منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية (https://www.profvb.com/vb/f89.html)
-   -   السارق (https://www.profvb.com/vb/t12373.html)

fizazi2009 2009-12-13 13:46

السارق
 
http://i255.photobucket.com/albums/h...Basmala010.gif
يوم الخميس الماضي جئت إلى البيت في الساعة العاشرة، بعد جلسة هنيئة في منزل أحد الإخوان تسامرنا فيها و أدينا حق القصاع. و وصلت إلى شقتي و أنا مرهق من يوم شتوي طويل على غير عادة أيام الشتاء في لندن.
و لجت إلى داخل البيت و كعادتي إلى حجرة الجلوس(الشقة تتكون منها و من حجرة نوم واحدة في سرداب).
لفت نظري أن جهاز التلفزيون غير موجود، غير أن المكان لا تظهر عليه معالم العنف أبدا. للوهلة الأولى أحسست ببساطة أن سارقا دخل البيت و أخذ جهاز التلفزيون، و هذا هو الواقع. نزلت بهدوء إلى حجرة النوم، و أنا أتوقع من ينتظرني، غير أن السارق أو السراق قد ذهبوا بأرزاقهم!!
النافذة في الحجرة السفلى مكسورة، و المزهرية مكسرة، و خزانة الثياب ''ملعوب فيها''. و روح السارق تطير هنا و هناك كالريشة في الريح العاصف. و انتابني أسى ليس على ما فاتني و لكن لإحساسي بأنني معتدى عليّ من إنسان لا أعرفه و لا تربطني به رابطة، و ليس بيني و بينه عداء أو ثأر. إنسان غريب دخل بيتي، و تلاعب بأشيائي و هتك حرمتي و لم أستطع أن أرد اعتباري، أو أن أقف مدافعا عن حقوقي!
و كعادة الطبيب الذي يرى الحوادث اليومية، و تصبح عنده مناظر طبيعية ليس لها خصوصية كان حال رجال البوليس معي. الطبيب لا يهتم في أن ابنك مجروح أو أنك تعاني من آلام إلا بمقدار ما تمليه المهنة، أي أنه يحاول أن يباعد بين نفسه و بين الاندماج العاطفي. بالنسبة لرجل الشرطة اعتبرني محظوظا!!
لو كنت هنا - يقول سيادته - و حاولت اعتراضهم لطعنوك، فاحمد إلهك على ذلك، و اشكره أيضا لأن السارق لم يأخذ إلا التلفزيون!( هذا غير صحيح طبعا كما وجدت في اليوم التالي حيث أن هناك أشياء أخرى أثمن من جهاز التلفزيون مفقودة )، و حمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
كان عليّ أن أذهب إلى الجامعة مبكرا في الصباح، و لكنني لم أستطع أن أنم. ظللت أتصور الحادثة و أضع السيناريو بعد الآخر ثم مرت بذهني صور الضحايا الآخرين و كيف يشعر الإنسان عندما تنتهك حرمته، و يدخل الغاصبون إلى خدره، و يأخذون ما يأخذون. لكني كنت في البيت و في دفء البيت.
فما هي يا ترى حال الذين تسرق أوطانهم و محتوياتها؟ كيف يشعر الإنسان الذي يطرد من بيته أمام أعين الملأ، كيف يشعر الفلسطيني أو الأفغاني الذي يرمى في أوحال المخيمات، بينما يتنعم في أرضه و وطنه بولندي أو ألماني أو أمريكي أو سوفياتي؟
إن الشعور بالغبن و الظلم هو وصف متواضع لما يحس به أولئك الذين أخرجوا من ديارهم جورا و عدوانا، و احتلها الأجانب من شذاذ الأفاق و قطاع السبيل.
كان رجل البوليس يقول أنه يحقق في أكثر من خمس حوادث سرقة كل ليلة في منطقتنا، و بالتالي فإن سلوكه و شعوره تجاه شقتي المتواضعة و ما حدث لها عادي''مهني'' كحال الطبيب تجاه مرضاه.
ربما نفس الشعور يخالج نفوس السياسيين و عواصم التآمر في العالم تجاه الأوطان المغتصبة. لقد أدمنوا على معالجة حالات النهب و السلب التي تتعرض لها الشعوب المستضعفة، حتى أصبحت قضية أن تلد أو لا تلد النمرة الفلانية في حديقة الحيوان في هذه العاصمة أو تلك، أهم عندهم من موت أطفال تتضور جوعا في مخيمات اللاجئين التي تغص بها منطقتنا الاسلامية.
لقد أصبح الكثير من أهالينا يعيش في المخيمات، ينتظر الفرج؟!
ففي فلسطين و لبنان و باكستان و أفغانستان و الصومال و السودان يعيش الملايين من أبناء الأمة بلا مأوى بينما يحتل بيوتهم أناس آخرون، غرباء على الوطن و الدين و اللغة، و فوق هذا يتمتع السارق بمباركة من وضعوا نفوسهم شرطة على أمن العالم و استقراره.
و رب ضارة نافعة كما يقولون...إذ رب هذه التجربة الشخصية المريرة التي تفضل السارق بها عليّ تصبح كالشوكة التي توخز في الظهر لتمنع الاسترخاء و الرفاهية و نسيان من فقدوا أوطانهم و أخرجوا من ديارهم.
(منقول)

ميمون بوجنان 2009-12-13 15:52

رد: السارق
 
شكرا لنقلك القصة...شكرا لاشراكنا في القراءة....ننتظر جديدك...تقبل مرورري....تحية تربوية...


الساعة الآن 00:53

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd