منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - تلقين القيم الإسلامية للأطفال عن طريق تدريس السيرة النبوية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإن تربية أطفال المسلمين، وتنشئتهم على القيم الإسلامية الخالدة، مطلب اجتماعي ملح، ينبغي أن تتجه إليه أنظار المصلحين، وتجتهد في تحصيل أدواته، ووضع تخطيطاته مساعي الدعاة المخلصين. وذلك أن أطفالنا صاروا عرضة لأصناف لا تحصى من الفتن الدينية، التي تصرفهم عن التصور الإسلامي الصحيح، وتدخلهم في مضايق الفكر الغربي المتحلل من القيود الاجتماعية كلها، والمتحرر من الضوابط الأخلاقية جميعها.
وإن طرائق الوعظ التقليدية، وأساليب الزجر القديمة، ما عادت تجدي نفعا، ولا صارت تغني فتيلا، بسببب التطورات الفكرية المتلاحقة، التي تعرض لها المجتمع المسلم، فصارت الحاجة بارزة إلى تبني الأساليب الحديثة، في بث القيم الإسلامية في نفوس الأطفال، دون إغفال الخير الكثير الذي تنضح به المناهج التقليدية، خاصة في حمولتها الدينية الرصينة، ودقتها العلمية العالية.
وإن من أفضل ما يمكن استعماله في هذا المجال: سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن فيها من المواقف والأحداث، المعبرة عن أحوال النفس الإنسانية في تقلباتها، ما يسهل تلقين القيم الإسلامية الكبرى للناشئة، في أسلوب قصصي محبب إلى النفوس.
ويمكن التركيز خلال تدريس السيرة للأطفال على المحاور الآتية:

· تفهيم معاني التوحيد

وأصول التوحيد في السيرة أشهر من أن يبحث عن إبرازها، وأكثر من أن تحصى معالمها وآثارها، فإن السيرة كلها تجسيد عملي لمعاني التوحيد الخالص الذي أرسل به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. لكن المقصود هنا التذكير بأن مدرّس السيرة ينبغي أن يستغل أدنى فرصة للتركيز على هذه المعاني، ولو لأدنى مناسبة.
فإذا جاء ذكر الدعوة السرية والجهرية في مكة، فليوضح لب هذه الدعوة، ومضمونها الأصلي، وهو التوحيد ونبذ الآلهة التي تعبد من دون الله، وليكن ذلك فرصة لشرح معنى كلمة (لا إله إلا الله)، وإيضاح مفاهيم العبادة والشرك وتوحيد الألوهية وعلاقته بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، وما أشبه ذلك من المباحث العظيمة.
وإذا جاء ذكر ال**** في المدينة، بكافة أنواعه ومراحله، فليكن ذلك فرصة لبيان مفهوم الولاء والبراء، وشرح عالمية دعوة التوحيد التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على أهمية التوحيد الذي بسبب تسل السيوف، وتقام سوق ال****.
وهكذا في أمثلة أخرى لا تحصى.

· وضع أسس ميزان الشرع والقدر

وهذا الميزان أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية، والسعيد من وفقه الله إلى أن يعمل بهذا الميزان في حياته كلها، ويزن به كل تصرفاته العملية وتصوراته النظرية. والمحروم المخذول من غلّب أحد الجانبين في سلوكه إلى الله تعالى.
والسيرة مسرح عملي لتحقيق هذا التوازن الدقيق بين تحكيم الشرع، والإيمان بالقدر.
تأمل وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم في عريشه يوم بدر يدعو ويلح في الدعاء، بعد أن استكمل العدة، وأتى بكل الأسباب المادية الممكنة. حتى إن أبا بكر ليقول له: (بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز وعده) !
وتأمل قصة الهجرة، وما فيها من حرص شديد على تجميع أسباب نجاح هذا المشروع الخطير، ثم ما تجده بعد ذلك من اتكال تام على توفيق الله، وركون كامل إليه سبحانه: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).
وتأمل يوم أن اتكل المسلمون على الأسباب المادية وحدها، في غزوة حنين، فكانت الهزيمة، وكان العتاب الإلهي، وتصحيح المفاهيم: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم، فلم تغن عنكم شيئا...).
فأين المشمر لاستخراج هذه الكنوز وتلقينها لأطفالنا؟

· فضائل الصحابة

إن السيرة النبوية ليست سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وحده، وإنما يدخل فيها أيضا الكثير من مواقف ذلك الجيل الفريد الذي اختاره الله تعالى لصحبة نبيه، وحمل أعباء الدعوة الخالدة.
وأفضل ما ينمّى به محبة هؤلاء الصحابة الكرام في قلوب الناشئة: تفصيل مواقفهم الجليلة في ال**** والدعوة والصبر على الأذى والأخوة الإيمانية وحب الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – والانضباط بأوامره ونواهيه، واتباع سنته في القليل والكثير.
ثم إن تلك المحبة لا بد أن تكون راسخة متجذرة، لا تزعزعها أعاصير شبهات الفرق الضالة الشانئة للصحب الكرام، وذلك على حد قول الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى = فصادف قلبا خاليا فتمكنا

أصول الفكر الإسلامي

في السيرة المطهرة أصول فكرية عظيمة، ينبغي الحرص على أن يتشبع بها الطفل المسلم، حتى تتمحور حولها حياته كلها، وينصهر فكره الناشئ في بوتقتها.
فمن ذلك مثلا:
- أهمية الالتزام بالدين لبعث الأمة الراكدة: فالدين الحق هو الذي حول العرب الذين كانوا ضعفاء متناحرين على هامش التاريخ، إلى أمة قوية تحمل رسالة خالدة، وتبثها في مشارق الأرض ومغاربها. وما حصل في ذلك الزمن، يمكن أن يحصل في غيره، متى توفرت الظروف ذاتها.
- أصول الولاء والبراء التي على أساسها تتشكل هوية الأمة وتتميز عن غيرها: وهذا واضح في المؤاخاة الإيمانية التي انعقدت بين الصحابة المنتمين إلى قبائل متباينة، لم يجمعهم سوى الحب والموالاة في الله. وهو واضح أيضا في تعامل الصحابة مع آبائهم وأقربيهم إذا لم يلتزموا بدين الله، تحقيقا لمبدإ البغض والمعادة في الله.
- طرق المزاوجة المتسقة بين الدنيا والآخرة في سعي المسلم وتصوراته. فأكرم بالزهد النبوي الذي تنضح به سيرته، وهو الزهد الصحيح الذي لا يمنع من أخذ النصيب من الدنيا !
وقس على هذا أمورا أخرى كثيرة.

· رد الشبهات عن الدين

والشبهات إذا طرقت القلب، ولم تجد من العلم والدين ما يدفعها عنه، لم تعتم أن تصبح راسخة لا تتزحزح. والمسلم معرض منذ صباه إلى ما لا يحصى من الشبهات التي يبثها أذناب المستشرقين، وأفراخ العلمانيين، وأتباع سائر أعداء الدين. فإذا تركت هذه الشبهات على حالها، اتسع مجالها، وأوبقت الالتزام الديني كله.
وفي دراسة السيرة فرص كثيرة للرد على بعض الشبهات المتكررة، مثل: شبهة الرق في الإسلام، وشبهة القتال في الشرع، وبعض ما يثار حول زواج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أو حول نزول القرآن وجمعه، وما أشبه ذلك، مما يسهل على المدرّس التعرض له بالشرح والبيان.

· أحوال القلوب

أي إخلاص ذاك الذي تلمسه في سيرة رسول الله وسيرة أصحابه !
وأي انقياد وأي يقين وأي حب وأي صدق وأي وأي ... !!
إنك لا تقصد معرفة شيء من أعمال القلوب إلا وجدته في تلك السيرة المطهرة على أعلى ما يكون، وأبهى ما يتصور !
فلا يبقى لك عند تدريس السيرة إلا أن تنفض شيئا من غبار الرواية، الذي يجعل السيرة رواية تحكى، وقصة تروى؛ فما إن تفعل حتى يبرز أمام ناظريك بريق العبر ولألاء العظات، التي تغسل القلوب من أدرانها، وتمحّضها لربها ومعبودها، فتسلك إليه منيبة مخبتة.

· الأخلاق الظاهرة

وأما جمال الأخلاق، وبهاء السلوك الاجتماعي القويم، فحدث عن البحر ولا حرج .. !
في السيرة تجد الصدق في الحديث، وحفظ اللسان من الآفات ..
وفيها تجد حسن العشرة مع الأهل والأقارب، والإحسان إلى الجيران ..
وفيها تلمس الشفقة على الضعيف والمسكين، والإغلاظ للعتلّ الجبار ..
وفيها ترى توقير الكبير، والحنو على الصغير ..
وفيها تجد آداب المعلم مع تلميذه، وآداب المتعلم مع أستاذه ..
وفيها ما لا يمكن استقصاؤه من طيب الأخلاق، وجميل الخصال.
والطفل كالصفحة البيضاء، ينتقش فيها ما يكتبه معلمه، ثم يبقى ثابتا إلى ما يشاء الله من الزمن. فما أطيب أن تنتقش في نفوس أطفالنا هذه المعاني الأخلاقية السامية !

· الشرائع العملية وروحها

ورواة السيرة اعتنوا أيضا بذكر مراحل تشريع كثير من الفروع العملية.
فتجد في كتب السيرة ذكر أوقات فرض الصلاة والزكاة والصيام، ومراحل تحريم الخمر، وتطور فرض ال****، ووصفا دقيقا لحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك.
ومن المناسب أن يوضح مدرس السيرة عند ذلك شيئا مختصرا من تفاصيل ذلك الفرع الفقهي، مع التركيز على مضمونه الروحي، وأسراره التربوية العميقة، كما تستشف من السيرة المشرفة.

· بعض الأصول العلمية العامة في التفسير والحديث وغيرهما

ينبغي أن يعتني مدرس السيرة بالاستطراد – عند الحاجة – إلى ذكر بعض الأصول العلمية التي يحسن بناشئتنا أن تعرفها منذ الصبا، لكن دون تفصيل ولا إطالة، وإنما هي إشارات خفيفة مع الإحالة على العلوم الأخرى وكتبها المتخصصة.
فمن ذلك مثلا: المنهج العلمي في دراسة الأسانيد والحكم على الأحاديث صحة وضعفا، وطرق الجمع بين الأحاديث والآيات التي ظاهرها التعارض، وأفضل منهج لتفسير القرآن الكريم بين الرأي والأثر وغيرهما، وبعض قواعد النحو والصرف والبلاغة، وما أشبه ذلك.

· تحبيب التعبير العربي الفصيح

على مدرس السيرة النبوية أن يحرص على قراءة مقاطع مختارة من كتب السيرة القديمة، ويشرح غريب ألفاظها، وينبه على جمال تراكيبها، وسمو بلاغتها. ومن الغلط أن يكتفي بكتابات المعاصرين، فإنها – على قيمتها في استخراج العبر، واستنباط الفوائد من أحداث السيرة – مقصّرة جدا في باب المحافظة على الأساليب العربية الفصيحة التي ينبغي تربية أطفالنا عليها.

ثم إن المقصود الأعظم - قبل ما ذكر كله، وبعد ما ذكر كله – إنما هو تنمية محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلوب، والحض على اتباع هديه، والعمل بسنته، فيجب أن يكون ذلك على طرف لسان مدرس السيرة النبوية، ينبه عليه لأدنى مناسبة، ويذكر به في الأحوال جميعها.
والله الموفق.

البشير عصام المراكشي