عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-11-22, 16:19 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

important الإعجاز البلاغي في استخدام الفعل المبني للمجهول


الإعجاز البلاغي في استخدام الفعل المبني للمجهول











َتَأْلِيفُ د/ مُحَمَّد السَّيِّد مُوسَى
أستاذ البلاغة والأدب كلية الآداب- جامعة المنصورة




مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه والتابعين لهم بالإحسان إلي يوم الدين.
وبعد، فاٍن من أسرار البلاغة العربية وذوقها أن تساير الأساليب المختلفة وتتماشى مع المواقف والسياقات حسبما يتطلب المقام اللغوي والنفسي, " والبلاغة الحق – إضافة إلي كونها الكلام المكتوب أو المسموع, هي التي تقدر الظروف والمواقف, وتعطي كل ذي حق حقه, سواء أكانت شعرًا أم نثرًا, مقالا أم قصة, مسرحية أم حكاية, مديحا أم هجاء, غزلا أم استعطافا" [1]
والقرآن الكريم له نظمه العجيب وتركيبه الفريد الذي يأخذ بالألباب ويسوق إليه أعناق البيان " فكان من إعجاز القرآن أنه أقام أبنية من النظم الكلامي غير مستندة إلا علي ما بينها من تناسق هندسي, وتجاذب روحي، احكمه الحكيم العليم, وقدره اللطيف الخبير، في القرآن الكريم صور كثيرة من هذا النظم الذي يعتمد علي تجاذب الكلمات وتعانق الآيات, فيكون ذلك رباطها الذي يمسك بها ويشد بعضها إلي بعض في وثاقة وإحكام [2].
ومن المعلوم أن سياقات الكلام تختلف باختلاف المقام, فتختلف الألفاظ والجمل تبعا لذلك, وما يصلح من لفظ في سياق لا يصلح في غيره، ولا يؤدي نفس المعنى والدلالة.
وكذا الشأن في استدعاء النص للجملة الاسمية أوالفعلية التي تدل علي الحدث وتشتمل علي دلالتها وفاعلها الذي قد يحذف من الجملة لدواع يقتضيها المقام: " بعضها لفظي, كالرغبة في الاختصار في مثل: لما فاز السّباق كوفئ, أي كافأت الحكومة السّباق, مثلا، وكالمماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع, نحو: من حَسُن عملُه عُرف فضلُه، وكالضرورة الشعرية، وبعضها معنوي, كالجهل بالفاعل, وكالخوف منه, أوعليه وما يصلح لكل واحد من الثلاثة قولنا: قُتِلَ فلان, من غير ذكر اسم الفاعل وكإبهامه, أوتعظيمه بعدم ذكر اسمه علي الألسنة صيانة له, أوتحقيره بإهماله, وكعدم تعلق الغرض بذكره, حين يكون الغرض المهم هوالفعل، وكشيوعه ومعرفته في مثل: جُبلت النفوس علي حب من أحسن إليها، أي: جبلها الله وخلقها ".[3]
ومقامات الكلام وسياقاته هي التي تحمل دلالة تلك الأغراض السابقة التي تختلف من موضع لآخر, فليس الغرض متعلقا أو دالا من حيث لفظته المفردة, ولكنه يأتي من النظر في التركيب وتعلق الألفاظ ببعضها, وتفسير هذا كما يذكر عبد القاهر الجرجاني " أنه ليس إذا راقك التنكير في سؤدد " [4] من قوله: تنقل في خلقي سؤدد وفي دهر من قوله: فلو إذ بنا دهر [5]فانه يجب أن يروقك أبدا وفي كل شئ, ولا إذا استحسنت لفظ ما لم يسم فاعله في قوله وأنكر صاحب, {لم يقل: أنكرت صاحبا}, فإنه ينبغي أن لا تراه في مكان إلا أعطيته من استحسانك ههنا؛ بل ليس من فضل ومزية إلا بحسب الموضع, أو بحسب المعنى الذي تريد, والغرض الذي تؤم " [6] .
وقد تحدث البلاغيون القدامى عن الفعل الذي لم يسم فاعله ونظروا في دلالته ومواقعه المتباينة, وهي وإن كانت نظرات إشارية تعد بمثابة اللمحة الخاطفة لا التحليلية العميقة, إلا أنها تدل علي ذوقهم البلاغي وحسهم المرهف بمواقع الكلام وأدوات التعبير, وإذا " كانت التيارات الجديدة قد شغلت نفسها بتحليل أدوات اللغة بكل طاقاتها التأثيرية والاٍقناعية, وبكل مهامها الانفعالية, فاٍن المهمة نفسها قد شغلت البلاغة القديمة, وقد أفاد منها – بلا شك – الخطاب الأدبي التراثي, وسوف يفيد – بلا شك أيضا – الخطاب الأدبي الحديث"[7].
وإذا كانت نظرة النحاة والبلاغيين قد اشتركت في تعيين أغراض عدم تسمية الفاعل, من العلم به أوتعظيمه أوصيانته عن الابتذال والامتهان أو مناسبة الفواصل أو مناسبة ما تقدم, أوكما ذكر السيوطي من أغراض للاختصار أو التنبيه علي أن الزمان يتقاصر علي الإتيان بالمحذوف أوأن الاشتغال بذكره يفضي إلي تفويت المهم. [8]
فاٍنه ينبغي النظر إلي الروح السارية أوالحياة النابضة الآخذة بلب السياق؛ لأن السياق قد يحمل أكثر من غرض لعدم تسمية الفاعل, أويبرز غرضًا أساسيًا أو جوهريًّا حاملاً معه من الأغراض ما يتطلبه المعنى ويقتضيه المقام.
وقد نظر الزركشي إلي بناء الفعل طبع للمجهول في سياقه نظرة التناسب مع ما تقدم, وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}[التوبة86 – 87]
فصدر الآية الكريمة جاء بالبناء للمفعول أُنْزِلَتْ سُورَةٌ, فتناسق الختام مع البدء وجاء الفعل طبع مبنيا –أيضًا – للمجهول, وهذا بخلاف قوله تعالى ما بعدها: وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ, فاٍنه لم يقع قبلها ما يقتضي البناء, فجاءت على الأصل. [9]
فهذا الغرض وإن كان كذلك, إلا أنه ينبغي النظر إليه من ناحية أخرى, حيث استخدم هذا الفعل في مقام الذم وقدح الكافرين فقط, ولم يأت هذا الفعل مبنيا للمجهول إلا في موضعين فقط, وقد تمت الإشارة إلي ذلك في موضعها من البحث.
وقد وقف ابن الأثير مع هذه الروح السارية في النص, عندما وقف مع الالتفات في بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أوتكلمه في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ, بعد أَنْعَمْتَ, ولم يقل غير الذين غضبت عليهم؛ لأن اسم المفعول مشتق من الفعل المبني للمجهول،.
فاعتبر ذلك عطفًا علي الأول؛ لأن الأول موضع التقرب من الله بذكر نعمه, فلما صار إلي ذكر الغضب جاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب, فأسند النعمة إليه لفظا, وزَوَي عنه لفظ الغضب تحننا ولطفا ".[10]
هذا وإن الفاعل عندما يحذف من الجملة فإنما ينوب عنه " في رَفْعِه وعُمْديته ووجوب التأخير عن فعله, واستحقاقه للاتصال به, وتأنيث الفعل؛ لتأنيثه واحدٌ من أربعة: الأول: المفعول به نحو: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود44].
والثاني المجرور نحو: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف149], والثالث: مصدر مختص, نحو: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة13], والرابع: ظرف متصرف مختص, نحو: صيم رمضان, وجُلس أمام الأمير.[11]
البِنَاءُ لِلْمَجْهُولِ وَالتَّصْوِيرِ
يقصد بالتصوير هنا ما يقوم به الفعل المبنى للمجهول من تصوير لأحداث المشهد الغيبي الذى غابت دقائقه عن المتلقى أو خفى عن ذهنه وخياله.
أَوَّلاً: المشَاهِدُ الغَيْبِيَّةُ
تعمل الأساليب القرآنية في المشاهد الغيبية عملا حيا يساعد نفس الملتقي علي تلقي كينونة المشهد بمعناه العميق؛ ليتدارك خياله ما قصرت عنه حواسه المادية, فتتغاير الأفعال والجمل بتغاير الأحداث والوقائع والأشخاص، فنجد فعلا بعينه يدور في المواضع الكثيرة مبينا للمعلوم ليقرر الحقيقة دامغة واقعة شاخصة للعيان, لا جدال فيها ولا مراء, وذلك كالفعل رزق مثلا الذي جاء معلوما في كل المواضع القرآنية إلا أربعة مواضع, كقوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل 64].
وكقوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة 16].
وقد تغاير هذا الفعل من المعلوم إلي البناء للمفعول؛ لحكمة يقتضيها السياق كما في قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ} [البقرة25]
رُزِقُو هنا بمعنى: أطعموا, قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ أي: أطعمنا من قبل.1
وهذه اللوحة من مشاهد الجنة الغيبية, فلا تعلم حقيقة الرزق فيها، ولا حقيقة الإتيان وَأُتُو, فيضم المشهد حدث الفعل من الرزق مع المتمتع به, وكذا الإتيان مع المنتفعين به، وفي بناء الفعل للمفعول رُزِقُوا - رِزْقاً - وَأُتُوا دلائل أخرى وهي أن هذا الرزق يأتيهم دون جهد أوعناء أوبحث أوشقاء, وقد شاع في جو الآية جرس موسيقي أحدث إيقاعا متناغما من تكرار الرزق: رُزِقُوا - رِزْقاً - رُزِقْنَا، الوارد في سياق النكرة المفيدة للعموم من ثمرة رزق.
ومثله ما جاء في سياق مشهد الآخرة الغيبي وهو من مشاهد الجنة في قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر40].
وقد جاء فعل الرزق مبنيا لمفعوله في موضع ثالث من قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون َ} [آل عمران169].
فهي حياة خاصة مغايرة للحياة المعهودة, ولذلك خصصها بقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ وبني الفعل يُرْزَقُون للمفعول؛ إشارة لاختلاف هذه الحياة، وأنها من نوع خاص يجري الرزق عليهم ويأتي إليهم, كما يجري الرزق لأهل الدنيا، فهي إذا قد وردت قي سياق المشهد الغيبي من حياة الدار الآخرة.
وقد جاء فعل الرزق مبينا لمفعوله في موضع رابع من قوله تعالى: {قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[يوسف37].
طعام ما على العموم والشمول كما دلت النكرة في سياق النفي, وقد زاد ذلك في إبراز إعجاز الموقف الغيبي الذي تطلب بناء الفعل تُرْزَقَانِهِ للمفعول, وذلك أن يوسف عليه السلام " وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء, وهوالإخبار بالغيب, وانه ينبئهما – وهما الفتيان اللذان دخلا معه السجن – بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما, ويقول: اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت, فيجدانه كما أخبرهما".[12] وفي سياق الحديث عن الجنة والنار وهي من مشاهد القيامة الغيبية الخفية، مجهولة العالم أوالواقع الملموس؛ جاء التعبير عنها بالفعل المبني لمفعوله, وذلك معرض ذكر الجنة مقابل ذكر النار, وذلك في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين َ} [البقرة24].
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[آل عمران 131].
وقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران133].
وقوله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد21].
فلفظ الإعداد هنا بمعناه اللغوي الموحي بالمتانة والإتقان, وبما لحق اللفظ من تضعيف وبناء للمفعول, يعمل علي إحضار المشهد " ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة، أوالحركة المتجددة, فإذا المعني الذهني هيئة أوحركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي, وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية ".[13]
وقد جاء الفعل نفسه مبينا للمعلوم عند الحديث عن اسم أوصفة أومعنى من معاني الجنة والنار أو كالأجر والعذاب والسعير وجهنم, كقوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ُ} [التوبة89], فهي جنان ودرجات داخل الجنة التي أعلاها الفردوس الأعلى.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا} [الأحزاب35].
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} [الأحزاب64].
فالسعير اسم من أسماء النار ومن دركاتها
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [الفتح6] وجهنم –عياذا بالله – من دركات النار, ومنها الدرك الأسفل, كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} [النساء145].
فيتضح مما سبق أن لفظ أَعَدَّ بصيغة البناء للمفعول لم ترد إلا في معرض الحديث عن الجنة والنار باسمها العام الذي يمثل الإطار العام للجنة والنار.
وفي سياق الحديث عن الجنة جاء الفعل يُطَافُ مبنيا للمجهول مرة، ومبنيا للمعلوم مرة أخرى, يقول تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} [الإنسان15], ويقول جل شأنه: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُورًا} [الإنسان19].
فهذه المغايرة من المجهول إلي المعلوم لحكمة اقتضاها السياق, وتدخلت الصيغة اللغوية لتصوير المشهد, فالطواف في كلا المشهدين خاص بأهل النعيم من الجنة عَلَيْهِمْ ولكن " ذكر الأول بلفظ مجهول لأن المقصود ما يطاف به لا الطائفون, ولهذا قال: {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} ثم ذكر الطائفين فقال: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}. [14]
وفي مجال العلم جاء الفعل علم في القرآن الكريم معلوما؛ ليظهر حقيقة الفاعل في وضوح وجلاء, ويتسلط الضوء عليه ويبرز الاهتمام به, كقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد17], فالبشر واوالجماعة في اعْلَمُو هم المعنيون بالعلم؛ ليصل بهم إلي الإيمان والتوحيد.
وقوله جل شأنه: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَونَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف21]، فيظهر فاعل العلم – سبحانه وتعالى – ليتحقق جانب النبوة عند يوسف عليه السلام وبعثته لقومه.
وقد جاء الفعل علم مبينا لمفعوله في أربعة مواضع لحكمة اقتضاها السياق في تقريب المعني الخفي وحقيقته التي توارت خلف الستار، يقول تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}[الأنعام91] فالأفعال الواردة في هذه الآية كلها جاءت مبنية للمعلوم وَمَا قَدَرُوا - مَا أَنْزَل َ- أَنْزَلَ - تَجْعَلُونَهُ – تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ، وجاء هذا الفعل عُلِّمْتُمْ وحيدًا فريدًا مبينًا لمفعوله في وسط هذا المشهد المعلوم, ولعل ذلك يشير إلي حكمة بليغة وهي لفت الذهن إلي مصدر هذا العلم, وهومصدر غيبي خفي عن الأبصار وماديات الحياة الدنيا المتعارف عليها, فهومن عند الله تعالى, " والخطاب لليهود, أي علمتم علي لسان محمد "صلى الله عليه وسلم" مما أوحي إليه ما لم تعلموا أنتم, وأنتم حملة التوراة, ولم تعلمه آباؤكم الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم, {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}النمل:76, وقبل الخطاب لمن آمن من قريش ".[15]


يتبع







التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس