منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - النمو الجسمي والعقلي في مرحلة الطفولة المتوسطة

تمتد الطفولة المتوسطة بين السنتين الخامسة أو السادسة وبين الحادية عشرة أو الثانية عشرة، والطفولة المتوسطة فترة من النمو الهادئ تتوسط النمو السريع المميز لفترة ما قبل المدرسة وبدايات المراهقة وصخبها.

النمو العضوي

يفقد معظم الصغار في السنة السادسة الكثير من التناسق العضوي الذي يزين طفل مرحلة ما قبل المدرسة في عين الراشد، فبدءاً من السنة السادسة تنمو الذراعان والساقان بصورة أسرع من نمو الجذع الأمر الذي يجعل الطفل يبدو كاللقلق وتميل البنات للنضج أبكر من الصبيان إلا أن الصبيان يبقون حتى العاشرة من العمر أطول من البنات وأثقل.

يكون متوسط طول ابن السادسة 116 سم ووزنه 24 كغ تقريبا، ويزداد الطفل كل سنة من سنوات طفولته المتوسطة قرابة 8 سم و 2,5 كغ، ويختلف معدل النمو من طفل لآخر إذ تقوم بين الصغار فروق فردية مذهلة في الوزن والطول ومعدلات زيادتهما، إلا أن حجم الطفل طولاً ووزناً يغدو ثابتاً ويمكن التنبؤ بتطوراته في تلك المرحلة فالطفل الذي يكون كبيراً أو صغيراً بالنسبة لأقرانه في الطفولة المتوسطة سيكون كذلك بالنسبة لأقرانه الراشدين.
تصاحب تغيرات النسب بين أعضاء الجسم تغيرات في تقاطيع الوجه، فتضيق وجوه الأولاد وتنحل بخسارة شحم الطفولة ويخسر الصغار الأسنان اللبنية ويبرز أول الأسنان الدائمة في السنة السادسة، وبظهور بعض الأسنان والأضراس الدائمة يتغير شكل الوجه. أما العين فلا تصل إلى نهاية حجمها الطبيعي في السنة السادسة ويعاني كثير من الصغار بين السنتين السادسة والثامنة من بعد البصر الذي يصحح نفسه تلقائياً بعد الثامنة وحتى العاشرة حيث تبلغ العين حجمها وشكلها لدى الراشد، ولذا تجب طباعة الكتب لتلك المرحلة بأحرف كبيرة.

المهارات الحركية :

يتسم النمو العضوي خلال فترة ما قبل المدرسة بالتناسق في العضلات الكبيرة والصغيرة، ويزداد التناسق المذكور في الطفولة المتوسطة ويتجلى ذلك في عدد ضخم من الفعاليات بدءاً من القراءة والكتابة وانتهاء باللعب الجماعي المنظم.

القفز :

يعد القفز مؤشراً جيداً للتناسق الحركي والقوة وعادة يتخطى الصبيان البنات في القفز بعد السنة السابعة من العمر، وتتفوق الإناث على أندادهم الصبيان في الحجل ( القفز على قدم واحدة ) ويتصاعد حجل الأولاد حتى السنة التاسعة حيث يتهضب.

مهارات لعب الكرة :

يلعب أطفال المدرسة الابتدائية الكرة بطرق مختلفة ، ومن المعروف أن المشاركة في لعب الكرة تفيد الطفل في تحسين وضعه الاجتماعي ومفهومه عن ذاته ، يستطيع أغلب الصغار في السنة السادسة قذف الكرة بقوة ودقة ويزداد مدى القذف بازدياد السن وليس عجيباً أن يتخطى الصبيان البنات في مدى قذف الكرة في السنوات كلها بين السادسة والثانية عشرة وذلك بسبب قوتهم العضوية ، ويتضاعف مدى القذف في السنة العاشرة عنه في السادسة حتى يبلغ في السنة الثانية عشرة ثلاثة أضعاف مداه في السادسة كما يتحسن مستوى دقة إصابة الهدف في الكرة مع الزمن ويتفوق الصبيان على البنات في ذلك جلياً ، هذا مع العلم أن إمساك الكرة يكون عادة أكثر صعوبة من قذفها وإن مهارة القذف تتوقف على حجم الكرة وعلى سرعة قذفها ، أما بالنسبة لتقدير مسقط الكرة المقذوفة فقد تبين في إحدى الدراسات عجز الأولاد عن التقدير بين السنتين السادسة والثامنة ولم يبد الصغار تحسناً واضحاً في التقدير إلا في السنة العاشرة ، إضافة إلى ذلك لم تقم فروق بين الجنسين في تقدير مسقط الكرة المقذوفة ، وليست هناك وقائع بصدد قابلية الأولاد لرفس كرة القدم والتلاعب بها خلافاً لبعض الوقائع التي تبين تفوق الصبيان على البنات في عمليتي الرفس والتلاعب وإصابة الهدف ربما رجع تفوق الصبيان في تلك الفعالية إلى أصالة تمرسهم فيها.

زمن الاستجابة :

تتطلب المهارات الحركية تلاحقاً في الأفعال يكسبها بعداً زمنياً محدداً يسمى زمن الاستجابة ويتحدد زمن الاستجابة بزمن الحركة أي الوقت الذي يمضي بين بداية الفعل ونهايته وبزمن القرار الذي يغطي الفترة الفاصلة بين انطلاق الإشارة أو المثير وأول حركة من الفعل ، وقد كان زمن الاستجابة موضع اهتمام الباحثين فدرست تغيراته في مراحل الطفولة المختلفة ، ففي إحدى الدراسات أعطي أطفال ما بين السنة الرابعة والسادسة عشرة مهمتين لزمن الاستجابة تمثلت المهمة الأولى في عشرة ألحان مرتفعة وعشرة ألحان منخفضة عرضت على الأولاد في فترات تتراوح بين 10 ثوان و25 ثانية ، ومن أجل قياس زمن الحركة سئل المفحوصون ضغط زر بالسرعة الممكنة لإيقاف اللحن ، أما في المهمة الثانية فقد قيس زمن القرار حيث سئل المفحوصون ضغط الزر بالسرعة الممكنة في حالة سماع اللحن الشديد فقط ، أعطي كل مفحوص نقطتين واحدة لسرعة الاستجابة والأخرى لتباينات الاستجابة من محاولة لأخرى وقد وجد أن ثمة تناقصاً منتظماً يتماشى مع تزايد العمر في زمن الاستجابة ، كان زمن استجابة الناشئة الصغار 0,75 من الثانية في حين بلغ زمن استجابة الناشئة الكبار 0,25 من الثانية ، ووقع التناقص الأكبر من سواه في زمن الاستجابة بين أبناء الرابعة حتى التاسعة وتشابهت النتائج في زمن القرار بواقع 135 ثانية للصغار و 0,35 للكبار وكان التناقص الأكبر بين أبناء المدى العمري السابق نفسه ، وتباينت نقط التباعد هي الأخرى مع العمر إذ أبدى الناشئة الصغار تبايناً أوسع من تباين نظرائهم الكبار ، تناولت دراسة أخرى بحث زمن القرار فتمثلت المهمة في سؤال المفحوصين فرز عدد من البطاقات من أربعة أكوام تتألف كل منها من 24 بطاقة ، وقد تضمنت إحدى الأكوام ثلاثة ألوان بواقع ثماني بطاقات لكل لون ، وشملت الكومة الثانية أربعة ألوان بولع ست بطاقات للون الواحد ، أما الكومتان الثالثة والرابعة فتكونت إحداهما من ستة ألوان بواقع أربع بطاقات للون الواحد وشملت الثانية ثمانية ألوان بواقع بطاقتين للون الواحد ، وسئل المفحوص أن يفرز البطاقات في أكوام صغيرة طبقاً للونها ، قيس زمن الحركة بسؤال المفحوص فرز كومة من البطاقات عديمة اللون في كومتين على أن تكون أربع بطاقات أو ست أو ثماني بطاقات للكومة الواحدة ، وحسب زمن القرار بطرح الزمن المستغرق في فرز البطاقات الفارغة من الزمن المستغرق في فرز البطاقات الملونة ، كان المفحوصون في هذه الدراسة ذكوراً وإناثاً من الأعمار 6،8،10،12،14،24 سنة ، وأشارت النتائج إلى أن زمن القرار يتوقف على العمر وعلى عدد الاختبارات ، فقد استغرق الكبار أقصر الأوقات وتزايد زمن القرار في كل فئة عمرية بتزايد عدد الاختيارات ، إضافة إلى ذلك حدث التحول الجذري في زمن القرار بين العمرين 6 سنوات و8 سنوات ، وظهر تناقص في تشتت الاستجابة خلال الطفولة المتوسطة ، ويعود السبب في ذلك إلى التحسن التدريجي في المهارات الحركية مثل إمساك الكرة وإصابة الكرة المتحركة بالقدم والتناسق بين حركة العين وحركة اليد.

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن ضعف المهارات الحركية لدى الصغار قد يكون نتيجة كف نفسي لاتخاذ القرار وليس نتيجة تناسق حركة اليد مع حركة العين.

تصور الجسم :

يكون الطفل مفهوماً ملائماً عن ذاته في الوقت نفسه الذي يتصاعد فيه اكتسابه لمفاهيم واقعية عن العالم من حوله ، ويمثل تصور الطفل لجسمه إحدى المقومات الأساسية لمفهومه عن ذاته ، يشمل تصور الجسم وعياً للجسم وأجزائه كما يشمل تقويماً لكفاءة المظهر العضوي والمهارات الحركية للفرد بمقارنتها بنظيرتها لدى الأقران ، وعلى الرغم من أن تصور الجسم يبدأ في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة إلا أنه يغدو في مرحلة الطفولة المتوسطة أكثر وضوحاً مما مضى وذلك لأن الناشئ يقارن نفسه بأقرانه وليس بأهله فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن إدراك الطفل لجسمه يحدد بعدد من الأساليب منها سؤال الطفل المبحوث رسم شكل بشري أو إكمال رسم ناقص كما يمكن أن نطلب من الطفل التعرف على الأجزاء الناقصة في شكل بشري غير مكتمل أو تمييز الأعضاء اليمنى من اليسرى له وللآخرين ثم أن قابلية الطفل المتزايدة الصاعدة لكف الأفعال الحركية من الأنواع كلها تشكل دليلاً آخر على نمو إدراك الجسم لدى الطفل

مفهوم الذات :

سبق للفيلسوف الاجتماعي الشهير ( جورج ميد ) لزمن طويل مضى أن أشار إلى أن مفهوم الطفل عن ذاته يشتق عبر ظاهرة ( الاستحسان المنعكس ) عن الآخر ، غير أن الطفل يعجز عن تلقي الاستحسان المنعكس إلا بعد نمو قابلياته الإدراكية ، ويبدو أن طفل المدرسة الابتدائية يتحسس استحسان أقرانه ويميل لتقويم ذاته في إطار ذلك الاستحسان.

ولقويم مفهوم المرء عن ذاته يستخدم الباحثون غالباً قوائم من الصفات أو العبارات الوصفية تشمل أوصافاً إيجابية وسلبية ، ويسأل الطفل أن يقرأ القائمة أو تقرأ عليه القائمة بصوت مسموع وعليه أن يشير ما إذا كان الوصف ينطبق عليه أولا ينطبق ، تقترح نتائج تلك الدراسات أن مفهوم الطفل عن ذاته يتوقف إلى حد كبير على استحسان الآخرين له ، فللأطفال المقصرين في التحصيل الدراسي والذين لا يحترمهم أهلهم تقييم متدن لذواتهم خلافاً للأطفال الذين يماشون معيار التحصيل العام فيتمتعون باحترام الأهل لهم وبتقييم معقول لذواتهم.

الواقع أن للطفل عدداً من المفاهيم بصدد ذاته وذلك تبعاً لمواهبه واهتماماته فهناك إضافة لتصور الجسم تصور عن الفرد كتلميذ وآخر كرياضي وثالث كصديق ورابع كشخص ما بمهارة ما وهكذا دواليك ، فقد يكون للطفل مفهوم إيجابي عن ذاته كموسيقي ومفهوم آخر سلبي عن ذاته كلاعب شطرنج مثلاً ومن عانى ضعفاً في مفهومه عن ذاته في جانب عمد إلى تصحيح مفهومه عن ذاته في جانب آخر ، والطفل الذي يشعر بعجزه في جوانب الحياة كلها أو في أكثرها يعاني مشكلة انفعالية تتطلب علاجاً نفسياً فورياً.