عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-04-07, 10:54 رقم المشاركة : 2
الشريف السلاوي
مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية الشريف السلاوي

 

إحصائية العضو









الشريف السلاوي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام مشارك

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية البرونزية

cour رد: جمالية المكان في رواية عبد الرحمن منيف .


تابع ...



ومن جهة أخرى ينفصل المكان الروائي عن المكان الواقعي انفصالا جذريا . فمهما كانت واقعية المؤشرات التي تحيط بالمكان الروائي، فإنه يبقى مكانا فنيا متخيلا يومئ إلى كل مكان واقعي / تاريخي ممكن، ويتجاوز كل مكان مادي واقعي محدد، وكل ذلك بحسب تأويل المتلقي السيميائي. ذلك لأن السرد ما أن يشرع في التحرك حتى يشرع ـ إلى جانب الوصف ـ في تقديم المكان بصورة يصعب تصورها خارج حركة الأحداث، وخارج التمثلات المختلفة للشخوص الروائية في كل لحظة من لحظات سيرورة السرد وحركة الأحداث. وهذا ما يجعله مكانا متخيلا ليس بصورة واحدة، بل بصور مختلفة تتنوع بتنوع المتكلمين والفاعلين داخله، وبتنوع المتلقين خارجه.
وهكذا فبقدر ما يبدو مكان ما أليفا وأموميا بالنسبة لهذه الشخصية الروائية، بقدر ما يبدو عدوانيا وأبويا بالنسبة لشخصية روائية أخرى.(5) وبقدر ما يبدو مكان ما مملوكا من طرف هذه الشخصية الروائية، بقدر ما يبدو مالكا لشخصية روائية أخرى (السجن في رواية " شرق المتوسط.." مثلا)،
غير أن مكانا آخر قد يبقى محايدا بسبب طبيعته العمومية . إنه مكاني وليس مكاني، وهو مكانك وليس مكانك . إنه مكاننا جميعا، ولكن دون تملك خاص أو شخصي . (6) وإذا كان المكان المالك للشخصية عادة ما يفقدها حرية القول وحرية الفعل، فإن المكان المملوك من طرفها يمكنها ـ في حدود معينة ـ من ممارسة هذه الحرية التي هي شرط وجودها، وشرط معنى وجودها . أما المكان العمومي، فإنه يمكنها من تجسيد طبيعتها الاجتماعية التي تستطيع بواسطتها التحرك بصفتها المعنوية المضافة إلى صفتها الذاتية.
غير أن هذه الأمكنة وغيرها، وإن كانت ذات طبيعة لا محدودة تمتد إلى ما وراء وما بعد الرواية كما رأينا، فإنها تتمظهر داخل العالم الروائي بطبيعتها المتناهية التي تحاكي " موضوعا لا متناهيا هو العالم الخارجي " كما يرى يوري لوتمان (7). ومن هنا طبيعتها المزدوجة التي يترابط فيها المظهر المتناهي بالجوهر اللامتناهي. إن أي مكان متناه في الرواية يحتوي أمكنة أضيق منه، ويحتل موقعه ضمن أمكنة أخرى أوسع منه وصولا إلى العالم الخارجي اللا متناهي. ولعل هذا ما اهتدى إليه بذكاء كل من مول و رومير في كتابهما " سيكولوجية الفضاء " حين شبها " الحيز الذي يحيط بالإنسان بالبصلة فالفرد يحتل قلب البصلة، وتمثل الأماكن المحيطة به طبقات هذه البصلة، وتتسع هذه الطبقات كلما اتسعت مجالات أفعاله وأنشطته." (8)
وحيث إن السرد يرصد حركة الشخصية الروائية في الزمان والمكان " ذهابا وإيابا وسفرا واستقرارا " (9)، فإنه بفعله هذا يحدث تحولات جوهرية فيها كلما اتسعت حركتها في تنقلها من مكان إلى آخر؛ ذلك لأن تنقل الشخصية الروائية من مكان إلى آخر في العالم السردي طوعا أو كرها يمثل بحثا عن معنى أو عن حقيقة، أو عن حل أوعن كينونة مغايرة. غير أن القدر الأسطوري للسرد قد يفضي بالشخصية الروائية إلى أي مصير ممكن خارج كل معنى أو حقيقة أو حل أو كينونة.
وإذا كان نقاد الرواية يقاربون المكان الروائي بمنهجيات مختلفة، فإنهم عادة ما ينسون اللا مكان باعتباره ظلا للمكان . فحيثما يوجد الزمان والمكان يوجد اللا زمان واللا مكان بشكل من الأشكال. ف " بين البيت واللابيت يمكننا أن نقيم كل أنواع التناقضات " (10) وداخل هذه التناقضات المتنوعة توجد الحياة بكل أعماقها . ويمثل هذا اللا زمكان البنية الدلالية العميقة التي قد تقول ما لا يقوله الزمكان . إن هذا الفضاء اللا زمكاني هو الفراغ المهول الذي لا يمكن للشخصية الروائية إلا ان تجد نفسها داخله هنا أو هناك، وفي هذه اللحظة أو تلك. وكلما وجدت نفسها داخل هذا الفضاء الخاص، كلما اكتشفت العمق المأساوي لكينونتها. غير أن ثمة مكانا آخر لا يقل أهمية عن هذا الفضاء الأخير. وهذا المكان هو العتبة من حيث هي " حافة البراني مع الجواني" (11)، أو من حيث هي ذلك البرزخ الذي لا ينتمي إلى الخارج البراني كما لا ينتمي إلى الداخل الجواني. إنها بطبيعتها الوسيطية والشبه عمومية تلك، وباعتبارها مكان العبور العابر، تجسد بمعنى ما القطيعة بين مكان الانطلاق ومكان الوصول . وهذه القطيعة هي التي تحدث تحولات كمية أو نوعية في الشخصية الفاعلة. وسلسلة القطائع التي تعرفها الشخصية الروائية المتنقلة ـ عبر الحدود والعتبات ـ من مكان إلى آخر هي التي تبني تاريخها المتوتر. وجدير بالاعتبار هنا أنه ليس ضروريا أن تشكل العتبة منطقة العبور من الخارج البراني إلى الداخل الجواني، أو العكس. فقد تكون عتبة من الخارج إلى الداخل، أو من الداخل إلى الخارج، أو من الخارج إلى الخارج أو من الداخل إلى الداخل، أو من الفراغ المهول إلى الفراغ المفتوح على الفراغ المأساوي.


يتبع ...






التوقيع


" اللّهمّ ردّنا إليك ردّا جميلا "
    رد مع اقتباس