منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

ثلاث مرتكزات لإصلاح نظام التقاعد

سيكون من حسنات هذه الحكومة، أنها فتحت ورشا كبيرا يرتبط بإصلاح صندوق التقاعد إصلاحا بنيويا جذريا يؤمن للأجيال القادمة مستقبلها ويطمئنها على كرامة عيشها، فقد كانت حساسية هذا الملف الشديدة تمنع الفاعلين السياسيين المدبرين للسياسات العمومية من الاقتراب من لهيبه، إذ ما أن انتهت اللجنة التقنية من عملها حتى بدا التردد واضحا في الإقدام على إصلاح هذا الملف وتحمل كلفته السياسية، فتراوحت المقاربات بين تأجيل الأزمة وبين تدبيرها في أحسن الأحوال.
اليوم، تبين أن هذه المقاربات استنفذت أغراضها، ولم يعد هناك أي خيارٍ آخر، سوى المضي إلى نهاية الطريق في هذا الملف.
صحيح أن الخيارات المطروحة على الطاولة ليست كثيرة، وأغلبها مكلف من الناحية الاجتماعية، لكن مع ذلك، لا ينبغي أن يتم الارتهان إلى الأطروحات التقنية التقليدية التي تختصر معالجة الملف في الزيادة في سن التقاعد أو الزيادة في المساهمات في صندوق التقاعد.
فهذه الإجراءات قد تكون ضرورية إذا ثبت عدم وجود خيارات أخرى يمكن الارتهان إليها في رفع الكلفة عن الذين دفعوا مستحقات صناديق التقاعد وبلغ بهم السن حد الجهد واستحقاق الانتهاء من الخدمة. لكن قبل ذلك، لا بد من اختبار كل البدائل الأخرى، بما في ذلك توسيع الوعاء بما يشمل أكبر قاعدة من المساهمين، فنسبة 33 في المائة من الذين يحظون بالتغطية، رقم ضعيف، وآمال وتطلعات شرائح كثيرة في الحصول على هذه التغطية لا ينبغي أن تعوقه مساطر إدارية أو قوانين وضعت في سياقات أخرى لم تستشرف حقيقة ما يمكن أن يؤول إليه الوضع.
ليس المهم اليوم بدرجة أولى، خاصة بالنسبة للفاعل السياسي والنقابي، الخوض في تفاصيل المقاربة التي يمكن أن ينتهي الحوار التشاركي إلى إقرارها وإسنادها، لكن المهم هو المتركزات التي ينبغي أن تقوم عليها هذه المقاربة، وهل ستأخذ المنحى التقليدي التقني الذي يراهن على ملء فراغ الصناديق ملأين: ملأ في الزمن وملأ في الاقتطاع، محملة في ذلك كلفة الإصلاح للمجتمع، أم سيتجه في منحى تأجيل الأزمة وتدبيرها عبر الرهان على توسيع الوعاء، أم سيتجه في المنحى السياسي، بالنبش في ملفات هذه الصناديق، وانتهاء التحقيق بشأنها، إن انتهى إلى شيء، ثم فتح الملف من جديد للنقاش والتداول، أم أنه سيتجه في منحى آخر يتحمل فيه الجميع مسؤوليته في إصلاح هذه الصناديق على قاعدة التضامن في المسؤولية والتضامن في تحمل الكلفة.
ينبغي التأكيد هنا، أن الكلفة الاجتماعية إن كانت ضروية في إصلاح صناديق التقاعد، ينبغي أن يسبقها ما يفيد بأن جزءا كبيرا من الحل ينبغي أن تتكفل به الدولة أيضاً، ليس فقط بحكم أنها تخلت سابقا عن الوفاء بجزء من التزاماتها تجاه هذه الصناديق، ولكن أيضا بصفتها شريكا أساسيا في الإصلاح، فلا يمكن أن يقبل أن تضخ الدولة ملايير الدراهم في بعض القطاعات التي عرفت الإفلاس بسبب سوء التدبير وعد التزامها بعقود البرامج المبرمة مع الدولة، ولا تتحمل الدولة شيئا في إصلاح نظام التقاعد، فهذا المنطق لا يمكن أن يكون مقبولا.
ولذلك، إذا كان ضروريا أن يتحمل المجتمع ضريبة إصلاح نظام التقاعد بالشكل المناسب، فإن الدولة معنية أيضا بضخ مبالغ مهمة في هذه الصناديق تؤهلها لأن تتعافى من أزمتها وتخلق قدرا من الطمأنينة في نفوس متقاعدي اليوم والغد.
على أن هناك مرتكزا ثالثا، إلى جانب الكلفة التي سيتحملها المجتمع والدولة معا، وهو المنصرف إلى تدبير مال صناديق التقاعد، ودمقرطة المؤسسات التي توكل إليها هذه المهمة، وإحاطتها بقدر مغلظ من الرقابة والمتابعة والمساءلة والمحاسبة. فليس مقبولا، أن يتم تحميل المجتمع والدولة هذا العبء الثقيل لإصلاح نظام التقاعد، ثم تذهب الأموال ضحية سوء تدبير أو سوء تقدير في متجهات الاستثمار أو غيره، ولا يعقب ذلك أية مساءلة أو محاسبة.
اليوم، تمتلك الحكومة المؤهلات والصلاحيات الدستورية التي تجعلها قادرة على دمقرطة هذه المؤسسات، وتملك المؤسسة البرلمانية أن تحيطها بما يكفي من التشريعات التي تضمن رقابتها ومساءلتها ومحاسبتها، ولا تعدم الإرادة السياسية لمواكبة إصلاح صناديق التقاعد بالشكل الذي يجنب البلاد السقوط في هذه الكارثة مرة أخرى.

بلال التليدي

02/02/2013