مناجاة بحر

لمحتها تشق طريقها وسط الزحام مشتتة الفكر هائمة على وجهها ، في عينيها جراح اليأس تعصف ببريقها ، مرتدية قميصا أبيض، وشعرها الأسود منسدل على كتفيها ، حافية القدمين ، غير مكترثة بالجوقة التي حولها ولا المكان المكتظ بالمارة ، كأنها تبحث عن شيء ، عن شخص ضاع منها في هذا الزحام ، أثارت فضولي وتتبعت خطواتها مسافات طويلة حتى وصلت إلى الشاطئ ، بسطت ذراعيها جانباً وابتدأت تدور حول نفسها كأنها تعانق البحر عناقا حارا ، عناق الحبيب المتلهف لرؤية حبيبه العائد بعد غياب طويل ، اتجهت نحو صخرة عالية وحيدة قابعة دون حراك ، أخذت تتأمل غروب الشمس وهي تركض استحياء لتختبئ في جوف البحر ،رحلت الشمس ،و أسدل الليل خيوطه المظلمة، وخيم السكون والحزن على المكان، جلست تشاهد أمواج البحر ؛تراقب وتتأمل سكون وضوء القمر ،دفعت ريح خفيفة خصلات شعرها إلى الوراء،… وقفت ،… استقبلت البحر بوجهها، استنشقت الهواء حتى امتلأت رئتاها ثم أخرجته بزفير قوي مصحوبا بصوت عالٍ مدو … (آآآآآآآآه) سمعت فيه ألما كبيرا غائرا، تأوهات كلها حسرة وآلام عمر تمخر الصدر ، آهات مكبلة ببريق دمعة مجروحة ،نظرت يمنة ويسرة كأنها تلملم أفكارها المبعثرة حولها محاولة جمعَ شتاتها المتناثر بسحب ذكريات الأيام الخوالي ،حاملةً بينِ طياتها زخات أوجاع و أسرار فؤاد مكلوم مرصع بدرر الهموم ، وجواهر الألم ؛ جلست بمكان غير بعيد عنها أرقبها في صمت ، و تساؤلات هائجة تراودني تتلاطم بداخلي ،سمعتها تقول :أبوح لك أيها البحــر بألمي وهمومي وجراحي كلها تنزف دما وصدأ .. كلماتي أبحرت بين امواجك فأسرت روحي التي باتت تود معانقتك.......... اليكـ يا بحر اشكو قله حيلتى فأنت مبتهجي ومنتجعي ،أنت الأميـن ذو الصـدر الوثيـر بالله عليك يا بحر كيف لي أن أنسى الطعنات وإخفائها وراء ابتسامة باهتة وقد تجرعت مرارة الخيانة، ؟!.....والروح تئن وتتلوى أوردتها على مسارب الألم والغدر........تتلقف الأسهم المسممة بألسنة الأفاعي الحبلى برذاذ من الكيد المغلف بسعاف من نار لفظتها قلوب أتقنت فن الالتواء... قلوب تحتاج أن تتطهر؛ أجبني يا بحر نيران صمتك تحرقني تحيرني تقتلني ،الطمني بـأمواجك .. دع صوتها يبوح بإجاباتك، ابتلعني أغرقني في أعماقك لا تصمت. أخذ البحر يلفهما بنسماته كأنه يضمها إلى صدره ليطمئنها، يلامسها بيــدي حنــان و حب ،ينثر عليها من رذاذه ، عله يخفف من أنينِ أوجاعها ومن لظى آلامها ؛ فجأة اقترب منها رجل أمسك يدها وهمس أنت شامة دنياي وزهرتها ، أنت الساطعة في علياءك وأنا المتمرغ في وحل الخطيئة فأنا أخجل منك، أخجل من طيفك.أخجل من رائحة يدك كلما لمستها ؛ انزعي الشظايا التي غرزت في جسدك ؛ لا تقبعي في غابة الانكسار؛ لا تمتهني الهروب....والنبحث عن الحروف التي ضاعت بين الأسفار ونعيد ترويض الكلام . لنكتب ما فات الزمان والمكان أحسن قصائد .
أم الزهراء شيماء
27/12/2012

-********************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك..
على هذا التقاسم الرااائع و الممتع

تحياتيـ العطرة
-******************-