الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > الفلسفة العامة والفكر الإسلامي



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2014-10-15, 19:45 رقم المشاركة : 26
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: منتدى فرعي لمواضيع الفلسفة.


التيَّار الفلسفي في وحدة الوجود

قراءة في كتاب

إشكاليَّة وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي
حمزة رستناوي[1]
ما هي الأسباب التي دفعت الباحث محمد الراشد إلى دراسة وحدة الوجود في التراث العربي الإسلامي؟ يجيبنا الراشد:
لقد شكَّلت وحدةُ الوجود تيارًا واضحًا في تاريخ الفكر العربي الإسلامي عبر المراحل والأحقاب كلِّها. ولكنها حينما غدت بمثابة محور واحد لقطاع كبير أوغل فيها إيغالاً مفرطًا، عُدَّتْ واحدةً من أهم عوامل انهيار الحضارة العربية وسقوطها.
فمهمة الحضارة، في رأي الراشد،
[...] تتمحور على نقطتين جوهريتين قوامهما: تفسير العالم أولاً، واكتشافه وتغييره في منحى التطور الصاعد ثانيًا. ولقد اقتصر التيارُ الأحادي – أي وحدة الوجود – على النقطة الأولى وحدها، أعني تفسير العالم وتأويله فقط. وانطلاقًا من إيغال التيار الأحادي في تفسير الوجود وتأويله إلى حدِّ الإفراط فقد شكَّل عامل كبح لمسيرة الحضارة.
فدراسة الراشد لإشكالية وحدة الوجود هي دراسة لجزئية ساهمت في الانهيار والسقوط الكلِّي للحضارة العربية. والكتاب الذي بين أيدينا – إشكالية وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي[2] – يهتم باستعراض تيار وحدة الوجود في الخط الفلسفي والفكري المحض. وقد خصص الراشد كتابين لدراسة تيار وحدة الوجود في التصوف الإسلامي، هما على التوالي: نظرية الحب والاتحاد في التصوف الإسلامي ووحدة الوجود من الغزالي إلى ابن عربي[3]، يليهما كتاب ثالث بعنوان مسارات وحدة الوجود يرصد تطور هذه النظرية من القرن الثامن الهجري حتى العصر الحديث.

إن وحدة الحقيقة الوجودية تعني أن الجزء لا يمثل الكل، وبعبارة أدق، أن الجزء يرمز إلى الكل ولا يمثِّله، باعتبار الأجزاء تحقق وجودها عبر تجلِّيات المطلق وصدوراته وفيوضاته وتعيناته. إذًا فالجوهر الإلهي الأول المطلق يبقى واحدًا في ذاته؛ وهذا يعني تعالي الذات عن الأسماء والصفات بحسب التصوف، أو تعالي الذات الإلهية عن فيوضاتها بحسب الفلسفة. فالخط العام، – فلسفيًّا وصوفيًّا، – في مراحله الأولى، فهم وحدة الوجود على أساس سريان الحقيقة الإلهية في الإنسان والكائنات. فالعدد "واحد" يبدع الكثرة من جراء سريانه في الكثرة، من غير أن يتكاثر أو يتبعَّض في ذاته: العدد واحد يرمز إلى الله؛ والعلاقة بين الخالق والمخلوقات كالعلاقة بين الواحد والأعداد المنبثقة عنه؛ والذات الإلهية مستقلة استقلالاً مطلقًا كاستقلال الواحد عن الأعداد اللاحقة، كما يقرر ابن السيد البطليوسي وغيره. وهكذا انطلقت النظرية الواحدية، وأقامت بنيانها على أساس الموازنة بين "الكون الأكبر" و"الكون الأصغر"، على لغة ابن عربي. وهذا الفهم يعود إلى جذور تاريخية بعيدة المدى، نجد ملامحها في الأساطير العربية القديمة في سورية ومصر وما بين النهرين.
فالفكر الأحادي في التراث العربي الإسلامي يبقى تيارًا واحدًا، وإن اتخذ صيغًا ومناحي متعددة. لكن التيار الفلسفي كان أنقى وأوضح، وكان في إمكان هذا التيار الأحادي من خلاله أن يؤدي دوره "الحضاري" لو أنه انطلق من النتائج التي توصل إليها ابن رشد فيما بعد؛ في حين نجد أن التيار الصوفي لم يستطع تحقيق التصور الممكن في قامته النهائية للمساهمة في بناء الإنسان والحضارة، بل سار في الطريق المظلم، حتى غدت النظرية لدى ابن عربي أحيانًا، ولدى معظم تلاميذه، ضربًا من الوثنية والغموض والإبهام واللامعقول، فماتت إرادةُ الوجود موتًا نهائيًّا على يد المتصوفة اللاحقين – وبذلك مات الإنسان العربي!
إن نظرية وحدة الوجود ليست وليدة الفكر العربي الإسلامي بمقدار ما هي إسهام إنساني مشترك، قام كل من اسپينوزا في الغرب وابن عربي في الشرق الإسلامي بصياغة مجملة له. فالعلاقة بين الله والعالم في الذهنية الهندية ليست علاقة خلق وإبداع من عدم، وإنما هي علاقة فيض وصدور وتجلٍّ: "إنِّي أنا هذا الخلق نفسه لأني أُخرِجُه من نفسي"، يقول الفيدنتا اللاثنوي الهندي. فكرة الله لم تتبلور بعدُ، وعملية الخلق تتخذ منحًى عامًّا، اعتبارًا من حكماء أسفار الأپنشاد وانتهاءً بطاغور، وحتى غاندي القائل بأن الله كامنٌ في الصخرة – كل صخرة على الإطلاق! فالفكر الهندوسي يراوح بين إسقاط الألوهية على العالم (= تشبيه) حينًا، وبين تعالي الألوهية عن العالم حينًا آخر (= تنزيه).
أما في الصين، فإن انسجام العقل الصيني مع الروح "العلمية" وتركيزه على التفاعل مع الحياة المعيشة تفاعلاً واقعيًّا أدَّيا بالضرورة إلى افتقار الأفكار والعقائد الصينية إلى مفهوم "ما وراء الطبيعة". ولعل كتاب التغيرات (الذي جمعه وُو وانغ) يُعَد إحدى الوثائق الفلسفية القليلة التي عنيت بما وراء الطبيعة في الصين، حيث تقوم بنيته الجوهرية على أن الظواهر الكونية هي ثمانية فقط، يمثل كلٌّ منها متوالية ثلاثية الخطوط، بحيث ترمز المتوالية إلى كونية إيجابية بظاهرة أخرى سلبية. وقد أطلق كتاب التغيرات على الظاهرة السلبية اسم ين (أي القمري)، بينما أطلق على الظاهرة الإيجابية اسم ينغ (أي الشمسي).
ننتقل الآن إلى وحدة الوجود عند الإغريق. فالأورفية، مثلاً، كانت تعتقد بوحدة الوجود: زفس، الإله الواحد، إله في كلِّ شيء، وهو في كل مكان. لذا آمنت الأورفية بأن الهدف الجوهري للإنسان يتمركز على محور الحقيقة الروحية، ولا يستهدف التلاشي البسيط في ذروة اللانهاية الإلهية. وهنا لا بدَّ أن نعرج قليلاً على أفلاطون قبل التحول إلى نقطة أخرى. فأفلاطون يعرِّف الكينونة بالقوة، أي أن الكينونة تفترض القوة، وتكون خاضعة لها بالضرورة؛ إنها "فاعل العقل ومفعوله". ولذا كان طبيعيًّا أن يكون نصيبُ فكرة العدم عنده الرفضَ المطلق. وهذا ما نتحسبه من محاورة "مشكلة الخطأ ومسألة اللاوجود". ففي الحوار الدائر بين ثيئيتيتس والغريب، نجد هذا الغريب يطرح مقولاتٍ على غاية من الخطورة: "إن كل مَن يحاول التعبير عن الوجود لا يتكلم البتة." وهل يمكن أن يضاف موجودٌ ما من الموجودات إلى غير الموجود؟!
ولعل هذا الطرح رافق الفكر الغربي على طول امتداده. وسنرى، عبر تجوالنا السريع، هذه الملامح والخطوط العامة لوحدة الوجود في الفكر الغربي، سواء في إغريق الأمس البعيد أم في الغرب القريب. فالله عند أرسطو هو "المحرك الذي لا يتحرك"، أي الذي حرك العالم ثم تركه وشأنه. وما كان هذا سوى بداية الطريق، حيث إن فكرة إقصاء وجود الله حققت نموًّا كبيرًا مع التغيرات الاقتصادية ونمو البرجوازية في أوروبا في العصر الحديث وبداية عصر التنوير الذي أقام صرح فكره على العقلانية المحض، حيث ولدت نظرية "الدين الطبيعي"، مقرةً بوجود الله مع رفضها للوحي الإلهي. فالله لم يعد "واجب الوجود"، كما كان الأمر في العصر الوسيط وما قبله، بل غدا مجرد فرضية احتمالية تقتضيها الحياة وبنية التركيب العقلي والنفسي للإنسان. لذا قال فولتير: "إذا كان الله غير موجود فلا بدَّ من اختراعه." وقد تابعه على ذلك فيودور دوستويفسكي وغيره كثيرون. إلا أن معظم رواد الأنوار لم يجدوا ضرورةً لمثل هذه الفرضية، فقالوا بأزلية العالم – وهذا يعني دمج الله في العالم بالضرورة.
ولنقف في ختام هذه الجولة السريعة عند باروخ (بندكت) اسپينوزا، رائد وحدة الوجود في الفكر الغربي، حيث ينطلق اسپينوزا من ثلاثة مصطلحات محورية هي:
1. جوهر: ويعني به الحقيقة الأساسية الثابتة وبناء قوانين العالم؛
2. صفة: وهي أحد مظاهر الجوهر أو الحقيقة غير المتناهية، كالاتساع والفكر؛ و
3. عَرَض: وهو شيء معيَّن أو شكل حادث.
واسپينوزا يعني بـ"الجوهر" النظام الأبدي أو سنَّة الله. فهو، إذن، يقسِّم العالم إلى جوهر، أي إله، وعَرَض، أي مادة، وحادث، هو العالم المادي المحسوس. بيد أن "الجوهر"، أي الله، هو حقيقة تتسامى على المادة. إذًا ليس العالم هو الله، ولا الله هو العالم؛ وإنما، بعبارة أدق، إن العالم كامن في الله: فالله هو كل شيء. اسپينوزا يرفض، إذن، أي تشخص للإله، ويجيب رجلاً اعترض على تصوره اللاشخصي والغامض لله قائلاً:
عندما تقول إنني أنكر بأن يكون لله بصر وسمع وإرادة وما إلى ذلك فإنك لا تعرف أيَّ نوع من الله إلهي. وأظن أنك تعتقد بأن الإله أعظم كمالاً من الله الذي يتصف بالصفات السابقة. وهذا لا يدعو إلى إثارة الدهشة في نفسي، لأنني أعتقد أن المثلث، لو استطاع أن يتكلم، لقال بنفسه إن الله مثلي في أضلاعه، ولقالت الدائرة إن طبيعة الله دائرية في سموها. وهكذا يخلع كل شيء صفاتِه الخاصةَ على الله.
يستحيل، إذن، وجودُ شيء أو تصوُّره من دون الله. فمن المؤكد أن موجودات الطبيعة كلَّها تحتوي على فكرة الله وتعبِّر عنها بحسب درجتها في الماهية والكمال. ومع اسپينوزا، ينتهي كل صراع بين الدين والفلسفة. ذلكم هو إله اسپينوزا: إنه الوجود كله، – يؤطِّره ويحتويه، – بحيث يتعذر أن يوجد شيء خارج نطاقه. فهو إله متسامٍ، وليس إلهًا شخصانيًّا.
وللوقوف عند نظرية وحدة الوجود خارج إطار الفكر العربي الإسلامي، تبقى أمامنا محطتان اثنتان هما: الرواقية والأفلاطونية الحديثة. فالكون، بنظر الرواقية، قديم أزلي، بيد أن نظامه حادث، وهو كون واحد. ويقول الرواقيون بوجود مبدأين للكون: أولهما مبدأ "فاعل"، والآخر "منفعل". وما المادة إلا هذا المبدأ المنفعل، باعتبارها جوهرًا خاليًا من أية الصفات؛ أما المبدأ الفاعل، أي الإلهي، فهو ذلك العقل الكائن في المادة ذاتها الذي يمنح الأشياء والكائنات صورها.
أما الأفلاطونية الحديثة فقد صيغت صياغةً نهائيةً على يد أفلوطين وأستاذه نومينوس، ابن مدينة أفاميا، وتلميذه فرفيريوس الذي جمع رسائله الأربع والخمسين ونشرها باسم التاسوعات. وتبدأ ميتافيزيقا أفلوطين بثالوث مقدس: الواحد، فالعقل، فالنفس. وهذا الثالوث ليس متساويًا، بل يتسامى حده الأول عن الثاني، والثاني عن الثالث، على التدريج. فالواحد، أي الله، يتصف بالجود والكمال، ولا بدَّ أن يفيض عنه كائنٌ أدنى منه وفقًا للقانون العام الذي ينص أن كلَّ كائن يصل حدَّ الكمال لا بدَّ له أن يلد كائنًا آخر مشابهًا له ولكنه أدنى منه كمالاً. ولذا يصدر عن الله أول ما يصدر العقل الكلي أو الروح المطلقة؛ ثم إن العقل يفيض بدوره، فتولد النفس الكلية التي تنتشر محقِّقة الأشكال الكامنة في العقل الكلِّي كافة؛ ثم تفيض النفس الكلِّية بدورها بالنفوس الجزئية. وهذا يعني أن الأشياء كلها صادرة عن الموجود الأول: الله؛ فهي إذن مترابطة ومتطابقة ترابطًا وتطابقًا كاملين. لذا كان هذا العالم هو خير العوالم الممكنة: هو خير في كلِّيته، وما الشر إلا ضرب من العدم.
أما في خصوص ديانات الشرق القديم، فنحن حيال وحدة وجود حيوية ذات طابع أسطوري. فالساميون عامة كانوا يدينون بعبادة الطبيعة التي اتُّخِذَتْ لديهم رمزًا للألوهية. ودائمًا ما تتمظهر هذه الديانات في عبادة قوَّتَي التوليد والنمو، المنبثقة بالضرورة عن طبيعة المجتمع الزراعي. فإيل (أي الله) يمثل، في التصور الفينيقي الكنعاني الأسطوري، جماع الآلهة المتعددة، أي جميع ظواهر الكون. وإذا ما وضعنا تصور "الأسماء الحسنى" في هذا السياق، فإنه يتضح لنا أن هذه الأخيرة هي الجمع من الواحد. فالعلاقة بين الوحدة والكثرة هي علاقة جدلية من طراز أسطوري عميق الدلالة. ولنقف عند هذا النص من ملحمة التكوين البابلية إينوما إيليش التي تتحدث عن بداية الكون والإله مردوخ:
ثم جلسوا ليعلنوا أسماءه –
وكلهم يتذكَّر أسماءه في المكان المقدس:
تعالوا نعلن للملأ أسماءه الخمسين.
فالخمسون تنطوي على الواحد وتشير إليه، كما ينطوي الواحد على الخمسين ويشير إليها.
أما في وادي النيل، فيكاد المصري القديم لا يفرق بين الآلهة والأشياء والبشر إلا في حدود الشكل، حتى إنه ليعد الناس والآلهة والعناصر الكونية شيئًا واحدًا من حيث الجوهر. أي أن المصريين لم يكونوا ليؤمنوا بإله واحد متعالٍ على العالم، بل كانوا يؤمنون بوحدة الوجود، وحدة الكون، وحدة الله والعالم والإنسان، لأنهم اعتقدوا بأن الكائنات كلَّها، من نجوم وأقمار وأنهار وآلهة وبشر، ذات جوهر واحد، كقوس قزح تطغى فيه ألوانٌ بعينها على غيرها وفقًا لتغير الظروف:
فملك مصر هو نفسه أحد الآلهة وممثل البلاد بين الآلهة؛ وهو فضلاً عن ذلك الوسيط الرسمي الوحيد بين الشعب والآلهة، والكاهن المعترَف به الأوحد للآلهة كلِّها. وأنَّى للملك أن يكون إلهًا إذا لم يكن الإلهُ الملك حالاًّ فيه، فيصبح الاثنان واحدًا.
وهذا ضرب من الحلول، كما قد يخيَّل لفريق من الناس. ولكن الحلول نفسه مرفوض في الذهنية الأسطورية المصرية.
لقد قمت حتى الآن بعرض مختصر لنظرية وحدة الوجود في المرحلة ما قبل الإسلامية على الامتداد العالمي. عنوان كتابنا هو إشكالية وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي؛ وهناك عنوان فرعي هو "الله والإنسان والعالم في الحضارات الإنسانية: دراسة تحليلية رؤيوية" (كل ما سبق يدخل في إطار العنوان الفرعي). فلندخل الآن إلى لب "الإشكالية".
هناك حدث جديد هو القرآن، باعتباره نصًّا تأسيسيًّا، ونصوص ثانوية، متمثلة بالحديث والفقه وعلم الكلام والتصوف إلخ. وبالتالي، كان الشاغل الأكبر عند رواد وحدة الوجود المسلمين هو رغبتهم في الحفاظ على توازن مع الوسط الديني المهيمن آنذاك. لذا قام الفلاسفة المسلمون، مثلهم مثل الصوفية، بتأويل الآيات القرآنية حول خلق العالم بروح نظرية الفيض، حيث تصدر الأشياء في العالم من الله. ويُعد أبو نصر محمد الفارابي (ت 329 هـ) أول مَن أدخل نظرية الصدور في الفلسفة العربية الإسلامية، ثم تناوَلها عنه عددٌ كبير من الفلاسفة، في مقدمتهم أبو علي ابن سينا. فالتفلسف، وفق الفارابي، هو الطريق الوحيد للعروج إلى الله؛ وهو العلم الوحيد القادر على وضع صورة شاملة للوجود الإنساني. هذه النزعة المنطقية لدى الفارابي ساهمت في تبنِّيه فكرتي "الممكن الوجود" و"الواجب الوجود"، بدلاً من فكرتَي "الحادث" و"القديم" الكلاميتين، حيث كان الوسط الذي يعيش فيه يقول بنظرية "الخلق من عدم" (الفهم النصِّي السنِّي لنظرية الخلق في القرآن الكريم). ولهذا، كان هم الفارابي وغيره من فلاسفة الإسلام محاولة التوفيق بين الإله كما جاءت به الفلسفة وبين الإله كما جاء به القرآن – وإن لم يوفَّق في محاولته! فلنتساءل الآن عما أضافه الفارابي إلى نظرية الفيض والصدور على الأفلاطونية الحديثة:
1. عملية الصدور ليست إرادية، بل هي تلقائية (فكرة مشتركة).
2. إقامة بناء تراتُبي في الصدور: فالمراتب الثلاث الأولى (السبب الأول، الأسباب الثواني، العقل الفعال) ليست في جسوم، والأصناف الثلاثة الأخيرة (النفس، الصورة، المادة) كائنة في أجسام؛ والأجسام ستة أجناس أيضًا، وهي: السماء والإنسان والحيوان والنبات والمعادن والعناصر الأربعة، ومن هذه الأجسام يتألف الكون الكبير. ولا يخفى أن نظام الفارابي، وفق هذه الصورة، هو نظام لا يمسُّ العمود الفقري لنظرية الفيض الأفلاطونية، بل هو نظام معدَّل عنه على مستوى الفروع والتسميات فقط.
3. تمسَّك الفارابي بالأرقام: ففي كتابه مبادئ الموجودات أو السياسات المدنية يضع ستة أصناف؛ بينما الرقم أربعة رائده في رسالة في إثبات المفارقة. وسنجد الرقم عشرة يسيطر على كتاب أراء أهل المدينة الفاضلة والمدينة الجاهلية والمدينة الفاسقة والمدينة المبدلة والمدينة الضالة – و"الجواب لدى الفارابي نفسه"، كما يقول الراشد.
4. الموجودات الفائضة، على كثرتها، تشكل كلاًّ واحدًا مع الموجود الأول العادل (فكرة مشتركة).
يطرح د. طيب تيزيني نظرية الفيض الفارابية، قائلاً بأن "المعلم الثاني"، بموقفه هذا، حقق تجاوزًا لأرسطو وأفلوطين معًا، لأنه
[...] لم يتبنَّ فكرة الفيض الأفلاطونية تبنيًا غير نقدي، بل إنه فعل العكس من ذلك: فقد اكتسبت على يده تطورًا ملحوظًا.
ذلك أن
[...] الفارابي قد أكسب فكرة الفيض، من خلال ماديته الاجتماعية، مضمونًا جديدًا: وحدة وجود مادية. وهذا يشكِّل خطوةً بارزةً في فهم تراث الفارابي الفلسفي.
إن الأدلة التي بين يدينا على "وحدة وجود مادية" عند الفارابي ضئيلة. فالفارابي يلح دائمًا على "خسة" المادة: الأصناف العليا في نظريته الفيضية ليست أجسامًا، وهناك إعلاء للعقل والروح. ونحن نشاطر الراشد في قوله إن وحدة الوجود الفارابية ليست مادية في النهاية.
يبقى أن نقول إن الفارابي هو أول مَن قال بوحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي ضمن نظرية متكاملة، على خلاف الكندي الذي قدم "إرهاصات" مبدئية لنظرية الفيض، إذ قال بتأثير الفلك الأعلى في الفلك الأدنى، على الرغم من أنه لم يقل بالصدور واعتمد الخلق من عدم. فالكندي، على غرار الأورفيين الإغريق، يعتبر أن الجسم هو السجن الحقيقي للنفس الإنسانية وأنها إذا ما تحررت منه تغدو قريبة الشبه بالله، وذلك في رسالته القول في النفس. وبذلك يشاطر أبو يعقوب الكندي التيار الصوفي لوحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي مذهبَه. إن الفارابي، بحسب حسين مروة: "وضع نظرية الفيض الأفلاطونية في سياق التطور التاريخي للفلسفة العربية، من حيث هي علم وإيديولوجيا"؛ وقد قاده تعريف الفارابي للفلسفة بأنها "العلم بالموجودات بما هي موجودة" إلى القول بوحدة الحقيقة الفلسفية. فالفارابي انطلق من وحدة العقل ووحدة الفلسفة معًا.
وننتقل الآن إلى أبي علي الحسين بن سينا (ت 1037 هـ)، الذي يؤكد في نظريته على عدم صدور المادة عن الله مباشرة، لأن صدورها عن الله يعني اختلاف الجهات في ذاته العلية. وهو يرى أن مهمة النفس العروجُ باستمرار إلى تلك المنزلة الرفيع؛ وهذا لا يتحقق إلا للعارفين:
هبطتْ إليك من المحلِّ الأرفع ورقـاء ذات تعزُّز وتمنُّـع

والعارفون يمتازون على مَن عداهم بأن أرواحهم انطلقت من القيود – وهذا سر ينبغي ألا يذاع للعامة؛ والفيلسوف إنما يفضي به إلى خاصة مريديه، كما يقرِّر الشيخ الرئيس في مقامات العارفين. إن ابن سينا يرفض مقولة "الاتحاد بالله" رفضًا مطلقًا، غير أنه يجعل من الحب والمعرفة وسيلةً وحيدةً للوصول إلى الله ويعدُّهما الخلاص الوحيد للنفس. يقول المستشرق هنري كوربان:
إن ابن سينا خلط بين الوحدة الوجودية والوحدة العددية. ولعل هذا الخلط أن يكون هو القلب الذي لا مفرَّ منه والذي يجعله التفكير الفلسفي يحدث لحقيقة التجربة الصوفية بمعارضتها.
يطرح ابن سينا مقولة "العقل القدسي" أو الإشراقي، وهو العقل الذي يتمتع به الفلاسفة والعارفون؛ وهؤلاء يتلقون المعارف عن العقل الفعال مباشرةً، دونما حاجة إلى وسيط، أي عن فلك الأقمار، أو العقل العاشر، بحسب نظرية صدور الموجودات والفيض. فنظرية العقل القدسي أو الحدس قد غدت منطلقًا للفلسفة الإشراقية في ما بعد على يد السهروردي. ومهما يكن من أمر، فإن نظرةً فاحصةً عن نظرية الخلق الإلهي عند ابن سينا وترتيب الموجودات لديه، وبخاصةً رسائله في التصوف، تجعلنا نقرِّر أنه كان يقول بضرب من الوحدة المطلقة. فهو يميز في كتابه النجاة بين ثلاثة أنواع من الموجودات:
1. الممكن بذاته: ويشمل جميع الأشياء التي في طبعها أن توجد أو لا توجد؛
2. الممكن بذاته الواجب بغيره: ويشمل كل ما تراه من أشياء وحركات؛ و
3. الواجب بذاته: الله.
فـ"الخلق من عدم" غير وارد في التصور السينوي لمفهوم الخلق، كقول سلفه الفارابي بذلك. وهذا يقودنا إلى نظرية الفيض أو الصدور التي انطلق منها ابن سينا والتي دفعتْه إلى إسقاط العقلانية والحس والتخيل على الأجرام السماوية، كما فعل من قبله مفكرو ما بين النهرين، وبخاصة خريجو مدرسة حرَّان. وهكذا فإن فكر ابن سينا ساهم، إلى حدِّ ما، في تكوين التصوف الإسلامي بما احتوى من تأثيرات غنوصية.
وننتقل الآن إلى الضفة المغاربية للفلسفة العربية الإسلامية، حيث يقف محمد الراشد عند خمس محطات هي: ابن مسرة، ابن السيد البطليوسي، ابن باجة، ابن طفيل، ابن رشد. فابن مسرة وابن السيد البطليوسي لا يخرجان عن الخطوط العريضة التي رسمها الفارابي وابن سينا من قبل. إلا أن ابن السيد البطليوسي ينطلق في البرهنة على نظريته في الصدور من براهين رياضية محض، على خلاف ابن سينا:
فإذا كان الرقم اثنين منبثقًا عن الواحد، فهو صدور عنه أو تجلٍّ له، إن صح التعبير. ولكن تبقى ذات الواحد متفردةً تفردًا أبديًّا عن ذوات الأعداد اللاحقة لها والصادرة عنها. والأمر نفسه بالنسبة للذات الإلهية والكائنات الصادرة عنها، مع الفرق الكبير واللانهائي بين الله والعدد.
أما ابن باجة، فإنه يرى أن المعرفة لا تتم بطريق ذوقي، على نسق الخط الصوفي، وإنما تتم عن طريق التأمل الفلسفي. ويضع ابن باجة كتابه تدبير المتوحد على نسق مدينة الفارابي الفاضلة، ولكنه في الجوهر أبعد ما يكون عن الفارابي و"مدينته": فهو يعالج فيه إشكالية الإنسان الفاضل في مجتمع غير فاضل، ويحدد الطريق التي توصل الإنسانَ إلى مرتبة الألوهية. وإن تطلُّع ابن باجة إلى الوصول نحو المرتبة الإلهية كان بمثابة البذرة الأولى لتحقيق نظرية "الإنسان الكامل"، على نسق "الأنبياء النيتشويين"، كما أُطلِقَ عليهم في الغرب.
أما ابن طفيل، فيركِّز على اتفاق العقل والوحي: فحي بن يقظان، ذلك الرجل المعزول في جزيرته، استطاع، بالاعتماد على عقله الطبيعي، الكشف عما توصل إليه أبسال عن طريق نزوعه الصوفي المبني على الشريعة والوحي، فتمكن، بكدحه المستمر، من الوصول إلى الحقيقة عبر إشراقات العقل الفعال. وأهمية ابن طفيل تكمن في تجاوُزه لفكرة الواسطة، حينما عدَّ العقل التأملي المنطلقَ لتحقيق الفرد لشرطه الإنساني، من خلال الوصول إلى الله عبر منطق عقلي محض. وهذا هو الجديد الذي قدمه ابن طفيل في قصته حي بن يقظان: فالقرابة واضحة بين قصة حي عند ابن سينا وبين نظيرتها عند ابن طفيل (وقد ألمح ابن طفيل نفسه إلى ذلك). غير أن حيًّا عند ابن طفيل أقرب إلى "الإنسان الطبيعي" منه عند ابن سينا: فصورة حي عند ابن سينا تمثل العقل الفعال؛ أما قصة ابن طفيل فتشبه أن تكون تمثيلاً للعقل الإنساني الطبيعي الذي يسري عليه نور العالم العلوي، وهو يماثل نفس النبي محمد – عليه السلام – إذا عرف حق المعرفة:
فابن طفيل توصل من خلال آرائه حول العالم الإلهي الواحد إلى إزالة الهوة بين الإنسان والإله: فالإله في الإنسان، والإنسان في الإله، وكلاهما تجسيد للعالم الإلهي الواحد.
وأما خامسهم، ابن رشد، فهو رائد القائلين بوحدة الوجود العقلية – وهذا ما حدث لأول مرة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي. فالاتصال عند ابن رشد لا يتم بالنسك، كما يقول ابن طفيل وابن باجة وغيرهما، وإنما يكون الاتصال بالإدراك العقلي المحض، أي بالمنطق وحده. وهنا تلوح لنا طبيعة العلاقة بين الله والإنسان والعالم: إنها علاقة جدلية، أساسها كون الله بمثابة تيار روحي يسري في أجزاء العالم كلِّه؛ أي أن الله هو القانون الضابط للعالم، لا من خارجه، بل من خلاله، باعتبار أن العقل الإلهي يسري في الوجود كله. وهذا نَفَس واضح في وحدة الوجود يرفض الاتصال بالعقل الفعال عن طريق الإشراق الصوفي، كما عند ابن سينا.





    رد مع اقتباس
قديم 2014-10-15, 19:45 رقم المشاركة : 27
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: منتدى فرعي لمواضيع الفلسفة.


ونصل في الفصل السادس من الكتاب إلى "وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي الحديث". ويُفرِد الراشد لكلٍّ من محمد إقبال وأحمد حيدر وتيسير شيخ الأرض موقفًا. فمحمد إقبال
[...] يريد إقامة صرح فلسفي إسلامي من خلال المعطى القرآني من جهة، وعلى ضوء المعطى العلمي من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق، عمد إلى بناء الفكر الفلسفي في الإسلام بناءً جديدًا [...]،
بحسب المقتطَف الذي أورده الراشد من مقدمة د. عادل العوا لكتاب إقبال تجديد الفكر الديني في الإسلام. ولا شك أن إقبال شاعر عظيم، يمتلك رؤيا على نسق المتصوفة الذين عرفناهم؛ ولكنه، على صعيد الفكر، أتساءل: ماذا أضاف إلى الصياغة الأخيرة التي توصلتْ إليها نظريةُ وحدة الوجود عند ابن عربي أو ابن رشد أو سپينوزا؟
أما الشيخ أحمد حيدر، فيعيدنا إلى نغمة العقل الفعال لدى الفارابي والحكمة المشرقية لدى ابن سينا، ولكن مع ملاحظة ما حدث في العالم من تطورات في العلوم الإنسانية والفلسفية والاجتماعية: فنحن الآن مطالبون بطروح مختلفة، متجاوِزة على أقل تقدير؛ نحن الآن ننتمي إلى فضاء حداثوي – أو هكذا نأمل – وليس إلى فضاء قروسطي. غير أن الشيخ في نتاجه يقدم تفسيرًا باطنيًّا صوفيًّا لنصوص قرآنية عديدة وأحاديث نبوية استُهلِكَتْ شرحًا وتفسيرًا وتعليقًا من قبل، مثل: "فأينما تُوَلُّوا فثمَّ وجه الله"؛ "اللهم لا مفرَّ منك إلا إليك"؛ "كان كنزًا مخفيًّا فأحبَّ أن يُعرَف فخلق الخلق..."؛ إلخ. ويقول الراشد:
يلوح لي أن المرحوم أحمد حيدر استطاع أن يصل إلى نظرية في وحدة الوجود من خلال صياغة شملتْ النظرياتِ السابقةَ كلَّها، محققًا ضربًا من التزاوج بين نظرية الفيض والصدور ونظرية الأنوار والتجلِّي الإلهي، ومعتمدًا، بالوقت نفسه، على معطيات العلم الحديث. وهنا تبرز عظمتُه كمفكر عربي إسلامي من الدرجة الأولى في العصر الحديث.
يعمد الراشد هنا، وفي أماكن أخرى من كتابه، إلى استخدام لغة إنشائية خطابية تبجيلية، لا تنتمي لحقل البحث العلمي والفلسفي[4]، مع أننا – نذكِّر – في صدد "دراسة تحليلية رؤيوية" (كذا!). فما علاقة العلم الحديث بـ"نور الأنوار" و"العقل الفعال" و"الفيض الإلهي" و"التسبيح الفطري" للمخلوقات و"الحقيقة المحمدية" إلخ؟ أتمنى على الراشد أن يكون صارمًا في استخدام مصطلحاته، فيتبنى لغةً رصينةً تفرضها ضرورةُ البحث!
أما تيسير شيخ الأرض، فيبدو واثقًا تمامًا ومتفائلاً عتيدًا في قدراته الذهنية والعقلية. فكتابه دراسات فلسفية: محاولة ثورة في الفلسفة هو ثورة حقيقية، أو بمعنى أدق، الوصول إلى "أول ثورة حقيقية" (كذا!) في تاريخ الفلسفة، كما يورد في مقدمة الكتاب. فالفلسفة، من سقراط الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وحتى هيدغِّر حديثًا، ليست إلا "ثورات زائفة". وهو ينطلق في ذلك من الوجدان، باعتبار أن الوجدان قلب الوجود، أي "وجود الذات في قلب المطلق"، بحسب تعبيره الحرفي. إننا مع تيسير شيخ الأرض خارج الإطار الفلسفي بمعناه الخاص؛ وحبذا لو صنَّفه الراشد ضمن التيار الصوفي في وحدة الوجود والتيار القائل بالوحدة المطلقة بالأخص، كابن سبعين والعفيف التلمساني. فتيسير شيخ الأرض لا يقدم رؤيا فلسفية أو فعلاً معرفيًّا يرقى إلى "الثورة الفلسفية" أو محاولة ثورة بأيِّ شكل من الأشكال، بل يتحفنا بمصطلحات عجائبية، كـ"الأجدوان" و"الأجدوانية" (كذا!)، وهما مشتقان من "الوجدان"!
ثم يعرض الراشد لمحاولتين معاصرتين: الأولى لعبد الجبار الوائلي، وتقوم على "وحدة الوجود العقلية"، حيث ينطلق فيها الوائلي من عقلنة المادة. فالخلية الحية تملك قسطًا من العقل مادامت تتصف بالحياة؛ تملك عقلاً بدائيًا خاليًا من العواطف والغرائز، لكنها تملك الإرادة والإدراك والتذكر والاختيار. وأبسط جزء من المادة – وهو الذرة[5] – يملك عقلاً يتناسب مع بساطتها؛ وكذلك الأبسط من الذرة، كالفوتون. وهذا يعني أن العالم كلَّه ما هو إلا "عقول أولية" تتصف بإمكانية التفاعل المستمر. فالكائن الحي يتكون من "عقول خالصة، وليس من روح ومادة، كما يتوهم الواهمون". وهذا يعني أن هناك وحدةً متكاملةً في الوجود كلِّه: وحدة الوجود العقلية. وإن "العقل العام"، أي عقل الله، هو مجموعة العقول المنبثقة في ذرات العالم كلِّه. فكل ما في الوجود ما هو إلا ركام العقول المتفاوتة في الدرجات التي تؤلِّف العقل العام؛ وهذا الأخير لا يأخذ شيئًا من خارجه، باعتباره هو الطبيعة ذاتها. ويتابع الوائلي:
[...] بينما الوحدة التي قال بها اسپينوزا وأستاذه برونو وابن عربي وحدة مغلوطة، لأنهم يقولون بوحدة الطبيعة والعقول المنبثقة فيها من دون أن يوحدوهما في عقل عام مسيطر على أجزائه.
وهذا يعني أن الوجود كلَّه، بنظر الوائلي، مجرد فكرة:
الله فكرة الأفكار الكبرى. فالعقل العام هو الله، والعقول البسيطة هي أفكار في العقل العام، تُمِدُّه بأفكارها العقلية. وإنها لا تأخذ شيئًا من العقل العام، كما أنها غير قادرة على الذوبان فيه. بكلام آخر: إن العقل العام هو الذرات الإلهية المطلقة، المنزَّهة عن تجلِّياتها وصفاتها، على لغة الفكر الصوفي؛ أي العقل العام هو الذرات المتعالية عن صدوراتها وفيوضاتها، على لغة الفكر الفلسفي.
ويتساءل الوائلي عن صفات العقل العام، عن بداية تطور العقول الجزئية، وعن نهاية المطاف لهذا التطور، ليجيب بالنفي: نفي إمكانية معرفة ذلك لعدم إحاطة العقل الجزئي–الإنساني بمضامين العقل العام. فالله، عند الوائلي، هو العالم. يعقِّب الراشد، بعد عرضه نظرية الوائلي في وحدة الوجود العقلية:
أولاً: الوائلي يخطو على طريق الفيلسوف الألماني لايبنتس، الذي أسقط العقلَ على جميع "المونادات" التي يتألف منها العالم، وبذلك عدَّ أن العالم هو الله. وهكذا سقط الوائلي في المطب نفسه الذي سقط فيه الفكرُ الغربي حينما ألَّه الكون.
ثانيًا: إن نظرية الوائلي مصداق لقوله تعالى: "إنْ مِن شيء إلا يسبِّح بحمده." ولكن القرآن، حينما جعل كلَّ شيء يمارس التسبيح، جعل الذات الإلهية متعاليةً على العالم تعاليًا مطلقًا.
وهنا أورد عددًا من التساؤلات حول مقولات الوائلي ومحمد الراشد:
1. إن محاولة عقلنة الخلية مقبولة إلى حدٍّ ما. أما عقلنة الذرة وأجزائها فتلك رؤية متطرفة تحتاج إلى برهان لإثباتها؛ ونحن غير قادرين على تأكيدها من باب أن دراستنا، في حدِّ ذاتها، لم تصل إلى نتائج حاسمة على الصعيد العلمي.
2. إن تحويل الوجود كلِّه إلى مجرد "فكرة" هو نظرية مثالية تُسقِطُ البعدَ المادي عن العالم بعد "فلترته" عقليًّا عبر صيغ اختزالية.
3. إذا كان العقل العام، بنظر الوائلي، يُمِدُّ العقول البسيطة بأفكارها العقلية ولا يأخذ منها شيئًا، كما أنها غير قادرة على الذوبان فيه، فالعلاقة، بحسب الوائلي، هي علاقة جامدة، أحادية الاتجاه، لا ترتقي إلى جدلية العلاقة بين الإلهي والأرضي (أو الله والإنسان).
4. لا يصرِّح الوائلي بالمنابع التي صاغ منها فرضيته، وخاصة المنابع الغربية.
5. إن نظرية الوائلي لا يصح أن تستمد مشروعيتَها وبراهينَها من الآيات القرآنية، بل من طروحاتها الخاصة والمنطقية. إذ إن محاولة ربط النظريات بالنص القرآني هي محاولة خطيرة تسخِّر النصَّ لتسويغ النظرية، بينما النص له كيان مستقل. وأركز هنا على الفصل بين النص الديني والنص العلمي والنص الفلسفي. فالقرآن كتاب هداية وأخلاق، وليس كتابًا علميًّا.
والمحاولة الثانية التي يوردها الراشد هي وحدة الوجود الحيوية، مثلما يقدمها د. رائق النقري في كتابه الإيديولوجية الحيوية. يحدِّد النقري مفهومه عن الله في قوة ووضوح، دونما تطرُّق إلى مقدمات وشروح، ودون اللجوء إلى براهين وأدلة. فالله موجود كمسلَّمة؛ أما كيف نفهمه فهو، بحسب النقري، الكل الحيوي باعتباره القوة الخلاقة والدفق المستمر في الكائنات كلها. والله ليس جوهرًا أصلاً، بل هو قابلية التحول الدائم للأشياء. فإذا كانت الكتلة تتحول إلى طاقة والطاقة تتحول إلى كتلة، كما تفيدنا الفيزياء الحديثة، فلماذا لا نتجاوز فكرة الجوهر أصلاً؟
ولكن، كيف نحقق ضربًا من الانسجام بين مفهوم الله، باعتباره اصطلاحًا تندرج تحت لوائه الكائنات كافة، وبين مفهوم الله، باعتباره مجرد اسم يملك فعالية الخلق السارية في الكائنات؟ الله بالنسبة للكون كالروح للبدن – وإن كان النقري يعد الروح والجسد واحدًا، متجاوزًا الانفصال بين الروح والمادة. فإمكانية تبرير مفهومه عن الله – الذي يبدو مشبعًا بالتناقض – ممكنة في ضوء المنطلقات الفلسفية والعلمية والمنطقية التي ينطلق منها.
لقد مرت فكرةُ الله – بحسب النقري – بأدوار عدة وفقًا لحركة القانون الحيوي للمجتمع: فكانت الخطوة الأولى هي معرفة الله من خلال فكرة الخوف من الموت والحلال والحرام. وقد تابع مفهوم الله نموَّه، حتى وصل إلى الإله المجرد الذي ليس له شبيه ولا شكل ولا وزن ولا صفة، كما تقول الحيوية، الأمر الذي جعل للزمان تأثيرًا مباشرًا على مفهوم الإله. ومن خلال هذا الطرح، نستطيع وضع إطار للتزاوج بين مفهوم الله لدى الصوفية، كعبد الكريم الجيلي في الإنسان الكامل وابن عربي في فصوص الحكم إبان تحليله للحديث القدسي "كنت كنزًا مخفيًا...". في عبارة أخرى، نجد أن النقري يبني جسرًا بين الله والإنسان، كما بنى جسرًا بين الله والعالم: فالإله لدى الحيوية لا يتدخل في شؤون العالم ولا يحرك العالم، لأنه هو والعالم حركة – وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دوره في تجربة الحق والخلق.
لكأني بالنقري يريد أن يقرر، كما قرَّر جان پول سارتر من قبل، بأن الله موجود؛ ولكن المشكلة ليست مشكلة وجوده أو عدم وجوده، لأنه في الحالتين لا شيء يتغير، وإنما المشكلة في هذا الإنسان الذي يجد ذاته، وفي أن لا شيء يحرره من ذاته، حتى في حالة إيجاده برهانًا على وجود الله، على لغة سارتر أو كما تقول الحيوية. فالمعضلة تكمن في هذا الإنسان الذي يكتشف تفرُّده، أو بمعنى أدق، يكتشف احتواءه على الخلق. لقد حصر سارتر المشكلة في الإنسان الذي يكتشف ذاته، حريته، تطلُّعه إلى المطلق. وإذن: "إن الإنسان يجعل نفسه إنسانًا ليكون الله." وفي النهاية، نصل مع النقري إلى نتيجة مُفادها أن تجربة الحق والخلق هي تجربة إلهية بقدر ما هي تجربة إنسانية وكونية. إنها تجربة الحياة ذاتها – إرادة الحياة. إن طروح النقري تجسيد للحسِّ الفلسفي الخلاَّق عبر الحيوية، بكلِّ أبعادها ومناحيها. وهو يتقاطع مع الفكر الغربي في قوله بتأليه الكون، ويتقاطع كذلك مع بعض الصوفية المسلمين القائلين بالوحدة المطلقة، أمثال ابن سبعين والعفيف التلمساني.
وينهي الراشد كتابه إشكالية وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي بالفصل السابع الذي يخصصه لبحث "وحدة الوجود في الفكر العلمي الحديث"، حيث يقول:
يكاد علماء القرن العشرين يتفقون على عدم تأليه العلم، تلك الأسطورة التي راجت في القرنين الثامن والتاسع عشر، ولاسيما بعد ظهور الميكانيكا الكوانتية وعلائق الارتياب، وبالتالي، ولادة النزوع اللاحتمي.
بيد أن للعلم قوانينه الخاصة القائمة على التجربة والاستقراء والاستنتاج؛ فهو يتعامل مع الواقع والأشياء باعتبارها موضوعًا للمعرفة، ولا يتعامل مع "أحلام" الإنسان! فالخيال يسبق النظريات العلمية ويمهِّد لوضعها؛ لكن ليس الخيال هو الذي يلي صوغ النظريات العلمية علمًا. فالعلم يقول لنا رأيه في واقعة مادية أو ذهنية، ولكنه يقف عند هذا الحد فقط؛ يقول لنا إن الكون يتألف من ذرات وكهارب ويقف عند هذا، لكنه لا يقول لنا إن الذرات عقول، أو إن هناك روحًا تسري في الذرات والفضاء الكوني، ولا يقول لنا إن الله "نور الأنوار"، مثلاً، – وهذا ما يغيب عن طرح الراشد للعلاقة بين وحدة الوجود والفكر العلمي الحديث. باختصار، هذا لا ينفي اعتماد العلم كبداية – وهذا منطق سليم –؛ ولكننا نختلف مع الراشد على تبعات هذا الاعتماد.
العقل الديني عمومًا (الراشد في مثالنا هذا) يطرح رؤية توفيقية غير "مؤصَّلة" عند طرحه قضية العلم والدين والعلاقة بين الاكتشافات العلمية والنص القرآني. وسأورد هذا المقطع من كتاب الراشد:
فالكون كله عبارة عن ذرات متناهية الصغر، وكل ذرة مؤلَّفة من كهارب سالبة وموجبة، والكهارب تتحول إلى طاقة، والطاقة تتحول إلى كهارب، والكهارب نور. إذًا فالكون كله نور. والله نور الأنوار، على لغة السهروردي. ونور الأنوار هنا هو الذات الإلهية. وبما أن الطاقة مصونة ومحدودة في الكون، إذًا هناك استحالة الخلق من عدم. (ص 278)
يمكن تصنيف مقولات النص السابق للراشد ضمن حقلين دلاليين: حقل علمي، وحقل فلسفي صوفي شخصاني. فلنفكك نص الراشد:
- الكون كله عبارة عن ذرات
- كل ذرة مؤلَّفة من كهارب سالبة وموجبة
- الكهارب تتحول إلى طاقة وبالعكس
- الكهارب نور
- الكون كله نور
- الله نور الأنوار
- نور الأنوار هو الذات الإلهية
- الطاقة مصونة في الكون
- استحالة الخلق من عدم
في نصِّ الراشد هذا، تتداخل مقولاتُ الحقلين العلمي والصوفي، بحيث تُنتِج نظامًا للكلام يتيح لنا الوصول إلى النتيجة المتمثلة في نظرية الإشراق النوراني للسهروردي. وعند الدخول في التفاصيل أكثر، يتضح لنا الخلل في المنطق. فأن تقول: "الكون كله نور" غير أن تقول: "الكون كله طاقة". فالفرق يتم تمريره عبر "حيلة لغوية" يمكن كشفها بإعادة الاعتبار الوجودي للظلام؛ فالقول إن "الكون كله نور" يكشف لنا عن الغائب–الحاضر في هذه العبارة، وهو الظلام. وهنا نتساءل ونقول: "الكون سريان النور في الظلام"؛ ثم نتساءل أكثر ونضيف: "أو سريان الظلام في النور"! إننا أمام ثنائية "الفاعل/مفعول به"، "الذات/الكينونة"؛ والمسألة هي في كيفية النظر إلى العلاقة بين طرفي الثنائية.
الراشد في كتابه إشكالية وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي يصوغ الحلقة الأولى من سلسلة ما يسميه بـموسوعة وحدة الوجود في التصوف الإسلامي؛ وهو جهد رائد وسبَّاق ينطوي على بحث مضنٍ وتنقيب تراثي كبير. وقد قدَّمه الراشد عبر لغة سهلة وأسلوب ممتع، قابل للتداول بين القراء غير المختصين. فالراشد "باحث" بامتياز. ولكن إلى أيِّ مدى يقترب من صفة المفكر الباحث، أي مَن يضع نتاج الآخر في مقدمات تولِّد رؤيةً ابتكارية – هذا هو السؤال الذي نطرحه عليه.

د. حمزة رستناوي

إن حوالى ثلاثة أخماس الكتاب تحدِّثنا عن وحدة الوجود في حضارات الشرق الأقصى والفكر الغربي والفكر العربي القديم والفكر العلمي الحديث، مع مدخل عام في مقدمة الكتاب. وإن لهذا التوزيع الكمي دلالته: فمعظم صفحات الكتاب تناقش موضوعًا خارج إطار العنوان الأساسي للكتاب: "إشكالية وحدة الوجود في الفكر العربي الإسلامي"؛ وهذا يعكس الدور الهام الذي قامت به هذه الحضارات خارج الدائرة العربية الإسلامية في صوغ "النظرية العربية الإسلامية لوحدة الوجود"، إن جاز التعبير. فنحن أمام نظرية أو نظريات متعددة في وحدة الوجود: وحدة وجودية، وحدة مادية، وحدة عقلية، وحدة حيوية، وحدة روحية... فكلها نظريات عابرة للحدود بين اللغات والأعراف والأديان.
إن نظرية وحدة الوجود هي نظرية إنسانية بامتياز، كان للحضارات العربية قبل الإسلام وللحضارة العربية الإسلامية دورها الهام في صياغتها. إلا أنني آخذ على الراشد إصراره على "تعريب" هذه النظرية – وقد أكون مخطئًا، لكني أود مناقشة فكرتين من أفكار الراشد المبثوثة في كتابه للتدليل على ذلك.
يجزم الراشد بأن الفلسفتين الرواقية والأفلاطونية الحديثة هما فلسفتان سوريتان بامتياز! صحيح أن أحد مؤسِّسي الرواقية الثلاثة هو زينون السوري، وصحيح أن الأفلاطونية الحديثة جهد مشترك لمدرسة الإسكندرية ساهم فيه نومينوس وفرفيريوس السوريان؛ ولكن هذا لا يعفينا من النظر إلى النصف الآخر من الكأس، ألا وهو الفكر الإغريقي وإسهاماته الجادة في المضمار. فالرواقية والأفلاطونية الحديثة نتاج فكر خصب ينتمي إلى الشرق والغرب معًا؛ إنه وليد الحضارة الهلنستية.
والنقطة الثانية التي سأطرحها هي حول دور التأثيرات العربية الإسلامية في تفتح فكر النهضة الغربي عبر ترجمة كتب ابن سينا والغزالي والفارابي وابن رشد عن طريق يوحنا الإسباني وغونديسالفي وغيرهما. حدوث هذه التأثيرات أمر محسوم؛ إلا أن ذلك يفيد معنى التكامل الإنساني لإنتاج ثقافة مشتركة ذات خصوصيات معينة. فالرد على مقولة "المركزية الأوروبية" لا يتم عِبْرَ "مركزية عربية"، بل عبر طرح إنساني عبرعرقي، عبرديني، تفاعُلي، موضوعي. فالحقيقة هي الحقيقة، ولا تحتمل أية قيمة مضافة إليها!
*** *** ***





    رد مع اقتباس
قديم 2014-10-15, 19:47 رقم المشاركة : 28
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: منتدى فرعي لمواضيع الفلسفة.


إستراتيجية النقد وإعادة البناء في فلسفة محمد إقبال
د. جيلالي بوبكر





يعكس المقال أسلوب وغايات الفكر الفلسفي النقدي لدى محمد إقبال، من خلال كتاباته في الفكر الديني وصلته بالحضارة الغربية، ويرسم إستراتيجية الإصلاح والتجديد وفق منهج يجمع بين الإسلام وبين الحضارة الحديثة، في سياق يربط بين الفلسفة والدين والعلم وبين التنوع في نظم المعرفة،
استراتيجية النقد وإعادة البناء في فلسفة محمد إقبال
مقدمة:

إذا كانت لفظة استراتيجي "stratège" تعني في القاموس اللغوي من بيده فن قيادة الحرب أو الاحترابي وهو الخبير بالحرب، وكلمة إستراتيجية "stratégie" تعني التخطيط والتدبير في الحروب أو فن تسيير وتوجيه وقيادة مجموعة من الطاقات نحو هدف ما، وتعني فن التنسيق بين العمليات العسكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية، التي تندرج في إطار تسيير وتوجيه الصراعات وعمليات الدفاع عن أمة أو مجموعة أمم، فإن محمد إقبال واحد من الاستراتيجيين في الفكر وفي فلسفة الحضارة، وفي عمليتي الإصلاح والتجديد الحضاريتين، فهو واحد من المفكرين المسلمين يدافع عن الإسلام، ويسعى بفلسفته الإصلاحية وفكره التجديدي، إلى هدف أنبل وأسمى يتمثل في تجديد الفكر الديني في الإسلام، ليرتبط بالقيّم الإسلامية الصحيحة، والفهم الصحيح للإسلام، وليكتشف ما فيه من قيم نبيلة، تتكشّف مع التطورات والمستجدات التي تعرفها حياة الإنسان في كل الميادين، هذه الحياة التي لا تعرف السكوت والثبات، بل متحركة ومتغيرة ومتطورة باستمرار، وليربط الفكر الإسلامي كذلك بالفكر الغربي وبالحضارة الغربية، ويلائمها ملائمة تحفظ للمسلم هويته، وللإسلام حقيقته بعيدا عن الانبهار بالمظهر الخارجي البرّاق للحضارة الأوروبية، الذي قد يشل حركة المسلمين نحو بلوغ حقيقة الحضارة الأوروبية، وبالتالي يشل حركتهم نحو التقدم والرقي والازدهار.
استراتيجية الهدم:
إن "إقبال" واحد من قادة الفكر والتجديد في العالم الإسلامي الحديث، رسم لفلسفته الإصلاحية هدفا هو إخراج الفكر الإسلامي من عالم التخلف والانحطاط والسير به نحو النماء والازدهار في معترك حضاري وصراع ثقافي بين عالم متخلف فكرياً وحضارياً والعالم الإسلامي جزء منه وعالم متقدم علميا وتكنولوجيا بيده حضارة متطورة هي الحضارة الغربية التي بسطت يدها وسلطانها على العالم أجمع بفكرها وثقافتها المعارضة في العديد من الأمور لروح الإسلام ولمصالح المسلمين. ودعوة إقبال إلى الإصلاح والتجديد ارتبطت بمخطط ارتبط فيه الهدف بالمبادئ والأصول وبالوسائل والمنهج، فكان ذلك عبارة عن استراتيجية تقوم أساسا على فكرة النقد وفكرة إعادة البناء أي إعادة بناء الفكر الإسلامي على النقد والتمحيص. فالنزعة الفلسفية والفكرية التي تقوم على النقد والتمحيص قادرة على الإلمام بالحقيقة التي تتطور معالمها وتتغير أوجهها من وقت إلى آخر، بفعل التفكير الفلسفي النقدي، وعلى ضوء هذا التفكير يمكن بناء فهوم وموافق جديدة من الأشياء والحياة والوجود تتجلّى فيها الحقيقة وينبني منها التفكير الإنساني في مرحلة من مراحل تاريخه. أما ثقافة السكوت والسكون في القديم والتقوقع فيه والقبوع فيما تركه الأسلاف بحلوه ومره أو بحلوه فقط، أو الانغماس في الجديد بحلوه ومره كل هذا يُفضي إلى الجمود والتحجر في الفكر، والضعف والانحطاط في الحياة عامة، وتلك هي حال المسلمين في العصر الحديث. وفي جميع الأحيان ثبّت المسلمون ما هو في أصله وطبيعته متحرك ومتغير ومتجدد باستمرار، كما عدّلوا ما هو في أصله وطبيعته ثابت، وهذا مرده إلى غياب نظرة نقدية فاحصة إلى الذات، وإلى الغير وحضارته.
(1) فالروح النقدية الفاحصة هي مقوم الروح الفلسفية الناهضة إلى بلوغ أسمى مراتب التجديد والتطور، فلا يغيب «عن أذهاننا أن التفكير الفلسفي ليس له حد يقف عنده، فكلما تقدمت المعرفة، وفتحت مسالك للفكر جديدة، أمكن الوصول إلى آراء أخرى … وعلى هذا فواجبنا يقتضي أن نَرْقُبَ في يقظة وعناية تقدم الفكر الإنساني، وأن نقف منه موقف النقد والتمحيص».
فمحاولة "إقبال" الفكرية والفلسفية لإصلاح الفكر الإسلامي من خلال النقد. محاولة جادة وجديدة مغايرة للحركات الدينية والفكرية التي تعتمد على تبسيط تعاليم الإسلام لتقريبها من العامة، فهي محولة لها فكر وفلسفة ومنهج يعتمد أساسا النقد والهدم لا لغرض النقد، بل بهدف إعادة النظر والصياغة والبناء في إطار واحد هو الإسلام وقيّمه في توجيه الإنسانية، ويصرح إقبال قائلا: »ولقد حاولت في هذه المحاضرات التي أعددتها بناء على طلب الجمعية الإسلامية بمدراس، وألقيتها في مدراس وحيدرآباد وعلي كرة، بأن أحاول بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدا آخذا بعين الاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام، إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة. واللحظة الراهنة مناسبة كل المناسبة لعمل كهذا».
(2) ويذكر إقبال مبينا قيمة النقد في تطوير المعرفة وبناء الحضارة وتحريك التاريخ: «لقد تعلمت الطبيعيات القديمة نقد أسسها التي قامت عليها أولا، فأدى هذا النقد إلى سرعة اختفاء المادية التي قالت الطبيعيات بوجودها أول الأمر وليس ببعيد ذلك اليوم الذي يكشف فيه كل من الدين والعلم اتفاقا متبادلا بينهما لم يكن حتى اليوم منتظراً».
(3) فالنقد هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير والوصول إلى الجديد، وهو السبيل إلى وضع دعائم وسبل تضمن بلوغ الهدف الأسمى للدين، وهو الحياة على النسق الخاص بالرياضة الباطنية الدينية، هذه الرياضة التي صار المسلم المعاصر لا يطيقها بل يقلل من شأنها وذلك لسيطرة التفكير الواقعي المادي على حياته عامة. وكان القدماء من الصوفية وأصحاب الرياضة الدينية فقد قدموا عملا طيبا في تكييف التجارب الصوفية وتوجيه مسارها في الإسلام فإن أصحاب التصوف في العصر الحديث عجزوا عن هذه المهمة بسبب ابتعادهم عما أنتجه العقل الحديث، وعجزوا عن قبول أي وحي جديد من الفكر الحديث والتجارب العصرية، لأن ما لديهم من تجارب يختلف عما للأجيال السالفة من ثقافة ونظرة إلى الحياة في جوانب مختلفة. وعلى ضوء النقد تتم عملية إعادة البناء وفق إستراتيجية تضبط الهدف بدقة، كما تحدد المبادئ والوسائل والسبل الكفيلة بتقديم خطة للإصلاح والتجديد قائمة دائما على النقد والهدم وإعادة البناء، وهو أمر ضروري ولا بد منه للعالم الإسلامي في العصر الحديث يحتمه التواجد الاستعماري الصليبي في بلاد المسلمين عامة في بلاد الشرق بصفة خاصة. وما يستهدفه الاستعمار من محاولات تدمير القيم الإسلامية، وطمس هوية المسلم ليذوب في الغرب وفي فكره وفي قيمه. لما يتطلبه الفكر الغربي المتميز بالطابع المادي الإلحادي وما يحدثه هذا الفكر من تأثير سلبي على المسلمين يزيد في ضعفهم وانحطاطهم. كما تفرضه حالة المسلمين من الضعف المتعدد الجوانب والتي طال أمدها، هذا الضعف الذي استولى على الفرد والجماعة في سائر الشعوب الإسلامية. والإسلام في نظر "إقبال" يمثل بحق وسيلة قوية تربط بين المسامين أفراد وجماعات، ويمثل المنبع الأول والمصدر الأصل لاستعادة المسلمين لقوتهم من جديد، والوصول إلى القوة التي صاروا بها أسياداً وأصحاب حضارة ومنعة، ولم يخضعوا حينها لغير الله وحده، لذا على المسلمين أن يعتمدوا عليه في إيقاظ المسلم ضد الاستعمار، وفي تجمع قوى الشعوب الإسلامية على العمل من أجل تطهير كافة البلاد الإسلامية منه وأن يقربوا في كيفية عرضهم للإسلام وأن يقرّبوا بين تعاليمه وبين غايات الحياة القائمة وأن يكشفوا القيم الذاتية للإسلام كمصدر قوة في الحياة، فهو رسالة الإنسان في الحياة في العالم الواقعي.
لما كانت المحاولة الإصلاحية "لإقبال" ضرورة لا بد منها جاءت في الوقت المناسب فإنها تمثل دراسة تقدمية للفكر الإسلامي القديم والحديث، ولظروف المسلم المعاصر وللحضارة الغربية الحديثة، لا لمبادئ الإسلام وتعاليمه وروحه، فالإصلاح هنا يخص الفكر لا الدين ذاته ولم تكن هذه المحاولة تخلو من إعادة البناء بعد عمليات الهدم، فكتاب 'تجديد التفكير الديني في الإسلام' ينطوي على إستراتيجية النقد وإعادة البناء التي اختارها إقبال للانتقال بحياة المسلم من جوِّ الركود والانحطاط والضعف، إلى جو الحركة والتقدم والازدهار، وكانت هذه الإستراتيجية - وصاحبها جندي في معركة النهضة- صدرت من شخص تسلّح بالإيمان والقرآن، وحمل لواء الإصلاح والتجديد بعد أن اطّلع على تاريخ الفكر الإسلامي، وألمّ بالفكر الغربي وتعرّف على الحضارة الغربية ومنتوجاتها، ودخل المعترك الحضاري والصراع الثقافي والفكري بين فكر ارتبط بالإيمان والإسلام والرياضة الدينية، وبين فكر غربي ارتبط بالواقع وحضارة غربية ذات أصول مادية مظاهرها ومنتجاتها برّاقة ومغرية. أي بين عالم أوربي متقدم علميا وتكنلوجيا يفرض أفكاره وقيمه على الجميع وعالم متخلف - والعالم الإسلامي جزء منه - يريد أن يتحرر ويشارك في السيطرة على الكون. ولكي يربح العالم المتخلف المعركة ويحقق الانتصار تلزمه إستراتيجية النقد وإعادة البناء التي تمثل فلسفة الإصلاح والتجديد في مجال النفس والفكر والإنسان أولا، وفي مجال الواقع بعد ذلك.
لقد استمد "إقبال" فلسفة الإصلاحية من الوحي الإلهي (القرآن) كمصدر للتوجيه، ومن نقد الفكر الإنساني والإسلامي وتاريخهما، ونقد ظروف المجتمع الأوربي وحضارته وعلومه وأفكاره، ونقد ظروف العالم الإسلامي وتخلفه وانحطاطه. والنقد لا يعني الرفض وإلغاء الآخر بل كشف ما في الفكر الإنساني والحضارة الغربية الحديثة من قيم وثوابت يجب مراعاتها، وما فيها من تجاوزات من شأنها تجعل النظرة قاصرة، والتحليل ناقص ولا تنسجم مع طبيعة الإنسان والوجود والحياة التي ترد إلى حقيقة واحدة، وأصل واحد هذه الحقيقة وهذا الأصل روحيان وغياب الانسجام بين الفكر وطبيعة الحياة المتميزة بالحركة والتغير يؤدي إلى اختلال الموازين، ولا يتحقق مبتغى الدين ومقصده، وهو بلوغ الروحانية والسمو الروحي في الفكر والسلوك والحياة عامة، من خلال سيطرة الإنسان على العلاقات بين وحدات الكون وضمان التوازن بينهما.

ففي إستراتيجية النقد عند "إقبال" نجد التوازن والاعتدال هما ما يميزان فكره النقدي، بحيث يأخذ من الفكر القديم ومن الفكر الحديث ما هو مؤسس على قوة الأساس وسلامة الدليل، ويقتبس المفاهيم والتصورات والمناهج التي يرى فيها جوانب الحقيقة الملائمة لذات الإسلام وروح القرآن، فيكشف عنها ويكشف عن القيم الذاتية للإسلام، ويبدي رأيه بكل حرية وجرأة ووضوح. فلا يتعصب لتعاليم دينه، ولا يرفض الرأي الآخر، ولا يقبل الرأي الآخر دون نقد وتمحيص. ومحاولته الفكرية التي يتضمنها كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام" مليئة بالانتقادات التي تدل على جديّة نقده وصرامة مناقشته وقوة مواقفه وآرائه.
مما انتقده إقبال الفلسفة اليونانية، على أنها كانت قوة فكرية وثقافية عظيمة في تاريخ الإسلام، وسّعت آفاق النظر العقلي عند مفكري الإسلام لكنها لم تسمح لهم بفهم الإسلام، وذلك لأن سقراط ركز في فلسفته على الإنسان وحده وأهمل العوالم الأخرى، وهذا يخالف روح القرآن. وأفلاطون الذي قلّل من قيمة الإدراك الحسي لأنه يفيد الظن ولا يفيد اليقين، وهذا بعيد عن تعالم القرآن. «وقد فات هذا الأمر المتقدمين من علماء الإسلام الذين عكفوا على درس القرآن بعد أن بهرهم النظر العقلي القديم، فقرأوا الكتاب على ضوء الفكر اليوناني، ومضى عليهم أكثر من قرنين من الزمان قبل أن يتبين لهم في وضوح غير كاف أن روح القرآن تتعارض في جوهرها مع تعاليم الفلسفة القديمة. وقد نجم عن إدراكهم هذا النوع من الثورة الفكرية لم يدّرك أثرها الكامل إلى يومنا هذا». العودة للأعلى

(4) ويعتبر "إقبال" المسيحية البدائية باعتبارها لونا من الإيمان والتفكير لم تستطع بناء وحدة سياسية ومدنية، بل كانت نزعة رهبانية في عالم غير طهور، لا تهمها أمور الدنيا، فأنتج ذلك الخصومة الحادة بين الدولة والكنيسة. وذلك لا يكون في الإسلام لأن الإسلام كوّن مجتمعا سياسيا ومدنيا منذ الأول. ويؤكد إقبال ذلك من خلال نقده للمسيحية فيقول: «ولا شك في أن المسيحية عندما رسمت مثلا أعلى لحياة أخرى نجحت في تهذيب الحياة وطبعها بالطابع الروحي، ولكنها قصرت هَمّها على حياة الفرد، فأصبحت عاجزة عن إدراك ما للعلاقات الإنسانية الاجتماعية المتشابكة من قيمة روحية».
(5) ويستشهد على ذلك بقول "ناومان" "Naumann" في كتابه "بحوث الدين": «إن المسيحية البدائية لم تجعل قيمة ما لحفظ كيان الدولة، ولم تحفل بالتشريع والتنظيم والإنتاج، بل إنّها لم تفكر في أحوال المجتمع الإنساني قط... ومن ثم فإما أن نتجه إلى أن نكون من غير حكومة فنلقي بأنفسنا بين براثين الفوضى متعمدين، وإما أن نقرر أن تكون لنا عقيدة سياسية إلى جانب عقيدتنا الدينية».
(6) والإسلام كوحدة روحية مثالية هذه الوحدة تتجلى في مظهر خارجي واقعي ومادي، هذا المظهر ينطوي على فكرتين هما: ختم الرسالة الإلهية والاجتهاد في الأحكام الشرعية.
لقد انتقد "إقبال" الفكر الفلسفي الإسلامي في كبريات قضاياه، وفي اتجاهاته الكبرى، وعند رواده أمثال الأشاعرة والمعتزلة وأبي حامد الغزالي وابن رشد وغيرهم، فالشك الفلسفي في محاولة الغزالي لتأسيس الدين على دعامة أمر يتعارض مع روح الدين وتعاليم القرآن، ودفاع ابن رشد عن الفلسفة متأثر بأرسطو صاحب مذهب خلود العقل الفعال، يتعارض هو الآخر مع نظرة القرآن إلى قيمة النفس الإنسانية وإلى مصيرها. «بهذا غابت عن ابن رشد فكرة إسلامية مثمرة عظيمة وساعد عن غير قصد على نمو فلسفة للحياة تورث الضعف، وتغشى على بصر الإنسان عند نظره إلى نفسه وإلى ربه وإلى دنياه».
(7) ويقول إقبال في فرقتي الأشاعرة والمعتزلة: «وليس من شك أن البناة من مفكري الأشاعرة كانوا على طريق الصواب، وقد سبقوا الفلسفة المثالية إلى قدر من أحدث أرائها، وإن كانت حركة الأشاعرة في جملتها لا غاية لها إلا الدفاع عن رأي أهل السنة بأسلحة من المنطق اليوناني …أما المعتزلة وقد قصروا إدراكهم للدّين على أنه مجموعة من العقائد متجاهلين أنه حقيقة حيوية - فلم يحفلوا بأساليب إدراك الحقيقة إذا كانت لا تقبل التصور، وأرجعوا الدين إلى نسق من المعاني المنطقية، انتهى إلى موقف سلبي بحت، وغاب عنهم انه في ميدان المعرفة - علمية كانت أو دينية - لا يمكن للفكر أن يستقل تمام الاستقلال عن الواقع المتحقق في عالم التجربة».
(8) ويؤكد إقبال على أن ماضي الفكر الإسلامي التشريعي قد خلا تماما من النقد والتمحيص، ويوافق أحد المجددين في رأيه بأنه إن «لم نستطع إضافة الجديد إلى التفكير الإسلامي العام فقد نوفق - عن طريق النقد المحافظ السديد- في كبح جماح حركة التحلل من الدين التي تنتشر بسرعة في الدين الإسلامي».
(9)وينتقد "إقبال" التفكير الديني في الإسلام ويعيب عليه ركوده خلال القرون الخمسة الأخيرة، كما يعيب على المسلمين نزوعهم الروحي نحو الغرب، ويذكر ما قد ينجر عن هذا النزوع وهذا الإنهيار، فيقول: «فإن أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث هي السرعة الكبيرة التي ينزح بها المسلمون في حيتاهم الروحية نحو الغرب. ولا غبار على هذا المنزع فإن الثقافة الأوربية في جانبها العقلي ليست إلا ازدهارا لبعض الجوانب الهامة في ثقافة الإسلام. وكل الذي نخشاه هو أن المظهر الخارجي البرّاق للثقافة الأوربية قد يشل تقدمنا، فنعجز عن بلوغ كنهها وحقيقتها».
(10) ويذكر "إقبال" لجمال الدين الأفغاني دقة بصره لتاريخ الفكر والحياة في الإسلام وسعة خبرته بالرجال والأحوال، ربط بين الماضي والحاضر، ولو اقتصر نشاطه على الإسلام كونه عقيدة وخلق وأسلوب في الحياة لكان العالم الإسلامي قويّا من الناحية العقلية فيأخذ المعرفة العصرية، ويقدم تعاليم الإسلام في ضوء هذه المعرفة. ويشير "إقبال" بما يتطلع إليه شباب المسلمين في آسيا وفي إفريقيا وما يريدونه من توجيه جديد بعقيدتهم، وهم يواجهون الفكر الأوروبي، «ولهذا لا بد من أن يصاحب يقظة الإسلام تمحيص بروح مستقلة لنتائج الفكر الأوروبي، وكشف عن المدى الذي تستطيع به النتائج التي وصلت إليها أوروبا أن تعيننا به في إعادة النظر في التفكير الديني في الإسلام، وعلى بنائه من جديد إذا لزم الأمر، أضف إلى هذا أنه لا سبيل إلى تجاهل الدعوة القائمة في أواسط آسيا ضد الدين على وجه عام، وضد الإسلام على وجه خاص - تلك الدعوة التي عبرت حدود الهند بالفعل، وبعض دعاة هذه الدعوة من أبناء المسلمين».
(11) إستراتيجية البناء:
إن محاولة "إقبال" الفكرية تستهدف تقدم الإسلام باعتباره رسالة إلى الإنسانية جمعاء، وعلى الأخص للمسلم، في وقت سيطر فيه الطابع التجريبي المادي على المعرفة الإنسانية، فهي فلسفة تسعى إلى كشف قيمة الإسلام وقيّمه الذاتية عند الإنسان التجريبي، وهو الإنسان الغربي والإنسان المسلم، وإذا كان المذهب الوضعي التجريبي مكّن صاحبه من السيطرة على قوى الطبيعة فإنه قد سلبه مصيره وروحانيته، وجعله أسير صراع مع نفسه ومع غيره في الحياة الاقتصادية والسياسية، يجد نفسه عاجزا عن الاتصال بأعماق وجوده فهو إن كان عقليا أو تجريبيا أو اشتراكيا ماركسيا يعيش في اضطراب وتوتر إما مع ذاته أو مع غيره. إن الطابع العقلي للفكر الغربي الحديث عاجز عن إشعال جذوة الإيمان الصادق، تلك الجذوة التي لا يستطيع أن يشعلها إلا الدين، فالدين استطاع دوما أن ينهض بالأفراد ويغير الجماعات ويحوّلها من حالة إلى أخرى، و"مثالية أوروبا لم تكن أبدا من العوامل الحيّة المؤثرة في وجودها، ولهذا أنتجت ذاتا ضالّة أخذت تبحث عن نفسها بين ديمقراطيات لا تعرف التسامح، وكل همّها استغلال الفقير لصالح الغني، وصدقوني أن أوروبا اليوم هي أكبر عائق في سبيل الرقي الأخلاقي للإنسان».
(12) ويختلف الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي وعن مثالية أوروبا في أن المسلم له أراء وفهوم في الحياة و في الوجود انطلاقا من أعماق هذه الحياة وهذا الوجود وهي فهوم مرتبطة بأعماق النفس، والأساس الروحي للحياة لدى المسلمين هو إيمان يمثل مقصد ومبتغى الدين، تُستغل الحياة كلها في سبيله. ويقوم الإسلام على مبدأ ختم الرسالة الإلهية وعلى مبدأ الاجتهاد في الأحكام، وهما مبدآن يجعلان أهل الإسلام أكثر شعوب المعمورة في الديمقراطية الروحانية والحرية، بعيدا عن الرق الروحي وما ينتج عنه من رق حيواني اجتماعي وسياسي واقتصادي، ويطلب "إقبال" «من المسلم اليوم أن يقدّر موقفه وأن يعيد بناء حياته الاجتماعية على ضوء المبادئ النهائية، وأن يستنبط من أهداف الإسلام التي لم تتكشف بعد إلا تكشفا جزئيا تلك الديمقراطية الروحية التي هي منتهى غاية الإسلام ومقصده». العودة للأعلى
العودة للأعلى
(13) تلك الديمقراطية الروحية لا تتكشف للإنسان المعاصر إلا إذا أعاد النظر في ذاته وتفكيره ومحيطه والعالم، وأعاد بناء تفكيره وحياته الاجتماعية ضمن استراتيجية تقوم في أساسها على الحياة الروحية، وترتبط بالقيم الدينية، وتستفيد من التراث الفكري الإنساني والإسلامي، ومن الفكر الغربي الحديث والحضارة الأوروبية المعاصرة، فالتغيير صار ضرورة ملحة في وضعيته وفي حياته الحاضرة، لأن العالم صار في حاجة ماسة إلى تجديد نفساني ووجداني، والدين ليس مجرد عقيدة فحسب بل هو الوحيد الذي يقدر على تكوين الإنسان تكوينا خلقيا وسيكولوجيا يؤهله لتحمل المسؤولية الكبرى، ويمكنه من بلوغ السمو إلى مستوى جديد في فهم الكون والتحرر وامتلاك مبادئ وأسس علمية تسمح بالتحضر وتوجيه تطور المجتمع البشري، وفي هذا يقول "إقبال": «إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ولمستقبله من أين جاء وإلى أين المصير هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بين القيّم الدينية والسياسية، والدين كما بيّنت من قبل من حيث هو سعي المرء سعيا مقصودا للوصول إلى الغاية النهائية للقيم فيمكنه بذلك أن يعيد تفسير قوى شخصيته هو حقيقة لا يمكن إنكارها».
(14) ويصف الأستاذ محمد البهي محاولة إقبال لإعادة بناء الفكر الإسلامي بقوله: «كان "إقبال" دقيقا عندما عبّر عن حركته الفكرية بإعادة بناء الفكر الديني "في الإسلام دون التعبير بالإصلاح الديني لأن أية محاولة إنسانية تدور في محيط الإسلام، لا تتعلق بتعديل مبادئ، طالما أن مصدره وهو القرآن له صفة الجزم والتأكيد والأبدية وأية حركة" إصلاحية" في "الإسلام" بعد ذلك هي إذن في دائرة الفكر الإسلامي حوله، وفي دائرة أفهام المسلمين لمبادئه، وأي تطور "للإسلام يجب أن يكون بهذا المعنى في دائرة أفهام المسلمين وتفسيرهم لتعاليمه، وليس هناك تطور للإسلام نفسه... وإصلاح الفكر الديني في الإسلام يقوم- عند إقبال- على طلب تغيير الوضع الذي وصل إليه المسلم الآن، ووصلت إليه الجماعة الإسلامية وهو وضع الضعيف المتهيب الحياة النافر من الواقع... يقوم على مكافحة الهرب من الحياة وعدم استطاعة السيطرة على المادة أو الطبيعة...».
(15) تقوم فكرة الإصلاح والتجديد في فكر" إقبال" وفلسفته على إعادة النظر إلى الذات وتغيير مفهوم عالمها وإعادة بنائها انطلاقا من تعاليم الإسلام وقيّمه الذاتية ومن وضعية المسلم وظروفه الراهنة، وعلى تغيير مفهوم الواقع الطبيعي والاجتماعي على أساس أن الطبيعة ميدان لحركة الإنسان وسعيه ومعرفته، وبالتالي إزالة ما لديه من تصور عن كون عالم الطبيعة شرا ومخيفا، وعلى مبدأ الحركة في الإسلام الذي يقوم على شرح المبادئ الإسلامية، كمبدأ التوحيد من حيث هو تنفيذ لفكرة المساواة وفكرة الحرية وفكرة الاتحاد، وكمبدأ ختم الرسالات ومبدأ الاجتهاد وغيرها. إن التغيير أو الإصلاح بهذا المعنى هو الذي يميّز بين المذهب المادي الغربي الذي يسيطر على الطبيعة لكنه عرف الحقيقة في جزء منها فقط، وبين التفكير الإسلامي الذي يصل إلى معرفة الحقيقة المطلقة من خلال التجارب الإنسانية الواقعية والدينية والتاريخية باعتبار مصادر المعرفة ثلاثة:، الواقع والدين والتاريخ.
إن إعادة بناء الذات والفكر يقوم أساساً وابتداء على تغيير ما بدخل الذات وهو أمر يقرره القرآن في الآية الكريمة: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم].
(16) يقول إقبال: «وفي هذا المنهج من التغير التقدمي لا يكون الله في عون المرء على شريطة أن يبدأ هو بتغيير ما في نفسه…فإذا لم ينهض الإنسان إلى العمل، ولم يبعث ما في أعماق كيانه من غنى وكف عن الشعور بباعث من نفسه إلى حياة أرقى، أصبحت روحه جامدة جمود الحجر، وهوى إلى حضيض المادة الميتة، على أن وجود الإنسان وتقدمه الروحي يتوقفان على إحكام العلاقات بينه وبين الحقيقة التي يواجهها».
(17) وإذا كانت النصرانية في نظر "إقبال" عنيت في أول عهدها بالبحث عن مستقر للحياة الروحية، هذه الحياة لا تسموا عن طريق إمكانات العالم الخارجي وقواه، «وإنما يتجلى عالم جديد في داخل النفس ذاتها، والإسلام يقر هذه النظرة تماما ويكملها بنظرة أخرى هي أن النور الذي يضيء هذا العالم الجديد المتجلي على هذا النحو ليس غريبا عن عالم المادة، بل هو متغلغل في أعماقه».
(18) وتكون تزكية النفس بالعمل وحده، لأن الحياة تضع النفس في ميدان العمل ولا يوجد من الأعمال ما يجلب اللذة ولا منها ما يورث الألم بل هناك أعمال تضمن للنفس الخلود والبقاء وأخرى تضمن لها الفناء والزوال فالعمل هو الذي يُعدُّ النفس للزوال أو يهيئها لحياة حرة مستقلة، «ومبدأ العمل الذي يكتب للنفس البقاء هو احترامي للنفس فيَّ وفي غيري من الناس.
(19) والخلود لا يتحقق بكونه حقا نناله، إنما يبلغه الإنسان بما يبذله من جهد شخصي، والإنسان هو المخلوق الوحيد المرشح لذلك. وبما أن النفس خالدة فعملها دائم وحركتها مستمرة لا تعرف التوقف ولا الانقطاع، وهي جزء من العالم، والعالم بجميع جزئياته يعود في حركته إلى الحركة الإلهية، وهو تجلي" الآنية" العظمى أو "العلى الأعلى"، »على أن هناك درجات في تجلى الروحية أو الذاتية، وتجلى هذه الروحية يرتقي في سلم الوجود درجة درجة إلى أن تبلغ كماله في الإنسان، وهذا السر في تصريح القرآن أن الله أو الذات القصوى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد».
(20) إن العالم في نظر "إقبال" ليس جامدا ثابتا وليس خَلقاً مكتملاً، فهو قابل للزيادة والنماء، وهذا التغير في العالم يجعل الإنسان يسعى إلى ضمان التلاؤم بين ذاته وبين مستلزمات هذا التغير ويدفعه لاستعمال ما لديه من قوة التغلّب على الصعوبات. وامتداد الكون في الزمان والمكان «يحمل في طياته الأمل في أن الإنسان الذي يجب عليه أن يتفكر في آيات الله سيتم غلبته على الطبيعة بالكشف عن الوسائل التي تجعل هذه الغلبة حقيقة واقعة.
(21) والغلبة تكون عن طريق تسخير قوى الطبيعة لخدمة أغراضه ومطالبه. ويتضح هذا في قول "إقبال": «والإنسان إذا استهوته القوى التي تحيط به فإنه يقدر على تكييفها وتوجيهها حيث شاء، أما إذا غلبته على أمره فإنه قادر على أن ينشئ في أعماق نفسه عالما أكبر يجد فيه منابع من السعادة والإلهام لا حد لهما ولا نهاية ولهذا فإن الإنسان في صميم كيانه كما صوّره القرآن قوة مبدعة وروح متصاعدة تسمو في سيرها قدما من حالة وجودية إلى حالة أخرى». العودة للأعلى

(22) ويضيف إقبال: «لقد قدر على الإنسان أن يشارك في أعمق رغبات العالم الذي يحيط به، وأن يكيّف مصير نفسه ومصير العالم كذلك، تارة بتهيئة نفسه لقوى الكون وتارة أخرى ببذل ما في وسعه لتسخير هذه القوى لأغراضه ومراميه»
(23) لقد دعا القرآن في أكثر من آية إلى تأمل الطبيعة ليبعث في النفس الإنسانية الشعور بالذات الكلية التي تعد الطبيعة آية عليه. "والاتجاه التجريبي للقرآن" شكل في أصحابه شعورا بأهمية الواقع وقدْره، فاستطاعوا أن يصنعوا أسس العلم الحديث. إن التطور الحاصل في العالم يجعل حياة الإنسان تنبني بصورة جديدة، والجهد العقلي المبذول لتجاوز عقبات العالم يمكن الإنسان من التعمق في جزئيات التجربة الإنسانية، ويجد في آفاق الحياة وتجريدها ثراء وخصوبة، واتصال العقل بعالم الأشياء الحادثة هو الذي يدرب على النظر العقلي فيما هو مجرد. «والقرآن يبصرنا بحقيقة التغيير العظيمة التي لا تتسنى لنا بغير تقديرها والسيطرة عليها حضارة قوية الدعائم. ولقد أخفقت ثقافات آسيا بل ثقافات العالم القديم كله لأنها تناولت الحقيقة بالنظر العقلي ثم اتجهت منه إلى العالم الخارجي، فأمدها هذا المسلك بالتفكير النظري المجرد من القوة، وليس من الممكن أن تقام على النظر العقلي المجرد وحدة حضارة يكتب لها البقاء».
(24) فالتغيير عند إقبال يبدأ في داخل النفس الإنسانية، لأن الإيمان ليس مجرد شعور فهو يماثل رضا النفس وقبولها واطمئنانها عن دراية وعلم وإدراك. ولأن الدين باعتباره عقيدة فهو جملة من الحقائق العامة لها تأثير في توجيه الخلق وتكييفه. «وإذا كانت غاية الدين وهدفه الأسمى تكييف الإنسان وهدايته في تدبيره لنفسه وفي صلاته بغيره، أصبح من الجلي أن الحقائق التي يشمل عليها الدين ينبغي ألاّ تبقى غير مقررة، فما أحد من الناس يغامر بالإقدام على عمل ما على أساس مبدأ خلقي مشكوك في قيمته».
(25) فالتغير ميزة الكون والواقع تدل هذه الميزة على الأصل الروحي الأول لكل حياة، والإنسان مطالب بتغيير ذاته ووجوده الاجتماعي، ولكي يوفق الإنسان بين درجات التغير والدوام ينبغي أن تكون له مبادئ أبدية تنظم حياته الجماعية وتوجه أمورها، فالأبدي الخالد يثّبت وجود الإنسان في عالم التغير المستمر. «ولكنا إذا فهمنا أن المبادئ الأبدية تستبعد كل إمكان للتغير وهو في نظر القرآن آية من الآيات الكبرى على الذات الإلهية- فإن هذا الفهم يجعلها تنزع إلى تثبيت ما هو أساسي متغير في طبيعته وإخفاق أوروبا في علم السياسة وعلم الاجتماع يوضح المبدأ الأول، وركود الإسلام في القرون الخمسة الأخيرة يوضح المبدأ الثاني».
(26) فالإسلام لا يكون خصيما لفكرة التطور هذا التطور ليس تغيرا بحتا بل فيه عناصر تنزع للمحافظة على القديم، «فالإنسان في الوقت الذي يستمتع فيه بنشاطه الخالق ويركز جهوده باستمرار في كشف مسالك للحياة جديدة، يحس بالقلق عندما ينكشف له ما في ذات نفسه، ولا مفر له في خطوة إلى الأمام من أن يرجع البصر إلى ماضيه، وهو يواجه نماءه الروحي في شيء من الخوف، وروح الإنسان يعوقها في سيرها قدما قوى يظهر أنها تعمل في الاتجاه المضاد، وما هذا إلى ضرب من القول بأن الحياة تتحرك وهي تحمل على عاتقها أثقال ماضيها وأنه في أي تغير اجتماعي لا يمكن أن يغيب عن النظر ما لقوى التمسك بالقديم من قيمة وعمل».
(27) والتجديد في نظر "إقبال" يصدر دوما من الحق اللاّمتناهي، مما يجعل تلقى الإنسان إيجابيا فيبدع ويجدد. ويقول "إقبال": «فالحياة واحدة ومتصلة والإنسان يسير دائما قدما فيتلقى على الدوام نورا جديدا من الحق غير المتناهي الذي هو (كل يوم في شأن) ومن يتلقى نور الهداية الربانية ليس متلقيا سلبيا فحسب لأن كل فعل لنفس حرة يخلق موقفا جديدا وبذلك ينتج فرصا جديدة تتجلى فيها قدرته على الإيجاد».
(28) وعملية التجديد والإصلاح ليست من نصيب المسلم المعاصر في ظل الظروف القائمة بل تشترط تحرير الفكر، مع اتخاذ الحذر والحيطة، لأن حرية الفكر قد تؤدي إلى الانحلال. إن فكرة القومية العرقية التي تأثر بها المسلمون في العصر الحديث قضت على النظرة الإسلامية الشاملة العامة التي أروت نفوس المسلمين، وزعماء الإصلاح في الدين والسياسة يأخذهم حماسهم خارج الحدود الصحيحة للإصلاح والتجديد إذا غاب ما يوقف جماح "حميتهم الفتية".
إذا كان المسلم يتلقى إيجابيا فتصير ذاته حرة طليقة تخلق الموقف الجديد دون أن تدوس على القديم، فإن التقوقع - عند إقبال- في القديم والجمود عليه يهلك النشاط الإنساني، «فهو يقضي على حرية الذات المبدعة، ويَسدُّ المنافذ الجديدة للإقدام الروحاني».
(29) ومهمة المسلم المعاصر جدّ ضخمة، «إذ عليه أن يفكر تفكيرا جديدا في نظام الإسلام كله دون أن يقطع ما بينه وبين الماضي قطعا تاما».
(30) خاتمة:
إن فكرة التجديد والإصلاح التي أرادها إقبال ودافع عنها وعبر عنها ب"تجديد التفكير الديني في الإسلام" تمثل تفكيراً ومنهجاً يقوم على النقد وإعادة البناء وينتهي إلى دور الإسلام في توجيه حياة الإنسان، وهي ضرورة لا بد منها للتخلص من الاستعمار الصليبي ولمواجهة الفكر الغربي المادي الإلحادي ولإزالة الضعف العام عن المسلم المعاصر، وتنشد هذه الفكرة تأويل الوجود على أسس روحية، وتحرير روح الفرد، ووضع مبادئ إنسانية توجّه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحيته. أي تغيير مفهوم الإنسان لعالم الطبيعة وتحديد مبادئ عالمية لضمان التغير والتجدد في المجتمع الإنساني، كل هذا يجري في الكون، ومن خلال سيطرة الإنسان على العلاقات بين وحداته: الإنسان، الوجود، والله. وإدراكه لظاهرتين أساسيتين هما ظاهرة تغير العالم وظاهرة حركة الإنسان، هذه الحركة التي جعلت الحياة متجددة باستمرار، هذا التجدد يبدأ في داخل نفس الإنسان، في تفكيره ووجدانه ومشاعره ثم يتحول إلى خارج النفس، فيكون عبارة عن تسخير في عالم الطبيعة بواسطة العلوم الطبيعية والصناعات، ويكون اجتهادا في الواقع الاجتماعي وفي الأحكام، هذه الحركة وهذا التجدد في داخل النفس أو في الطبيعة أو في المجتمع هي من أصل واحد تعود إلى الحركة الإلهية، وتسعى إلى بلوغ الروحانية الإلهية التي هي مصدرها ومقصدها.
العودة للأعلى

*************
الهوامش:
1- محمد إقبال: تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود، دار التأليف والترجمة والنشر، مصر، 1955، بدون ط، ص 3.
2- المرجع السابق ك ص 2.
3- المرجع السابق ك ص 2.
4- المرجع السابق: ص 9.
5- المرجع السابق: ص 190 - 191.
6- المرجع السابق: ص 191.
7- المرجع السابق: ص 9- 10.
8- المرجع السابق: ص 10.
9- المرجع السابق: ص 176.
10- المرجع السابق: ص 13- 14.
11- المرجع السابق: ص 14- 15.
12- المرجع السابق: ص 207.
13- المرجع السابق: ص108.
14- المرجع السابق: ص 217
15- محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، نقلا عن عبد الوهاب عزام: محمد إقبال سيرته وفلسفته وشعره، ص 1000 من منظومة (أسرار خودي) - مطبوعات باكستان، 1954ص434- 435.
16- قرآن كريم: سورة الرعد، الآية 11.
17- محمد إقبال: تجديد التفكير الديني في الإسلام، ص 19- 20.
18- المرجع السابق: ص 16.
19- المرجع السابق: ص 137.
20- المرجع السابق: ص 85.
21- المرجع السابق: ص 18.
22- المرجع السابق: ص 19
23- المرجع السابق: ص 19
24- المرجع السابق: ص 22.
25- المرجع السابق: ص 6.
26- المرجع السابق: ص 170.
27- المرجع السابق: ص 191.
28- المرجع السابق: ص 141.
29- المرجع السابق: ص 211.
30- المرجع السابق: ص 211.





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 12:06 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd