الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات التواصل العام > - منتدى الإستقبال و التعارف - > { منتدى الخيمة الرمضانية }


{ منتدى الخيمة الرمضانية } رمضان فرصة ذهبية للتوبة والمغفرة والعتق من النار فلنغتنمها قبل ان يُقال مات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2018-05-26, 21:42 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

c1 رمضان و ضرورة التغيير




رمضان و ضرورة التغيير





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد.
أخي الصائم كيف حالك بعد أن صمت وعشت هذه الأيام في رمضان بعد أن تناولت جرعات من دواء الصيام؟


فإن المريض يحرص علي اتباع تعليمات الطبيب بدقة ويتجرع مرَّ الدواء قاصدا بذلك الشفاء, وما يهتم الطبيب بشيء سوى مدي تحسن الحالة الصحية وزوال الألم والعلة التي يشكو منها المريض.



ولله المثل الأعلى فربنا خالقنا يعلم ما يصلحنا وما يفسدنا ولذلك كتب علينا أدوية لصلاحنا وبدونها فسادنا, فالعبادات أدوية ناجعة شافية للقلوب؛ مقويات للفضائل ومضادات للرذائل التي قد تصيبها من كبر وعجب وشح وحسد وغيرها؛ حتى يحقق المسلم الغاية التي من أجلها خُلِق وهي العبودية والاستسلام والتوكل والإخلاص لله عز وجل حتى نعبده كأنا نراه وهي درجة الإحسان.


يقول ابن القيم عن الشريعة والعبادة جزء منها: ...وَهِيَ نُورُهُ الَّذِي بِهِ أَبْصَرَ الْمُبْصِرُونَ، وَهُدَاهُ الَّذِي بِهِ اهْتَدَى الْمُهْتَدُونَ، وَشِفَاؤُهُ التَّامُّ الَّذِي بِهِ دَوَاءُ كُلِّ عَلِيلٍ، وَطَرِيقُهُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي مَنْ اسْتَقَامَ عَلَيْهِ فَقَدْ اسْتَقَامَ عَلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
فَهِيَ قُرَّةُ الْعُيُونِ، وَحَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَلَذَّةُ الْأَرْوَاحِ؛ فَهِيَ بِهَا الْحَيَاةُ وَالْغِذَاءُ وَالدَّوَاءُ وَالنُّورُ وَالشِّفَاءُ وَالْعِصْمَةُ، وَكُلُّ خَيْرٍ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا، وَحَاصِلٌ بِهَا، وَكُلُّ نَقْصٍ فِي الْوُجُودِ فَسَبَبُهُ مِنْ إضَاعَتِهَا، وَهِيَ الْعِصْمَةُ لِلنَّاسِ وَقِوَامُ الْعَالَمِ(1)



ويقول الشيخ محمد الغزالي: والعبادات التي شرعت في الإسلام, واعتبرت أركانا في الإيمان به ليست طقوسا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها، كلا فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظل مستمسكا بهذه الأخلاق، مهما تغيرت أمامه الظروف.

إنها أشبه بالتمارين الرياضية التى يُقبل الإنسان عليها بشغف، ملتمسا من المداومة عليها عافية البدن وسلامة الحياة.
والقرآن الكريم والسنة المطهرة، يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق.



فالصلاة الواجبة:

عندما أمر الله بها أَبَان الحكمة من إقامتها فقال تعالي: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(2) فالإبعاد عن الرذائل، والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلاة.

والزكاة المفروضة:

ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي أولا غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات.
وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3) فتنظيف النفس من أدران النقص، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى.
ولذلك وسَّع النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة كلمة الصدقة « تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ في أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِىءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِى دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ »(4)

والصوم:

عندما شرعه الإسلام، لم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائما من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(5)
وفي السنة المطهرة «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»(6)
«لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ»(7)

والحج:

قد يحسب الإنسان أن السفر إلى البقاع المقدسة الذي كلف بها المستطيع واعتبر من فرائض الإسلام على بعض أتباعه يحسبه الإنسان رحلة مجردة
عن المعاني الخلقية، ومثلا لما قد تحتويه الأديان أحيانا من تعبدات غيبية. وهذا خطأ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}(8)


هذا العرض المجمل لبعض العبادات التي هي أركان الإسلام، نستبين منه متانة الأواصر التي تربط الدين بالمقاصد والحِكَم. إنها عبادات متباينة في جوهرها ومظهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية والهدف

والمقصد
. فالصلاة والصيام والزكاة والحج، وما شابه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام، هي مدارج الكمال المنشود، وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلى شأنها، ولهذه السجايا الكريمة -التي ترتبط بها أو تنشأ عنها- أعطيت منزلة كبيرة في دين الله. فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكِّى قلبه، وينقِّى لبه! ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى.

وربما قدر الطفل على محاكاة أفعال الصلاة وترديد كلماتها.. ربما تمكن الممثل من إظهار الخضوع وتصنع أهم المناسك.. لكن هذا وذاك لا يغنيان شيئا عن سلامة اليقين، ونبالة المقصد.
والحكم على مقدار الفضل وروعة السلوك يرجع إلى مسار لا يخطئ، وهو الخلق العالى!(9)

العفو عن الخطأ والنسيان في الفروع:


ولقد عفي الله في الفروع عن الخطأ والنسيان فلا حرج علي من نسي أو أخطأ فيه «مَنْ نَسِىَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ»(10) وصيامه صحيح
«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»(11)

الإيمان المزور:

فليست العبرة في الجوع والعطش إنما العبرة في المقاصد والمعاني وأصول الشريعة ولم يعف الإسلام عن الخطأ فيها أو نسيانها لأنها يجب أن تختلط بلحمه وتسيل مع دمه في عروقه ينبض بها قلبه.

وفي هذا يقول ربنا تبارك اسمه:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}(12)


علامة المكذبين بيوم الدين سوء خلقهم مع الله بداية بالإهمال في حقه الصلاة ولم يتوجهوا إليه بالإخلاص في العبادة فراحوا يراؤون الناس، وسوء خلقهم مع الناس نهاية فينهر اليتيم ولا يتمثل أخلاق الدين التي دعت إلي التكافل والمحبة والرأفة، فمنع خيره عن الناس (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)

وورد في ذلك قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلاَنَةَ تَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا قَالَ «هِىَ فِى النَّارِ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلاَنَةَ تَذْكُرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا وَأَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلاَ تُؤْذِى جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ «هِىَ فِى الْجَنَّةِ »(13)


ويتضح من هذا ارتباط الخلق (المقصد والغاية) بالإيمان الحق، وارتباطه بالعبادة الصحيحة،فهو أساس الصلاح في الدنيا والنجاة في الأخرى. فالإيمان والصلاح والأخلاق، عناصر متلازمة متماسكة، لا يمكن الفصل بينها.

وانظر إلي عاقبة من انفكت عبادته عن مقاصدها وغاياتها فلم يحقق ما تصبوا إليه العبادة.


صلي وزكي وحج واعتمر وصام وقام؛ لكنه ما أحدث تغييرا في داخله, هو متمسك بالدين ظاهرا بعيد عنه كل البعد باطنا وجوهرا ففي الحديث «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ» قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ»(14)


إنه كبنَّاء يبني ما يبنيه في يومه ثم يمسي يهدم ما قد بناه فهل يعد هذا انجازا؟! أو كتاجر يملك في محله بضائع بألف وعليه ديون قدرها ألفان، هل يُعد هذا المسكين غنيا، والمتدين الذي يؤدي بعض العبادات بصورة شكلية، وبعدها لا يُؤْمَن شرُّه ولا يُسْلَم من أذاه فكيف يعد هذا تقيا؟!


"... وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ" (15)
فعَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا وَأَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَا هُنَا امْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا وَإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنَ الْعَطَشِ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ عَادَ وَأُرَاهُ قَالَ بِالْهَاجِرَةِ قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ قَدْ مَاتَتَا أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا. قَالَ «ادْعُهُمَا». قَالَ فَجَاءَتَا –قَالَ- فَجِىءَ بِقَدَحٍ أَوْ عُسٍّ فَقَالَ لإِحْدَاهُمَا «قِيئِى». فَقَاءَتْ قَيْحاً أَوْ دَماً وَصَدِيداً وَلَحْماً حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى «قِيئِى». فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَصَدِيدٍ وَلَحْمٍ عَبِيطٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَلأَتِ الْقَدَحَ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمَا جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى فَجَعَلَتَا يَأْكُلاَنِ لُحُومَ النَّاسِ»(16)


فإذا نمت الرذائل في النفس، وفشا ضررها، وتفاقم خطرها، انسلخ المرء من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه، وأصبح ادعاؤه للإيمان زورا، فما قيمة دين بلا خلق؟!! وما معنى الإفساد مع الانتساب لله؟!!


وتقريرا لهذه المبادئ الواضحة في صلة الإيمان بالخلق القويم يقول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى [وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ] وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» وفي رواية [وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ](17)


اختلاف العلماء في الفروع واتفاقهم في الأصول:

ومن المعلوم أن علماء الأمة اتفقوا علي أن للشعائر مقاصد ومعاني وغايات, واختلفوا في طريقة أداء هذه الشعائر, وللفقهاء والعلماء في ذلك مذاهب وآراء, فلتُؤَدَّي علي أي وجه, فلتضع يدك في الصلاة علي أي وضع علي أي مذهب وأن تصلي التراويح علي أي مذهب المهم أن تصلي الصلاة التي تؤتي ثمارها.


ويطيب لي أن أذكر ما حكاه الإمام الغزالي عن الإمام بشر بن الحارث الحافي -وهو أحد الصالحين والورعين القدماء- أن رجلا جاء يودعه وقال: قد عزمت على الحج، فتأمرني بشيء؟

فقال له: كم أعددت للنفقة؟ فقال: ألفي درهم.
قال بشر: فأي شئ تبتغي بحجك، تزهُّدا، أو اشتياقا إلى البيت، أو ابتغاء مرضاة الله؟ قال: ابتغاء مرضاة الله.

قال: فإن أصبت مرضاة الله تعالى، وأنت في منزلك، وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى، أتفعل ذلك؟ قال: نعم.

قال: اذهب فأعطها عشرة أنفس: مدين يقضي دينه، وفقير يرم شعثه، ومعيل يغني عياله، ومربي يتيم يفرحه، وإن قوي قلبك تعطيها واحدا، فافعل، فإن إدخالك السرور على قلب المسلم، وإغاثة اللهفان، وكشف الضر، وإعانة الضعيف، أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام. قم فأخرجها كما أمرناك، وإلا فقل لنا ما في قلبك. فقال: يا أبا نصر، سفري أقوى في قلبي.
فتبسم بشر رحمه الله، وأقبل عليه وقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات، اقتضت النفس أن تقضي به وطرا، فأظهرت الأعمال الصالحات، وقد آلى الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين.(18)

حصول التقوى:

والتقوى غاية الأمر، وجماع الخير، ووصية الله للأولين والآخرين، والصوم فرصة عظمى للتزود من التقوى، قال تعالى {...لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(19)
تصور مريضا لم يذهب إلي طبيب أو ذهب ولكن لم يتناول الدواء أو تناوله علي غير ما أوصي به الطبيب؟! فهذا يعد من السفهاء.

فعندما يصبح همُّ المسلم أن يؤدي العبادات بطريقة شكلية دون الالتفات إلي مقاصدها ودون إحداث تغيير في أخلاقه فلا يجد للعبادة ثمرة, ولا يجد حلاوة الإيمان, وتجد انفصاما في شخصية بعض المسلمين, فقد تجده شخصًا كثير الصلاة والصيام والحج والاعتمار، وفي الوقت نفسه لا يُؤتَمَن علي شيء، ولا يتحَرَّى الصدق، ويُسيء معاملة الآخرين, وتجده قليل الصبر عند البلاء؛ فهو إذا لم يتغير بعبادته ولم يستفد من أدائها.

فالمقصد من العبادة هو أداؤها بطريقة تحقق هدفها.

وفي هذا المعنى يقول ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكُّر خير من قيام ليلة والقلب ساه.(20)

فصيام رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة, واختص الله صيام رمضان لينبني عليه ركن من أركانه, ومن لم يصم رمضان لغير عذر شرعي فقد انتقص ركنا من أركان إسلامه, فرمضان مدرسة تَبني في شخصية ونفسية المسلم وروحة وقلبه ما لا ينبني إلا بصيام رمضان فهو لذلك ركناً.

ومن هنا فالصيام الذي يؤدي إلي تغيير في الصائم وارتقاء في طبقات بنيانه هو الصوم المطلوب ومن هنا فالتغيير أمر حتمي.
وليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب والمفطرات في نهار رمضان ولكن المقصود هو أن يحدث الصيام فينا تغييرا.
ففي الحديث «.. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ [حَصِينَةٌ] وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»(21)


فالصيام جنة أي وقاية من الأخلاق السيئة ومن النار فمن صام وحقق الهدف فرح بصومه وإلا لم ينل من صيامه إلا الجوع والعطش والعذاب يوم القيامة «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ»(22)


فمن لم يغيِّر فيه رمضان ويؤثِّر فيه أخشي أن يصيبه دعاء جبريل عليه السلام وتأمين الرسول صلي الله عليه وسلم «إِنَّ جِبْرِيلَ آتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغَفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ: آمِينَ »(23)


فليس المقصد من العبادة أداؤها من الناحية الشكلية بل المهم أداؤها بطريقة تحقق هدفها. ولكل عبادة ظاهر وباطن وقشر ولب فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب.


فرمضان فرصة العمر السانحة وموسم البضاعة الرابحة والكِفة الراجحة.

ولما حباه الله تعالى من المميزات فهو بحق مدرسة لإعداد الرجال وهو بصدق جامعة لتخريج الأبطال.
لنجعل قصدنا هذا العام بصيام رمضان وقيامة إيمانا واحتسابا للتربية والتهذيب والتغيير ونساعد أنفسنا بتخليصها من النار فتعتق الرقاب وتتطهر القلوب وتزكو النفوس.
«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(24)
و «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(25)
قال الخطابي: احتسابا أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه.(26)

تدارَك ما استطعتَ مـن الخطايـا *** بتوبةِ مخلـصٍ واجعل مـدارَك
على طلبِ السلامـةِ من جحيـم *** فخَير ذوي الجـرائمِ من تدارَك

عبد الوهاب عمارة
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف

-----------------------
1- إعلام الموقعين.
2- سورة العنكبوت:45.
3- سورة التوبة:103. 4- أخرجه الترمذي والسياق له عَنْ أَبِى ذَرٍّ وكذا البخاري في " الأدب المفرد " و ابن حبان وصححه وصححه الألباني.
5- سورة البقرة: 183.
6- روه البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه.
7- رواه ابن خزيمة عن أبي هريرة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الألباني.
8- سورة البقرة: 197.
9- خلق المسلم: محمد الغزالي بتصرف يسير.
10- رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
11- رواه ابن ماجه واللفظ له عَنْ أَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ والبيهقي والنسائي وصححه الألباني.
12- سورة الماعون.
13- رواه البخاري في "الأدب المفرد" عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ورواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد و ابن أبي شيبة وصححه الألباني.
14- رواه مسلم والترمذي وغيرهما عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
15- رواه ابن أبى الدنيا في قضاء الحوائج والطبراني في الكبير والأوسط والصغير عن ابن عمر وحسنه الألباني.
16- . رواه أحمد وضعفه الألباني.
17- رواه مسلم وأحمد واللفظ له عَنِ الْحَسَنِ ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وحسنه الألباني.
18- إحياء علوم الدين.
19- البقرة:183.
20- الزهد والرقائق لابن المبارك وابن أبي الدنيا في التفكر وإحياء علوم الدين.
21- رواه البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ.
22- رواه ابن ماجه واللفظ له عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ورواه النسائي وأحمد والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري.
23- رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه والطبراني رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني.
24- رواه البخاري ومسلم وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
25- رواه البخاري ومسلم وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
26- فتح الباري شرح صحيح البخاري لبن حجر العسقلاني وحاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي لجلال الدين السيوطي.

موقع
صيد الفوائد






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=959486
التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
قديم 2018-05-28, 21:23 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: رمضان و ضرورة التغيير


  • رمضان وإمكانية التغيير







يقولون : (الطبع يغلب التطبع).
ويقولون أيضا : (يموت الزمَّار وأصابعه تلعب).
وهذه قوة سلبية يبثها المتشائمون المثبِّطون المعوِّقون العجزة الفاشلون.
وهل ولد زمَّار؟! أم أنه تعلِّم وتدرب وتعوَّد وبذل وصبر حتى صار له طبعا بل فنًّا يجيده ويحسنه؟!
فلم لا نتطبَّع بالشيء, بمران أنفسنا وتعويدها علي الشيء حتى يكون لنا عادة وطبعا.
وتعلمنا ذلك من ديننا.


ففي كتاب ربنا عز وجل {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(1) قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صَلَاحَهُ ثم هداه لِمَا يُصْلِحُهُ. (2)
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (3) فمَنْ توجهتْ همَّتُهُ إلى العلا ينالُهُ، وكذلك مَنْ أخلَدَ إلى الأرضِ واتَّبَعَ هواهُ فسيلحَقُهُ بقدرِ دنوِّ همتِهِ مِنَ الذُّلِّ والمهانةِ والتبعيةِ
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(4) {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (5)


يقول الشهيد سيد قطب: إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه (من طين الأرض ومن نفخة اللّه فيه من روحه) مزوَّد باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال. فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر. كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء. وأن هذه القدرة كامنة في كيانه، يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة : «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها» .. ويعبر عنها بالهداية تارة : «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» .. فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد.. والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك. ولكنها لا تخلقها خلقا. لأنها مخلوقة فطرة، وكائنة طبعا، وكامنة إلهاما.


وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان. هي التي تناط بها التبعة. فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها، وتغليبه على استعداد الشر.. فقد أفلح. ومن أظلم هذه القوة وخبَّأها وأضعفها فقد خاب «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» (6)
{... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...}(7)


فإنه لا يغير نعمة أو بؤسى ، ولا يغير عزا أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة... إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير اللّه ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم. وإن كان اللّه يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون. ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم، ويجيء لا حقا له في الزمان بالقياس إليهم. (8)
وفي سنة نبينا صلي الله عليه وسلم « الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ » (9)
فكل عمل أو خلق إنما جاء بالأساس بالتعود عليه وتكراره.


وفي فيض القدير: والعادة مشتقة من العود إلى الشيء مرة بعد أخرى حتى يسهل عليه فعل الخير والصلاح والعاقل من جاهد نفسه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (10)
اعترض كلب في طريق عيسى عليه السلام فقال: اذهب عافاك الله فقيل له: تخاطب به كلبا؟ قال: لسان عودته الخير فتعود
وقال الحكماء: العادة طبيعة خامسة. (11)


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ ... » (12)
وفي الحديث «... وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ » (13)


فإذا كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى المقابح فكيف لا تستلذ الحق لو ردت إليه مدة والتزمت المواظبة عليه ... ومن أراد أن يصير الحذق في الكتابة له صفة نفسية حتى يصير كاتبا بالطبع فلا طريق له إلا أن يحاكي الخط الحسن ويواظب عليه مدة طويلة فيتشبه بالكاتب تكلُّفا ثم لا يزال يواظب عليه حتى يصير صفة راسخة في نفسه فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعا كما كان يصدر منه في الابتداء تكلفا... وكذلك من أراد أن يصير سخيا عفيف النفس حليما متواضعا فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفا حتى يصير ذلك طبعا له فلا علاج له إلا ذلك...
فالأخلاق الحسنة تارة تكون بالطبع والفطرة, وتارة تكون باعتياد الأفعال الجميلة, وتارة بمشاهدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم, وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح, إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعا. فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاثة حتى صار ذا فضيلة طبعا واعتيادا وتعلما فهو في غاية الفضيلة. ومن كان رذلا بالطبع واتفق له قرناء السوء فتعلم منهم وتيسرت له أسباب الشر حتى اعتادها فهو في غاية البعد من الله عز وجل.(14)


وحتى لو جربت مرة ومرات حاول ثم حاول ثم حاول ولا تعجز « ... احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ »(15)


عُدْ بالنفس إلي أصلها:


جاء في الحديث « ... وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا.. » (16)
قال النووي: قوله تعالى: {وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ} أي مسلمين، وقيل:طاهرين من المعاصي، وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
وقوله تعالى: «وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ» أي: استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل»(17)
وقال الطاهر بن عاشور: «وإذ قد كانت نفوس الشياطين داعية إلى الشر بالجبلة تعين أن عقل الإنسان منصرف بجبلته إلى الخير، ولكنه معرض
لوسوسة الشياطين، فيقع في شذوذ عن أصل فطرته، وفي هذا ما يكون مفتاحا لمعنى كون الناس يولدون على الفطرة، وكون الإسلام دين الفطرة،
وكون الأصل في الناس الخير» (18)


«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» (19)
قال القرطبي: «الفطرة هي الخلقة التي خلق الله عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة»(20)
وجاء رمضان ليكون فرصة نتعلم فيه كل خير ونعود أنفسنا علي الفعل الجميل فهو بمثابة برمجة النفس والعقل علي التعود علي الفضائل وترك الرذائل حتى يصير الخير سجية في النفس وعادة في الطبع.
ي
قول الإمام ابن القيم: كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الصّيَامِ حَبْسَ النّفْسِ عَنْ الشّهَوَاتِ وَفِطَامَهَا عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ وَتَعْدِيلَ قُوّتِهَا الشّهْوَانِيّةِ لِتَسْتَعِدّ لِطَلَبِ مَا فِيهِ غَايَةُ سَعَادَتِهَا وَنَعِيمِهَا وَقَبُولِ مَا تَزْكُو بِهِ مِمّا فِيهِ حَيَاتُهَا الْأَبَدِيّةُ وَيَكْسِرُ الْجُوعُ وَالظّمَأُ مِنْ حِدّتِهَا وَسَوْرَتِهَا وَيُذَكّرُهَا بِحَالِ الْأَكْبَادِ الْجَائِعَةِ مِنْ الْمَسَاكِينِ . وَتُضَيّقُ مَجَارِي الشّيْطَانِ مِنْ الْعَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجَارِي الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَتَحْبِسُ قُوَى الْأَعْضَاءِ عَنْ اسْتِرْسَالِهَا لِحُكْمِ الطّبِيعَةِ فِيمَا يَضُرّهَا فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا وَيُسَكّنُ كُلّ عُضْوٍ مِنْهَا وَكُلّ قُوّةٍ عَنْ جِمَاحِهِ وَتُلْجَمُ بِلِجَامِهِ فَهُوَ لِجَامُ الْمُتّقِينَ وَجُنّةُ الْمُحَارِبِينَ وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرّبِينَ ... فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } (21)
وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّوْمُ جُنّةٌ . وَأَمَرَ مَنْ اشْتَدّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النّكَاحِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصّيَامِ وَجَعَلَهُ وِجَاءَ هَذِهِ الشّهْوَةِ.(22)
ولابد أن نثق أننا نستطيع التغيير بجد ومجاهدة وصبر ومثابرة واستعانة بالله.



عبدالوهاب عمارة
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 13:01 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd