عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-07-15, 10:36 رقم المشاركة : 1
رشيد زايزون
مشرف منتدى التعليم العالي ومنتدى التفتيش التربوي
 
الصورة الرمزية رشيد زايزون

 

إحصائية العضو









رشيد زايزون غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي التنازع الصوتي في التراكيب العربية


التنازع الصوتي في التراكيب العربية

د . عبد الوهاب حسن حمد



مقدمة


ان الدرس الصوتي لايتوقف عند معرفة مخارج الاصوات وصفاتها، بل لابد من دراسة مايحدثه التركيب من اثار على صفات الاصوات، لانه ينشأ عن التركيب مالم يكن في حالة الافراد، فكم ممن يحسن الاصوات مفردة ولايحسنها مركبة بحسب مايجاورها من مجانس ومقارب وقوي وضعيف ومفخم ومرقق، فيجذب القوي الضعيف، ويغلب المفخم المرقق، فيصعب على اللسان النطق بذلك على مايستحق التركيب الا بالرياضة الشديدة والدربة لاتقان الاحكام الصوتية الناشئة عن التركيب.

وهذا البحث يحاول طرح ظاهرة التنازع الصوتي في التركيب وصولاً الى الانسجام الصوتي بدراسة الاسس التي اعتمدتها اللغة للوصول الى السعة والعذوبة لترتقي صعداً في مدارج الكمال. لذلك تضمن مبحثين درس في الاول الاصل واعني به الصحة قبل الاعلال لبيان قوة الصحة في الدلالة على اصول ماغير من المعتل وظهور الاصل على الزائد والزام الحركة الاصلية وفي المبحث الثاني تناول الخفة وتعني سهولة النطق وهي من دواعي ظهور الكسرة على الفتحة في الامالة وفي قلب الواو ياء اذا اجتمعا.


وختم البحث بالنتائج التي ارجو ان تكون نافعة في بابها.


المبحث الاول

الاصل

يظهر الاصل على غيره في كلام العرب، للدلالة على قوة مراعاتهم له، وانه عندهم مراعى معتد مقدر، فمن ذلك قولهم: بويع زيد وسوير خالد وقد عُلم انه متى اجتمعت الواو والياء، وقد سبق الاول منهما السكون، فان الواو تقلب ياء وتدغم الواو مدة منقلبة من الف ساير وبايع فكما لايصح الادغام في ساير وبايع، فكذلك لايصح في (فوعل) منه مراعاة للاصل وايذاناً منه([1]) .

ويدلك على مراعاتهم للاصل انهم اذا امروا ضموا همزة الوصل وكسروها ارادة للحركة الاصلية. كقولهم: ارموا واقضوا، فان الهمزة في ذلك كله مكسورة، وان كان الثالث مضموماً، لان الضمة عارضة والميم في ارموا اصلها الكسر وكذلك الضاد في اقضوا، وذلك ان الاصل اقضيوا وارميوا، وانما استثقلوا الضمة على الياء المكسور ماقبلها فحذفوها، فبقيت ساكنة، وواو الضمير بعدها ساكن، فحذفت الياء لالتقاؤ الساكنين، وضمت العين لتصح الواو الساكنة، فبقيت الهمزة مكسورة على ما كانت كما قالوا: أُغزي. فضموا الهمزة والثالث مكسور كما ترى، لان الاصل اُغزوي، فاعتلت الواو فحذفت، وولين الياء الزاي فانكسرت من اجلها.

فكسرهم مع ضمة الثالث، وضمهم مع كسرته يدل على قوة مراعاتهم للاصل([2]) ، لانه احفظ لنفسه وادل عليها من الزائد، وذلك ان الاصلي يحفظ نفسه بظهوره في تصرف اصله، وليس كذلك الزائد الا تراه لايستمر في تصرف الاصل استمرار الاصلي. وذلك بالزام حركة الاصل، وان عرض عليه مايوجب تغييرها، مراعاة للاصل وتنبيهاً عليه. ذلك في قولهم، أرأيتَكُم وأرأيتَكُما وأرأيتّكِ ياهذه وأرأيتَكُنَ، حيث فتحوا التاء فيها، وان تجردت من الخطاب، فانفردت الكاف به دونها تغليباً للاصل، لان التذكير اصل للتأنيث، وان التوحيد اصل التثنية والجمع، فلما خصوا الواحد المذكر المخاطب بفتح التاء، ثم جردوا التاء من الخطاب، فانفردت به الكاف في أرأيتَكَ وأرأيتَكِ يازينب والكاف مازيد عليها في أرأيتَكُما وأرأيتَكُم وأرأيتَكُن الزموا التاء الحركة الاصلية([3]) . جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: (قل أرأيْتَكُم إن أتاكم عذاب الله-الانعام 40،47) بدليل ضمها في قوله تعالى: (قل أرأيْتُم ان اتاكم عذابه بياتا-يونس50) لما جاءت بدون الكاف فلم تجرد من الخطاب كما ان الكاف في (أرأيتكم) لامحل لها من الاعراب، لانك تقول: أرأيتك زيداً ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلاً لكنت كأنك تقول: أرأيت نفسك زيداً ما شأنه، وهو خَلْفٌ من القول فهي حرف يفيد الخطاب وليست باسم([4]).

واذا عرض للزائد عارض من بدل او حذف لم يبق هناك في اكثر الامر مايدل عليه وما يشهد به([5]) الا بمعرفة نظائره لانضوائها تحت قاعدة واحدة نحو قوله تعالى: (وإذا الرسل أقتت-المرسلات11) فالهمزة في (أقتت) بدل من الواو، لان الواو إذا كانت اول حرف وضمت همزت. من ذلك قولك: صلى القوم احدانا، وهذه اجوه حسان([6]).

وقد قرئ([7]) (وقتت) تغليباً للاصل، لانه من الوقت فلما زالت الضمة عن الهمزة عادت واواً بدليل قولك: موقت ومويقت كذلك اذا نقلتها الى الاسمية وصغرتها لقلت وقيتة، وظهرت الواو، لانها فاء الكلمة، وغلبت لانها الاصل([8]). والمراد التنبيه على اصول امثالها، لان العرب قد تستعمل الواو مصححاً ليعلم به الاصل. ومن ذلك امتناعهم من استعمال (استحوذ) معتلاً وان كان القياس داعياً الى ذلك ومؤذناً به، لكن عارض فيه اجماعهم على اخراجه مصححاً تغليباً للاصل، وليكون دليلاً على اصول ماغير من نحوه كاستقام واستعان([9]) . وعلى ذلك جاء قوله تعالى حاكياً عن المنافقين: (الم تستحوذ عليكم-النساء141) وقوله: (استحوذ عليهم الشيطان-المجادلة19) فجاء الفعل على الاصل واو أعل لكان نستحذ واستحاذ، لان الواو اذا كانت عين الفعل وكانت متحركة بالفتح وما قبلها ساكن جعلت العرب حركتها في فاء الفعل قبلها وحولوها الفاً متبعة حركة ماقبلها كقولهم: استحال هذا الشيء عما كان عليه، واستنار فلان بنور الله، واستعاذ بالله([10]) . وربما تركوا ذلك على اصله تغليباً للصحة على الاعلال، لانها الاصل، ولتكون دليلاً على اولية حالة الفعل، لذلك خرج على اصله.

وقد يغلبون الاصل تنبيهاً على رجوعهم اليه، نحو قوله تعالى: (ما وَدَّعك ربك وما قلى-الضحى3) وقد قرئ([11]) (وَدَعَك) بالتخفيف، أي ما تركك دَلّ عليه قوله (وما قلى)، لان الترك ضرب من القلى([12]) وكلام العرب: دعني وذرني ويدع ويذر، ولايقولون ودّعْتك ولا وذرتك، استغنوا عنها بتركتك([13]) ففي مجيء القراءة بالتخفيف دليل على رجوعهم الى ماتركوه واستغنوا عنه بغيره.

ومنه قلب الزائد الى جنس الاصلي وادغامه، نحو قوله تعالى: (وادّكر بعد أمهَ-يوسفف45) (إدّكر) افتعل من الذكر واصله اذتكر فادغم. وقرئ([14]) (اذّكر) على تغليب الاصلي على الزائد([15]) ، لان الاول اصلي والثاني زائد، فكرهوا ادغام الاصلي في الزائد، فقلبوا الزائد الى جنس الاصلي وادغموه([16]).

ونحو قوله تعالى: (فهل من مدّكر-القمر15) و (مدّكر) مفتعل من ذكر يذكر، واصله مذتكر، وقرئ([17]) (مدّكر) على تغليب الذال بقلب التاء ذالاً، وادغام الذال فيها([18]) ، ليكون الادغام في حرف مثله في الجهر، لان الذال مجهورة، والتاء مهموسة. قال سيبويه: (ومن قال مظّعن قال مذّكر، وقد سمعناهم يقولون ذلك)([19]) . وذلك لاشتراك الظاء والذال مخرجاً ورخاوة.

وقال الفراء: (وبعض بني اسد يقولون مذّكر فيغلبون الذال فتصير ذالاً مشددة)([20]) . وهذا نحو قوله تعالى: (مافيه مزدجر-القمر4) فقد قرئ([21]) (مزّجر) على تغليب الزاي بقلب تاء الافتعال زاياً وادغام الزاي فيها([22]) .

قال الفراء: (ولقد قال بعضهم: مزجر فغلب الزاي كما غلب التاء وسمعت بعض بني عقيل يقول: عليك بابوال الظباء فاصَّعِطْها فانها شفاء للطحل، فغلب الصاد على التاء)([23]) .

والاصل فاستعطها، فقلبت السين صاداً، لاشتراكهما مخرجاً ورخاوة وصفيراً، كما اشتركا في الهمس. ومجيء الطاء بعدها([24]) ، وغلبت الصاد بقلب تاء الافتعال صاداً وادغامها فيها، وغلبت الصاد بقلب تاء الافتعال والصفير والرخاوة وتوافق الطاء في الاستعلاء فيتجانس الصوت ولايختلف([25]) . والصاد تبدل من السين مع الطاء في (الصراط، ومسيطر) كما جاء في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم-الفاتحة6)، وقوله (لست عليهم بمصيطر-الغاسية22) وقوله: (ام هم المصيطرون-الطور37) لان الصاد مع الطاء اعدل من السين فهي تواخي الطاء بالاطباق والاستعلاء وتواخي السين بالمخرج([26]) وقد قرئ([27]) (السراط) كما قرئ([28]) (مسيطر) تغليباً للاصل، لان الاصل سراط بالسين، لانه من سرطت الشيء اذا ابتعلته، كأن الطريق يبتلع المارة لكثرة سلوكهم لاحِبَهُ، كما سمي لقما، لانه يلتقمهم([29]) . والمسيطر اصله من السَّطر، وهو المسلط([30]) وقد آثروا السين في السراط، لانها خفيفة بالهمس والرخاوة اذ الطاء مجهورة مطبقة، ليكون خفيف مع ثقيل فتعتدل الكلمات([31]) . والسين لاتغير صورة الصاد، كما ،ن النون الواقعة قبل الياء والنون ساكنة في قولهم عنبر ومنبر وشنباء ومِنْ بَعدُ([32])، وكما جاء في قوله تعالى: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لاحد من بعدي-ص35) فكل واحد منهن الصوت فيه لفظه يشبه لفظ الميم، وهو غير مستعمل في الخط تغليباً لاصل النون([33]) ، فكذلك السين لاتغير صاد الصراط، كما لاتغير الميم في العنبر وشبهه لفظ النون وصورتها في الخط ودلالة على الاصل وكذلك الزاي في قراءة([34]) (الزراط)، وان انفردت الزاي بالجهر. الا ان حروف الصفير يبدل بعضها من بعض والذي يخلص الزاي يبني على تغيب الجهر على الهمس.

ونحوه قوله تعالى: (وما تدّخرون-آل عمران49) فقد قرئ([35]) (تذخرون) على تغليب الاصلي المجهور على الزائد المهموس، لان اصله تذتخرون، فغلب الذال، وهو حرف مجهور على التاء وادغمت التاء في الذال.

قال الفراء: (وبعض العرب يقول: تدّخرون فيجعل الدال والذال يعتقبان في تفتعلان من ذخرت، وظلمت. تقول : مظّلم ومطّلم ومُذّكر ومدَّكر، وسمعت بعض بني اسد يقول: قد اتَّعر، وهذه اللغة كثيرة فيهم خاصة وغيرهم: قد اثّغر.. واما الذين غلّبوا الذال فامضوا القياس، ولم يلتفتوا الى انه حرف واحد فادغموا تاء الافتعال عند الذال والتاء والطاء)([36]) .

فالذين غلبوا الذال ابدلوا التاء اشبه الحروف من موضع الذال الاصلي، وهو الدال ثم قلبوا الدال ذالاً وادغموه فيه، وهو قول من يقول في اصطبر وفي اضطرب اضّرب، وهذا العمل مطرد في امثاله، وذلك بقلب التاء الى جنس الاول وادغام الثاني في الاول وعلى هذا قالوا مظّلم واثغر([37]) . وهذه اللغة ليست فاشية. قال الطبري: (ومن العرب من يغلب الذال على التاء فيدغم التاء في الذال فيقول: وماتذخرون، وهو مذخر لك، وهو مذكر، واللغة التي بها القراءة الاولى هي اللغة الجودى، كما قال زهير: ان الكريم الذي يعطيك نائله عفواً ويظلم احياناً فيظلم، يروى بالظاء يريد فيفتعل من الظلم ويروى بالطاء ايضاً)([38]) . وانما استجاد لغة القراءة الاولى لتظاهر النقل من القراء بها ولان اصل الادغام ان تدغم الاول في الثاني([39]) يقلب الحرف الاول الى جنس الثاني، ثم ادغامه فيه، وعليه القراءة المشهورة (تذخرون)، قراءة الذال جاءت تغليباً للحرف الاصلي على الحرف الزائد لينبه به على الاصل، والادغام بقلب الزائد الى الاصل، كما في اظّلم ومظّلم واذّكر ومذّكر.


يتبع





التوقيع




    رد مع اقتباس