منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - عرض مشاركة واحدة - قراءة في آلية تجديد الفكر العربي عند الجابري.

في خضم الركود الفكري الذي ساد الوسط العربي الإسلامي ردحا من الزمن، توالت الإنتاجات الفكرية بأسلوب اجتراري يعيد ويبدئ نفس المقولات المكرورة دونما وعي بالمتغيرات الطارئة و بالإنتاجات الثقافية الغربية التي اختزلت مسافة زمنية لا يستهان بها. وقد انعكس هذا الفارق بين نمط ووتيرة الإنتاج العربي ونظيره الأوروبي، انعكس على اللاوعي الجماعي العربي فصاما فكريا انقسم فيه المفكرون ما بين لاجئ للثرات مناد برفض كل جديد طارئ وما بين رافع لشعار اعتناق الفكر الغربي بما له وما عليه ما دام الثرات غير قادر على مواكبة المستجدات، و بين هؤلاء و هؤلاء جاءت محاولات توفيقية بين الاثنين من قبيل الاشتراكية الاسلامية و مقايضة الشورى بالديمقراطية و غيرها من الاجتهادات التي سرعان ما ظهر جانبها الترقيعي الذي يعفي العقل من عناء البحث و التفكير وطرح الأسئلة الحقيقية.
من هذا المنطلق و في إطار البحث العلمي المضني والجاد في نفس الوقت، يأتي المشروع النقدي للجابري مسكونا بهاجس التأصيل العلمي للفكر العربي، إنه بقدر ما هو محاولة جادة للإجابة عن إشكالية الفصام الفكري الحاد الذي يتجاذب العقل العربي، هو أيضا محاولة لطرح الأسئلة الحقيقية التي تتجاوز النزاع الفكري السطحي وقضايا التحزب الماضوي، محاولة لطرح أسئلة حقيقية توجه مسار البحث توجها صحيحا نحو القضايا التي تشكل صميم العقل العربي في اشراقاته و اخفاقاته.
هكذا نجد الجابري يتحدث عن إعادة بناء الفكر العربي، إعادة بنائه من داخل مكوناته لا من خارجها، بمعنى آخر والقول دائما للجابري تبيئة المفاهيم الغربية وفق خصوصيات الحضارة العربية الإسلامية وهذا في حد ذاته يعتبر مقاربة عقلانية رصينة للفكر الغربي دون أخذ به على علاته.
في كتابه تكوين العقل العربي، يتوقف الجابري كثيرا عند مفهوم العقل من المنظور الغربي، ليستدرك و يشيد منظورا عربيا خاصا بمفهوم العقل بمنظور عربي و من منظور عربي، والفرق بين الإثنين ليس حرفي جر مختلفين و إنما فارق مهم و مؤثر في فهم السيرورة المنطقية و الفاهيمية التي يشيدها الجابري في كل مرحلة من مراحل تأليفه لرباعية نقد العقل العربي. إن ما يميز آلية تجديد الفكر العربي عند الجابري كونها تشخيصا علميا موضوعيا للعقل العربي المنتج للفكر، تشخيصا علميا منفصلا عن ذاتية الكاتب، وعن أي لون ايديولوجي ثراثي النزعة أو غربي الميول.
إن منهجية التجديد لدى الجابري بقدر ما أخذت شروط الإنتاج و أدواته بحثا لها بقدر ما نفصلت عنها ذاتيا وهذا ما يجعل كتاباته تنفصل بشكل منقطع النظير عن أي صبغة ايديولوجية توجه إن مسار القارئ أو مسار البحث أو هما معا.