منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى المكتبة التربوية العامة (https://www.profvb.com/vb/f38.html)
-   -   حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني (https://www.profvb.com/vb/t122762.html)

بالتوفيق 2013-06-21 19:03

حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني
 
حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار
للغساني




إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
الكتاب الذي بين أيدينا المسمى بحديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار، كتاب جامع في تصنيف النبات على أساس المعاينة والمشاهدة كلما أمكن ذلك ألفه المؤلف المغربي المسلم أبو القاسم محمد بن إبراهيم الغساني الشهير بالوزير في شهر المحرم عام 994 هجرية وحققه الأستاذ محمد العربي الخطابي.
قال المقري عنه: كتاب عجيب في بابه لم يؤلف مثله، يذكر سائر الأعشاب والعقاقير بما سميت به في الكتب ثم يذكر اسمها بلسان عامة الوقت ثم يذكر خواصها على وجه عجيب.
الوصف العام للكتاب:
ـ رتب الغساني كتابه على الحروف الأبجدية باصطلاح المغاربة مبتدئاً بحرف الألف ومنهياً بحرف الشين، يذكر الاسم العلمي للمادة الطبية المفردة ثم يشرح ماهيتها ويصف شكلها وأجزاءها وما قد يكون لها من زهر وثمر.وكثيراً ما يذكر أسماءها المتعددة والبيئة التي تنبت فيها، إن كانت من الأعشاب، وهو يذكر اسمها الشائع على لسان العامة في المغرب بالعربية، أو باللسان الأمازيغي، وبعد أن يوضح ماهية المادة النباتية أو الحيوانية أو المعدنية ينتقل إلى بيان طبيعتها وأخيراً يذكر خواصها ومنافعها الطبية أو مضارها أن اقتضى الحال من غير دخول في التفاضيل المتعلقة بالمقادير وطريقة التحضير إلا نادراً، ثم يختم بذكر بدلها إذا تعذر وجودها.و كما قال المحقق أيضاً: فقد تناول الغساني في كتابه هذا بالشرح نحو 380 مادة مفردة معظمها من جنس النبات ـ وعدد المفردات الحيوانية والمعدنية سبع.
المميزات العلمية للكتاب:
انفرد كتاب حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار بميزة فريدة حيث اصطنع المؤلف منهجاً خاصاً لتنصيف النبات ـ تصنيفاً علمياً ـ وهو ما يسمى اليوم بالنظام التصنيفي فهو يعمد إلى تعيين جنس العشبة ونوعها.
وقد اقتدى الغساني ببعض من سبقه من علماء النبات المسلمين الذين اهتدوا إلى ابتكار أسماء علمية لبعض الفصائل والأجناس أهملها المتتأخرون من واضعي المصطلحات العلمية، من ذلك مثلاً أن هؤلاء قد اقتصروا أحياناً علىتعريب المصطلحات العلمية دون إيجاد مقابل عربي له أو الرجوع إلى المعرب القديم ونذكر على سبيل المثال فصيلة ـ EuPhorbiaceae ـ قد عربوها الفصيلة: الغربيونية، وسماها الغساني وبعض من سبق جنس التيوع أو اليتوع وهو كل نبات له لبن يسيل إذا قطع.وقد استغل الغساني الشكل الظاهري في التنصنيف مثل الكفوف، والسيوف، والهدبات، والأحباق، والبقل، واللبلاب.
آراء بعض الغربيين في المؤلف:
قال المحقق لاحظ بعض الدارسين الغربيين أصالة الغساني في معالجته لأفراد المملكة النباتية ومن هؤلاء الطبيب والمستشرق الفرنسي هنري رونو الذي خصه ببحث قال فيه:
«يعد الغساني ذهناً متميزاً إذا قيس بعصره وبينته، والحكم على أثاره لا يتأتى دون مقارنتها بالعديد من مصنفات المادة الطبية لمؤلفين عرب آخرين، نعم، إنه إن لم يصل إلى حد يجعله يتبين بوضوح تام ما للزهرة من أهمية راجحة، ولا سيما أعضاء الإخصاب التي تكمن في أحشائها، حتى يتمكن من وضع قاعدة صحيحة لنظام التصنيف النباتي فهو يطلق اسم الخيوط على المدقات (المياسم) والأسدية ويخلط بينهما إلا أنه قد استخلص بوضوح فكرة التسلسل في خصائص النبات من جهة ـ كما أدرك من جهة أخرى مفهوم القرابة القائمة بين أنواع النبات بحيث يضمها تحت تسمية واحدة بواسطة تلك الجموع الطريقة التي صنعها.
أما المستشرق الإيطالي ألدو ميلي فإنه نقل النص السابق عن رونو وصدره بقوله:
«امتاز أبو القاسم الغساني الوزير بتصنيفه للنبات، فجاء كتابه فريداً من نوعه بين المصنفات العربية، وهو قد انتفع غاية الانتفاع بعمل سلفه العشاب المالقي حينما ألف كتابه حديقة الأزهار وأتمه عام 1586 ميلادية، إلا أنه في إمكاننا أن نتسائل عما إذا كان هذا المؤلف العربي قد تأثر بأندريا سيسالبينو الذي ألف كتابه النبات DePiantis عام 1583م على أن هذا احتمال ضعيف.
ونحن نقول:
هذا القول دليل على أن الغساني قد توصل إلى نفس ما توصل إليه سيسالبينو أهم مؤسسي علم تصنيف النبات الحديث.
وقد عقب المحفف محمد العربي الخطابي على القول السابق بقوله:
أولاً: إن الغساني كما يظهر من قراءة كتابه، لم يرجع إلى ابن البيطار وحده بل إنه لم يعول عليه إلا قليلاً... ثم قال: أما الغساني فإنه عول كثيراً على مرجع بالغ القيمة في علم النبات ـ كما سنبين فيما بعد ـ فضلاً عن معرفته بكثير من الأعشاب التي وصفها بعد أن وقف عليها بنفسه في المغرب، إذا كانت العشبة من غرائب نبات الأقطار البعيدة فإنه يكتفي بنقل أقوال غيره على ما قد يكون فيها من تعارض ولذلك يكثر عنده ورود مثل هذه العبارة قيل... اختلفالأطباء في ماهية كذا، فمنهم من قال كذا، ومنهم من قال كذا، وهو يرجح القول الذي يراه سديداً.
ثانياً: أن ألدو ميلي قد تكلف التسؤل عن حقيقة تأثر الغساني بسيسالبينو الإيطالي إلا أنه سرعان ما استبعد هذاالاحتمال وما كان له أن يفعل غير ذلك فالغساني قد انتهى من تأليف كتابه في العشرين من محرم عام 994 هجريةالموافق لعام 1585 ميلادية أي بعد سنتين من صدور كتاب DePiantis في إيطاليا.
وتأليف كتاب في أهمية حديقة الأزهار عمل لا يتم بين عشية وضحاها فهو لا بد من أن يكون ثمرة حهد سنين من العمل والبحث والتنفيح والتهذيب هذا من ناحية الشكل، إما من ناحية الموضوع فإن المقارنة بين التأليفين من حيث المنهج والأسلوب والمادة هي وحدها التي يمكن أن تثبت أو تنفي تأثير هذا المؤلف في ذاك.وأول ما يظهر لنا من ذلك هو أن الغساني لم يدرس الأعشاب على أنها مستقلة عن علم الطب أما سيسالبينو فإنه يدرس الأعشاب في حد ذاتها، لا كفرع من فروع الطب والصيدلة.ثم إن النباتي الإيطالي قد نهج طريقة التحليل الظاهري لأعضاء النبات أما الغساني فإنه قد تبين الخصائص التشكيلية للأعشاب وعين على أساس ذلك طائفة من الأجناس.
وامتاز الغساني بالوضوح في الوصف والاقتصاد في التعبير وسلك مسلكاً جعله يهتم يالزهور والثمار والبذور والجذور والأوراق ويلاحظ وجود نباتات طفيلية، ولا يخوض فيما لم يشاهده ولم يعرفه، ثم إنه اهتم بالبيئة الطبيعية التي تعيش فيها بعض النباتات.ثالثاً: إن الغساني لم يكن هو السابق إلى محاولة تصنيف النبات من بين العلماء العرب فهو إنما عني باقتفاء منهج سار عليه غيره وأستاذه في ذلك ابن عبدون وذكر الغساني اسمه إحدى عشرة مرة في كتابه حديقة الأزهار.
أنموذج من محتوى الكتاب:
ذكر الغساني في الكتاب 385 جنساً نباتياً نذكر منها الأترج خيث قال فيه:
أترج:
شرح الماهية: من جنس الشجر، ومن نوع الشجر الشائك، وهو مشهور معروف يسمى عند العامة الترنج (بضم التاء والراء) وبالبربرية بفتحها وبالعربية الفصحى أترج، ومنك وقرئ.
وثمره له أنواع: دقيق، وجليل، ومدحرج، وطويل.
طبيعته: حار في الأولى رطب في الثانية، وقيل بارد.
منافعه وخواصه: بالنظر إلى ثمر الشجرة وةورقها وكثرة جوهرها واختلاف أجزائها، فخاصية قشر ثمره تقوية القلب، والأمعاء والمعدة ويسكن الغشى والخفقان، ويذهب برائحة الفم، وإذا جعل في الثياب منع التسوس فيها وإذا حرق وعولج به البرص طلاء نفعه، وخاصية لحمه تطفيه الصفراء والتهاب المعدة، وخاصية بذره النفع من السموم وخصوصاً من سم العقرب إذا شرب منه مثقالان بماء فاتر وضمد به موضع النهشة.
وخاصية ورق شجره: بفتح السدود ويوسع الأنفاس وينفع من الخفقان ويضر بالكبد، إصلاحه بالعسل.
ومن نوع الأترج: النارنج: وهو من جنس الشجر وأنواعه كثيرة: سكري ومائي وورقه يشبه ورق الأترج إلا أن ورق الأترج أعظم، وورق النارنج أشد ملامسة وأعسر فركاً، وفي طرف كل ورقة منه من ناحية الغصن وريقة صغيرة منفصلة عن الكبيرة ويسمى عندنا بفاس النرنج ـ بغير ألف ـ وله زهر عطر الرائحة تقطر منه المياه كمياه الورد يسمى بماء زهر وثمره مدحرج الشكل كثمر الحنظلة ولونه قانئ قليل اللحم كثير الشحم شديد الحموضة فما كان منه كثير الماء قيل فيه مائي وما كان قليله قيل فيه سكري ثم يشرح بعد ذلك نوع الزنبوغ والليمون والليم.

جميع حقوق الموقع محفوظة
لموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة

بالتوفيق 2013-06-23 13:41

رد: حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني
 
سندرج بحول الله بحثا منقولا مفصلا حول هذا الكتاب القيم
و سيكون على أجزاء حتى تسهل مراجعته، و قد حذفت الهوامش
البحث منشور في الموقع التالي

http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad18partie5.htm


الجزء الأول





الفوائد التاريخية لتصنيف النباتات بفاس من خلال كتاب

"حديقة الأزهار" لأبي القاسم الغساني (ق 10 هـ/ 16 م)



الأستاذ عبد الأحد الرايس


كلية الآداب ـ وجدة


سبق لعدة باحثين مهتمين بتاريخ المدينة المغربية أن أثاروا الانتباه إلى الصعوبات الجمة التي تعترض الباحث وهو يسعى إلى تكوين صورة متكاملة وشاملة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحضارية للمدينة المغربية، وكيف أن ما تقدمه المصادر التاريخية التقليدية من معلومات لا تسمح بتاتاً بتقديم إجابات شافية للتساؤلات والإشكالات التي تطرحها المناهج والنظريات التاريخية الحديثة. وهي تساؤلات وإشكالات تهدف إلى الكشف عن واقع البناء الاجتماعي وضعية الفئات الدنيا في المجتمع الحضري، وتهدف أيضاً إلى دراسة البنى الاقتصادية والتخطيط العمراني للمدينة المغربية وتطوره عبر الحقب التاريخية المختلفة، إلى جانب البحث في النظم الحضارية والعادات والتقاليد، وإلى غير ذلك من القضايا التي تتناولها المناهج التاريخية الحديثة
وتبعاً لطبيعة الانشغالات الجديدة التي أصبحت تؤرق الباحثين في تاريخ المدينة المغربية، اتجه اهتمام عدد من الباحثين المعاصرين إلى استغلال مصادر متنوعة ككتب النوازل والجغرافيا والرحلات والمناقب والحسبة والوثائق والعقود والحوالات الحبسية، وعدم الاكتفاء بكتب التاريخ التقليدي ذات الطابع السياسي والحدثي، وذلك أملاً في تحقيق الأهداف المرجوة
والواقع أن حصيلة البحث التاريخي في موضوع المدينة المغربية تبقى بعيدة إلى اليوم من الوفاء بطموحات الباحثين، لأن المقتحم لهذا الميدان لا تتوفر له، بالرغم من كل الجهود التي يبذلها في استغلال كافة المصادر، المادة الكافية للإحاطة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحضارية لمدينة بعينها وفي فترة محددة، فكيف بفترات تاريخية مختلفة. إن الباحث في تاريخ المدن الكبرى التي كانت في فترات سابقة مراكز الثقل السياسي والثقافي والحضاري كمدينة فاس ومراكش، تعترضه هو أيضاً صعوبات على الرغم من أن تلك المدن كانت موضع اهتمام المؤرخين القدماء الرسميين، ونقطة لقاء العلماء والرحالة والأدباء من شتى الأصقاع. ومن هنا، فإن من يبحث في تاريخ مدن من الدرجة الثانية أو الثالثة تعترضه صعوبات أكبر. وبالرغم من هذه المثبطات، يبقى الأمل يحدو الباحثين في الكشف عن مصادر مغمورة، وتحقيق المزيد من المخطوطات التي ما زالت حبيسة بعض المكتبات العامة أو الخاصة، وكذا النهوض بالبحث الأركيولوجي للحواضر المغربية القائمة والمندثرة.
إن المهتم بتاريخ المدينة المغربية وهو في غمرة البحث والتنقيب وتصفح الكتب المخطوطة والمنشورة لعله يظفر ببعض المعلومات التي يمكن أن تساعده في فك بعض الألغاز أو سد بعض الثغرات يصاب في كثير من الأحيان بخيبة أمل، ولكن في أحيان أخرى تقع له مفاجآت سارة من خلال تصفح كتب يمكن أن تكون متداولة ولكن غلب على أصحابها الاهتمام بقضايا نظرية جافة فارغة من أي إشارات ملموسة للواقع التاريخي. هذه كانت نظرتنا الأولى للكتاب الذي نحن بصدد التعريف بقيمته التاريخية في هذا البحث حول جانب من تاريخ مدينة فاس في القرن 10 ـ 11 هـ/ 16 ـ 17 م، وهو كتاب "حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار" لأبي القاسم بن محمد بن إبراهيم الغساني الشهير بالوزير

بالتوفيق 2013-06-23 13:44

رد: حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني
 
الجزء الثاني

صاحب الكتاب
ولد أبو القاسم بن محمد الأندلسي الغساني الشهير بالوزير عام 955 هـ/ 1548 م بفاس ونشأ وتلقى العلم بها، وأخذ علم الطب والعلم بالأعشاب من أبيه، وأخذ علوماً أخرى عن شيوخ آخرين ذكرهم المقري في كتابه "روضة الآس"
لا تقدم المصادر أخباراً دقيقة حول تاريخ استقرار أسرة الغساني الأندلسية بفاس ولا معلومات عن والد المؤلف. إنما يفهم من كلام الابن نفسه أن والده كان مولعاً بالتجوال في نواحي فاس بحثاً عن الأعشاب الطبية والكشف عن مواقعها، حيث يستند إليه الغساني في تحديد مواقع عدة نباتات. والظاهر أن أسرة الغساني من غرناطة نزحت إلى فاس بعد سقوطها في يد المسيحيين سنة 898 هـ/ 1492 م
كما أنه لا تتوفر معلومات وافية حول سيرة أبي قاسم الغساني. فالمقري الذي كان له على ما يبدو اتصال وثيق بالمؤلف في فترة من الفترات، اكتفى في ترجمته له بالثناء على أصله ونسبه، مؤكداً سمو أخلاقه وكرم خصاله. ويذكر أنه »تفرد ـ حفظه الله ـ بعلم الطب بالحضرتين ـ يقصد فاس ومراكش ـ وشارك في سائر العلوم« .
والظاهر أن الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الغساني في مجال الطب والتداوي بالأعشاب هي التي جعلته من بين الأطباء المقربين إلى السلطان السعدي أبي العباس أحمد المنصور الذهبي (986 ـ 1012 هـ/ 1578 ـ 1604 م) . فالغساني في خطبة كتابه يصرح بأنه صنفه بقصد إرضاء السلطان السعدي: »فإن وقع من المولى ـ أيده الله ـ موقع القبول، فهو الغاية والمأمول«.
ويتضح من خلال بعض المصادر أن الغساني كان شاعراً مبرزاً، قام بنظم عدة قصائد وموشحات في مدح السلطان السعدي في مناسبات مختلفة، إحداها كانت بمناسبة تدشين سد »بوطوبة« في فاس سنة 1009 هـ/ 1600 م
وهناك قرائن تدل على أنه قام أيضاً بدور المترجم في البلاط السعدي، وذلك في فترة شهدت ازدهاراً في العلاقات المغربية الأوربية وكثرت السفارات التي تفد على هذا البلاط. فالمصادر تنسب لصاحبنا كتاباً عنوانه "مغني الطبيب عن كتب أعداء الحبيب" هو »عبارة عن ترجمة عربية موسعة لكتاب طبي محرر بالإسبانية أو البرتغالية أهداه بعض الأوروبيين إلى أحمد المنصور الذهبي، وقد أضاف المترجم إلى الأصل مقدمة وفصولاً من إنشائه«.
وقد شهد أحمد بن القاضي لصاحبنا بالمشاركة في فنون من العلم وقال عنه: »إنه اختص من بين الأطباء بسلامة الاعتقاد«. وهذه شهادة لها وزنها في ذلك الزمان للريبة التي كانت تطبع نظرة الفقهاء وفئات من المجتمع لطبقة الأطباء، لما كان يغلب على عدد منهم من اهتمام بكتب الفلاسفة القدماء وتأثر بمذاهب الفلاسفة الإغريق.
والحقيقة أن الجانب الذي يهمنا أكثر في حياة وسيرة أبي القاسم الغساني هو أنه كان من أهل فاس، حيث ولد بها ونشأ بها. وهذا من دون شك يعطي وزناً كبيراً للمعلومات التي وردت حول مدينة فاس في كتابه الذي هو موضوع الدراسة. فبالرغم من أن أسرة الغساني لم يمر على استقرارها بفاس عهد طويل، فإن ما ورد في كتاب "حديقة الأزهار" من معلومات حول جوانب مختلفة من أوضاع المدينة تتصل بالعادات والتقاليد وأنشطة اقتصادية متنوعة ينم عن سرعة اندماج هذه الأسرة، وقوة ودقة حس الملاحظة عند صاحبنا. وهي خصال ضرورية في من يهتم بعلم الأعشاب والعقاقير، ويهتم بعلاج الأبدان؛ إذ لا تكفي الإحاطة بغريب الأعشاب والأدوية، بل يجب الإحاطة أيضاً ببيئة المريض ومعرفة مختلف العناصر النفسية والطبيعية والاجتماعية التي يمكن أن تكون سبباً في الإصابة بالمرض.
صنف الغساني ثلاثة كتب كلها في الطب والأعشاب، أهمها كتاب "حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار". وقد أنجزه في شهر محرم عام 994 هـ/ 1585 م وألفه برسم خزانة السلطان أحمد المنصور الذهبي. ذكر المقري كتاب "حديقة الأزهار" فقال: »كتاب عجيب في بابه لم يؤلف مثله، يذكر سائر الأعشاب والعقاقير بما سميت به في الكتب، ثم يذكر اسمها بلسان عامة الوقت، ثم يذكر خواصها على وجه عجيب«. ولقد وضع الغساني مختصراً لهذا الكتاب ليكون في متناول الطلبة.

بالتوفيق 2013-06-23 13:47

رد: حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني
 
الجزء الثالث

موضوع كتاب "حديقة الأزهار" ومنهجه
يعتبر هذا الكتاب من ذخائر التراث الإسلامي في علم الأعشاب والعقاقير، صنفه طبيب مغربي متمرس في هذا الميدان، سلك في كتابته أسلوباً علمياً دقيقاً معتمداً في ذلك على المصادر العربية الرائدة في علمي الطب والنبات، ومعتمداً أيضاً على المعاينة والملاحظة المباشرة كلما تيسر له ذلك. فنجده في عدة مواضع يقول مثلاً: »ولقد رأيته كثيراً ووقفت عليه بجبال تاغيا وقطفته هنالك بيدي«…، و»قد رأيته ووقفت عليه«…، و»قد رأيت منه شجرة واحدة عندنا بفاس«…. كما أننا نجده في حالات أخرى ينقل عن مصادر موثوقة يتخيرها. من ذلك مثلاً: »ولقد حدثني والدي… أنه رآه ووقف عليه«…، وفي مكان آخر: »وحدثني والدي.. أنه رأى أخرى«….
ونجد الغساني في مواضع أخرى عندما يتعلق الأمر بمواد مستوردة من بلاد بعيدة، فهو لا يكتفي دائماً بالنقل عن كتب القدماء الموثوقة، بل يجتهد في تعرّف تلك المواد عند باعة العطور والأعشاب الذين كانوا بمثابة الصيادلة. كما أنه يلجأ إلى سؤال الرحالة والتجار لاستكمال معلوماته حول المواد النادرة والتي أغفلها القدماء. ومن ذلك ما يحكيه عند تعريفه بخروب السودان: »لم يذكره أحد من الأطباء القدماء والمتأخرين إلى هلم جراً، وإنما استخرج بعدهم. حدثني من أثق به من التجار المسافرين للسودان أن شجرته«….
ولقد تناول المؤلف في كتابه قرابة 380 مادة مفردة، معظمها من النبات وسبع مفردات حيوانية ومعدنية، حيث قام بشرحها والتعريف بها. رتب المفردات على الحروف الأبجدية، فيذكر الاسم العلمي للمادة ثم يشرح ماهيتها ويصف شكلها وأجزاءها. وفي كثير من المواضيع يذكر الغساني البيئة التي تنبت فيها الأعشاب، ويذكر الاسم الشائع للمادة عند العامة بفاس أو المغرب عامة سواء بالدارجة العربية أو اللهجة الأمازيغية. وبعدها يبين المؤلف طبيعة المادة ويذكر خواصها ومنافعها الطبية.

بالتوفيق 2013-06-23 13:50

رد: حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني
 
الجزء الرابع
قيمة الكتاب التاريخية
يحتوي كتاب "حديقة الأزهار" على فوائد تاريخية مهمة تشمل جوانب مختلفة. فهو إلى جانب أهميته الأساسية في التعريف بالأعشاب ومنافعها الطبية، وأنواع الأمراض التي كانت موضع عناية الأطباء في تلك الحقبة التاريخية، فالكتاب يتضمن أيضاً معلومات تهم أنشطة اقتصادية وأوضاعاً اجتماعية ميزت بلاد المغرب على العموم ومدينة فاس على الخصوص. وعدد كبير من هذه المعلومات مهم ينفرد الغساني بإيرادها دون المصادر التقليدية، كما أن عدداً من هذه المعلومات فاتت عدة باحثين معاصرين اهتموا بالتأريخ للفترة السعدية. ومما يزيد في قيمة تلك المعلومات أن صاحبها اعتمد في جمع جزء كبير منها على مشاهداته الخاصة وخرجاته الاستكشافية الميدانية.
إن قيمة الكتاب التاريخية لا تهم فاس فقط، بل تتعداها إلى جهات أخرى. من ذلك مثلاً المعلومات النادرة التي يقدمها الغساني حول القطاع الفلاحي والمحاصيل الزراعية التي ميزت بعض المناطق من بلاد المغرب. فهو عند حديثه عن »الفِصفِصة« (بكسر الفاءين) يذكر أن »منابته الجنات والعمارات وبين التخوم والزروع«، ويضيف: هي »كثيرة بمراكش يحرثها الناس بالجنات والعيون تسمن عليها الخيل جداً«.
وفي مكان آخر يذكر الموز ويصف ثمر هذه الشجرة، فيقول إنه »كالخيار يجنى قبل نضجه ويترك في أزيار (جمع »زير« وهو الكتان) مغموماً حتى يأخذ في النضج. فإذا نضج، كان طعمه كعسل وسمن ممزوجين«. ثم يقرر: »ليس شيء منه بأرضنا في هذا الزمان«، أي في أواخر القرن العاشر الهجري، بينما يؤكد أنه »كان قبل هذا الوقت بمدينة سلا ودمر منها«. هذه الملاحظة الأخيرة ينفرد بها حسب علمنا الغساني، وفاتت بعض الدارسين المهتمين بالفترة السعدية، فقرروا استمرار زراعة الموز بسلا استناداً إلى إشارة الوزان في هذا الموضوع.
ويشير الغساني إلى ازدهار زراعة قصب السكر، الذي »يعرف عند العامة بالمغرب بالقصب الحلو. وهو كثير بناحية سوس من المغرب الأقصى خارج مدينة تارودانت، يعتصر هنالك بمعاصر كثيرة الرجال والخدام«. ومما ينبه عليه الغساني إنتاج »عسل أبيض كالكافور« بناحية دبدو بالمنطقة الشرقية من المغرب الأقصى، إذ أن النحل ترعى نبات الشيح الذي يكثر بهذه المنطقة، حيث »منابته الرمال وقرب البحر«.
ومن جملة الفوائد التي يتضمنها الكتاب أيضاً، استعمالات بعض الأعشاب والمواد في المجال الغذائي والصناعي. من ذلك مثلاً لجوء الناس في زمان الجدب والغلاء إلى نبات يعرف تحت اسم »لوف«، وهو »من جنس الكفوف، ومن نوع البصل (…) ويسمى عندنا بالمغرب آيرنا«، حيث يصنع منها الخبز، بالرغم من »أنها تضر بالحلق وتنفطه«. وفي مكان آخر يشير الغساني إلى نبات يعرف عند العامة بالزوان »منابته مع الزرع، يطحن ويعتصد ويقتات منه، ويأكله الطير الصغير مثل العصافير واليمام والحمام، معروف عند الفلاحين.
ويطلعنا الغساني عند حديثه عن شجر العرعر على أن »خشبه أحمر ملزز صفيق يكل في قطعه الحديد (…)، عطر الرائحة، تصنع منه الأكواب والمشربات والغراريف«. ثم يضيف: »وهو كثير بناحية تازة، وبها تصنع هذه الأواني المحكمة الصنعة والإتقان وجميع أنواع القصع والأجفان«. ومن دون شك، فإن منتجات بهذه الجودة والتنوع والإتقان كانت تجد لها سوقاً رائجة بمدينة فاس وتنافس إنتاجها المحلي، إذ أن حاجة الناس لمثل هذه الأواني دائمة ومستمرة. وعند تعريفه لنبات يسميه العامة بالمغرب »القنب«، يذكر أن هذا النبات »كثيراً ما يزرع بناحية مكناسة الزيتون«، حيث »إذا يبس وجف، يمرس وينفض كما ينفض الكتان، ويصنع منه الشرائط والحبال«. ثم يشير الغساني إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة مرتبطة بأكل ورق هذا النبات الذي من خواصه الإسكار، ويسمى عند العامة بالحشيش، فيقول: »وقد عمت البلوى في هذا الزمان الكثير الفواحش والمناكر بكثرة أكله والاشتغال به عند الرجال والنسوان والشبان والصبيان، وفحش ذلك فيهم واتبعوا أهواءهم إلا من عصمه الله« .
ويطلعنا الغساني عند شرحه لماهية نبات يعرف تحت اسم »أشتان«، أنه »كثيراً ما ينبت بناحية مراكش، ويسمى عندهم بالغاسول«، ثم يشرح سبب إطلاق العامة لذلك الاسم فيقول: »لأنه يغسل به الثياب فينقيها من درئها ويبيضها، وله رغوة كرغوة الصابون«. ثم يذكر فائدة أخرى: »وبه يغسل اللك فينقيه من درئه وحثالته، ويحل به حتى تتمكن به الكتابة«.
ويدلنا الغساني في كتابه على مكان استخراج بعض المعادن ووجوه استعمالها في عصره. فهو عند تعريفه للإثمد، يذكر أنه حجر صلب ثقيل ملمع براق كحليّ اللون »يخالطه الرصاص في جسمه. ولذلك، إذا جعل مع الفضة عند السبك، كسرها«. ثم يضيف: »وله معادن ومواضع بناحية ملوية بقرب أرض ميسور بأماكن هناك ومعادن تسمى ببني يسترى وبني تجت مشهورة معروفة فيها معادن الإثمد والرصاص والحديد« .
إن الحديث يطول بنا لو أننا كلفنا أنفسنا تتبع الفوائد التاريخية التي يتضمنها الكتاب والتي تخص مناطق مختلفة من بلاد المغرب وبلاد الأندلس، ولكننا أردنا لهذا البحث أن يركز بالأساس على مدينة فاس وأحوازها. إن الكتاب يكتسي أهمية كبيرة بما يتضمنه من معلومات ولو أنها غير مباشرة، لأنها تسلط الضوء على بعض الجوانب الدقيقة من أوضاع المدينة الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً في فترة جاءت مباشرة بعد سلسلة من الأزمات المختلفة التي مرت بها المدينة وكافة بلاد المغرب نتيجة انحطاط الدولة المرينية منذ أواخر القرن الثامن الهجري، حيث كانت فاس عاصمة لتلك الدولة. ولقد عجز خلفاؤهم من الوطاسيين عن وضع حد للفوضى التي كانت تعيشها البلاد، والتي كان من مظاهرها استفحال الصراعات القبلية، وتوالي سنين الجفاف والقحط، وانتشار الأوبئة، وتفشي المناكر والفواحش. وهذا مع نجاح حركة الغزو الصليبي في القضاء على آخر معاقل الوجود الإسلامي بالأندلس وانتقالها إلى الاستيلاء على عدة مواقع أو أراضي ساحلية مغربية، وذلك في غياب أي مقاومة جادة من الدولة المغربية.
ولقد شكل قيام الدولة السعدية بارقة أمل في تدارك تلك الأوضاع، ولكن ذلك لم يكن بالأمر السهل. فبالرغم من الإصلاحات التي قامت بها السلطة السعدية والنصر الذي تحقق لها في معركة وادي المخازن على الإسبان والبرتغال، فحجم الأزمات التي مرت بها البلاد المغربية تركت آثاراً عميقة في النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي صعب تجاوزها في فترة وجيزة. إن ميزان القوى كان في صالح الأطراف الأوروبية التي كانت تعيش البدايات الأولى لعصر النهضة، وكان طموحها قوياً في تحقيق المزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي في الجزء الغربي من حوض البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وبلاد السودان. وهزيمة وادي المخازن كانت مجرد عثرة نجحت إسبانيا والبرتغال تدريجياً في تداركها. وإبان العهد السعدي تراجعت مكانة مدينة فاس على المستوى السياسي، بعد أن جعلت الدولة الجديدة من مراكش عاصمة لها. هذا التحول دعم دور مراكش الاقتصادي وجعلها تنافس فاس على المستوى الثقافي والديني.
إن أهمية كتاب "حديقة الأزهار" بما هو مصدر لجانب من تاريخ مدينة فاس في مطلع العصر الحديث تتأكد لكونه صنف من زاوية لها مميزات خاصة تميزه عن المصادر المتداولة والتي اعتمدتها الدراسات التي همت فاس في تلك الفترة. هاته المصادر التي غلب عليها الاهتمام بالأحداث أو بالترجمة للشخصيات العلمية أو الصوفية، أو الوقوف عند الظواهر الاجتماعية والاقتصادية من زاوية فقهية. إضافة إلى مصادر غلب عليها الطابع الجغرافي أو الاستكشافي حررها مغاربة أو أجانب. هذه الأخيرة تقترب في أسلوبها نسبياً من أسلوب الكتاب الذي هو موضوع دراستنا، لأن أصحابها اعتمدوا في الغالب أسلوب الملاحظة المباشرة والملموسة، ويمكن أن نذكر هنا نموذجاً هو كتاب "وصف إفريقيا" للحسن الوزان الفاسي المعروف بليون الإفريقي.
لقد سبقت الإشارة إلى أن محور اهتمام الغساني في كتابه هو التعريف بالنباتات. والذي يجب أن ننبه عليه أنه لم يقتصر في عرضه على الأصناف الطبيعية والبرية، بل تعداها إلى ما اصطلح على تسميته في كتابه بالأصناف البستانية التي كان للإنسان دور في زراعتها والعناية بها. فالحبوب والقطاني والخضار والفواكه والثمار كانت موضع عنايته وإن بدرجات متفاوتة، لأنها هي أيضاً لا تخلو من منافع طبية حرص الأطباء وعلماء النبات القدماء منذ عهد الإغريق على حصرها. وهو أمر تراجع عنه علماء النبات المحدثون بعد استقلالهم عن علم الطب، إذ انصب اهتمامهم على حصر وصف النباتات الطبيعية والبرية والتعريف ببيئتها.
إن الغساني في معرض شرحه ووصفه لتلك المواد وتحديده لخواصها ومنافعها الطبية، يستطرد في كثير من الأحيان ليحدد أسماء مواقع لعدد من تلك المواد، خصوصاً تلك التي وقف عليها بنفسه، فيصف البيئة الطبيعية التي تظهر فيها. وإذا كانت لتلك المواد استعمالات أخرى في حياة الناس غير الاستعمالات الطبية، فهو يذكرها. وبحكم أن عدداً كبيراً من الاستطرادات يهم موادّ توجد لها عينات بمدينة فاس أو أحوازها، فهي معلومات ذات أهمية لا يستهان بها، إذ تكشف عن جوانب أغفلتها المصادر الأخرى، أو أن بعض هذه المعلومات يكمل أو يعضد مثيلات لها في تلك المصادر. وسنبدأ في عرضنا لهذه المعلومات بتلك التي تخص المحيط والبيئة الطبيعية التي تميز موضع مدينة فاس وأحوازها القريبة.


الساعة الآن 13:21

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd