منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى أخبار التربية والتعليم (https://www.profvb.com/vb/f13.html)
-   -   الآن فهمتك يا تلميذ ! (https://www.profvb.com/vb/t102868.html)

abo fatima 2012-08-09 00:53

الآن فهمتك يا تلميذ !
 
الآن فهمتك يا تلميذ !





احمد اضصالح:

إن من طالع كتاب "الأيام" للأديب المصري الكبير "طه حسين" سيتوقف مليا في الجزء الثاني منه عند قوله:"يا للألم ! إن العلم ليكلف أهله أهوالا ثقالا". هذه المقولة نطق بها الكاتب وعرف معناها وقيمتها، فلم يكن يومئذ يبصر بعينيه الحياة كما يبصرها الآخرون لكنه اكتشف هذه الحقيقة الثابتة التي تعتبر رفيقة درب السالكين سبيل طلب العلم في كل زمان ومكان بواسطة حاسته السادسة، حاسة المجرب المحنك.
إنه العلم، إنه الألم ولا شيء غير الألم، ذلك الألم الذي يقدره الكثيرون ويحترمونه لأنه يحمل في طياته المتع التي لا تنقضي.
كان أهل هذا البلد ولا يزالون يصارعون الطبيعة ويغالبونها لأجل أن تقر أعين أبنائهم بالعلم المفضي إلى شيء يقيمون به أودهم ويحققون به مآربهم، لكنهم بين الفينة والأخرى يصطدمون بالواقع المرير الذي يقف حجر عثرة أمام طموحاتهم: إنه الألم ذاته !
الآن فهمتك يا تلميذ، لأنني كنت فيما مضى تلميذا ولا أزال والعلم عمل ليس فوقه عمل، قال الشيخ زروق الفاسي رحمه الله: "اعلموا رحمكم الله أن العلم أفضل الأعمال" والعمل يقتضي الجهد المتعب الذي يستنفذ الطاقات الذهنية والبدنية والصبر المديد على شدائد الزمان. وبعد هذا كله ينتظر الإنسان مقابلا يعتبره تحقيقا لمخطط دراسي ما ساعد في تصميمه الكثيرون:(آباء – إخوة – أصدقاء - ...) وانتظروا في الأخير نجاحه، كل هذا لأجلك يا تلميذ.
"لولا أبناء الفقراء لضاع العلم"، إنها الحقيقة المرة التي ينبغي على الكل قبولها على مرارتها، لأننا نحن الفقراء مرت علينا الخطوب ثم الخطوب في سبيل هذا الألم اللذيذ الذي ابتكر أغنياء اليوم لأجله طرقا جديدة للتحايل علينا وإقصائنا من دائرة المنافسة. كيف لا وقد ذكرني هذا بتوجيه نطق به أحد أساتذتي الكرام بداية السنة الأولى من التعليم الثانوي التأهيلي حين قال: "إن كرسي العلم هو المجال الوحيد الذي يستطيع فيه الفقير منافسة الغني بشكل عادل"، كلمة تردد صداها في أذني سنوات قبل أن أكتشف العكس تماما، إن ذلك الكرسي لم يعد كذلك وها هي الأيام تثبت وتؤكد أن الغني له مقومات تعليم أبنائه في المدارس الخصوصية التي لا يستطيع (أبناء الشعب) الولوج إليها، مما يساعد في خلق تعليم طبقي يفضي إلى ما نعيشه اليوم من تضخم في المعدلات وبالتالي استئثار بالمدارس العليا التي تشوق لها الفقير على أحر من الجمر.
إنني حين جلست القرفصاء يوما كعادتي منتظرا طبخة شهية من "براد شاي" وصديقي منهمك في لوائح المدارس العليا المثبتة على أرض هذه البلاد مشرقا ومغربا متمنيا رؤية اسمه بين أولئك الأسماء آخذا زمام تحليل المعطيات وقراءة المعلومات، آنذاك رجعني ذلك الإحساس المؤلم الذي أحسست به يوما وأنا مقبل على الجامعة، وما أدراك ما الجامعة؟ !
لقد ارتفعت المعدلات وأغلقت الأبواب في وجه المجتهدين الأكفاء من أبناء الفقراء، فكان مصيرهم الجامعة: كراء ونضال، آلام، اكتظاظ، وصبر على شظف العيش...
أخيرا فهمتك يا تلميذ، حين خرجت مطالبا بحقوق أعتبرها مشروعة بلا نقاش ولا جدال ابتداء بالبقاء على مجانية التعليم العالي وانتهاء بضرورة تكافؤ الفرص، وحينها رفعت قبعتي احتراما وإجلالا لك لما قاسيت من آلام وخطوب.



الساعة الآن 01:57

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd