وضعية / مشكلة -أو- بركة الولي الطالح سيدي بيداغوج الديداكتيكي

اليوم الاول:مرت أزيد من 40 دقيقة و فترة الاستراحة لم يكتب لها أن تنتهي بعد ،غبار ساحة ''المدرسة'' يوحي و كأن أسبوع الفرس مر من هنا ، أو كأن فرقة ''التبوريدة'' أجرت عرضا أو عرضين بباحة الفرعية الممتدة...جدران القسم تذكر المارة و المتأملين و الزائرين بكل الدمار الذي لحق غزة جراء العدوان الجبان ..و بكل اللامبالاة التي تتعامل بها الوزارة مع عقاراتها.حل الجيلالي متأخرا بثلاث ساعات عن موعد الدخول بعدما انتصر عليه حنين جارف لحمام المدينة بطقوسه و دفئه و استيهاماته فهرول لحزم حقيبته الخضراء العتيقة و قصد '' البرمة ;دون أن يستشير أحدا أو يوقع إذنا أو يطلب ترخيصا ... كان يعلم جيدا أن زيارة الحمام لا تحتاج لإذن مسبق ، وأن الكسال لن يطلب منه مبررا أو ردا عن استفسار . فكل ما يحتاجه هو كيس خشن من النوع الجيد ...اعتذر لتلاميذه المتفهمين لوضعه و المتعاطفين مع توحيمته لدرجة التواطؤ و انهمك في محاولة تدارك وتعويض ما فات ... وجد نفسه يضرب أخماسا في أسداس و يخلط ما بين النعت و الحال و المناخ و الجو ، و التركيب على التوالي و التركيب على التوازي و ما بين سنن الوضوء و فرائضه ... و تيقن أنه ينافق نفسه و يرهقها لا غير ، و أنه أوقع تلاميذ مستوياته الأربع في موقعة انهزم فيها الجميع و خسروا فيها التركيز و الاستيعاب و كل الأهداف و الكفايات المرجو تحقيقها ... تساءل متحسرا ; هل يعقل أن يستوعب كل هؤلاء كل هذه الخلطة و في هذه المدة ؟ لعل لسيدي بيداغوج الديداكتيكي بركات لا يعلمها إلا مريدوه؟؟؟؟؟;عاد ليلتقط أنفاسه و ليدعو في نفسه على من همش المنطقة و أقصاها من كل المبادرات التنموية بكل المصائب و الأوبئة و الأمراض و العلل... و بأنفلونزا جديدة سماها أنفلوانزا الذباب.. تأمل الفضاء عبر شرفة الفصل المحطمة فبدت له طبيعة الدوار الموحشة و الغارقة في التردي و البؤس و الهشاشة و الحرمان ... صمت كئيب ينبئ عن عزلة و فراغ قاتلين و المذكرة الوزارية تلح على ضرورة انفتاح المؤسسة على محيطها !!! كيف لهذا القسم الآيل للانهيار أن ينفتح على ساكنة آيلة للانقراض هجرة و موتا و صمتا !!! خمن غاضبا .في اليوم الموالي:انكفأ المساكين على حل عمليتي ضرب وطرح غير منتهيتين في الوقت الذي كان الجيلالي هائما منشغلا باستحضار تطور حجم راتبه من يوم تخرجه إلى يوم تذكره ، و باستباق حجم الأجر الذي سيتبقى له إبان تقاعده ... و بحساب المبلغ الذي لا زالت الأبناك و شركات القروض و الأفراد يدينون له به ... و أخيرا بالمبلغ الذي سينجح في توفيره بعد عشر سنوات إن هو تمكن من ادخار 222 درهما كل 22 يوما .. عاد ليشغل التلاميذ من جديد بعمليتي قسمة و طرح لا منتهية و اعتكف منتشيا على رسم منزل أحلامه بمراحيضه المريحة و حماماته الكثيرة و بطوابقه و أسرته الوتيرة و نسائه الأربع الجميلات.. و على حين غرة دلفت ; حنان زميلته في الفرعية و اتجهت صوبه حاملة بين يديها منشف شعر معطل راجية منه إصلاحه كونه أحب الأجهزة و أقربها إلى قلبها ...أخفى الجيلالي مرتبكا ورقة أسراره المالية و التقط المنشف واعدا ببذل قصارى جهده لإصلاح ما يمكن إصلاحه و في قرارة نفسه أبرقت فكرة اقتناء آخر صيني جديد يشتغل بالطاقة الشمسية كعربون حب ووفاء و كهدية لمن يلقبها بأميرة الجبال. مساءا كانت كل محاولاته الإصلاحية قد باءت بالفشل.. فك البراغي و أعاد توصيل الأسلاك.. أذاب كمية من النحاس و الرصاص على كل السيليكونات و المسارات... و دون جدوى.. أعاد تفكيك و تنظيف المنشف.. و عرض كل أجزائه لأشعة الشمس لأيام عديدة ... نفخ في تجاويفه أياما أكثر; و لا حياة لمن تنادي أخذه معه يوما إلى حيث أقرب سوق أسبوعي بعدما لم تنجح كل افتاءات و اقتراحات عارفي الدوار عرضه على أنظار مرمم ثقوب الأواني و مصلح طنجرات الضغط ...طاله مفك و ملقاط صانع الأسنان ... تعرض لكي المعالج الشعبي المتخصص في بوزلوم وبوصفور وبونيف و لتعويدة العوادة الشهيرة و البارعة في إخراج السموم و العلق و التوكال و لا أمل في الأفق ..اقتربت إحدى المتسوقات من توحيمة الجيلالي و هو يلتمس متوسلا من إحدى العرافات إصلاح المنشف و أخبرته بصوت حان أن بطارية الجهاز تالفة و أن كل ما يلزمه هو بطارية جديدة لا غير ...عاد لفرعيته الأم و بحوزته دزينة من البطاريات قدمها هدية لمؤنسته الوحيدة ، و لج لفصله الغارق في الرطوبة متأخرا بساعتين عن موعد الدخول كعادته كلما قصد سوق الدوار الأسبوعي و همهم متأسفا ; قسمي هو الآخر يحتاج لمنشف روتيني ضخم ينفض عنه غبار الغمل و الملل و السأم ..لبطارية جديدة تدوم و تدوم.. قد أكون أنا هي .. و قد يكون المنهاج .. و قد يكون الوزير .. و قد يكون النظام .. و قد نكون جميعنا ..قسمي بحاجة لتميمة فلاح من تحت قبة ضريح سيدي بيداغوج الديداكتيكي تعيد الروح لهذه الإرادات المشلولة و هذه العزائم الموؤودة ... كل هذه الأفكار راودتني حول منشف شعر فاسد ..آلة صماء جامدة .. كل هذه المشاريع خطرت ببالي و أنا من يصاب تفكيره بالعقم حيال مشاكل التعلم و ووضعيات الاستيعاب التي تعترض تلاميذ فصلي ذي المستويات الأربعة .. سامحني الله !!! ;و على حين غرة اقتحمت حنان شبه الفصل و اتجهت صوب توحيمته مباشرة حاملة بين يديها منتافا آليا راجية إياه تنظيف أسنانه الصدئة ، و مصباحا يدويا تعطل زر تشغيله..خمن لوهلة غاضبا ; لعل حرفتنا هي من تحتاج لكشاف كهربائي يسلط أضواءه على مكامن الخلل و العطب التي خربت منظومتنا و ألصقت بها معرة الفشل .. و لمنتاف جبار نقتلع به كل الأشباح و المقصرين و المفرطين و المتقاعسين ; غير أن مشاعره الجارفة تجاه حنان و انتفاض توحيمته انتفاضا كلما عاين قوامها المقهور و استحضاره لذكريات رحلته الخالدة رفقتها صوب ضريح الدوارلم تجعله يصمد لأكثر من أربع ثوان من صحوة الضمير ...

اشتقنا لهذه الجيلاليات التي تلامس واقعنا التعليمي وتحكي مشاكله بهذا الأسلوب الشيق والجميل
يبدو أن منشف الشعر خلق للجيلالي وضعية مشكلة جعلته يطرح جملة من الافتراضات ويسعى لحلها ..وهذا ما تريده كفاياتنا العزيزة اليوم .
كل التقدير لهذل العقل القدير الذي يتحفنا بكل ماهو جدير بالتتبع .
دمت كاتبا وأديبا متميزا أخي الكريم نور الدين.

أستاذي نوردين
اشتقنا إليك كثيرا .. لا تتغيب عنا أرجوووووووووك
بروف في بي يرحب بك
محبتي

أذن للجيلالي أن يزورنا ..يا مرحبا يا مرحبا..اشتقنا ألى نصوصك يا رجل...تعلم كم ابهرتنا في دفاتر التي رحلتنا رغما عنا إلى هنا...لنجد ألطف خلق الله ....مروري المتواضع من هنا تقبله بصدر رحب....ننتظر كل الجيلاليات ...كي يستمتع الباقون ...مودتي...