.....طبعا كان يرمق و يوجه النظر اتجاه جميع حلقات الفرجة ، يبخس فن بعضها ، و يثمن الحلقة الأخرى ....ويتساءل : هل هو الإبداع أم البحث عن لقمة العيش ؟ أم هما معا ؟ ولا يبحث عن الجواب ، بل يختار كعادته الحكواتي الذي يحكي حكايات الأزل القديم عبر نغمات " الهجهوج " ويجلس أرضا مفترشا " كارطونة" أو حجرا أو إسمنت ساحة الضريح .. وتمر اللحظات كالبرق ، و يحس خلالها وكأنه أمام فيلم الخيال العجائبي ، ينبهر بالإلقاء و بسحر قدرة الراوي على خلق التشويق ...

الشمس تميل نحو الغروب ، وصاحبنا في رحلة عودة مدهشة ، حيث يقطع شارع السكاكين كالسهم ، وعوض "قبة السوق "و مجالها الرحب الغني بالروائح الطيبة و نظافة دكاكينها ، يجد نفسه وقد اتجه دون اختيار نحو السوق الكبير " المارشي " ، لا يعتقد أن في الوطن مثله من الأسواق ،
طريقة مثالية في تصفيف الدكاكين و مجالات بيعها : محلات الدجاج البلدي ، و أخرى ل " الرومي " ، محلات الجزارة خاصة بلحم رأس الأبقار و أحشائها ، وأخرى لبيع لحم البقر والغنم ، محلات الزيتون التي يعشق السياح أخذ صور تذكارية بقربها ، محلات الخضر ، محلات الفواكه ، محلات مختصة في بيع التمر و الفواكه الجافة ، محلات الحلويات .......والأجمل بالمارشي هي أبوابه التي تشبه مداخل المساجد وكدا نظافة و ابتسامة البائعين ...

يخرج من المارشي وعينه تتجه صوب ساحة " لهديم " و باب منصور الشامخ ....ومادام الجوع قد غزى أمعاءه نتيجة " شهيوات " المارشي، فإنه
لم يأبه بزخرفة باب منصور و لا باالأسوار الإسماعيلية العالية ، وانحدر مع عقبة " اسمن " في اتجاه شارع " اروامزين " .......

.......على رأس شارع " اروامزين " تنتصب سينما " مونديال " الأثرية ، إنها من مخلفات المستعمر ، سينما لا تغير جلدها عبر السنين ، فيلم كاراطي قبل الإستراحة و فيلم هندي بعدها ..ولهذه السينما و غيرها فضل على نفسية صاحبنا ، فهي بؤرة للإحساس بالبطولة الممزوجة باللين ، أي شخصية ذلك البطل القوي و الحنون .
وسط الشارع الكبير و المشهور جدا ، تنتصب سينما الأطلس ، أخت السينما السابقة الذكر ، لكن ما يفضلها عليها هي تلك المطاعم الشعبية التي تفتح
أبوابها بالقرب منها ....فرصة لملء البطن بالمعقودة و البيض و شلادة ، وبثمن بخس لا يتجاوز ثلاث دراهم !

بالقرب من المطعم المذكور زقاق يعرفه كل المكناسيين ، وهو يكاد يكون سريا لجهل الغرباء بوجوده ! وهو عبارة عن سلم من الأدراج الملتوية
يصعد بكل رواده إلى الأعلى ، وذلك الأعلى ليس إلا الطريق المؤدية إلى ساحة " للا عودة " الشهيرة ...وبعد هنيهات يجد صاحبنا نفسه وسط
الساحة الفسيحة و قد استعاد قوته على المشي بفضل المعقودة و البيض .

الساحة المحتضنة للجامع الكبير ، و المحكمة الإبتدائية ، ونظارة الأوقاف ....تبدو في أبهى حلة و الخطاطيف تتنقل بين ثقوب الأسوار الإسماعيلية
المحيطة بها ، تغريدات خاصة وطيران بجمالية و روعة مدهشة ....وليس ببعيد عن الساحة ، يتوجه صاحبنا نحو ضريح مولاي اسماعيل ، زيارته نعمة للبصر ، حيث البيوت المتداخلة و الزخرفة القديمة الهائلة ..والأجمل هي تلك الساعة الشمسية الخالدة ...