2009-11-18, 18:05
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | أزمة القراءة.. والمشروع الوطني الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب | أزمة القراءة.. والمشروع الوطني الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب السعودية الأربعاء 1 ذو الحجة 1430 ـ 18 نوفمبر 2009 العدد 3337 ـ السنة العاشرة من أجمل ما قرأت حول القراءة هذا البوح الشاعري الجميل والذي أجد فيه تعبيراً صادقاً لموقع القراءة في النفوس وفي العقول. "القراءةُ نجْمي الذي أتبعُهُ... ضوؤه يقودني، وينيرُ لي طريقي... وأنا في رَكبهِ أسيرُ لأحيا، وأكون الذي لم أكنه من قبل... بالقراءةِ أتغيَّر، وأعرفني. القراءةُ تعصمني من العزلة، وتحفظني من الهذيانِ، وتقيني من الوحدة الموحشةِ، هي رفيقي في السفر، أم روحي، محبوبي الذي أفتقدهُ، وأحنُّ إليه، وأرقبُ لقاءَهُ، وأنتظره كل ثانية أن يجيء، أعدُّ له روحي، وأحرث له أرضي، وأبقيني دائماً في حالة من المدِّ".
وفي السياق ذاته، يرى الفيلسوف الفرنسي فولتير أن الأمم يقودها "هؤلاء الذين يقرؤون ويكتبون." وبالمثل يحفزنا غوستاف فلوبير، الأديب والروائي الفرنسي، بقوله "اقرأ كي تحيا!" أما في ثقافتنا الإسلامية كما شعّت قبل خمسة عشر قرناً، فمن نافلة القول إن القراءة شكلّت عصب الدعوة الخالدة وفاتحة الوحي حتى لقبنا مجازاً بـ "أمة اقرأ".
وإذا كانت القراءة على هذه الأهمية والقيمة، فكيف انقطعت صلتنا بها وبتنا نقيم لها مشاريع ودروسا ومؤتمرات لكي نجدد صلتنا بها وبالكتاب؟ هل هناك فعلاً ما يمكن أن يوصف بأزمة القراءة في المملكة وفي مجتمعاتنا العربية عامة؟ وهل هي، على أي حال، همٌ ثقافيٌ طارئ؟ لماذا لا يحب أطفالنا القراءة، ولماذا توارت المكتبات العامة وحلت محلها مجمعات تجارية تنتشر انتشار السرطان في جسم مخدر؟
تشير التقارير الإنمائية المتعاقبة، ومنها تقارير التنمية العربية الصادرة عن الأمم المتحدة، وتقرير التنمية الثقافية الأول الصادر عن مؤسسة الفكر العربي عام 2008، وتقرير المعرفة العربي لعام 2009 الصادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي، إلى أن هناك ضعفاً عاماً في معدلات القراءة في العالم العربي إذ إن كل عشرين (20) فرداً عربياً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة، والطفل العربي لا يقرأ خارج المنهج الدراسي سوى ست دقائق طوال العام. وهذا هو الجانب الكمي من المشكلة. أما في الجانب الكيفي فإن ما يقرأ يكاد ينحصر في مواد لا تحفز الإبداع ولا تحرض الفكر ولا تشد القارئ، وخصوصاً في مجال المادة المكتوبة للأطفال في سن مبكرة.
فمن يا ترى يتحمل مسؤولية هذا المآل الذي وصلنا له؟ ومن يتحمل مسؤولية النهوض من هذا الخندق؟ وكيف نجعل من القراءة عادة وطبعاً متأصلاً؟
يكاد ينحصر الجواب على هذه التساؤلات في طرفين: البيت والمدرسة. وللأمانة لا بد من الاعتراف بأن لكل من هاتين المؤسستين، مؤسسة الأسرة ومؤسسة التعليم، دور لا ينكر. إلا أن العقل والمنطق يقولان إن الدور الأول والأساس هو للمدرسة وليس العكس. ولي في هذا الرأي منطلقان. الأول أننا إذا كنا نعترف بغياب ثقافة القراءة في المجتمع، فمن اللازم الاستنتاج بغيابها لدى الوالدين. ولا يمكن والحال هذه أن نطلب من فاقد الشيء أن يعطيه، أو أن نحمله مسؤولية الاضطلاع بمهمة التغيير وفق إمكاناته ومحدوديتها. المنطلق الثاني هو أنه، وإن غابت ثقافة القراءة عن المدرسة أيضاً، باعتبارها جزءاً من نسيج المجتمع، فإن المدرسة، ومن ورائها المؤسسة التعليمية والمؤسسات الثقافية الأخرى، تمتلك من المقومات المادية ومن الالتصاق الوثيق بآفاق المعرفة ومستجداتها العالمية ما لا يتوفر للأسرة الصغيرة.
ومن نسائم التغيير العليلة التي تهب الآن على المجتمع في المملكة يمكن أن نرصد عدداً من المبادرات الجادة في نشر الوعي بأهمية القراءة وتعريف الأفراد من الرجال والنساء، والآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات والطلبة والطالبات بطرق عملية وفاعلة تفتح المسار نحو ممارسة القراءة فعلاً وسلوكاً لا تنظيراً ومحاضرة. ولقد جاء قيام المشروع الوطني الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب، والذي احتضنته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض بعد الموافقة السامية عليه عام 1424، ليضع أيدينا وأعيننا في الاتجاه الصحيح نحو إيجاد بعض الحلول لأزمة العزوف عن القراءة. وهذا المشروع لا شك كبير وفي غاية الأهمية، ليس بسبب سمو أهدافه المرسومة فقط، بل لأنه بدأ فعلاً في توفير طرق عملية تخلق الفرصة للتفاعل مع المادة المكتوبة من خلال المهرجانات والندوات والدورات التدريبية والمشاريع العملية مثل برنامج "القراءة في المطارات" وغيره من برامج عملية تفاعلية لأنسنة الكتاب والقراءة. إن ما يلفت النظر في هذا المشروع وما يميزه أيضاً هو إدراكه أن خلق ثقافة القراءة لا يتحقق بمجرد تقديم المحاضرات ذات الأسلوب الوعظي المباشر بأهمية القراءة، بل بتوفير الكتاب المشوق والمناسب للقراءة لكل الفئات العمرية، وجعله متاحاً للصغار وللكبار والتوقف عن مصادرة حق هذا الصديق في التواجد بين أيدينا حتى وإن كان مشاغباً محرضاً على التفكير والتغيير.
تحية لهذا الجهد الإنساني الحضاري الكبير الذي تقوم به مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض، وليت فيروس عدواه تمتد لتصل إلى مؤسسات ثقافية أخرى في مدن المملكة، ومنها مكتبة الملك فهد العامة بجدة (والتي ما برح الجمهور ينتظر افتتاحها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً)، كما ننتظر من وزارة التربية والتعليم أن تجعل من المكتبة في كل مدرسة ركناً فاعلاً ومواكباً لتطور العصر، ومن القراءة الحرة نشاطاً يقبل عليه الطالب بحب في كل مرحلة.
| : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=44708 |
| |