2013-08-05, 02:28
|
رقم المشاركة : 1 |
 إحصائية
العضو | | | 
|  فخامة البغل
|  |
فخامة البغل
بقلم : م. عزام حدبا
كانت المزرعة تعيش في سلم وأمان، إلى أن سافر صاحبها يوما إلى المدينة، وتركها في حماية كلبه الوفي هواش، إذ أن وحوش الغابة ما إن علمت بهذا الحدث حتى انتدبت حكيمها الثعلب "مكار" ليحدث فتنة فيها، تؤهلهم ليصولوا ويجولوا فيها بدون أن يتّحد سكانها ضدهم..
كان هذا الثعلب على قدر المسؤولية، فانسل إلى المرعى المجاور للمزرعة، حيث كان البغل بغلون يجتر الحشائش الخضراء اليانعة، فقال له وهو ينحني احتراما: يا سعادة البغل المبجل والجحش الموقر.. يا سليل أسرة الخيول العربية الأصيلة.. يا مغوار ساحات الوغى، و مناور ميادين السلم، أتقدم إليك بأسمى آيات الاحترام والولاء."
التفت البغل حوله ليرى إن كان الثعلب يكلم شخصا آخر. فلما لم يجد أحدا سأله: "أتكلمني أنا ؟؟"
"طبعا، ومن غيرك هنا يستحق هذا الوصف ، يا من يشرفنا التبرك بغبار حوافره الزكية."
"شكرا شكرا... أنت أول من يقدرني في هذه المزرعة.."
"طالت أذناك يا سيدي.. ذلك أنك موهبة دفنها التواضع، و جوهرة خامٌ لم تصقل بعد"
لم يكن البغل يفهم كثيرا هذه التعابير الرمزية، فسأل مستفهما: "يفترض أنك تمدحني بهذا الكلام.."
"بالطبع سيدي.. ولا أرى غيرك بديلا لقيادة الرعية في مزرعتنا."
انفرجت أسارير البغل وقال: "لكن أنا لم أفكر يوما بالرئاسة.."
"طال ذنبك يا سيدي.. زدتني رغبة بترشيحك، فطالب الولاية لا يولى.. "
"شكرا لك.. لكن ما هدفك من دعمي؟؟"
"أبدا.. إنها محبة مجردة وخالصة .. فأأأنا لا يهمني إلا العيش تحت جناحك الكريم.."
جناحي؟؟ وهل تراني دجاجة أو غرابا؟؟
"سيدي وتاج رأسي.. قصدت أن تحميني بظلك.."
قال البغل بتعال "لا بأس. لا بأس . ممكن تسير دائما في ظلي لتحتمي من أشعة الشمس.." ثم تابع "ولكن أحب أن أحيطك علما أنني ترشحت فيما مضى لمركز نائب رئيس عمال النظافة, ومع ذلك خسرت الانتخابات، ولم أنل أي صوت.. فكيف أربح رئاسة المزرعة؟؟"
قال الثعلب مستغربا: "لم تنل أي صوت!!... ألم تصوت لنفسك؟؟"
ضرب البغل بحافره على جبينه، وقال "ما أغباني.. لقد صَوتُّ يومها للبقرة طرمانة.. على كل حال.. لا يهم فقد خسرت بفارق كبير من الأصوات.. فلم يكن صوتي ليقدم أو يؤخر"
ابتسم الثعلب وقال في سره "عز الطلب.. سيكون هذا البغل مطية لنا، فغباؤه يفوق كل تصور" ثم أردف بصوت عال: "لا تهتم ولا تغتم وضَعْ حوافرك في مياه باردة.. إن إخفاقك السابق كان بسبب ضعف حملتك الانتخابية.. ولكن اطمئن فلقد حزتُ لتوّك على أفضل مدير للحملات الانتخابية في العالم.. "
"حقا!! أين هو؟؟ عرفني عليه أرجوك.."
"انه أمامك.."
تناول البغل من بردعته نظاراته الطبية، ونظر حوله فلم ير أحدا غير الثعلب.. فسأل: "أتراه حشرة لا ترى بالعين المجردة؟؟ "
"لا يا فخامة الرئيس المقبل.. طالت أذناك.. إنه أنا.."
تصنع البغل اللامبالاة وقال "نعم أعرف.. كنت أمازحك فحسب.."
جرت انتخابات حماسية، ومنافسة شديدة بين هواش وبغلون،وعلى الرغم من أن الكثيرين صوتوا لهواش إلا أن نتيجة الانتخابات جاءت لمصلحة بغلون, الذي حاز على نسبة تسعة وتسعين في المئة من الأصوات، ولا عجب فقد كان المشرف على الانتخابات لجنة اختيرت من سكان الغابة، نظرا لحياديتها المزعومة.
هتفت الغنم "قائدنا إلى الأبد البغل أبو ذنب" مع أنها صوتت في الأصل لحارسها الأمين هواش.. وتقدم الغراب "مشؤوم" فقال فيه قصيدة مطلعها: "مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معا كجلمودِ بغلٍ حطهُ السيلُ منْ علٍ".
لم يصدق الحمار صابر آذانه الطويلة للوهلة الأولى, فنهق نهيقا أجفل سكان المزرعة، وصرخ قائلا "أبشروا يا ناس.. تعبت ولقيت... ها هو ابني يحمل اسمي عاليا، ويعوضني عن الذل والهوان الذي لقيته في حياتي.." ثم أردف بفخر "ذاك البغل من هذا الحمار.." وكان اللقاء بين الوالد والابن حميما ودافئا حيث أخذه بغلون بالأحضان، وانهمرت الدموع من الطرفين وأصر "بغلون" على أبيه أن يبقى معه أثناء حفل التنصيب ليجلس عن يمينه، فقبل الأب الدعوة شاكرا، وانصرف إلى حظيرته ليستعد لليوم الموعود.. إلا أن الثعلبالمكار كان بالمرصاد فتنحى بالبغل جانبا وقال له: "فخامة الرئيس، لا يليق بك أن تقف جنبا إلى جنب مع أحقر حيوانات المزرعة.. أنت سليل الخيول العربية الأصيلة في نظر شعبك، فليس من اللائق تذكيرهم بأنك ابن حمار.. انا رأيي ان نجلس قربك خالك الحصان"
"ولكنه والدي تعب بي ورباني.."
"ونعم التربية.. له عليك أن تبره وأن تخفض له جناح الذل.."
تعجب البغل وقال "جناح مرة أخرى؟؟ هل تراني طيرا أم دجاجة؟؟"
"أقصد أنك ستكرمه كل الإكرام وتخصص له جناحا.. عفوا عفوا .. اقصد غرفة فسيحة في إصطبل خمسة نجوم , شرط أن يقطع صلته بك، ولا يظهر في وسائل الإعلام.."
وهل من اللائق أن أتصرف هكذا؟
قال الثعلب : "أنت الآن زعيم، ويجب أن تفكر كزعيم.. وإلا فكما انتقل الملك إليك.. ينتقل عنك.."
قال البغل بجزع : "لا..لا.." "أنا مستعد أن أضحي بكل شيء من أجل الحفاظ على هذا الكرسي.. "
ابتسم الثعلب إذ أيقن أن البغل أصبح طوع بنانه فتابع قائلا: "سيدي، يتوجب علينا أن نقص أذنيك أيضا.."
بهت البغل وقال "ماذا تقول؟؟ وكيف أسمع عندها؟؟"
"لن نستأصلها كلها بل سنقصرها فقط.."
نظر البغل بعينه إلى الأعلى ليرى شكل أذنيه، وقال: "لماذا؟؟ الم تمدح جمالها منذ فترة؟؟ ألم تكرر كل هنيهة عبارة "طالت أذناك؟؟"
أجابه الثعلب بخبث، "نعم.. نعم آذانك جميلة جدا.." "ولكن للأسف هذه آذان حمار, ونحن نريد أن نقطع كل صلة لك بهذه السلالة.."
قال البغل بكبرياء: "صدقت صدقت.. أنا سليل الخيول العربية الأصيلة .. لا يليق بي أن أشابه الحمير.." ثم أردف بجبن ظاهر "ولكن هل تؤلم هذه العملية؟؟"
"أبدا , أبدا.. إنها كغرزة الدبوس" قال الثعلب والابتسامة لا تفارق شفيته.. ثم إنه قص أذني البغل، واحتفظ بهما في خزانته لغاية في نفسه.
وبعد يومين قام الثعلب بحفل تتويج أسطوري للرئيس الجديد, وسط بهجة الغنم التي صفقت, ورقصت طويلا لحاميها الجديد.. ولم تمض لحظات على الافتتاح حتى قدم الحمار "صابر" متأنقا وقد لبس بردعته الحمراء، ممنيا النفس أن يجلس على يمين ابنه.. ولكن الحراس منعوه قبل الدخول إليه وسخروا منه.. فقال لهم "ويلكم !! أنا والد الرئيس!!" فما كان جوابهم إلا مزيدا من الاستهزاء والتهكم.
نظر صابر إلى ابنه لعله يتحرك أو ينهر الحراس، فلم يحرك ساكنا، ولم تبدُ منه أية علامة تأثر، أو اعتراض، فانصرف وهو حزين، واعتزل في حظيرته، واقسم إلا يغادرها إلا محمولا على النعش..
مضت الأيام ودارت السنون، وظل البغل حاكما صوريا على المزرعة، ينفذ مخططات الغابة من حيث يشعر او لا يشعر إلى أن حانت اللحظة التي قررت وحوش الغابة أن تحكم المزرعة بشكل مباشر، فاستغنت عن خدمات البغل بعد ان اثبتوا للناس انه ابن حمار بدليل الاذنين المقطوعتين، ونفوه إلى حيث ينتمي حقا.. إلى بيت أبيه الحمار صابر.."
منقوووول |
: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=670674 | التوقيع |  أينكم يا غايبين ؟؟؟؟
آش بيكم دارت لقدار مابان ليكم أثر ولا خبروا بيكم البشارة | |
|
|  |
فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ :
مسابقة استوقفتني آية
|
ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج
رد: فخامة البغل 
