2014-08-25, 20:47
|
رقم المشاركة : 3 |
إحصائية
العضو | | | رد: حوار مع الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم |
{ يهمني، أن أطرح معك، سؤالا يشغلني دوما، يرتبط بما أحب تسميته ب ثقافة الانتفاضة.. فالانتفاضة، أكيد، أنها قد خلقت ثقافتها في فلسطين، مثلما أنها قد خلقتها في العالم.. فمن موقعك كشاعر، كيف تقرأ ملامح هذه الثقافة في الداخل، في العمق الفلسطيني؟!
هناك حاجة، أو هواية لدى الباحث أن يحلل ويجزئ، حتى يقرأ المرحلة، وهو يضطر لإقصائها بعض الشيء، عن مراحل سابقة أو لاحقة، فهذه من طبيعة البحث الأكاديمي. لكنني، ليست باحثا أكاديميا، لذلك لا أتعامل مع الظواهر الحياتية والثقافية والشعرية والسياسية بفصلها عن مراحل سبقتها أو تتبعها، بل بالانخراط في عضوية التلاحم بين هذه المراحل جميعها. الانتفاضة لم تفاجئني، لأن إرهاصاتها موجودة في قصيدتي، موجودة في رؤياي الشعرية والفكرية.. لأن الاحتلال والقمع والسطو التاريخي الذي وقع على وطني وشعبي، لا يمكن أن يتحول الى مجرد موقف فكري، من شأني قبوله أو رفضه، بل هي مسألة دفاع عن الحياة، عن الكينونة الشخصية، قبل القومية، والفردية قبل الوطنية، والذاتية قبل الكونية.
فهذا التداخل بين الشخصي والعام، وبين مراحل التاريخ والتطورات السياسية والفكرية التي تحدث بعنف في هذه المساحة من الجغرافيا، فهذا التلاحم العضوي الحاد، يخلق وهجه الروحي وحاجته الثقافية من مرحلة إلى أخرى. لذلك، فشعر الانتفاضة، مندرج في هذا السياق الحامي. ولابأس، أن أذكركم، أن قصيدتي رسالة إلى غزاة لا يقرأون والتي اشتهرت باسم تقدموا، كانت ما يشبه الطلقة الأولى، في شعر الانتفاضة وأصبحت أشبه بالنشيد الوطني لها، يحفظها الشيوخ والأطفال، النساء والرجال، فهذه القصيدة لم تكتب بقرار ثقافي، بل كانت نتيجة للمشاركة في تظاهرة كبرى، في القدس، حول أسوار القدس، حيث تعرضنا لاعتداء قوات الاحتلال، وقصفنا بقنابل الغاز، وأصيبت برلمانية إيطالية، كانت إلى جانبي، وفقدت إحدى عينيها، وأحسسنا أننا في مواجهة مباشرة مع الموت.. لذلك، كانت إيقاعات هذه القصيدة، من إيقاعات هذه المظاهرة، التي شاركت فيها جسديا وروحيا وفكريا.. وقاموسها الروحي والإيقاعي، كله نتاج مباشر لحالة دفاع عن الحياة وعن النفس. وبطبيعة الحال، لمشاركة آخرين لي، في هذه الحالة الوجدانية، كان طبيعيا، أن يولد ما عرف في ما بعد بأدب الانتفاضة، كما أدب المقاومة سابقا.. فالعمل الفني أو الشعري، هو حالة قصوى من الدفاع عن النفس في مواجهة موت مباشر.. { جدار شارون العنصري، الذي يخترق جسد فلسطين، كيف تتأمله من موقعك كإنسان وكشاعر؟!
أنا أسميته بالساطور.. ساطور الجزار.. وهي ليست لعبا لغويا، فقد دعيت إلى رام الله، من قبل الأخ ياسر عبد ربه، وزير ثقافة ووزير إعلام سابق، لكن الحاجز الاسرائيلي منعني من دخول المدينة، وكان هذا الحاجز بجانب الساطور الذي يسمى جدارا مجازيا. فأنا لا أسميه بالساطور مجازيا، هو ساطور، ويسمى مجازيا بالجدار، لأنه ساطور في لحم وعظم وطني وشعبي. لكن، كما كل أفعال الاحتلال ونقائص العنصرية، وفظائع الحمق التاريخي، فلن يكون هذا الساطور كما يشتهيه شارون وورثته الآن، حدا نهائيا للحياة في بلدي. فالنهايات التي تكون في مباريات كرة القدم، لا يحققها أو ينجزها المتفرجون، بل اللاعبون على الميدان.. واللاعبون هنا، هم شعب قوي، مجرب، معروف. ويستطيع أولمرت أن يعقب على لعبته كما يشاء، لكن النتيجة النهائية ليست في جيبه..
-ننتقل إلى القصيدة، وبالتحديد قصيدة سميح القاسم، فمن ملاحظاتي، أن هناك حضورا قويا للتاريخ ولعناوين الأمكنة في شعرك، حتى لأكاد أقول إننا بإزاء ذاكرة للمكان تخاطب العالم.. لماذا هذا الإختيار الشعري الممجد للمكان وللذاكرة؟
سأكون مدعيا ومتعجرفا إذا قلت إنني اخترت هذه الحالة، أو هذه المسألة. فأنا أكتشف لاحقا أنني تورطت في حالة شعرية تشبه المس العقلي، ويلفت نظري النقاد إلى أمور لا أدعي، وليس من حقي ذلك، التخطيط لها. أنا أتبع تخطيط براكيني الداخلية وأعاصيري الخاصة. والعالم يتحدث عن تسونامي وقوته، وحتى موازين ريختر للزلازل، ستفشل في قياس ما يدور في أعماقي، على المستوى الفردي وعلى المستوى القومي والوطني والإنساني. سمه هوسا، أو جنونا، لكن، لدي إحساس عميق بأنني أشبه بحارس الغابات الذي يمنع الصيد ويدافع عن أزهار لا يراها سواه، وعن كائنات حية صغيرة لا تراها سوى عين محبته. أعتقد أنه هذه حالتي مع الوطن ومع الشعب ومع الأمة ومع الإنسان في المطلق. يتبع
| التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |