عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-04-23, 10:38 رقم المشاركة : 3
ناصر الاسلام
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
 
الصورة الرمزية ناصر الاسلام

 

إحصائية العضو







ناصر الاسلام غير متواجد حالياً


وسام 2 السيرة 1438ه

افتراضي رد: قصة موسى (عليه السلام) في البحر



لاشك أن في قصص الأنبياء في القرآن الكريم عبرةً وعظه، وتوطيناً للمسلمين وأن الباطل مهما علا وارتفع فإنه ساقط ومتمزق، وأن الحق مهما ابتلي واعتديا عليه وعلى أهله فإنه باقي وإنه ينتصر والعاقبة للتقوى،

وإن مما قصه الله في القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام مع فرعون اللعين الذي طغى وبغى وقال: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، ومن قبله قوم عاد: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)، فما كان من شأن قوم عاد إلا أن سلط الله عليهم الريح العقيم التي جعلت تأخذ الرجال على عظم أجسامهم، تأخذهم وترفعهم إلى الجو، ثم تنكس على رؤوسهم وتدقوا أعناقهم، فصاروا عبرة للمعتبرين، وعظة للمتذكرين،

وكذلك فرعون الذي تجبرا وطغى وقال عن نفسه: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) يعني: موسى عليه السلام (وَلا يَكَادُ يُبِينُ) ما كاد ينطق لما في كلمه من الثقل عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال في دعاءه: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي)، (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) يعني: ضعيف (وَلا يَكَادُ يُبِينُ* فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ* فَلَمَّا آسَفُونَا) يعني: أغضبونا (انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ* فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ) يعني: عبرة للمتأخرين،

وهكذا الباطل في كل زمان ومكان مهما ارتفع وطغى فإن مآله إلى البوار والخراب، والحق مهما ابتلي واعتديا عليه فإنه باقي منتصر، واليوم وإن كان المسلمون يعيشون هذه الفتن والعدو قد تتطاول عليهم بقوته وجبروته وأخرجهم من ديارهم وفعل بهم ما يفعل الآن فإنه لا بدا أن يلقى المصير الذي لقي قبله من الجبابرة والمتكبرين، وإن الحق وأهله وأهل الحق سينتصرون بإذن الله وتكون العقبة لهم كما هي سنة الله في الأولين والآخرين،

إنهم كانوا في مصر تحت ولاية فرعون الطاغية، وكان مصر يسكنه قبيلان قبيل القبط الذين هم آل فرعون، وقبيل بنو إسرائيل الذين هم من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام، من ذرية الأنبياء، وهم خير أهل زمانهم، بنو إسرائيل كانوا خير أهل زمانهم: (وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) فهم خير زمانهم، وكان فرعون يتخوف من أن يقوى بنو إسرائيل في يوم من الأيام ويسقط ملكه، تخوف منهم تسلط عليهم بالقهر والإذلال فصار يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم يستضعفهم بذلك يخاف منهم، ولكن الحذر لا يغني من القدر، قد شاء الله أن يولد موسى عليه السلام أن يولد وأن يسلم من القتل، وان يكون في بيت فرعون يتربى في بيت فرعون بسبب زوجته الصالحة التي حنت على موسى وأحبته قالت: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)،

فنشأ في بيت فرعون يغذيه فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا في العاقبة وأمر الله سبحانه وتعالى، فنشأ في بيت فرعون يأكل من طعامه ويشرب من مشابه ويلبس من لباسه ويركب من مراكبه، ثم إنه حصلت مشكلة بأن جاء على رجلين يتخاصمان واحد من بني إسرائيل من جماعة موسى وواحد من القبط من قوم فرعون (فَاسْتَغَاثَهُ) أي استنصر به (الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) أي من بني إسرائيل (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) فموسى عليه السلام أتاه الله من القوة والنجاة ما أتاه، فلطم ذلك القبط لطمة واحدة (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) فمات الرجل وأصبح موسى متخوفاً من القبط أن يطلبه للقصاص والانتقام منه

فخرج إلى أرض مدين هارباً وتبقى فيها مدة وتزوج فيها وآمن من خوف عدوه، ثم إنه سار بأهله إلى مصر راجعا إلى مصر إلى بلده وقومه، وفي الطريق أكرمه الله بالرسالة وكلمه سبحانه وتعالى، كلمه تكليما (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي* إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى* فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى* وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) العصا ( قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا) فانقلبت حيةً عظيمةً تسعى فخاف موسى منها وهرب فقال الله له: ارجع خذها (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى) هذه آية من آيات الله، هذه العصا آية من آيات الله يقابل فيها فرعون وقومه ويقهر فرعون وقومه (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى* وَاضْمُمْ يَدَكَ) ادخل يديك في جيبك إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ) مثل الشمس (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى* لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) فأدخل يده فخرجت بيضاء تلوح من غير أن يصيبها برص أو مرض وإنما هذا آية من آيات الله سبحانه وتعالى ثم تعود كما كانت، تعود اليد كما كانت آيتان عظيمتان ليقابل فيهما فرعون وقومه لأن السحر قد استشرى في القبط في قوم فرعون كان هو مهنتهم وحرفتهم، فالله أعطى موسى آية ومعجزةً تقهر السحر

عند ذلك تقابلا واجتمعا وجمع فرعون السحرة لأجل أن يبطل ما جاء به موسى، فعرضوا ما عندهم وامتلئ الوادي من الحبال والعصي التي ملؤها بالزئبق حتى صارت تتحرك (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى* قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى* وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) فألقى موسى عصاه فالتقمت كل ما وضعوه من السحر وأقبلت عليهم، فلما خافوا منها طالبوا من موسى أن يكف عنهم فأخذ موسى بيده وعادت عصا كما كانت عند ذلك آمنا السحرة كلهم وعرفوا أن هذا ليس بالسحر وإنما هي من آيات الله عز وجل، فأمنوا بالله وأعلنوا توبتهم فهددهم فرعون وقتلهم شر قتله، وبهذا انتهت الجولة الأولى مع فرعون دحره الله وأبطل ما عنده من الكيد،

ثم إن الله جل وعلا أوحى إلى موسى أن أسري بعبادي يخرج بهم في الليل هربا من فرعون، فخرج بهم في بني إسرائيل خرج بهم ليلا إلى حيث أمره الله، فلما علم فرعون جمع جنوده وكيده وخرج في أثرهم وهذا كل في الليل، فلما تبين الصباح إذا هم على حافة البحر على حافة بحر القلزم المسمى الآن بالبحر الأحمر إذ هم على حافة البحر ما لهم طريق وإذا بفرعون جاء خلفهم ووصلهم (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) البحر من أمامنا والعدو من خلفنا، قال موسى عليه السلام: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأوحى الله إليه (أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ) البحر ضرب البحر بعصاه فانفلق فتجمد وصار طرقا على قدر أسباط بني إسرائيل اثني عشرا طريقا وأصبح الماء كالجبال متجمدا فسلكوا طرقا يابسة في البحر (لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى)، فمروا لما تكاملوا خارجين، دخل فرعون في أثرهم، ولما تكاملوا داخلين أطبق الله عليهم البحر وأغرقهم وبنو إسرائيل ينظرون إليهم وبهذا أهلك الله فرعون وقومه ونجا الله موسى وقومه، فبذلك حصلت النعمة العظيمة

وانتهى شأن فرعون وانتهى بطشه وكيده، وفرح بني إسرائيل بهلاك عدوهم، فعند ذلك في هذا اليوم، اليوم العاشر من شهر المحرم الذي نجا الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، صام موسى عليه السلام هذا اليوم شكرا لله عز وجل على نعمته، وهكذا النعم تقابل بالشكر ولا تقابل بالفخر والخيلاء، وإنما تقابل بالشكر لله والذكر لله عز وجل فصامه موسى عليه السلام، وصار يصام في بني إسرائيل إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فصامه شكرا لله لأن الحق انتصر وسينتصر، والمؤمنون في كل زمان إخوة، والحق هو الحق،

فصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، ولما كانت اليهود تصومه قد نهينا عن التشبه بهم، أمر صلى الله عليه وسلم أن يصام يوما قبله أو يوما بعده مخالفةً لليهود، فاستقر صيام يوم عاشورا سنة مؤكدة، ويصام اليوم الذي قبله وهذا أكد، فإن فات اليوم الذي قبله فإنه يصام اليوم الذي بعده الحادي عشر ليصوم المسلم يومين مخالفة لليهود بدلا من صوم يوم واحد، فهذه سنة مؤكدة مستقرة إلى يوم القيامة، قال الله تعالى :

(هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى* إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى* اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى* فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى* فَكَذَّبَ وَعَصَى* ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى* فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى* فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)،






التوقيع

    رد مع اقتباس