عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-07-25, 13:55 رقم المشاركة : 1
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي المدرسة إذ تخسر معركة القيم


تتعدد أوجه المأزق التربوي الذي تجد المدرسة المغربية فيه نفسها، وليست مشكلة الغش في الإمتحانات التي أثارت الكثير من الكلام في الآونة الأخيرة، هي المشكلة الوحيدة في حقل عانى لعقود من السياسات التربوية الغامضة والمقاربات المتضاربة.
الشكل المكثف والمتكرر الذي تناول به الإعلام الغش حوله إلى قضية ـ إذا سارت الأمور في المنحى الذي هي عليه ـ ستصبح مشابهة لقضايا سباق التسلح، يتسلح فيه التلميذ بأحدث الأسلحة ويتسلح فيه رجال ونساء التربية بأجهزة الرصد والإنذار المبكر، وسيعمل كل طرف على التطوير المستمر لأدوات اشتغاله. هذا على الأقل ما ستؤدي إليه المقاربة التقنية لآفة الغش، في الوقت الذي ينبغي أن نتناول فيه القضية ضمن إطار أوسع، ونجعل منها فرصة لوضع الأسئلة الحقيقية.
ليس خطئا القول أن الغش يعكس فشل المتعلم في مواكبة الحياة المدرسية، أو قصورا في الاستيعاب من جهته، وما إلى ذلك من الأشياء المتعلقة بالمتعلم كمستهدف بالعملية التربوية. كل ذلك صحيح، لكنه يعكس قبل ذلك فشلا على مستويين مرتبطين بجوهر الممارسة التربوية ذاتها.
المستوى الأول: سياسة التقويم.
الظاهر أن الامتحانات بالشكل الذي توضع عليه اليوم قد استنفذت أغراضها، وصار من اللازم تجاوز المقاربة المعتمدة على المعرفة. فالوسائل والطرق الجديدة نحو المعرفة واليسر الذي يطبع الوصول إليها اليوم يشي بأن العامل المعرفي ينبغي ألا يمثل عائقا. وبتعبير آخر، يجوز ألا يعرف المتعلم مسألة ما دون أن يعني ذلك فشلا بالنسبة إليه، لأنه لن يجد صعوبة في الوصول إلى تلك المعرفة المحددة في أوان حاجته إليها، تماما مثل القاضي المحنك الذي يضطر إلى العودة إلى مصادره بين الفينة والأخرى. فالمادة المعرفية متاحة في كل لحظة.
أعتقد أن الأهم بخصوص المعرفة هو التحليل والتركيب والمعالجة، أي التمكن من منهج استثمار المعرفة. فالمطلوب إذن في التقويم هو الاتجاه نحو اختبار، ليس معارف المتعلم، بل قدراته ومهاراته في التعامل مع المعطى المعرفي. وهذا يعني أنه أصبح ضروريا القيام بدراسات دوسيمولوجية جديدة، تأخذ في الحسبان الأهداف الجديدة للنشاط التربوي ووسائط المعرفة المستحدثة.
لقد أثبتت المقاربة الراهنة المتعلقة بالتقويم فشلها وقصورها حتى أضحى التمايز في معدلات المتعلمين غير ذي معنى، وبرزت أزمة حقيقية تمس نوعية المخرجات ـ بالمفهوم التربوي ـ مع ظهور مفارقتين على الأقل، تتعلق إحداهما باحتمال حصول التفوق المعرفي لدى المتعلم جنبا إلى جنب مع الفشل عل مستوى الكفايات والقدرات، وتتعلق الثانية باحتمال تفوق المتعلم الأدنى معرفيا على الآخر الذي يفوقه معرفة. وهذا يدل على أن التقويم لم يعد يحمل أحد شروطه الصارمة، وهي التمييز.
المستوى الثاني: الغايات.
وهو ما صار يشار إليه اليوم بالتربية على القيم. لقد كانت المدرسة ترفع في الماضي شعار" تكوين المواطن الصالح المعتز بوطنه" كغاية، ثم تغيرت الصيغة إلى: التربية على المواطنة كقيمة، وما يتصل بالمواطنة كقيمة التسامح واحترام الآخر وباقي القيم الجميلة والحالمة.
والمفروض والمخطط له أن هذه الغايات أو القيم ستتحقق عبر إدماج المتعلم في الفضاء المدرسي في أفق إدماج اجتماعي كامل يحصل بعد تحقيق الأهداف التربوية المتعلقة بالمنهاج. فالمدرسة ستصير إذن فضاء يطبع فيه المتعلم مع تلك القيم ويتمتع فيه بكامل حقوق المواطنة ويتعود فيه على ممارسة المسؤولية واحترام الآخرين ومواجهة مشكلاته والسعي إلى حلها بعقلانية وهكذا، مما يحول المدرسة على مجتمع مصغر يتدرب فيه المتعلم ويستعد ـ بعد اكتمال شخصيته ـ للخروج إلى الواقع ومواجهة المواقف والوضعيات الحياتية.
أعتقد أن أفضل اختبار للقيم هو مراقبة وملاحظة وتحليل السلوك لأنه هو من يصدق تلك القيم أو يكذبها. لهذا يمكن ـ تحت ضوء مبادئ التربية على القيم ـ قراءة ظاهرة الغش إضافة إلى كل الظواهر وأنماط السلوك التي يعرفها الفضاء المدرسي، وهي على كل حال ليست كلها تبعث على الرضا. فالمدرسة أضحت ساحة للعنف اللفظي والجسدي بين المتعلمين، وكذا بين المتعلمين والمدرسين، والتحرش الجنسي من طرف الذكور تجاه المتعلمات، ومظاهر التخريب في حق التجهيزات المدرسية، وتناول المخدرات وغير ذلك مما خبره المشتغلون بالتربية. وطبعا هذه الأنماط السلوكية تتعارض كل التعارض مع ما يراد من المدرسة زرعه في النشء ويتعارض مع مفهوم المواطن الصالح وقيم المواطنة الحقة.
كيف يمكن تفسير هذا الوضع؟
واضح أن الشارع له قوة جذب أقوى من قوة المدرسة، والطفل والمراهق اللذان يتجاذبهما الفضاءان يقومان بنقل قيم الشارع إلى المدرسة وليس العكس. فهل يمكن القول أن المدرسة خسرت المعركة أمام الشارع؟ الجواب بكل أسف هو: نعم.





    رد مع اقتباس