احكي لكم يا اصدقائي الصغار حكاية جدتي ذات المائة والخمسة من عمرها ،لملمت جدتي القول بالحمد والشكر على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ووحدت الاله وهي رافعة دراعيها الى السماء ،حتى اعتقدت انها انخرطت في اداء الصلاة ، نظرت الي بابتسامة حنونة وفمها لا يحمل اي سن ،ثم خاطبتني بصوت رخيم ،ويدها تريث على شعري ،ما تريد مني يا على؟ تيقنت ان اليوم هو يوم سعدي مع جدتي والتي طلقت الكلام المطنب منذ مدة بعيدة،
فقلت جدتي مدينتنا تقيم حفل "بابا عاشور" فأحببت ان تقصي علي كيف كان يمر الاحتفال بيوم عاشوراء عندما كنت صغيرة ؟
تنهدت جدتي حتى ايقنت اني سحبتها من الزمن الحاضر الى الماضي ،ونظرت الي قائلة :
- اي علي حفيدي العزيز منذ الزمن البعيد اي عندما كنت صغيرة بعمرك سمعنا واعجبنا بما يروى الينا من حكايات عاشوراء ومارسنا طقوسها بكل طفولية وسذاجة صغيرة ،
اسمع حفيدي بمدينة مكناس وهي تسمية مكونة من شقين الاول "مكة "و الثاني "ناس" وهذا لطيب خلق اهلها وكرم سكانها وامان موطنها ،و كانت مكناس عبارة عن بساتين و عراصي زيتون ، سكانها خليط من امازيغ وعرب ومع قدوم المولى ادريس الاول تجدرت العادات الاسلامية بمكونات تقاليد الحاضرة مكناسة الزيتون.
ولكن كيف يتم ذلك يا جدتي؟
لا تستعجل الامر يا حفيدي العزيز ،المهم ان اولى الاستعدادات تبدا بدبح (حولي )خروف العيد ،فكان الاطفال الذكور يحتفظون بقرون الخروف اما الاناث فيختارون من بقايا الخروف ما يسد نهمهم الطفولي في اللعب وهوالجلد لصنع "التعريجة"و "البندير"،
واثناء الحديث دخلت اخت علي تاعاشوريت فنط علي من مكانه صائحا
- هل هي تاعاشوريت اختي هي عاشوراء ؟
- ضحكت الجدة بكل ما بقي لديها من قوة ،وأجلستها على يمينها ،ثم قالت:
- اسم اختك "تاعاشوريت" جاء تيمنا بميلادها يوم عاشوراء (10 محرم ) لذا قرر ابوك تسميها بهذا الاسم ،اما يوم عاشوراء فهو موروث ثقافي وافد ممزوج بالتقاليد المحلية ،تضاربت الاقوال يا حفيدي حول تاريخ الشروع بتخليد هذه الذكرى فهناك من ارجعها الى عالميتها بالاحتفال به عند بعض الاديان السماوية ،ما علينا ففي المغرب تشابكت الخيوط عند نسجها واعطتنا عاشوراء المغربية مع تميز كل حاضرة عن اخرى في طقوس احياء ليلة عاشوراء.
ارتبطت "تاعاشوريت "بالحوار واندمجت وهي تسال جدتها؟
- جدتي...جدتي..بما كانت البنات تحتفل بعاشوراء؟
- لا تستعجلي الامر حفيدتي ،فبعد تحضير اليات العزف من "تعريجة" و"بندير" تكون لجنة الاشراف بلغتكم الحالية وكان يطلق على المشرفة "لمقدمة" فهي التي تقوم بترتيب جميع مجالات احياء الليلة وتتمتع بسلطة مطلقة من احكام الرجال " هذا عاشور ماعلينا الاحكام الالة سيد الميلود تيحكموا الرجال الالة"
اذن احفادي الاعزاء التحضيرات الاولية تنطلق عند حلول هلال محرم ،يحدد مكان الاحتفال وعادة مايكون عند منزل احد شرفاء المنطقة وخاصة" الشرفة العلويين" لنسبهم الشريف
قبل يوم عاشروراء بيوم ترتدي البنات لباسهن التقليدي ثم تقمن بعملية "الجولة " اي القيام بعملية الغناء والعزف على الالات التقليدية والهدف من العملية اشعار الساكنة ببدا الاحتفال بيوم عاشوراء ثم جمع "الكديدية " وهي قطعة لحم ميبسة من العيد ،والغاية من ذلك تحضير الكسكس بها مع سبع خضاري ،اذا احفادي انظروا الى العملية فهي تنتقل من ماهو احتفالي الى تضامني ،الى صلة الوصل ،ولابد ان تعلموا ان المنازل كانت معظمها متباعدة شيئا ما.
بعد انهاء عملية الجولة تقدم "المقدمة" اللحم المقدد وغالبا ماتكون "الديالة" الى الطباخة "دادة".
-علي: والاطفال ماهو دورهم في الاحتفاء بعاشوراء ؟
نظرت الجدة اليه وهي تستجمع ذكراياتها ،اتذكر ان الاطفال كانوا يقومون بجمع عظام "الحولي" خروف العيد مكونين رجلا يطلق عليه اسم بابا عشور ثم يقومون بعملية الدفن بطقوس تعيد ذكرى مقتل الحسين ابن سيدنا علي،لكن هذه العملية غير معممة على مناطق مدينة مكناس وانما كانت مركزة في مناطق اكثر حضرية، وحتى لا انسى فهم من يقوم بجمع الحطب لاشعال " شعالة " عاشوراء .
- وبنفس حب الاطلاع تم وضع السؤال التالي على الجدة ،حول موعد "شعالة"
نظرت الجدة الى الاعلى وكأنها ترشدنا الى ان كلما كانت "شعالة " عالية اللهيب في السماء كلما كان الحفل بهيجا ،وقالت تقام شعلة ضخمة عشية التاسع من محرم،حيث يحوم حولها الاطفال اما الكبار فهم مبتهجون بلعب الصغار ،فيما الشابات ينشدن ويعزفن ويرددن مقاطع مثل "عيشوري عيشوري وعليك تلقت شعوري "و "هذا عاشور ما علينا الحكام الالة سيد الميلود تيحكموا الرجال الالة " و " كديدة كديدة منشورة على العواد هذا بابا عيشور جا ي يصيلي وداه الواد " ثم يقوم الاطفال بالوثب فوق "شعايلة" بخفة وسرعة مما يشد انتباه الجميع ،والامهات يصلين على النبي والزغاريد تونس المكان ،بعد ان تخمد نار"شعايلة" يتم اطلاق بخور الليلة من مسك وعود وتختتم الليلة بعشاء جماعي والذي اعدته السيدة دادة ،وهذه العملية تتم تحت اشراف المقدمة وتصنف الحضور حسب السن والجنس.
سكتت الجدة واسندت راسها على وسادة عالية ،لكن النهم المعرفي لاحفادها لم ينته وانتصبوا قياما محركين الجدة بخفة ومقبلين راسها مطالبين اياها باكمال الحكاية ،وحين احست الجدة بالحاح احفادها لم تخيب لهم مطلبهم ودعتهم الى استفسارها عما يريدون معرفته.
هنا تدخل علي وسال جدته،عن مراسيم احتفلات يوم عاشوراء "اي العاشر من محرم"
اولا احفادي انبهكم الى بعض العادات الدخيلة في هذا اليوم وهو التراشق يالبيض في حين ان هذه العملية ليس لها اية مرجعية ضمن العادت والتقاليد المكناسية ،فالطقوس التي كانت تمارس في هذا اليوم هو الرش بالماء القليل .
- تدخلت تاعاشوريت وسالت جدتها عن الرش بالماء.
- تنهدت الجدة تنهيدة عميقة مؤكدة ان مرجعية هذه العملية لها جدورها التاريخية حيث حين اعتقل الحسين ابن علي ترك بدون اكل ولاشرب لبضعة ايام وعند اقتياده لاعدامه وسط الحشود من الناس وهم من مناصريه احسوا بضما سيدنا الحسين وخوفا من بطش الجنود بدا الناس يتراشون بالماء وخاصة تجاه سيدنا الحسين مما جعله يلتقط شيئا من الماء ويروي عطشه ،فالعملية هي حيلة حينداك وبقيت الى يومن هذا.
- اغرورقت عينا علي بالدموع اما تاعاشوريت فوضعت يديها فوق خدها من هول الماساة ،لكن الجدة احست بالموقف فاخرجت لعبتين من صندوق بجانبها وامدت كل واحد بلعبة مما ذوب جليد الموقف ثم اردفت القول بان من تلك اللحظة اصبحت العادة امداد الاطفال بلعب ،
انشغل كل طفل بلعبته والفرحة تبدو على محياهم ،حين ذاك انشغلت الجدة بتحريك "التسابيح" الذي بدها وعيناها لا تفارق احفادها.
- صاح علي وما يفعله الكبار في هذا اليوم؟
وبعد انتهاء الجدة من التسبيح،قالت الكبار في هذا اليوم لهم طقوسهم .
فالرجال في هذا اليوم يتركون هامشا من الحرية للنساء ،فبعد فطور، وجبته الاساسية الفاكهة والحريرة وانواع متنوعة من الملوي و...... فهم ينتقلون نحو اعمالهم لكنهم لا ينسون اخراج الزكاة للفقراء واشراكهم في الفرحة.
النساء في هذا اليوم يتركن الاشغال المنزلية من كنس وتنظيف (لا مكنسة ولا تجفاف ) كمعتقد اساسه انه اذا قامت بتلك الاشغال س"تزكي الشغل" اي سيتضعاف عندها الاشغال المنزلية طيلة السنة وهذا مرتبط اساسا بنماء المال عند اخراج الزكاة عليه،ومع اعتقاد ان الكنس بالمكنسة يذهب الرزق ...في ذلك اليوم
وفي بعض المناطق المكناسية خاصة الدور التي ترتبط بدار "المخزن " فبعض النسوة يرتدين ملابسهم داخلها هو خارجها "اي بالمقلوب",وهذه العملية ترمز الى الحزن على مقتل سيدتا الحسين .....
اما البنات فيستمتعن بالغناء والرقص وتخضيب الايادي بالحناء باحد زوايا المنزل
- وبعد ان استوعب علي مغزى كل عملية سال جدته:وماذا عن بابا عاشور؟
تلقت الجدة السؤال وهي في قرارة نفسها ان حفيدها قد بنى تسلسلا منطقيا لتراتبية الاحتفالات بعاشورء وبعض المرجعيات التاريخية والعادات التقليدية لها .
هذه التسمية يا علي هي تسمية مغربية ترمز اولا الى يوم عاشوراء ثم الى شخصية تتسم بالصلاح والتقوى واجماع الساكنة ،
فبابا عاشور يرتدي لباسا تقليديا يعبر على المنطقة التي يتواجد بها ،ويتحرك بأناة والأطفال والبنات يتحلقون حوله باستعراض بهيج ومنظم يطوف على ارجاء الحي ومن العادات المترسخة عند وصوله لاي عتبة بيت يرش الاطفال بقليل من الماء ،ويحتفى بهم بالحلوى والهدايا ان وجدت.
ومن العادات الاولية لهذا اليوم دور "الشرفة" او "دار المخزن" حيث يتوقف موكب بابا عاشور عندهم برقصة عيساوية ،وتهاليل دينية.
- تبدو الفرحة على وجه تاعاشوريت وهي تربط بين اسمها ويوم عاشوراء ،ثم تسال جدتها عن المغزى من الاحتفال بذكرى عاشوراء عند المكناسيين والمغاربة بصفة عامة.
هنا شعرت الجدة بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها في نقل عادات وطقوس اجتماعية عامتها شفهية الى احفادها.
- فأجابت الجدة ان الاحتفال اولا هو لتخليد ذكرى وتقاليد تضاربت الاراء حول مرجعيتها الاولية ، ولكن الاهم هو اخذ العبرة من تجنب القتل ونبد العنف ، وتحيق المناصفة ،والعدل ،والحرية في ممارسة الفعل الايجابي ،وكذك هي تخليد للتسامح الديني والاجتماعي ،والاهم من ذلك هو ترويح نفسي للمجتمع وخلق مواقف تتسم بنقل المأثور الماضي الى الحاضر حتى لا تكون هناك قطيعة في قيم المجتمع ...
- علي : جدتي حدثينا عن بعض طقوس عاشوراء فيما يهم الممنوع والمباح
تختلف الاراء وتتشعب الافكار اعزائي الصغار فيما نقل الينا ،ولكن هناك اشياء يباح ممارستها في عاشوراء واخرى ممنوعة ومن الاشياء الممنوعة :
1- هناك من يمنع ايقاظ النار يوم عاشوراء
2- عدم ذكر اسم الكنسة " الشطابة " عند بعض الاسر صباح يوم عاشوراء،اقتداء بالمثل المغربي "الشطابا عروسة والجفافا انفيسة" للدلالة على تعطيل العمل بهما يوم عاشوراء
3- الملح لا ينبغي ان يسلف او يعطى ،والمقصود منه عند بعض المغاربة زوال جمال البنت عندهم قبل زواجها
4- اعتبار يوم عاشوراء يوم للشعودة والسحر .
ومن الاشياء المباحة
1- التزاور يوم عاشوراء
2- ادخال الفرحة على الاطفال وخاصة الاطفال اليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة
3- اسماع المراة لصوتها بكل حرية
4- التضامن والتاخي بين الاسر "الزكاة "و "الصدقة".
فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ :
مسابقة استوقفتني آية
|
ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج
2012-11-30, 19:09
عاشوراء بيت الحاضر والماضي كما ترويها الجدة 
