الظروف المهنية والاجتماعية للمدرسين ومطلب فعالية المدرسة المغربية


الملاحظ أن جل الإصلاحات السابقة لمنظومة التربية والتعليم(خصوصا مع البرنامج الاستعجالي الذي خصص له غلاف مالي ضخم وغير مسبوق) تمركزت أ ساسا على المتعلم وعلى المناهج والبرامج والكتب،ونسبيا على التدبير والإدارة والبنيات والتجهيزات،لكن العنصر المركزي والحاسم في الفعالية والنتائج التعليمية للمدرسة المغربية تم تهميشه وإغفاله إلى حد كبير في سلم الأولويات الإصلاحية؛ ونقصد بذلك المدرسين،من حيث ظروفهم المهنية والإجتماعية.
الظروف المهنية للمدرسين
إن إغفال الظروف المهنية للمدرسين في أولويات أجندات الإصلاحات جعلتهم يتخبطون في عدة مشاكل واختلالات مهنية تؤثر سلبا على فعالياتهم المهنية ونتائجهم التعليمية،نذكر منها: شبه غياب لوسائل العمل الديداكتيكي في شكلها التقليدي، وبالأحرى الحديث( دطاشوو،حواسب،سبورات إلكترونية تفاعلية…)،والغريب انه تم تزويد
الأطرالإدارية بوسائل العمل الحديثة(حواسب،الربط بالانترنيت،الطابعات،هواتف متنقلة،وتم استثناء المدرسين الذين هم الأولى بها للرفع من فعالية العملية التعليمية التعلمية ،وكأنه هناك طغيان للهاجس الأمني/الضبطي الإداري على حساب الهاجس التربوي في عقلية مدبري الإصلاحات!
غياب مكتبات دياديكتيكية وبيداغوجية مخصصة للمدرسين،غياب فضاءات دراسية مناسبة وذات حس جمالي وتربوي وأحيانا لاصحية،شبه غياب للتجهيزات التربوية المناسبة داخل الفصول الدراسية(خزانات،كراسي…)،
الاكتظاظ الذي قد يصل أكثر من 50 تلميذ(ونتعجب أن هناك مذكرة تحدد القسم المكتظ هو الذي يتجاوز45 تليميذا،لا ندري ماهي المعايير التربوية التي اعتمدتها؟أما أن الأمر يتعلق بتدبير مالي ضيق و بندرة المناصب؟! وهناك دول رائد ة (منها تلك التي نستورد منها البيداغوجيات فقط دون الظروف المهنية الجيدة كذلك)حددت العدد الأقصى للتلاميذ في 20 تلميذا ورغم ذلك هناك أصوات ترتفع فيها مطالبة بأن ألا يتجاوز عدد التلاميذ في الفصل 15 او 10)،ناهيك عن الأقسام المشتركة في الابتدائي التي تضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة لكل التلاميذ المغاربة،وتخلق معاناة مضاعفة للمدرسين(هناك من يدرس أكثر من مستويين في نفس الوقت،بل هناك حالات يدرس فيها مدرس/ة واحد/ة كل المستويات: من المستوى الأول إلى السادس”السمطة” كما يسميها مدرسو الابتدائي).
ناهيك عن العلاقات المهنية غير السليمة في أكثر الحالات بين الأطر التعليمية والإدارية ،التي يطغى عليها في الأغلب التوتر وعدم الفهم والتفاهم والتواصل التربوي والإنساني…
كما ان المدرسين (خصوصا الجدد اومع كل مستجد بيداغوجي جديد) يُتركون يتخبطون لوحدهم،ويعتمدون على اجتهاداتهم الخاصة في تدبير أمورهم البيداغوجية والتعليمية،حيث نلاحظ شبه غياب لوظائف التأطير والمتابعة البيداغوجية والتكوين المستمر المتين والجيد المُلبي لحاجياتهم المهنية الحقيقية…
الظروف الإجتماعية للمدرسين
بما أن المدرس والمُدرسة هما كائنان إنسانيان واجتماعيان،وليسا كائنين ديداكتيكيين كما يُراد لهما،فإنه بالإضافة إلى المعاناة المهنية داخل القسم والمدرسة،فإن أغلب المدرسين يعيشون معاناة إجتماعية إضافية وقاسية،تتعدد مظاهرها بتعدد الفئات وجغرافيا التعيين/العمل،نذكر منها:غياب الاستقرار الأسري،المعاناة مع النقل والسكن، والعزلة الاجتماعية والحضارية وغياب الخدمات الصحية والثقافية والترفيهية،خصوصا لدى العاملين بالوسط القروي…والطامة الكبرى،وهي انه ورغم معاناة مدرسي العالم القروي ليس هناك تحفيزات وتعويضات حقيقية عن هذه المعاناة!والأخطر انه تم اختزال التعويض المقرر مؤخرا عن العالم القروي في التعويض عن المناطق الصعبة،وذلك بمباركة النقابات؟!وما يصاحب ذلك من متاهات وتلاعبات وتوترات في تحديد “المناطق الصعبة”، وذلك فقط من اجل ان تربح ميزانية الدولة بعض الملايين من الدراهم على حساب معاناة باقي مدرسي العالم القروي!يجب تعويض كل العاملين في العالم القروي حسب التصنيف الثلاثي لمناطق العمل المعتمد(أ،ب،ج)،ليصبح التعويض كالتالي:700درهم لمنطقة(أ)،و600 درهم لمنطقة(ب)،و500درهم لمنطقة(ج)؛هكذا نُنصف جميع العاملين بالعالم القروي ونجعل الميزانية تربح بعض الملايين.
وكذلك لضمان استقرار اجتماعي ونفسي وأسري حقيقي للمدرسين لمجابهة تكاليف الحياة المعاصرة والالتزامات الأسرية والارتفاعات الفلكية للأسعار ،يجب إعادة النظر في الأجرة،ونظام التعويضات والترقيات(وخصوصا أن هناك حاليا مشروعا لتغيير النظام الأساسي)، حيث يجب أن تكون هناك عدالة أجرية بين كل موظفي الدولة(مثلا،هناك موظفون يستفيدون من تحفيزات و مكافآت وتعويضات لا توجد في قطاعات أخرى،وهناك موظفون يستفيدون من خارج السلم وآخرون لا يستفيدون منه خصوصا في الابتدائي والإعدادي،هناك فوارق صاروخية بين السلالم والدرجات…)،كما يجب تسريع نظام الترقية بتقليص سنوات الاستفادة،والرفع من قيمة النقط الاستدلالية،والأهم يجب تطبيق السلم المتحرك للأجور(والذي يبدو ان بعض النقابات نسته او تناسته في ملفاتها المطلبية) وذلك لمسايرة ومجابهة الارتفاعات المستمرة للأسعار وفوضى السوق،ومعها تتعرض الأجرة للإستنزاف والتقليص المستمرين ،كما يجب تطوير وتجويد الخدمات الاجتماعية للمؤسسات المختصة(خاصة مؤسسة محمد السادس،والتعاضديات)،ودمقرطتها،لتلعب أدوارها الحقيقية والفعالة في التخفيف من المعاناة الاجتماعية لأسرة التربية والتعليم،وضمان كرامتهم واستقرارهم.
وفي الأخير،نظن بأنه حان الوقت لإعطاء الأولوية للظروف المهنية والاجتماعية للمدرسين(إلم نقل جاء دورهم)،إن كنا فعلا نريد الرقي بمنظومتنا التعليمية والتربوية نظرا لدورهم الحاسم في تحقيق مطلب فعالية ونتائج المدرسة المغربية،وكفانا من الحسابات المالية الضيقة على حساب المدرسين والتلاميذ والمدرسة المغربية فقط ،وبالتالي على حساب مستقبل وطننا،الكل يلاحظ كم من الملايير تُهدر سدى وبكرم حاتمي، وبدون رقابة أو ترشيد، في قطاعات ومشاريع وأنشطة ثانوية أو لا فائدة منها على مستقبل البلاد والعباد.
كما أننا نأمل خيرا في بعض التصريحات الإيجابية لوزير التربية الجديد في حكومة بن كيران،وخاصة منها :إعادة الثقة للمدرسة العمومية،وإعادة الاعتبار للمدرسين والمدرسات،وضمان استقرار منظومة التربية والتكوين:وأولى لبنات الاستقرار في المدرسة المغربية هي لبنات الاستقرار الاجتماعي وإنهاء التوترات الاجتماعية بحل الملفات المطلبية العالقة(التي يقابلها كثرة الإضرابات)،وضمان الاستقرار المهني من خلال توفير وتجويد شروطه البيداغوجية والمادية والموضوعية،وبالتالي ضمان فعالية أكثر ونتائج أحسن لمدرستنا المغربية.
محمد الصدوقي