الوضع في المقلاع والقلي في الزيت

الأربعاء, 07 نوفمبر 2012 14:43



زاوية يكتبها الزملاء الصحافيون والمراسلون بالتناوب ترصد واقع التدريس بالعالم القروي من خلال شهادات حية لمدرسين ومدرسات ينحتون الصخر لإنجاح هذا الشيء الذي اسمه "مدرسة النجاح"..فتحية لهم ولهن.
قبل دخول التلاميذ، حضر المعلم حاملا مذكراته اليومية وأوراقه، فتح القاعة والنوافذ، نفض بقايا غبار الأمس عن المقعد الذي يستعمله مكتبا.
عليه ملفات التحاضير والكراسات وأقلام بمختلف الألوان.
طلب من أحد التلاميذ كنس القسم، ثم أشعل سيجارته الأولى بعد فطور من كسرة خبز يابسة وكأس شاي. نفث دخان سيجارته بعيدا، تطلع إلى الجبل طويلا...اصطف التلاميذ . دخلوا فرادى وجماعات.
بدأ يتأمل الوجوه النحيلة. كان يسأل نفسه ما نوع هذا الفطور الذي تناوله الأطفال هذا الصباح؟
الغبار لا يفارق القسم وكذلك رائحة الطباشير. عليه الآن أن يكتب تاريخ اليوم وعنوان الدرس. صاح قائلا: انتبهوا..
ضحك.. تذكر جملة أستاذ له في المدرسة التطبيقية ذات يوم قال عندما تباشرون أعمالكم ستلاحظون، بدون شك أنكم ستظلون تصرفون الأفعال. تنحنح وقال مخاطبا التلاميذ:
أنتب... أوووهووو..؟؟
أمامه صفان من المقاعد، صف لتلاميذ الثالث والصف الآخر للمستوى الرابع، هذا بالنسبة إلى الفترة الصباحية، أما في العصر فالصفان معا للمستوى الخامس، طلب من التلاميذ فتح كتاب القراءة .. الصفحة ...وملاحظة الصورة جيدا..
- انتبهوووا انتم إلى السبورة، درسنا اليوم هو الصرف... وعنوانه هو .. انغمس في شرح الدرس، في كل مرة يصرخ: اسكت أنت . انتبه انت؟. لا شيء غير تصريف الأفعال وطرح الأسئلة، أمر الجميع بالانتباه في لحظة واحدة وطرح السؤال:
- ماهو الفعل الذي جناه المعلم..؟
سكتوا .. أعاد السؤال مرة ومرة بصيغة أخرى، لا جواب، كتبه على السبورة، انتظر طويلا ...حملق، صرخ فيهم ..بدون جدوى ..أغلق التلاميذ النوافذ..أشعل المعلم سيجارة أخرى ووقف بجانب الباب ينتظر...
يعود المعلم إلى البيت، المسافة الفاصلة بين المدرسة والبيت ثلاثة كيلومترات، يقطعها مشيا في أيام البرد والحر، يعيد شريط الأيام التي قضاها في مركز التكوين، كان يقول لثلة من أصدقائه إنه يقضي عام العسل، وبعدها مصيره ومصيرهم هو الأماكن النائية.
ما زال يذكر يوما على شاطئ عين الذئاب، قال له صديق معلم : ترى أين سيكون تعيينك يا ...؟.
أجاب ضاحكا : سيضعونني في مقلاع (واش تعرفيه؟) ويصيفطوا خوك في الخاوي يتقلى في الزيت.
ضحك الأصدقاء ..تبسم وتابع سيره..عليه الآن – بعد أن يصل – أن يجمع فراشه أولا ، ثم يحضر الماء من البئر ثم يغسل الأواني ثم ..
ليس هناك قيلولة ولتذهب النظريات الطبية إلى الجحيم ..؟
اصطف التلاميذ، دخلوا القسم، تذكر ابنه وزوجته وأمه وإخوته..والأصدقاء..شبابه يندثر كغبار الطباشير المنتشر تحت السبورة.. تساءل ببساطة ومكر: هل همومه تشبه هموم الجميع..؟
- المعلم دائما يشيب بسرعة، ويسممه الطباشير، وتقتله الأسئلة..
قلق لهذا المصير، لكنه اكتشف أن الأسئلة تكبر في عيون الصغار ..استمرار السير لا بد منه، والطريق هي هي، لا شيء يتغير غير المعلم ...
عزالدين الماعزي (أستاذ)

قلق لهذا المصير، لكنه اكتشف أن الأسئلة تكبر في عيون الصغار ..استمرار السير لا بد منه، والطريق هي هي، لا شيء يتغير غير المعلم ...
صور صادقة لمعانات المعلم في القرى المغربية ، لا يششعر بها إلا من عاشها...
سلم يراعك .