خصص الباحث المغربي عبد الله كيكر كتابه الثاني الصادر مؤخرا للتأريخ لإحدى أعرق المؤسسات التعليمية المعروفة بالجنوب المغربي: إنها ثانوية يوسف بن تاشفين. معلمة تربوية شامخة تم إحداثها سنة 1951، ولعبت دورا محوريا في تكون جزء هام من النخبة المغربية الحالية انطلاقا من مدينة أكادير التي تحتضنها، إذ تخرجت منها مجموعة من الأسماء المشهورة في مجالات عدة. في نفس الوقت، شكلت هذه الثانوية معبرا مهنيا للعديد من الأسماء إن على المستوى التربوي أو الإداري...

ومن أجل الإحاطة بجانب هام من ذاكرة هذه المؤسسة، اختار المؤلف في البداية التوقف عند تاريخ نظام التربية والتعليم بالجنوب المغربي عموما وبمنطقة أكادير ونواحيها على وجه التخصيص وعلى ثلاث مراحل: فترة ما قبل الحماية، فترة الحماية، فترة الاستقلال. هكذا تناول المؤلف التكور الكمي والكيفي الذي خضعت له منظومة التربية والتعليم بهذه الربوع مشيرا إلى الدور البارز الذي لعبته مختلف الكتاتيب القرأنية والمدارس العلمية العتيقة في تدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية لفائدة المنتسبين إليها. وخلال فترة الحماية، أنشأت السلطات الفرنسية مجموعة من المدارس قصد تحقيق أهداف السياسة التعليمية لفرنسا بالمغرب. من هذه المدارس التي تم إنشاؤها، يمكن ذكر: مدرسة تارودانت على يد المربي الفرنسي فور كلودوي سنة 1921 والتي حملت اسم المدرسة الإسلامية للتعلم، مدرسة تيزنيت المحدثة سنة 1927 تحت اسم المدرسة الابتدائية الأهلية للبنين، مدرسة انزكان النحدثة سنة 1935 والتي تسمى حاليا مدرسة الموحدين، مدرسة بيكرا التي بدأ فيها التعليم العصري سنة 1935، مدرسة إيموزار إداوتنان المحدثة سنة 1939 والتي كانت تدرس بها كذلك مواد مهنية مثلا النجارة والحدادة والفلاحة وتربية المواشي، مدرسة بويزكارن التي تم إحداثها في 3 نونبر 1947 في أيام الحاكم الفرنسي المعروف بالمنطقة أوجين ميكائيل المشهور ببولحية والتي كان تلاميذها يتدربون بدورهم على البناء والنجارة والأشغال الفلاحية، مدرسة أولاد تايمة المحدثة سنة 1947...
قامت فرنسا باحتلال موقع أكادير سنة 1913، وبسبب عدم خضوع القبائل السوسية للسلطات الاستعمارية، فقد تقرر جعل هذا الموقع منطقة عسكرية خاضعة للمراقبة الشديدة مما جعل المنطقة برمتها تدخل فيما يشبه الركود إلى غاية سنة 1927، مما انعكس سلبا على تطور المدينة على كافة المستويات ومن ضمنها المستوى التربوي. ومن المدارس التي كانت متواجدة بأكادير خلال هذه الفترة نجد: مدرسة البنين الإسلامية، مدرسة البنات الإسلامية بتلبرجت، المدرسة اليهودية التابعة للرابطة الإسلامية العالمية، مدرسة فوصك أو المدرسة الأروبية، المدرسة الحسنية الحرة التابعة للحركة الوطنية، روض الأطفال الأروبيين، مدرسة البطوار، كوليج أكادير...
وذكر المؤلف أن ثانوية يوسف بن تاشفين كانت في الأصل تسمى كوليج أكادير الذي أشارت مجلة التعليم العمومي بالمغرب أنه أحدث في 18 يونيو 1951 وكان في البداية خاصا بأبناء الأروبيين واليهود وأعيان المدينة إذ كان يسمى الإعدادية المختلطة لأكادير.
بعد الاستقلال، ازداد إقبال سكان منطقة سوس على التعليم فتطوعوا لبناء الأقسام والمدارس بحماس منقطع النظير، ومن أبرز المعالم التربوية التي أنشئت خلال هذه المرحلة هناك المعهد الإسلامي بتارودانت والذي تم إحداثه من قبل جمعية علماء سوس إبان ازدهارها وتخرجت منه الكثير من الأطر التي اشتغل معظمها في أسلاك التعليم والقضاء والمحاماة. إضافة إلى إحداث مجموعة من الأقسام التكميلية بكل من تيزنيت وبويزكارن وأولاد تايمة وطاطا، إلا أن التعليم الثانوي في الإقليم السوسي عموما كان لا يضم سوى ثانويتين هما ثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير وثانوية ابن سليمان الروداني بتارودانت دون إغفال مدرسة المعلمين الإقليمية بأكادير والتي أوكل لها تخريج مدرسي السلك الابتدائي سواء المعربين أو المزدوجي اللغة. خلال هذه الفترة بالذات، قرر وزير التعليم الأستاذ محمد الفاسي في إحدى زياراته لأكادير تغيير اسم كوليج أكادير إلى ثانوية يوسف بن تاشفين حتى تكون على شاكلة ثانوية مولاي إدريس.
ومن بين أبرز الأحداث التي شهدتها ثانوية يوسف بن تاشفين، كما أوردها المؤلف، خلال مسيرتها التاريخية الطويلة فضلا عن إحداثها سنة 1951، هناك: إحداث شعبة التعليم الصناعي بها سنة 1953، احتضان الثانوية للتلاميذ المغاربة سنة 1956، زيارة وزير التعليم بنهيمة للثانوية وإعلانه بها عن مذهبه الشهير لإصلاح القطاع سنة 1966، تنظيم أول امتحان في العلوم الرياضية بها سنة 1972...أما عن أبرز وأشهر الأسماء التي درست بهذه الثانوية، فنجد: محمد الشيخ بيد الله الرئيس الحالي لمجلس المستشارين، دومينك ستروس كان وزير مالية فرنسا الأسبق والرئيس الحالي لصندوق النقد الدولي، أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، نور الدين يزيد زرهوني وزير الداخلية الجزائري، العربي عجول كاتب الدول السابق المكلف بالبريد والتقنيات الإعلامية، عمر الحضرمي ( العظمي) الوالي بوزارة الداخلية والقيادي السابق بالبوليساريو، محمد بيجعاد كاتب الدولة السابق المكلف بالإسكان في حكومة الفيلالي، محمد أوزكان مدير مركزي بوزارة الداخلية، الحسين أفراوي إطار عالي في الاتصالات وبرلماني سابق، سعد الدين العثماني وعبد الله باها القياديان في حزب العدالة والتنمية، محمد بلوش مدير أكاديمية بوجدور الداخلة، أحمد صابر عميد جامعة ابن زهر بأكادير، جيدة لبيك نائبة وزارة التربية الوطنية بالسمارة...