ـ اقرأ بدأ الوحي قال تبارك وتعالى: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[ (العلق:1). وقال: ]اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ[ (العلق:3).
وسينتهي مصير كل شخص بأن يقرأ كل واحد منا كتابه، ويقال له: اقرأ، ]يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً[ (الإسراء:71)، وقال تبارك وتعالى: ]اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً[ (الإسراء:14).
وأقسم الله تبارك وتعالى بالقلم الذي به تكون كتابة ما يقرأ، فقال تعالى: ]ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[ (القلم:1).
والأمة الإسلامية وإن كانت أمة أمية لا تكتب و لا تحسب كما جاء في الحديث عن رسول الله r، فهذا في مجال الأحكام الشرعية، التي يراعى فيها حال الناس في كل مكان، وليس كل إنسان قادر على أن يكتب ويحسب، في كل مكان وزمان، فهذا الوصف المذكور مقصود به وصف ما يراعيه التشريع من رفع الحرج عن الأمة، و لا يقصد به الترغيب عن الكتابة والحساب وبالتالي عن القراءة؛ كيف يكون هذا هو المقصود؟! والرسول r يرغبنا في قراءة القرآن الكريم، وتلاوته، ومن أسماء القرآن "الكتاب"، بل اسمه "القرآن" اشتقاقه من نفس مادة كلمة "القراءة"، "القاف. والراء. والهمزة".
وقد جاء في الآثار الترغيب في القراءة من المصحف، وأنه عبادة، من ذلك ما جاء عن ابن مسعود t قال: "أديموا النظر في المصحف". وعنه أيضاً، قال: "أشد العبادة القراءة في المصحف"([1]).
فتعلم القراءة شيء مرغب فيه شرعاً، لكن السؤال ماذا نقرأ؟
إن خطورة القراءة تجعل المرء يقول: قل لي ماذا تقرأ أعرف من أنت!
فالمسلم يهتم بقراءة ما رغب الشرع في قراءته وهو يشمل الأمور التالية:
( 1القرآن الكريم، وقد جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ"([2]).
(2 القراءة لكتب العلم الشرعي، فهي من أنفع الطرق لتحصيل العلم. ومن تراجم البخاري: "بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَسَخَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْآفَاقِ وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ذَلِكَ جَائِزًا وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ لَا تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([3]).
(3 القراءة للثقافة والأدب. وهي تدور على المحاور التالية :
المحور الأول : القراءة لتوسيع المدارك العلمية، في التخصصات أو الجوانب المختلفة من المعرفة.
المحور الثاني : القراءة لتنمية الموهبة والقدرة على البحث، والجلد في التتبع والاستقراء.
المحور الثالث : القراءة لمعرفة الآخرين سواء من عاش في زماننا ولم نلتق به عن قرب، أو لمن لم ندركهم، ونريد أن نعرف عنهم. وقد ذكر عباس محمود العقاد في كتابه "مطالعات في الكتب والحياة" أن القراءة تزيد في عمق العمر للإنسان، فالإنسان الذي عمره ستون سنة لا يزيد عمرة ثانية واحدة بالقراءة، ولكن يزيد عمق هذه الستين سنة، فيطوي داخلها خلاصة تجارب وأعمال وتفكير أناس كثر يسر الله له مطالعة كتاباتهم أو ما كتب عنهم.
المحور الرابع : القراءة للتسلية، وحفظ الوقت، بما يفيد، وتنشيط الذهن وراحته، وقد قرأت مرة للأستاذ عبدالرحمن بن عقيل الظاهري أنه قال ما معناه: أنه يريح نفسه من القراءة بالقراءة، وذلك بقراءة كتب سهلة منعشة للذهن، مريحة للعقل، من عناء القراءة الجادة.
والمقصود في جميع هذه المحاور قراءة الكتب التي لا تتعارض مع الشرع، إذ القراءة إذا كانت تؤدي بصاحبها إلى خروج ومخالفة لشرع الله، فهي قراءة تسفيه لا قراءة تثقيف.
ونقرأ للنتدبر ونتعظ ونحرك قلوبنا في طاعة الله.
ونقرأ لنتبرك بقراءة القرآن العظيم وتزيد حسناتنا.