عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-02-02, 21:41 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: نشأة الدواوين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه


ديوان العطاء

تتباين روايات المصادر في توضيح أسباب وظروف وضع ديوان العطاء على يد عمر رضي الله عنه، وكذلك يتمُّ تقديم عدَّة تواريخ لوضعه، ولكن بما أنَّ وظيفة الديوان وبنيته وطابعه ترتبط بظروف نشأته وتأسيسه، فلا بُدَّ لنا من البحث عن السنة الفعليَّة التي اتَّخذ فيها الخليفة قراره بوضع الديوان، وتذكر المصادر تاريخين يُمكن أخذها على محمل الجدِّ والاهتمام والبحث في ملابساتهما.

فقد حدَّد الطبري سنة "15هـ/ 636م" كتاريخٍ لوضع الديوان على يد عمر رضي الله عنه فقال: "وفي هذه السنة فرض عمر للمسلمين، ودوَّن الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة"[5]. في حين حدَّد البلاذري سنة "20هـ/ 641م"، فقد ذكر "لمـَّا أجمع عمر على تدوين الديوان وذلك في المحرَّم سنة عشرين..."[6]، ولكن جميع الروايات تتَّفق حول نقطةٍ جوهريةٍ وهي أنَّ كثرة تدفُّق الأموال على المدينة المنورة من فتوح الأمصار، كانت السبب الذي دعا عمر رضي الله عنه إلى وضع الديوان.

المعروف أنَّ السنوات الثلاث الأولى من خلافة عمر رضي الله عنه أي بين سنة "14-16هـ/ 635-637م"، اتَّسمت بطابع الغزوات التقليدية؛ حيث كانت الغنائم تُوزَّع بالتساوي على القوى المقاتلة بعد رفع الخُمُس للخليفة، ولهذا لم تكن هناك حاجة إلى القيام بتأسيس نظامٍ لتوزيع وإدارة الفيء المكتسب والأموال المغنومة[7].

تنامت مع المدَّة منذ بدايات الغزو المنسق للفتوح والاستقرار -أي منذ عام "17هـ/ 638م"- كميَّة الأموال المخموسة المتدفقة على المدينة تناميًا شديدًا؛ نتيجة فتوح أراضي الفرس والبيزنطيين، وكانت مقدارًا عظيمًا.

تتكرَّر في المصادر رواية عن خمس البحرين الذي كان سببًا لتأسيس الديوان، يقول الماورديُّ: "واختلف الناس في سبب وضعه له، فقال قومٌ: سببه أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قدم عليه بمالٍ من البحرين، فقال له عمر رضي الله عنه: ماذا جئت به؟ فقال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، فقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم مائة ألفٍ خمس مرَّات، فقال عمر: أطيِّبٌ هو؟ فقال: لا أدري، فصعد عمر رضي الله عنه المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس قد جاءنا مالٌ كثيرٌ، فإن شئتم كلنا لكم كيلًا، وإن شئتم عددنا لكم عدًّا، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يُدوِّنون ديوانًا لهم فدوِّن أنت لنا ديوانًا"[8]. الواضح أنَّ توزيع الأموال في المدينة كان يزداد صعوبةً مع تنامي حجم هذه الأموال المتدفِّقة.

ذكر الجاحظ أنَّه لما وضع عمر رضي الله عنه الديوان قام إليه أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام رضي الله عنهما فقالا: "يا أمير المؤمنين، أديوانٌ كديوان بني الأصفر، إنَّك إن فعلت ذلك اتَّكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش، فقال عمر: قد كثر الفيء والمسلمون"[9].

هذه نظرةٌ سليمةٌ للأمور؛ إذ عندما توقَّف اندفاع الفتوح واشتراك غير العرب فيه، وذلك بعد أن انتقلت العاصمة من المدينة المنورة إلى دمشق ثُمَّ إلى بغداد، تراجع العطاء الذي كان مفروضًا لأهل الجزيرة العربية، فنشأ جيلٌ على البطالة لم يستسغ العمل في التجارة والسعي إلى الرزق، فتراجعت بالتالي مقدرة الحجاز الاقتصادية، والواقع أنَّ عمر رضي الله عنه أدرك هذه الظاهرة ولم تغب عن تفكيره وربَّما توقَّع حدوثها في المستقبل، لذلك كان يحثُّ النَّاس على العمل والسعي والاستكثار من الرزق، كما كان شديد الحساسية ضدَّ أولئك الذين يظهرون الإعراض عن الدنيا تعبُّدًا وزهدًا.

يمدُّنا ابن الطقطقي بمعلوماتٍ مفيدةٍ أثناء شرحه لكيفيَّة تدوين الدواوين في الإسلام: "وكان المسلمون هم الجند، وكان قتالهم لأجل الدين لا لأجل الدنيا... لكنَّهم كانوا إذا غزوا وغنموا أخذوا نصيبًا من الغنائم قرَّرته الشريعة لهم، وإذا ورد إلى المدينة مالٌ من بعض البلدان أُحضر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفُرِّق فيهم حسب ما يراه صلى الله عليه وسلم، وجرى الأمر على ذلك مدى خلافة أبي بكر رضي الله عنه... فلمَّا كانت سنة خمس عشرة للهجرة وهي خلافة عمر رضي الله عنه رأى أنَّ الفتوح قد توالت، وأنَّ كنوز الأكاسرة قد ملكت، وأنَّ الأحمال من الذهب والفضة والجواهر النفيسة والثياب الفاخرة قد تتابعت، فرأى التوسيع على المسلمين، وتفريق تلك الأموال فيهم، ولم يكن يعرف كيف يصنع وكيف يضبط ذلك، وكان بالمدينة بعض مرارزبة الفرس، فلمَّا رأى حيرة عمر رضي الله عنه قال له: يا أمير المؤمنين إنَّ للأكاسرة شيئًا يُسمُّونه ديوانًا، جميع دخلهم وخرجهم مضبوطٌ فيه لا يشذ منه شيء، وأهل العطاء مرتَّبون فيه مراتب لا يتطرَّق عليها خلل، فتنبَّه عمر رضي الله عنه وقال: صفه لي، فوصفه المرزبان، ففطن عمر لذلك ودوَّن الدواوين وفرض العطاء، فجعل لكلِّ واحدٍ من المسلمين نوعًا مكرَّرًا"[10] فإذا كانت ضرورة توزيع وضبط الغنائم الواردة على المدينة السبب في وضع الديوان، فهذا يستتبع تحديد سنة وضعه بالخامسة عشرة للهجرة.


يتبع





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس