الموضوع: ندوة جيلالية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-09-02, 17:55 رقم المشاركة : 1
نورالدين شكردة
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية نورالدين شكردة

 

إحصائية العضو







نورالدين شكردة غير متواجد حالياً


cour ندوة جيلالية



ندوة جيلالية

دقائق معدودة فقط لا زالت تفصل الجيلالي عن مداخلته التي يعتقد انها ستدخله الى التاريخ و سيغير بها معالم الجغرافيا ، بل و سينسف بها كل العلوم و النظريات ...
أنهى أحد الباحثين مرافعته الأكاديمية تحت عنوان " الكفايات العشر لسيكوبيداغوجيا الحكامة بين هدر السيكو سوسيولوجيا وجودة الأنتربولوجيا"فالتهبت القاعة بالتصفيق ووقف الحضور تقديرا لعمق الموضوع وضخامة المصطلحات .
تقدم الجيلالي نحو المنصة واثار قساوة الدهر بادية على ملامحه وملابسه وخطواته ،أمسك مكبر الصوت بيسراه ،نفخ فيه مرارا وتكرارا وتلفظ بكلمات مبهمة ميز منها الحضور ":ألو...ألو...أيوا...أيوا..."اعتدل في جلسته،تردد قليلا وهو يتأمل اوراقا كان قد هيأها لموقفه هذا منذ شهر خلا.تأخر انبعاث صوته عبرالميكرورفون غير أنه سرعان ما تدارك ارتباكه فهب واقفا دافعا أوراقه المتبعثرة جانبا لينطلق محاضرا :
"أيها الحضور الكريم ...إذا كانت مصر أم الدنيا والمسرح أبو الفنون والفلسفة أم العلوم فأنا من موقعي أصرح جهرا أن التعليم هو جد الوظائف..."ابتسامة ماكرة علت وجوه أغلب المتتبعين ."..وإذا كان كارل ماركس قد اختصر الحياة في الثروة ورأس المال،وفرويد في الجنس، وميكيافيلي في السياسة ،ومارتن لوتر في الحرية والمساواة ،وابن خلدون في العمران، وداروين في النشوء والتطور.فإنني ومن موقعي المتواضع هذا أختصر الحضارة والرقي في جودة التعليم بالعالم القروي..."نظرات بليدة تبادلها بعض المحاضرين وكثير من الحضور ."...وللأسف، فواقع التدريس بالعالم القروي يكتنفه هرم من الغموض وأطنان من التردي والتغاضي والانحطاط..."وشوشة وصخب عليا فضاء القاعة وذبابة خبيثة بدأت تفرض نفسها على توحيمة الجيلالي فرضا."....فضاء تربوي أصلع مغبر يفتقر لجودة التصميم والبناء ولهشاشة البنيات والتجهيزات،أطر تربوية مقصرة يعوزها لقاح الواجب والمسؤولية وضمادات لترميم ذواتها المعرفية والمادية .وقبل كل ذلك أذان كبيرة تستمع لمعاناتها وهمومها..."إشارة خفيفة للمشرف على الندوة للجيلالي تعلمه بانتهاء الوقت المخصص لمداخلته."... التعليم بالوسط القروي في حاجة ماسة لإرادة حكومية صادقة ولمسؤولين" رجال "يبادرون بربط الدواوير والمداشر بأعمدة الإنارة وبمصادر المياه وبشق كيلومترات من الطرق المعبدة نحو كل هذه البؤر المعزولة والمهمشة والقابعة بين وعلى ووراء أعالي جبال المغرب المنسي..."إلحاح جلي من المشرف بضرورة إنهاء المداخلة."...تلاميذ البوادي في حاجة ماسة وأنية لحقنة دواء وقطعة خبز وثوب وشحنة رعاية وحنان قبل احتياجهم لتعلم لغة قاحلة...برامج و مناهج المدرسة لا تساير البتة مستوى التلاميذ والأنكى أنها لا تعكس لا واقعهم ولا محيطهم ولا بيئتهم..."يبعد الجيلالي بحركات عشوائية ذبابة عميلة أبت هي الأخرى إلا أن تعيق بوحه."...فبادروا جزاكم الله خيرا للخروج من مكاتبكم والنزول من أبراجكم وشمروا عن سواعد الإصلاح قبل أن تتحول أشرف مهنة سلمت من افة الرشوة إلى مضخة لتكرير أسوأ الأجيال وتمرير أقدح الأخلاق وأرذل الصفات ...بادروا ها العار بدروا أنا مزاوك فيكوم.."
أنهى الجيلالي كلمته المرتجلة وانتظر أن تعج القاعة بالتهليل والتصفيق كما حصل مع سابقيه غير أنه اكتفى بالإنصات لأزيز تلك الذبابة التي أصرت على حط جراثيمها فوق توحيمته إصرارا...
عاد صوب مكانه مختالا واثار الرضا بادية على ملامحه وخطواته دونا عن ملابسه،مر بين الحضور وإحساس صادق بالإنتقام من كل مسؤول ديماغوجي ومن كل سكير سوسيولوجي ومن كل سمسار سيكولوجي،بل ومن كل من أفسد له المزاج يوما أو عكر له صفو المقام بين كل الأخاديد والمرتفعات التي عرفت استقراره عقودا كمعلم لأبناء هذا الوطن المستثر،هذا الوطن الذي لا يعرفه إلا المعلمون...عاد ليندمج بين صفوف الحضور وهو متيقن من أمر واحد ،مداخلته تلك لم تدخله لا إلى التاريخ ولا إلى المستقبل ،ولم يغير بها لا الجغرافيا ولا التربية الوطنية،كما أنه لم ينسف بها لا النظريات ولا البطاريات.مداخلته تلك ،فقط،انتشلته أولا من صمته ومن الحيف الذي طاله لعقدين خليا ،وأخرجته ثانيا من القاعة مزهوا ملاحقا بعيون الحضور وهي تتغامز على توحيمته،وأصابعهم تشيرعليه خلسة بالأباهيم تأييدا وبالسبابات غيبة وبالأواسيط نكاية وانتقاما ...وجعلته ثالثا واخيرا يقرر إعادة النظر في مسألة ذوقه وهندامه..





    رد مع اقتباس