منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى القضايا التربوية (https://www.profvb.com/vb/f100.html)
-   -   أغياب الرغبة أساس هبوط مستوى المتعلم المغربي؟ (https://www.profvb.com/vb/t12689.html)

si sajid 2009-12-17 09:14

أغياب الرغبة أساس هبوط مستوى المتعلم المغربي؟
 
إن هبوط مستوى المتعلم المغربي أصبح حقيقة وطنية ودولية، خاصة بعد تقريري البنك الدولي عن التعليم ببلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتقرير المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008. و"لعله لم يسبق أن اتفقت هيآت دولية وأخرى وطنية رسمية ومدنية على الحكم بفشل إصلاحات نظام التربية والتكوين بالمغرب وتردي مستواه مثل ما حدث هذه السنة (2008)، فقد أدرج تقرير البنك الدولي التعليم المغربي في رتبة متأخرة من حيث هندسته بما فيها الموارد البشرية والمالية والمناهج والتدريس...وكذا مؤشرات إمكانية الولوج إليه والمساواة والكفاءة والجودة. ثم أصدر المجلس الأعلى للتعليم تقريره فلم يملك إلا أن يقر بوجود ما أسماه "تعثرات حقيقية"، فنسبة كبيرة من المتعلمين يتسربون من المدرسة دون مؤهلات...لكن أبرز تلك التعثرات هي رداءة التعلمات الأساسية " وقد كان تقرير المجلس الأعلى موضوعيا إلى حد كبير في ذكر إنجازات وتعثرات المنظومة التربوية ببلادنا، رغم لباقته في استعمال الكلمات الدالة على هبوط مستوى المتعلم في المغرب، فقد تحدث بأسلوب لبق عن مستوى التلاميذ قائلا: " يبدو كذلك أن تلامذتنا يعانون من نقص في المعارف والكفايات الأساسية، (قراءة، كتابة، حساب، لغات).
وفي غياب اختبارات بيداغوجية وطنية ممعيرة، تبقى المعلومات الخاصة بمستوى التحصيل لدى التلاميذ رهينة بعض الدراسات الدولية النادرة، التي بادر المغرب إلى المشاركة فيها، مثل دراسات TIMSS، في مجال الرياضيات والعلوم سنة 2003، PIRLS في مجال القراءة المدرسية سنتي 2001و 2006. وتكشف هذه الدراسات عن ضعف مستوى التلاميذ المغاربة بشكل عام، مقارنة بمستوى تلاميذ خمسين دولة مشاركة "
1- غياب الرغبة عند المتعلم: إن السؤال العسير الذي يتلقاه المدرس اليوم من التلميذ هو: ما فائدة التعليم في ظل آفاق مسدودة؟ إنه سؤال عسير حقا، فكيف نرد نحن المدرسين على هذا السؤال الذي يشغل بال تلامذتنا جلهم إن لم نقل كلهم؟ إن السؤال لواقع لا مفر منه، إن لم يطرحه المتعلم صراحة، فهو يطرحه بأشكال أخرى، وإن لم يجهر به بين الناس من حوله فهو يتأمله في صمت ويعالجه داخليا بينه وبين ذاته. إنه سؤال عام حول هدف التعلم؛ إنه سؤال طبيعي مشروع؛ لماذا أتعلم؟ بل لماذا أتعلم إن كان التعليم لا يضمن لي أي مستقبل؟
إنه سؤال عن الهدفية، والهدفية شرط أساسي في التعلم ولا تعلم بدونه. نعم، السؤال عن الهدفية سؤال مشروع مشروع لا يمكن التهرب منه وتجاهله والتقليل من شأنه، وهو سؤال مع الأسف بدأ ينفذ إلى عقل المتعلم في سن مبكرة، فبدل أن يطرح هو السؤال على نفسه في الوقت المناسب أي حين ينضج عقليا، صار الآخرون يعجلون له به: الأخ أو الصديق أو الجار أو الأب أو حتى مدرسه: ماذا ستجني من هذا التعليم وأمامك آلاف؟ من منا أو من المتعلم مهما كان صغير السن لا يملك الجواب؟ فوقع الواقع أوضح من أن يخفى، يا أيها المدرس أنت المعني الأول بهذا السؤال، فما جوابك؟ أهو جواب المتعلم وعامة الناس أو لك رد آخر؟ اسمحوا لي أيها السادة أن أقول إن هذا السؤال طرح ويطرح مرارا من التلاميذ حينا ضمنا وأحيانا صراحة: أنا يا أستاذ لا هدفي لي من الدراسة ولولا الوالد لما حضرت. وقد حدث أن قدم تلميذ أوراق التحرير خاوية بعد أن كتب ما تيسر من الأجوبة على أوراق التسويد، ولما سئل عن السبب قال:إني أنتظر التأشيرة وإن نجحت فسأحرم منها. إن الجواب الشائع هو لا هدف من الدراسة مادامت الآفاق مسدودة. وإن كان المتعلم يحضر فذلك حضور رغما عنه لأنه لا بديل. وكلما تشبع فكر المتعلم بهذا الجواب وتأكد له فاطمأن إليه أهمل دراسته وجعلها ملهى من الملاهي، وأصبح ذلك مبررا يقدمه بين يدي كل من يلومه أو يوبخه على تهاونه وضعف نقطه. فهل يحق لنا أن نقول إن غياب الهدف ومن ثم الرغبة هو السبب الأكبر في تدني مستوى المتعلم بصفة عامة؟ ذلك هو الجواب السهل القريب، إنه جواب مادي محض؛ أتعلم من أجل هدف مادي هو الحصول على وظيفة عمومية.
إننا لا ننكر هذا الهدف، لكن ننكر أن يكون هو الوحيد وهو المسيطر. وإذا كان هدفي من التعليم ماديا، فذلك معناه لا حاجة لي في التعليم إذا كنت ذا مال كثير، بمعنى أن أبقى أميا لأن الهدف الذي سيحققه التعليم موجود أصلا؟! التعليم فريضة على كل مسلم، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ). فهو كغيره من الفرائض التي أوجبها الإسلام، لأن التعلم هو المعول عليه في بناء مجتمع قوي قادر على المواجهة والصمود في المحن والفتن وما أكثرها في عصرنا! "إن طبيعة الإسلام تفرض على الأمة التي تعتنقه أن تكون أمة متعلمة ترتفع فيها نسبة المثقفين، وتهبط أو تنعدم نسبة الجاهلين، دليل ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن قول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ). وهذه أول صيحة تسمو بقدر القلم وتنوه بقيمة العلم وتتصدى لآفة الأمية، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ ويتعلم... " إن التعلم لا ينتهي في سن معينة ولا عند درجة محددة، فما دام الإنسان حيا فهو مطالب بالتعلم، والله يفضل العبد العالم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ). وقال تعالى في سورة المجادلة (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ). والله ذم الذين لا يعقلون: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ عَنْدَ اللهَ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ). والرأي الشائع القائل بأن الآفاق مسدودة رأي ليس صحيحا صحة مطلقة إذ " من جد وجد" مثل عربي مازال صالحا وسيبقى كذلك. ولو افترضنا جدلا أن الحال كما وصف هو كذلك الآن، فمن ذا الذي يدري ما سيحدث غدا، إذ الغيب علم الله، وهذا مبدأ آمن به حتى الإنسان في الجاهلية فما بالنا نحن في عصر دائم التقلب والتجدد: وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ إذا كنت تحسب أن للتعلم هدفا واحدا هو الحصول على وظيفة عمومية فهذا خطأ فكري خطير عليك أن تعيد النظر فيه وتراجع نفسك فيه، فالتعلم هو الحياة لولاه لكانت الحياة ظلاما دامسا، إن التعلم لا يعرف قيمته الحقيقية في سعادة الإنسان سوى من حرم منه خاصة في هذا العصر الذي لا يتطلب منك ألا تكون أميا أمية أبجدية فقط، أي معرفة القراءة والكتابة لم تعد معيارا في إخراج الإنسان المعاصر من دائرة الأمية. تصور معي حالة من لا يعرف استخدام الهاتف المحمول، تصور الحرج والغبن اللذين سيعصران قلبه وهولا يعرف قراءة رسالة تلقاها هاتفه، تصور حالته وهو راغب في التواصل مع الآخرين مستفيدا من الخدمة المجانية التي تمنحها الشركة غير أنه عاجز لأنه لم يتعلم. وقس على ذلك أمورا تبدو لنا هينة لكنها تعد عند غير المتعلمين غالية لا تقدر بثمن. إن التعلم ينمي شخصيتك عقليا وعاطفيا ونفسيا، قال الشافعي: اصبر على مر الجفا من معلم
فإن رسوب العـلم في نفراته ومن فاته التعليم وقت شــبابه
فــــكبر عليه أربــــعا لوفاته ومن لم يذق مر التـعلم ساعة
تجرع ذل الجهل طول حياته ذات الفتى والله بالعلم والتقى
إذا لم يكونا لا اعــــتبار لذاته وقال أيضا: رأيت الـــــعلم صاحبه كريم
ولو ولــــــــدته آبـــــــــاء لئام وليس يزال يرفــــــــعه إلى
أن يعـــــظم أمره القوم الكرام. ونحن نخاطب شبابا علينا أن نصارحهم هذه الصراحة، وأن نقوي لديهم الهدف المعنوي من التعليم، وحذار أن نكرس لديهم ذلك الهدف المادي. إننا سنظلم ظلما قبيحا المتعلمين عندما نستسلم أمامهم فنقول منكسرين أمامهم لا آفاق فلا جدوى من التعليم، ما أقبح هذا الإحباط الذي سيحس به المتعلم! ازرع أيها المدرس الأمل في تلامذتك وأحي فيهم روح الأنفة من الجهل، حبب إليهم التعلم لذاته...حتى تتحول هذه النبتة المعنوية إلى شجرة باسقة وارفة الظلال. كره إليهم الكسل والإهمال...حسسهم بقيمة الوقت كي لا يضيعوه. نعود فنعيد السؤال: ألا يمكن الاعتراف بأن غياب الهدفية، ومن ثم الرغبة، هو السبب الحقيقي في تدني مستوى التعليم بصفة عامة؟ الحق أنه من الصعب أن نقنع المتعلم اليوم في عصر الماديات، بهذه الأفكار، إن المتعلم اليوم ينظر إلى التعليم نظرة نفعية مادية آنية، لذلك غدا غرضه من التعليم هو معرفة القراءة والكتابة وبعض العمليات الحسابية البسيطة، ولا شك أن هذا الغرض يتحقق في السنين الأولى من التعليم. من هنا فإن اهتمامه بما عدا ما يمحو "أميته" لم يعد من اهتماماته. والسبب واضح، وهو أن المتعلم تأكد اليوم أن التعليم ليس مصدرا للرزق.
وبقاء المتعلم في المؤسسات التعليمية بعد تحقق محو الأمية سببه عدم وجود مكان آخر يحتضن المتعلم، أو هو هروب من الشارع، أو من عمل لا يرضى المتعلم مزاولته، هذا فكر أغلب المتعلمين. بل هذا فكر المجتمع بأسره، الذي يرى" أن المدرسة لم تعد تضمن، بالضرورة، أفقا مهنيا لخريجيها، ومن ثم فقد أضحت غير قادرة على تبديد القلق تجاه المستقبل، في حين أن الخطاب السائد حول التربية مافتئ يؤكد دورها في تحقيق الارتقاء الاجتماعي، وتبين الآفاق المحدودة لتشغيل بعض حاملي شهادات التعليم العالي، ذي الاستقطاب المفتوح، ضعف الارتباط بين المستوى التعليمي والارتقاء بمستوى العيش، مما يعمق من نسبية دور التربية في ضمان الحركية الاجتماعية، وتسهم الهوة القائمة بين الطلب المحدود على الكفاءات الداعمة للاقتصاد، وبين العرض المتزايد لحاملي شهادات بمؤهلات، لا تكون دائما ملائمة للطلب، في تغذية معدل بطالة الخرجين، وتزداد هذه الهوة حدة بفعل تقلص فرص ولوج الوظيفة العمومية " وهذا الفكر السائد ينبغي معالجته بحلول عملية واقعية، وليس بالوعظ والإرشاد. إنه آن الآوان أن نعترف أن المتعلم يائس من التعليم لأنه لا يضمن له كرامته، وهل كرامة بلا عمل؟ إن المدرس مهما كان بارعا في إلقاء كلام إنشائي يشرح فيه الفوائد المعنوية والروحية للتعليم فإن كلامه سيبقى عاجزا عن تغيير موقف المتعلم من التعليم. نعم العمل حل سحري لهبوط مستوى المتعلم المغربي، لكن ما العمل الذي يحرك حماس المتعلم؟ هو الوظيفة العمومية.
وهذا إشكال آخر يستدعي البحث فيه بجدية. فلعل تعليمنا لم يستطع لحد الآن أن يقنع المتعلم المغربي أنه يعده لولوج سوق الشغل الحر، ولعل أبواب سوق الشغل أيضا بقيت موصدة في وجه المتعلم، وهذا ما يكرس اليأس والتشاؤم في نفسية المتعلم. يبدو أننا في حاجة إلى إصلاح شامل لمنظومة التربية، ويبدو أن إصلاح روح وأفكار ومواقف المتعلم من أصعب جوانب هذا الإصلاح، إن دعوة التعليم للانفتاح على الحياة الاقتصادية لن تؤتي ثمارها إلا إ ذا صاحبتها تربية المتعلم على حب العمل الحر، وإلى هذا كان قد دعا فاخر عاقل منذ ما يزيد عن عشرين عاما، حيث قال:" والحق أن مجتمعنا العربي مازالت فيه بقايا من احتقار للعمل، اليدوي خاصة، والاعتقاد بأن الوظيفة المكتبية أشرف من العمل في المعمل أو الحقل. والحق أن تربيتنا مازلت نظرية وبعيدة عن العمل والتطبيق العملي. والحق بعد ذلك أن المدرسة الحديثة تعمل جاهدة على التقريب بين النظر والعمل وإدخال العمل إلى مناهجها وبرامجها وطرائقها...إن هذه هي الوسيلة الوحيدة لحب العمل واحترامه والإيمان بكرامته كما أنها الوسيلة الوحيدة للتعليم الصحيح والتقريب بين العلم والعمل ومسايرة عصرنا الحديث القائم على العمل " والدعوة نفسها نجدها عند محمد قطب حيث يقول:" لابد إذن أن تكون مناهج الدراسة في المدرسة عملية ونظرية معا لا نظرية فحسب. وأن تكون في مدرسة البنين "ورشة" ضخمة إلى جانب الفصول "
2- غياب الرغبة عند المدرس: لا نشك في أن أحدا من المدرسين لا يعلم أن التلميذ أكبر ناقد له. إنه أي التلميذ، يقرأ قراءة دقيقة كل تصرف أو سلوك يصدر من المدرس، ولنحصر الحديث فيما يعنينا وهو الرغبة لنقول ما أسهل أن يعرف المتعلم- من خلال سلوكات وتصرفات مدرسه- أ له رغبة في التدريس أو لا؟ ومن منا لا يعرف الانعكاسات السلبية لغياب الرغبة عند المدرس على المتعلمين. أيها المربي إنك كما تحب أن يكون لمتعلميك رغبة في التعلم فهم كذلك يحبون أن يكون لمدرسهم رغبة في التدريس. والأخطر هو أن غياب الرغبة عند المدرس أعمق ضررا على المتعلمين، لأن المدرس هو القدوة المثلى للمتعلم وهو المحفز الأول للعمل." إن الولد مهما كان استعداده للخير عظيما، ومهما كانت فطرته نقية سليمة...فإنه لا يستجيب لمبادئ الخير وأصول التربية الفاضلة ما لم ير المربي في ذروة الأخلاق وقمة القيم، والمثل العليا...ومن السهل على المربي أن يلقن الولد منهجا من مناهج التربية، ولكن من الصعوبة بمكان أن يستجيب الولد لهذا المنهج حين يرى من يشرف على تربيته ويقوم على توجيهه غير متحقق بهذا المنهج، وغير مطبق لأصوله ومبادئه! " إن "القدوة في التربية هي أفعل الوسائل جميعا وأقربها إلى النجاح " فإن كان المدرس مجدا محبا لعمله نشأ المتعلم مجدا محبا للتعليم. والسؤال الذي يطرح هنا هو: كيف نخلق الرغبة عند المدرس الذي لا رغبة له؟ "إذا أردنا إحداث تغييرات إبداعية في المدرسة فعلينا أن نبدأ لا بالطرائق المستعملة في التعليم ولكن بالأشخاص الذين يعلمون وأن نقنعهم بتغيير مفاهيمهم ومواقفهم". إننا في أمس الحاجة إلى تغيير مواقفنا ومفاهيمنا من أمور كثيرة، وأهمها موقفنا من المهنة التي نمارسها. لا أقول إنها أفضل وأنبل مهنة لأنه قد يوجد من لا يرى رأيي، ولكني أقول هل نعي حق الوعي ما معنى مهنة التعليم؟ لا أملك تعريفا جاهزا جامعا مانعا، لكن أملك تعريفا بسيطا لفظا: إن مهنة التعليم مسؤولية عظمى وحين قال شوقي: قم للمعلم وفه التبــــجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا. فقوله ليس تشريفا بل هو تكليف، وأعظم بهذا التكليف! إننا نحتاج إلى تغيير مفاهيمنا حول مهنتنا، علينا أن نستشعر عظمة مسؤوليتنا حين نتخطى عتبة القسم علنا نلقي أو نبقي قفف المشاكل خارجا، أعني خارج القسم. إننا أيها المربون مسؤولون أمام الله أو أمام الضمير، إننا مسؤولون أمام آباء وأولياء المتعلمين، إننا مسؤولون أمام التلاميذ، إننا مسؤولون أمام الوطن، إننا مسؤولون أمام المجتمع. إنك أيها المدرس عاهدت هؤلاء جميعا على أن تقوم بمهمتك الإنسانية أحسن قيام، فماذا نقول حين تقصر؟
إن الأب أو الأم أو كليهما حين يسلمان لك ابنا قضوا في تربيته أعواما وأعواما وأنفقوا وينفقون عليه أموالا وأموالا فإنهما قد وضعا فيك أنت أيها المدرس ثقتهما، بل حملوك مسؤولية فلذة كبدهما. إن التلميذ حين يأتي مثقلا قاطعا مسافات ومسافات ليجلس أمامك قد حملك مسؤولية تعليمه. إن وطنك حين عينك في هذه الوظيفة ثم بنى مؤسسات وجهز تجهيزات حملك مسؤولية التربية والتعليم. إن المجتمع بأكمله يحملك المسؤولية نفسها لأنك شغلت منصبا عاما فأنت مسؤول عن صلاح هذا المجتمع، فهل ستغير موقفك ومفهومك من مهنتك؟
إن المدرس ليس حرا في أن تكون له رغبة أو لا تكون. إنه ملزم كل الإلزام بأن تكون له رغبة. نعم نحن أحرار في أن تكون لنا الرغبة في أمور خاصة: في السفر، في مشاهدة التلفاز، في ممارسة الرياضة...أما في التدريس فلا. وعلى هذا فمشاكل وظروف المدرس مهما كانت صعبة لا تسوغ إطلاقا التقصير في المهمة. إننا أيها المدرسون عاهدنا أن نقوم بمهمتنا وألا نبالي بالظروف والمصاعب، فلا يجب أن ننسى هذا العهد الغليظ. نحن المدرسين نعرف أن هناك مشاكل أو قل معاناة شتى مرتبطة بالمهنة، ولعل أهم ما يعانيه المتخرجون من مراكز التكوين، سواء المعلمين أم الأساتذة، هو هذا النفي إلى غياهب ومجاهل البوادي المغربية العزيزة، هنالك يصطدم المتخرج بواقع مر قد يحلو إن صبر وتجلد، ولعل أجمل ما في هذا الواقع أنه مجسد لما كان قد حفظه من شعر أو سمعه من قصص أو اطلع عليه من روايات، وأظن أن إخواننا المعلمين والأساتذة سيتفقون معي في هذا الأمر. هكذا فهمت حق الفهم وتذوقت أحسن تذوق، حين انطلقت من العيون الشرقية مارا من وجدة، ميمما وجهي شطر إملشيل، مخترقا صحارى بوعرفة وبوعنان وبوذنيب والرشيدية، فهمت قول امرئ القيس: وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهـــموم ليبــــتلي وواد كجوف العير قفر قطــعته
به الذئب يعوي كالخليع المعيل. وكانت معاني البيت الثاني تعظم وتكبر حين تستمر الرحلة الليلية نهارا من مدينة الريش إلى بلدة إملشيل، وما أدراك ما إملشيل ثم ما أدراك ما إملشيل، ما يقال هذا الكلام تذمرا وضجرا، لأني استفدت من تلك الرحلة أكثر مما خسرت، وهاهي اليوم إملشيل: طبيعتها وأهلها وموسيقاها مثال رائع- لدي- للجمال والتأمل، هاهي معاناة إملشيل أصبحت ذكريات حلوة لا تضاهيها ذكريات. إننا نحن أساتذة الإعدادي والثانوي أحسن حالا من إخواننا المعلمين في هذه الناحية، أقصد التعيين بعد التخرج. لا يمكن لأي كان مهما سمع أو قرأ أو شاهد في التلفاز جزءا من معاناة هؤلاء المدرسين أن يتمثل الظروف القاسية التي يعيشها هؤلاء إلا إذا كان ممن عاشها، إننا نشد بحرارة على أيدي من يعيش هذه الظروف ونحييه تحية تقدير وإجلال، إننا نعتز أيما اعتزاز بهذه الفئة من رجال ونساء التعليم التي تضحي بأشياء كثيرة من أجل أهالي باديتنا. أيها المدرس الذي يدرس وسط جبال وعرة، معزولة، لا طريق هناك ولا ماء ولا كهرباء...لا تسوغ لنفسك التقصير، فما ذنب أولئك التلاميذ؟ أليسوا أحوج من غيرهم في التعلم؟ أليسوا أحق بالاهتمام؟ متى سنقوم بمهمتنا على الوجه الأكمل إذا راعينا ظروفنا الاجتماعية والمادية والإدارية؟ إذن "استحضار المشاكل في القسم ممنوع"، نعم، صحيح المدرس نفسه يحتاج عناية واهتماما وإنصافا وتحفيزا، فالمدرس في القرية مثلا مازال يحس بظلم إذا ما قارن ظروف عمله بظروف زميله في المدينة، إذ ليس من العدل والتحفيز أن يساوى المدرس في القرية بالمدرس في المدينة، ومازال المدرس بصفة عامة يعاني من الناحية المادية . نعم اهتزت قيمة المعلم الاجتماعية وأصبح يقوم تقويما ماديا فقط" فبينما ارتفع المستوى المادي بتسارع شديد لكثير من أصحاب المهن والحرف اليدوية التي لا تتطلب إعداداً علمياً أو تثقيفياً ، وأصبح هؤلاء ذوي امتيازات مادية لا تنكر ولا تحجب ؛ ظل المستوى المادي للمعلم متخلفاً ، والتحسينات التي تزاد عليه تحبو حبواً بالمقارنة مع ارتفاع مستويات المعيشة والغلاء التي تضرب المجتمعات عامة ، ومجتمعاتنا العربية بصورة خاصة.
وأصبحت مهنة التعليم من المهن المحتقرة في المجتمع ، وهذه حقيقة لا يمكن أن تنكر ، على الرغم من كل ما يقال من كلام إنشائي في مناسبات تكريم المعلم ، بل إن هذا المدح غـيـر الـعملي، والإشادة الباردة بالمعلم ودوره في المجتمع ليست إلا من قبيل معالجة خلل موجود في النظرة العامة السائدة تجاه مهنة التعليم، ولو سألت معلما أو مدرسا سؤالا بسيطاً: هل يحب لولده أن يمتهن مهنة التعليم في مستقبل حياته؟ لكان الجواب بالقطع: لا. إن لهذا دلالة يجب أن يقف المرء عندها، وأن يحللها تحليلاً يوقفه على أسبابها ودوافعها ونتائجها. وعندما يشعر المعلم أنه أصبح مهاناً لا من قبل الأغنياء والميسورين الذي جُلِبَ كي يعلم أولادهم فحسب ! بل من قبل فئات أخرى متخلفة علماً وفكراً عنه ، ولها نفس منبته ، ومنحدرة من مستوى اجتماعي قريب من مستواه؛ عندما يعيش المعلم هذا الشعور، فهل يلام على قلة إخلاصه وموت طموحه نحو تقديم الأفضل ؟! هذه لمحات حول قضية هبوط المستوى التعليمي في مدارسنا، وتظل هذه القضية طويلة ومتشعبة وبحاجة إلى بحث وتحليل ، وحسبنا أننا أشرنا إشارة إلى ذلك " وعلى كل حال لكل مقام مقال. إننا حين نحول مهنة إلى هواية نخلق الرغبة ونعززها لأننا سنحب هذه المهنة الهواية، وإن الحب ليبدد نسبة كبيرة من المشاكل وعندئذ كل صعب يهون، أفلا تستحق مهنة التعليم الحب؟ ما فائدة التطير والتذمر والتبرم؟ قال: السماء كئيبة وتجـــهما
قلت:ابتسم يكفي التجهم في السما قال: الليالي جرعـتني علقما
قلت: ابــتسم ولئن جرعت العــلقما فلعل غـيرك إن رآك مرنــمـا
طرح الكـــآبة جــــــــانبا وترنــــما أتراك تـغنم بالتبرم درهــــما
أم أنت تخسر بالبـــــشاشة مغـــنما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجـــــى متــــــــــــلاطم ولذا نحــــــــب الأنجما
إن الصراحة تقتضي أن نصرح عن مضض أن المدرس يتأثر بالجو المحيط به، فغالبا ما يصطدم بواقع يخيب توقعه الذي كونه عن مهنته حينما كان بعيدا عن ميدان العمل، فإلى جانب قسوة التعيين، هناك صعوبة التخلص من مقر التعيين، فقد يبقى جامدا في مكانه عقودا من الزمن، وكلما تقدم به الزمن يجد نفسه لم يحقق ما كان يحلم به وهو طالب في مركز التكوين، وحلم المدرس هو أن يملك سكنا لائقا، وأن يكون أسرة تعيش حياة مستقرة، وهذا حلم عادي كحلم البشرية جمعاء، ومع ذلك فهذا الحلم صعب المنال، إذ يعجز المدرس عن تحقيقه، على الأقل في ما يقرب من العقد الأول من العمل. وإذا تناسينا هذه الأحلام، فإن المدرس يتأثر بالجو الداخلي للقسم، حيث يتسرب إليه الملل واليأس إذا لم يجد تجاوبا من المتعلمين، فلا حافز لاجتهاد المدرس إذا لم يكن المتعلمون مجتهدين محبين للدراسة والمدرسة، بمعنى أن حب التدريس لا يتحقق من طرف واحد لا بد من أن يكون الشعور متبادلا.
مازال المدرسون بصفة عامة يقدرون مهنتهم، وقد اختار أغلبهم مهنة التعليم عن حب، غير أن مكانة المهنة في نفوس المدرسين في اهتزاز مستمر، لأسباب عديدة، على رأسها اقتناعهم أن المهنة لم تستطع أن تحقق لهم عيشا كريما، خاصة بالنسبة للشباب الذين عصف الغلاء بحلمهم في امتلاك سكن لائق. لا يمكن للمدرس الشاب أن يزاول مهنة التعليم بارتياح واعتزاز وهو يرى زميله الذي غادر الوطن قد حقق أحلاما كثيرة ومنها حلم السكن في مدة قياسية. إن نسبة واحد وخمسين بالمائة من مدرسي الثانوي الذين رأوا أن المحفز الأساسي هو جاذبية المادة الملقنة، دليل حقيقي على أن مكانة المهنة في اهتزاز، ونسبة 51% تعني أن نصف المدرسين تقريبا لا رغبة لهم في التعليم، أعني لا يكنون للمهن أي حب وتقدير، وهذه الفكرة تتعزز إذا علمنا أن واحدا أربعين في المائة من مدرسي الابتدائي ذكروا أنهم اختاروا المهنة تأمينا للشغل، ولنقرأ ما جاء في التقرير المجلس الأعلى للتعليم حول محفزات اختيار المهنة. "تختلف محفزات الاختيار المهني ما بين مدرسي الابتدائي والثانوي، وهي كالتالي:
1- بالنسبة لمدرسي الثانوي، المحفز الأساسي هو جاذبية المادة الملقنة (51%)
2- بالنسبة لمدرسي الابتدائي، يعد تأمين الشغل عنصرا أساسيا في اختيار المهنة (41%)، العمل مع التلاميذ (31%)، وفي نفس المستوى عدم وجود بدائل أخرى للشغل (32%) يمثلان السبب الثاني في اختيار التعليم الابتدائي. في غياب فرص مهنية أفضل، اختار 32% من مدرسي الابتدائي و20% من مدرسي الثانوي مهنة التدريس. على العكس هم قليلون جدا، المدرسون، سواء الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي التأهيلي، الذين تحدثوا عن الوقت الحر والأجر والمنافع الاجتماعية كأسباب دفعتهم إلى امتهان التدريس " إن ما يثلج الصدر في مضامين تقرير المجلس الأعلى للتعليم أنه جسد في كثير من محطاته مشاكل ومواقف المدرس بواقعية تامة، فهو يعبر بصراحة أنه لا شيء يخلق الرغبة عند رجال ونساء التدريس سوى هذا الوازع المهني، وقد عبر التقرير عن غياب الرغبة بعدم انخراط المدرس، حيث قال: " ومن العوامل التي تحد من انخراط المدرسين، صعوبة ظروف مزاولة المهنة، ونقص الوسائل والقدرات لمواجهتها، والافتقار إلى مقاربة لتدبير الموارد البشرية، مبنية على النتائج والمساءلة وعلى الحفز المستحق للمدرسين " ثم ذكَّر بأهم ما يخلق الرغبة والتحفيز عند المدرس إذ قال:" للتذكير فإن الرضى عن أداء المهام، والرغبة في تحسين الوضعية المادية، والانخراط في مشروع المؤسسة، والطموح إلى الارتقاء نحو مناصب أخرى، وأيضا الحق في الاعتراف والتقدير من طرف الزملاء والمسؤولين، تعد من المحفزات الأساسية لهيئة التدريس " ثم قال يعترف صراحة وبطريقة لبقة دائما أن تلك المحفزات لا وجود لها على أرض الواقع، ذلك أن الوازع المهني وحده، ووحده هنا توكيد، هو الذي يشجع المدرس على الانخراط: "فبتحليل الطرق المعتمدة لتدبير هيئة التدريس، يتضح أنه الوازع المهني وحده الذي يشجع المدرس على الانخراط وتحسين الأداء والسعي نحو الامتياز " لقد أكد التقرير أن أهم سبب لا يرغب ولا يشجع المدرس في العمل هو الأوضاع المادية، فـ"من بين الأسباب التي يعتبر المدرسون أنها تحد من انخراطهم، أوضاعهم المادية التي يرون أنها غير مرضية، مع أنه تم تحسين الأجور والتعويضات في السنوات الأخيرة، إلى جانب تقديم خدمات اجتماعية لنساء ورجال التعليم ولأسرهم منذ سنة 2002 " لكن تحسين الأجور والتعويضات في السنوات الأخيرة لا تساوي شيئا إذا قارنها بغلاء المعيشة في السنوات الأخيرة، فقد تضاعفت أسعار العقار ومواد البناء بشكل مهول، كما تضاعف المواد الاستهلاكية أضعاف "التحسينات" التي مست أجور المدرسين، وعليه فقد " ظل المستوى المادي للمعلم متخلفاً ، والتحسينات التي تزاد عليه تحبو حبواً بالمقارنة مع ارتفاع مستويات المعيشة والغلاء التي تضرب المجتمعات عامة ، ومجتمعاتنا العربية بصورة خاصة " على الجميع أن يثق الثقة التامة أن المدرس فاعل أساسي في إصلاح التربية والتعليم، لذا فكل محاولة إصلاحية لا تضع في الحسبان المدرس محاولة فاشلة، وهذا ما دعا إليه المجلس الأعلى للتعليم حين قال:" يعد المدرس الفاعل الأساسي في منظومة التربية والتكوين، باعتبار علاقته المباشرة مع المتعلمين، وانطلاقا من كون أي مبادرة لتحسين جودة التربية والتعليم، لا بد أن تمر عبره، فإن حفزه، وتكوينه، وانخراطه في التغيير، تعد عوامل حاسمة في إعادة تأهيل المنظومة التربوية "

العوني احميدة www.oujdacity.ma 17.12.2009

IBNOUATIA 2010-01-02 22:56

رد: أغياب الرغبة أساس هبوط مستوى المتعلم المغربي؟
 
سلام الله عليك أخيsi sajid ، ليست يا أخي الرغبة هي سبب هبوط مستوى المتعلم المغربي وإنما التحفيزالمادي هو الذي يأتي في الدرجة الأولى و لأن الهدف من المهمة التي كانت تقوم به المدرسة أنتهت مدة صلاحيته لأن الدولة وظفت ما تحتاجه من الأطر و أصبحت تفعل ذلك فقط من أجل امتصاص غضب بعض العاطلين من أصحاب الشواهد العليا أو سد خصاص في قطاعات معينة ولنقول أن الحافز (الشعور بالنقص) يولد الرغبة و الرغبة (الشعور بالألم) تنتهي عند تحقيق اللذة (الشعور بالسعادة).

إمستور 2010-01-29 09:06

رد: أغياب الرغبة أساس هبوط مستوى المتعلم المغربي؟
 
قبل الحديث عن عواقب غياب الرغبة لا بد من معرفة أسبابها ،فالاسباب متداخلة منها ما هو مادي وماهو فكري وما هو نفعي...


الساعة الآن 02:50

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd