عنصر التشويق والإثارة وأثره في إنجاح العملية التربوية تعتبر مهمة التدريس من بين المهام الأشد تركيبا وتعقيدًا ، فهي ليست حرفة عادية كباقي الحرف الأخرى التي يخضع جهد الممتهن فيها لنمطية معينة مدروسة و معلومة المداخل والمخارج، إنما هي عملية لا تستقيم على طريقة واحدة ، ولا تركن إلى نهج منضبط ، وتتعدد مداخلها ومخارجها بتقلب الظروف و الأجواء ، و طبيعة الدرس المعالجَ ، وسر ذلك يكمن في كون العلاقة هنا : علاقة مدرس بمتعلم ، ومعلوم أن أصعب ما في الأمر ، التعامل مع العنصر البشري كالمتعلم الذي يعتبر عالما مجهولا، وغامضا أحيانا ، ويزداد غموضا في سن المراهقة ، حيث يخضع لتحولات سريعة و مشاعر متقلبة ، مما فرض على المدرس أن تكون لديه معرفة معمقة بهذه الشخصية . إن التدريس كما يعرفه عدد من المهتمين : " علم وفن " ، علم يخضع لجملة من المبادئ والمعايير التي لا بد من توفرها في كل مدرس ، ونعني هنا المستوى العلمي و البيداغوجي . و فن ومهارة لا تكتسب إلا بالممارسة الميدانية ، ولا تصقل إلا بالتجربة المستمرة ، وهذا هو بيت قصيدنا . إن من عوامل نجاح المدرس في درسه ، استحضاره لعنصر التشويق والإثارة ، الذي يمكن المتعلم في أغلب الأحوال من الانقياد للدرس بكل تلقائية وعفوية . أحببت أن أسلط الضوء على هذا الموضوع ، لاقتناعنا ويقيننا بأن هذا الأمر يعد من ركائز نجاح العملية التربوية ، ويحضر بقوة عندما يتعلق الأمر بمواد العلوم الإنسانية . يعمل التشويق في الدرس عملا عظيما في أخذ انتباه المتعلم وجعله يتفاعل وجدانيا ، ويشارك بكل بما يحظى به من مؤهلات معرفية و مهارية ، وجرت العادة أن الخطابات التي تفتقر لهذا العنصر ، غالبا ما تكون مملة وتصرف المخاطبَين عنها ، بالرغم من أهمية المحتوى وجديته ، وبالرغم من مستوى المخاطَبين وقدرتهم على استيعاب الخطاب ، أما و الحال يتعلق بالمتعلم المراهق الرهيف الشعور ؛ الذي لا يجتهد كثيرًا في استيعاب الخطاب ، فإن عنصر التشويق يعتبر من لوازم شد انتباهه ، و يفشل الدرس أحيانا عند غياب هذا العنصر بالرغم من مجهود المدرس ومستواه العلمي . إن اعتماد المدرس عنصر التشويق في درسه ليس أمرًا هينا ، خاصة في هذا العصر الذي انفتح فيه المتعلم بشكل لم يكن معهودًا ، على عدد من المثيرات التي أفرزتها التغيرات الحضارية الحديثة ، و التي يعد عنصر التشويق من بين أساسياتها . لقد انفتح المتعلم اليوم على عدد من المنافسات على رأسها وسائل الإعلام ، خاصة المرئية منها ، التي فرضت نفسها بالقوة ، واكتسحت أذهان المراهقين من المتعلمين وغيرهم ، ومررت العديد من القيم التي بدأت تطفو يوما بعد يوم على سلوك المتعلم المراهق ، و لا مجال للمقارنة بين حجم ما يتلقاه المتعلم من وسائل الإعلام ، وبين ما يمكن أن يستفيذه من خلال حصة دراسية في مادة التربية الإسلامية مثلا . على المدرس أن يدرك بحضور منافس قوي يشد انتباه المتعلم ، وهذا المنافس يتفانى في توظيف العديد من الوسائل المثيرة ، ويزداد الأمر صعوبة في ظل الوسائل التقليدية التي يعتمدها المدرس في إنجاز الدرس ، ففي الوقت الذي يقتصر فيه المدرس على لوحة سوداء ، ووسائل تقليدية ، فإن وسائل الإعلام المعاصرة توظف كل العناصر التي تسرق انتباه المتعلم وبسرعة. لكن على الرغم من اعتبار عنصر التشويق في الدرس ، وشد انتباه المتعلم أمرًا ليس بالهين في ظل هذه التغيرات ، إلا أنه لا يعتبر أمرًا مستحيلا . يستطيع المدرس الماهر أن يخلق أجواء داخل فصله مشحونة بالإثارة و التشويق ، ويكون لها أثرًا عظيما في إنجاح الدرس وتحقيق الكفايات المطلوبة ، بالرغم من المستوى العلمي المتواضع الذي يحظى به كل مدرس؛ لأن هذا الأمر يرتبط أساسا بالقدرات المهارية ، أكثر مما يرتبط بالقدرات المهنية ، وقد جرى التأكيد عند خبراء التنمية البشرية أن القدرات المهارية ، هي التي تحسم في مسألة نجاح أو فشل الشخص ، وتحظى بنسبة متفوقة على القدرات و المؤهلات المهنية التي تتوفر عند كل شخص حسب ميدان امتهانه واحترافه . إن الأمر يحتاج من المدرس أن يستنفر طاقاته ، و يستفرغ وسعه ، ولا يدخر شيء من مجهوداته ، في محاولة إقناع المتعلم وإشباع رغباته ومتطلباته ، وجعله ينقاد طواعية للدرس . إن الأمر يحتاج مهارات فنية ، لا تكتسب إلا بالتجربة المستمرة ، وبالممارسة الميدانية مع فئات المتعلمين ، خاصة المراهقين . من خلال هذه المساهمة سوف أقترح بعض الخطوات التي أراها مهمة وكفيلة في تحقيق عنصر التشويق ، وهذه المقترحات هي من ثمرات تجربتي الميدانية التي أكسبتني بعض المداخل ، التي نفهم من خلالها احتياجات المتعلم خاصة المراهق و متطلباته من الدرس . إن السر في نجاح الدرس كيف ما كان موضوعه ، رهين باستيعاب عالم المتعلم ، واكتشاف البعد المهاري و الحس حركي و المعرفي في شخصيته ، مع العلم أن هناك جوانب تظل غامضة لا يمكن فهمها واستيعابها إلا بعد الإصغاء و الاستماع الجيد للمتعلم ، وحبذا لو كانت هناك نوادي داخل المؤسسات التعليمية تعنى بهذه القضية ؛ لأنها مفتاح لتفسير عدد كثير من المشكلات التربوية التي تقع داخل المؤسسات ، كظاهرة العنف المدرسي وغيرها . قبل الحديث عن بعض العناصر المطلوبة لتحقيق عنصر التشويق والإثارة في الدرس ، أحببت أن أبدأ ببعض الأسباب التي هي جملة من المثبطات ، التي تنفر المتعلم من الدرس ، وتصرفه عنه ، من بين هذه الأسباب على سبيل المثال لا الحصر: 1. البعد عن الواقع في معالجة الدرس ، والمقصود هنا بالواقع ، واقع المتعلمين و اهتماماتهم . 2. الرتابة و الجمود على أساليب تعليمية تقليدية ، وعدم الانصراف عنها ، كأن يعتمد مثلا المدرس الطريقة العمودية في جميع فقرات درسه . 3. الافتقار إلى ضرب الأمثال ، واستحضار النماذج المناسبة عند معالجة قضايا الدرس . 4. عدم مراعاة خصوصيات الفئة المستهدفة ، من حيث كيفية التواصل ، و اللغة ...إلخ . 5. السرعة والاستعجال في إنجاز الدرس ، بصرف النظر عن تحقق المراد منه . 6. عدم إفساح المجال للحوار بين المتعلمين ، لتبادل وجهات النظر بينهم . 7. تغليب الجانب الكمي على الكيفي ، أو بعبارة أخرى التركيز على الجانب المعرفي ، مقابل إغفال الجانب السلوكي و المهاري أو الامتثالي ، خاصة في مادة التربية الإسلامية الحاملة للقيم ، والتي تعتبر فيها المعرفة معرفة وظيفية ليس إلا . 8. عدم التموقع و التموضع الجيد داخل الفصل ، الذي لا يمكن المتعلمين من الانشداد إلى المدرس . 9. التوتر و الارتباك في معالجة الدرس ، والذي يدل صراحة على عدم جودة الإعداد وجديته . 10. خلو الدرس من اللطائف و المستملحات التي تثير الدافعية لدى المتعلمين . 11. المرور مرور الكرام على بعض التدخلات ، والاستفسارات ، و التساؤلات ، التي يطرحها بعض المتعلمين ، مما يشعرهم بعدم الاكتراث ،فلا يعاودون الكرة مرة أخرى . 12. عدم إفساح المجال للخطإ ، وتوفير جو من الحرية للتلميذ يشارك بواسطتها بكل ما يملك من مؤهلات معرفية ووجدانية . 13. العنف في الخطاب أو تعنيف المتعلمين ، الذي لا يغير قناعة ، ولا يصحح تمثلا ، ولا يرسخ قيمة ، ويفقد أحيانا بواسطته المدرس أواصر الارتباط بينه وبين تلامذته . هذه بعض الأسباب التي تنزع الحياة عن الدرس ، وتقتل بوادر الإقبال عليه ، وتبعثر طموحات كل متعلم فيه ، وتجفف منابيع التشويق والإثارة ، وتجعل عمل المدرس يدور في حلقة مفرغة مع كل حصة دراسية ، فلا يقوى بعدها على العمل، ولا يجد أحيانا من يصغي إليه ، فتخور قواه وتتعطل عطاءاته ، ويستحوذ عليه الكسل والجمود ، حتى يصيرا ديدنا له . وعندما نتأمل في واقعنا نجد العديد ممن بلغ هذا المستوى ، بسبب من الأسباب المذكورة ، وصار يرى في مهنة التدريس مجرد تكاليف تنتهي بانتهاء المدة الزمنية المخصصة لكل حصة دراسية . في ظل هذه الأجواء ينكسر الجد و يأفل نجم الحيوية ، ولا تتحقق الجودة المنشودة . بناء على ما سبق نستطيع أن ندرك مدى أهمية حضور عنصر التشويق في الدرس ، الذي يعيد أواصر الارتباط بين المدرس ومتعلميه، ويبعث على الحيوية و النشاط لكلا الطرفين . ثمة وجود العديد من العناصر المساعدة والمعينة على ذلك ، سنقتصر في الفقرات الآتية على بعض منها نراها مناسبة ولها أهمية قصوى ، وهي عناصر ضرورية وليست مستحيلة ، ولا يملك المدرس التماس الأعذار فيها بحكم أنها صعبة المنال وليست في المستطاع ، بل هي مجموعة من المهارات تكتسب طبعا بالتجربة وتصقل بالممارسة الميدانية ، وهذه العناصر حاولنا أن نستوحيها من واقع تجربتنا ، دون الرجوع فيها إلى المصادر والمراجع المهتمة بالموضوع ، علما أن المطلع عليها قد يجد العديد منها مما لم نقف عليه في مساهمتنا هذه ، وقد تعمدنا عدم الرجوع إلى المصادر و المراجع المهتمة بالأمر ، واقتصرنا على واقع تجربتنا ، حتى نكون أقرب من واقع العلمية التربوية و حتى نكون صادقين ما أمكن . بعض عناصر التشويق يتبع