في حياته هو الانتقال من شقاء إلى شقاء ، وبين شقاء وشقاء يظن نفسه سعيدا . يسألها :
ـ هل أنت سعيدة ؟
لا ينتظر ردها ، يجيب عنها :
ـ لا شك أنك تتمنين أمرا ما لكي تكوني سعيدة ، وفي غياب ما تسعين إلى تحقيقه فأنت شقية ، وحتى لو تحقق مناك ، هل ستكونين سعيدة ؟ قطعا ، لا . لأنك ستتمنين أمرا آخر ، وهكذا ...
ما نظنه سعادة ، ما هو في النهاية سوى شقاء يبدل جلده كثعبان ، وبين بدلة وبدلة يظن المرء أنه سعيد .
ألا ما أغرب هذه الحياة الشبيهة بمتجر الزياء ، يدخله الإنسان ويختار منه أجمل وانفس ما فيه من لباس ᴉᴉ ولكن هل تدوم تلك الملابس على حالها ؟؟؟

أم الوليد 2013-08-13 12:31

رد: جهر الشرود
 
سلمت أناملك أخي الفاضل

دمت متألق

خادم المنتدى 2014-08-21 08:16

رد: جهر الشرود
 
-*************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك...
-*************************-


الساعة الآن 02:57

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd