عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-05-06, 12:01 رقم المشاركة : 1
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي قراءة في كتاب ... الأخلاق في فلسفات الشرق للكاتب والباحث : عيد الدرويش


قراءة في كتاب ... الأخلاق في فلسفات الشرق للكاتب والباحث : عيد الدرويش

بقلم :د،عدنان عويد

لم يبخل الفرات على الإنسانية منذ أن استقر على ضفافه الإنسان حتى هذا التاريخ بالمبدعين من كتاب وفنانين وأدباء ومفكرين, وسجله بذلك حافل,
والشواهد على ذلك كثيرة يعرفها القاصي والداني من وطننا الحبيب سورية, وعالمنا العربي. وما الكاتب والباحث والفنان التشكيلي والخطاط «عيد الدرويش» ابن الفرات وحضارتها, إلا أحد هؤلاء المبدعين الذين استطاعوا فرض إسمهم في سفر مبدعي الفرات العظيم.‏
(الأخلاق في فلسفات الشرق), هو الإصدار الأخير للكاتب والخطاط والفنان التشكيلي المبدع «عيد الدرويش», بعد إصدارته : (فلسفة التصوف في الأديان -والإمام الغزالي بين العقل والنقد -وسيكولوجيا الثقافة ).‏
يقوم الكتاب على مقدمة ومجموعة من المحاور او العناوين المتعلقة بعنوان كتابه (الأخلاق في فلسفات الشرق). حيث ابتدأ أول هذه العناوين بـ :‏
نشأة الأخلاق:‏
يعتبر الباحث «عيد الدرويش» أن البحث عن نشوء الأخلاق في تاريخ البشرية يترافق مع وجود الإنسان, حيث كان لإحساس الإنسان وإدراكه لمحيطه الاجتماعي الدور الكبير في صياغة وعيه ومنه النسق الأخلاقي القيمي. وكلما اكتشف الإنسان شيئاً جديداً عبر ممارسته لنشاطه الحياتي, أضاف بالضرورة شيئاً جديداً أيضا لحياته القيميّة - الأخلاقية.‏
ثم يتابع الباحث في هذا الاتجاه مؤكداً, انه مع التراكم المعرفي لدى الإنسان تتحول الأخلاق ذاتها إلى موضوع معرفة, وذلك كون الأخلاق برأيه ليست علماً بحد ذاتها, وإنما هي موضوع علم, ُيطلق عليه (الظواهر الأخلاقية).‏
هذا ويجد الباحث «عيد الدرويش», أن فعل الخير لدى الإنسان مرتبط بالغايات التي تتفاوت في قيمتها, فهو يجد أن هناك أخلاقاً وضيعة وثيقة الصلة بدوافع عضوية, وأخرى سامية, مرتبطة بدوافع مثالية, والناس ينوسون في أخلاقهم بين هذين الحدين من الأخلاق وفقاً لغاياتهم ومصالحهم.‏
كما بين الباحث في هذا الاتجاه أن للتقدم العلمي والتكنولوجي (الاختراعات) من جهة, وللنظريات المعرفية (الابستموليجية) من جهة أخرى أثراً كبيراً في تنمية الفعل الأخلاقي.‏
تعريف الأخلاق:‏
لقد تقدم الباحث بمجموعة من التعاريف المتعلقة بالأخلاق من الناحية اللغوية والفلسفية, أما أبرزها من الناحية اللغوية هو التعريف الذي جاء به الفيلسوف الإسلاميـش «ابن مسكويه» في كتابه (تهذيب الأخلاق), حيث يقول: (الأخلاق في اللغة جمع خلق, وهو العادة والسجيّة والطبع والمروءة, وعند القدماء» ملكة» تصدر بها الأفعال عن النفس من غير روية وفكر وتكلف. فغير الراسخ في صفات النفس لا يكون خلقاً, كغضب الحكيم, وكذلك الراسخ الذي تصدر عنه الأفعال بعسر وتأمل, كالبخيل إذا حاول الكرم.) .‏
أما فلسفياً فيأتي التعريف عند الباحث يونانياً, حيث يقول : ( لقد عرفت الأخلاق لدى اليونان بـ «الأطيقا», وتعني التعليل العلمي لفهم معين نابع من الخير او الشر أو العدالة أو الواجب أو الضمير أو السعادة .).‏
الأخلاق في فلسفة الشرق:‏
يحاول الباحث « الدرويش» بداية تعريف الشرق, الذي جاء عنده (تلك المنطقة الجغرافية والحضارية التي ضمت الوطن العربي وبلاد فارس والهند والصين. وفي هذه المساحة الجغرافية تشكلت حضارات استطاعت عبر تاريخها الطويل أن تقدم الكثير من المسائل الأخلاقية التي ارتبطت في حياة شعوبها العملية والفكرية والفلسفية, وغالباً ما كانت هذه المسائل الأخلاقية تقوم على تحديد فكرتي الخير والشر, بالرغم من أن هذه الثنائية كانت في حضارة الشرق ممزوجة بالأساطير والخيال الواسع الذي ساد حضارات الشرق القديمة, كالمصريين والهنود والصينيين‏
هذا ويرى الباحث أن معظم المسائل الأخلاقية لدى الشرق منذ القدم وحتى انتشار الديانات السماوية, ظلت ممزوجة بالدين رغم أنها تميزت في حضارة الصين بسيادة طابع (الحكمة) عند الكونفشيوسية . وكذلك عند الهندوس, بسبب سيادة طابع التصوف.‏
أولاً- الأخلاق في الفلسفة الهنديّة:‏
يشير الباحث «عيد الدرويش» إلى أن الهند قد عرفت الكثير من المذاهب الفلسفية التي شكلت ثراءً حضارياً وفكرياً عميقاً, امتزجت فيه الروح الدينية بالأساطير, فكان من بين أهم هذه المذاهب, الهندوسية (البراهمة) التي شكلت قيماً روحية وفلسفية تمثلت في مجموعة عقائد وتقاليد وقيم خلقية, إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية التي تعود بدايتها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد, ولم تزل قائمة حتى هذا التاريخ.‏
كما يقوم الباحث هنا في السبر التاريخي التطوري للديانات الهندية ورموزها , ثم تأثير ديانة»البراهمة» على التركيبة الاجتماعية وآلية عملها, مثلما يشير إلى تأثير الوجود الاجتماعي ذاته على تطور الديانات الهندية نفسها وأسسها العقائدية والأخلاقية .‏
في الاتجاه ذاته المتعلق بالديانات الهندية, يتناول الباحث «الدرويش» الديانة (البوذية ), وهي الديانة الثانية في الهند بعد البراهمية, حيث قام في تناول أهم مضامينها وهي الوصايا العشرة .‏
كما أشار إلى الحقائق الدينية الأربعة مع طرق إتباعها لتحقيق الرياضة النفسية التي يريدها بوذا, وهي المتمثلة في إتباع الخط المستقيم في الحياة الذي يعني, الخير والمحبة وكبح جماح الشهوات وهجر الذات وطلب العلم.‏
ثانياً- الأخلاق في الفلسفة الصينية:‏
تعتبر «الديانة الكونفوشيوسية» من الديانات التي تمسك بها الصينيون والتزموها بعد أن كانوا يعبدون السماء والأسلاف ويقدسونهم. أما قانونهم الأخلاقي الذي قام في الكثير من معطياته على الديانة الكونفوشيوسية فله موقع خاص لدى الصينيين, وهذا ما أكد عليه الباحث معتمداً على مقولة لفولتير يقول فيها: (إن خير ما يعرفه الصينيون وأكثر ما يقدسونه في نفوس أبنائهم , وما بلغوا به ذروة الكمال, هو قانونهم الأخلاقي.) .‏
أما أهم ما يميز الديانة الكونفوشيوسية فهو إيمانها بعدم ثبات الحياة الإنسانية, فالأشياء دائماً في حالة حركة . يقول كنفوشيوس: ( إن كل شيء يجري كما تجري هذه الحياة, لا شيء يتوقف, لا النهار ولا الليل, من لا يعرف إرادة السماء لا يصبح حكيماً. ).‏
لقد كان «كونفوشيوس» مغرماً كما يقول الباحث بالسعي لتحقيق المدينة الفاضلة, وهي المدينة المثالية الملتزمة بحدود الواقع الممكن التحقق والتطبيق, وليست المدينة الحلم.‏
عموما, لقد ظلت الأخلاق الكونفوشيوسية كم يرى الباحث مستقاة من الواقع والممارسة, أي من واقع الحياة اليومية المباشرة. وفلسفته الخلقية تتجه إلى تأسيس إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع على كل ما هو مستقيم وفاضل وعادل وجميل.‏
هذا وتعتبر تعاليم «لا وتسي» عند الباحث قريبة في خطوطها العريضة من الفلسفة :الكونفوشسوسية» . فهي تعاليم تجمع بين الأدب والفن والأسطورة, غير أن النص التاوي يظل مشحوناً بالتجريد الهائل, والإشارات الرمزية الغامضة, الأمر الذي جعل فقرات كثيرة من تعاليمها تتحول إلى مدونات كهنوتية ...إلى تمائم وأحجية وطلاسم ذات طاقات خارقة.‏
يقول الباحث « الدرويش» : (إن التاوية ظهرت فكراً تأمل أسرار الطبيعة بحثاً عن أجواء تعيد إلى الإنسان قيمته الإنسانية وحريته في زمن ساده الاضطراب والقلق ) .‏
ثالثاً- الأخلاق في الفلسفة الفارسية :‏
يقول الباحث: لقد ساد بلاد فارس مبادئ وتعاليم زرادشت, وهي مبادئ وتعاليم تقر بأن الحياة صراع دائم بين الخير والشر, وأن هناك قوى خارقة هي التي تمنح إرادات الناس هذه المبادئ . غير أن الهدف من هذه المبادئ في المحصلة, هو دعوة الناس للبحث عن سعادة النفس المتصلة بالكون, وعلى الزرادشتي أن يعمل ويجاهد في سبيل سعادة تلك النفس. أي عليه أن يتمثل ما يدعو إليه إله الخير « أهور بازدا».‏
أما أعظم الفضائل الأخلاقية في هذه التعاليم, فهي التقوى, وبعدها الشرف والأمانة قولاً وعملاً. هذا إضافة إلى تحلي الفرد منذ القدم بمجموعة سجايا مثل, الود والتسامح والكرم والصراحة واحترام الآخر.‏
كما يؤكد «الدرويش» إلى أن الفرس لم تقتصر نظرتهم الأخلاقية إلى الحياة , بل تتعداها إلى يوم الحساب, أي ما بعد الموت. فالزردشتية تعترف بيوم الحساب, إلا أنها تجعل في يد نبيها تقرير مصير الأخطاء البشرية.‏
رابعاً- فلسفة الأخلاق في الشرق القديم :‏
يقول الباحث : إن الشرق العربي القديم لم يكن بعيداً عن فلسفات وقيم وأخلاق الحضارات الشرقية المتاخمة له. بل استطاع أن يشكل محورها في الشرق عموماً, حيث كان للشعوب العربية القديمة التي سكنت ردحاً طويلاً من الزمن على ضفاف الأنهار, الدور الكبير والفاعل في ترسيخ وبلورة الكثير من القيم الأخلاقية المتعلقة بالحياة اليومية لتلك الشعوب.‏
فحضارة وادي الرافدين كانت برأي الباحث قد أنتجت (آلهة) لامست مصالح شعوبها في الزراعة والحرفة والحب والحرب وعناصر الطبيعة في ثورتها أو عطائها, وهذا ما يتوافق مع حضارة البابليين والسومريين والأكاديين والآشوريين والفينيقيين والآراميين والمصريين .. الخ .‏
خامساً : الأخلاق في الفلسفة العربية الإسلامية:‏
يشير الباحث «عيد الدرويش» إلى أن جزيرة العرب ممثلة بسكانها العرب, لم تكن في الحقيقة معزولة عن غيرها من الحضارات , فوجود الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية) أو الديانات الوضعية كالصابئة والأحناف وغيرهما, هو دليل على أن الجزيرة العربية تأثرت بكل أشكال الديانات السائدة قبل نزول الدعوة الإسلامية, والعرب, بالرجوع إلى تاريخهم, يتبين لنا أنهم قد مارسوا الكثير من القيم الأخلاقية الفضيلة, وهذا ما جعل الرسول الكريم يؤكد على أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق. هذا مع تأكيد الباحث على أن عرب الجزيرة لم يكن لديهم فلاسفة كبقية الشعوب أو الحضارات الأخرى, كما هو الحال عند اليونان والرومان.‏
مع مجيء الإسلام, أصبحت مسألة التركيز على الأخلاق الحميدة قولاً وفعلاً محط انطلاقة للقيم السامية والأخلاق الفاضلة ليس للعرب فحسب بل وللعالم.‏
في سياق الأخلاق الإسلامية يقف الباحث كثيراً عند مفهوم الأخلاق كما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة, وهي أخلاق ركزت كثيراً على الفضائل والآداب مثل, الأمانة والصدق واحترام إنسانية الإنسان والاستقامة والعمل ومساعدة الآخر.‏
سادساً- الأخلاق لدى الفلاسفة المسلمين:‏
يقف الباحث مطولاً عند الأخلاق لدى الفلاسفة المسلمين مثل : ابن مسكويه, والغزالي, والفارابي, والكندي وبن خلدون, وبن سينا. وهي أخلاق لم تخرج في حقيقتها عن روح الأخلاق الإسلامية, وإنما أضافوا إليها الكثير من الفضائل والقيم التي فرضتها طبيعة تطور الحياة الاجتماعية والعلوم الإنسانية والطبيعية, حيث كان لمواقفهم الفلسفية رؤى جديدة أدخلوا فيها (العقل- وحرية الإرادة -والإنسان - والذوق - والجمال... الخ .‏
في المحور أو العنوان الأخير من كتابه يقف الباحث أمام مسألة على درجة عالية من الأهمية, وهي مسألة الأخلاق بين الدين والآيديولوجيا, حيث يقوم بداية بتعريف كل من الدين والآيديولوجيا, حيث جاء تعريف الدين عنده في شقه الوضعي, على انه: ( شكل من أشكال الوعي الاجتماعي بمجموع القوى والقوانين التي تتحكم بالحياة الاجتماعية والطبيعية المسيطرة على الإنسان.‏
أما بالنسبة للدين السماوي, فقد عرفه بأنه مجموعة من القواعد والأوامر والنواهي الإلهية التي جاءت عبر الأنبياء والرسل, والتي تعمل على ربط الإنسان بربه ورسم أشكال العبادات, ثم علاقة الإنسان بما يحيط به, وحدود مسؤوليته ومسؤولية الآخرين, إضافة إلى القوى الخلقية والتربوية. ) .‏
أما الآيديولوجيا: فقد عرفها الباحث بأنها مجموعة من الأفكار والمبادئ والنظريات السياسية والاجتماعية والأخلاقية والجمالية والفلسفية التي تتحدد بدورها بمستوى طبيعة الوعي الذي وصل إليه المجتمع في مرحلة تاريخية محددة.‏
وفي حديثه عن طبيعة العلاقة بين الدين والآيديولوجيا, أشار الباحث إلى اعتبار الأخلاق تشكل معياراً ناظماً, سواء للدين أم الآيديولوجيا, كما أن ديمومة كل منهما تتحدد عندما يتعلق الأمر بالهدف والغاية.‏
هذا وتتباين خطواتهما بالوسيلة, مع احتساب عامل الزمان والمكان. ثم يتابع الباحث تحديده لطبيعة العلاقة حيث يقول : إن الدين هو الآيديولوجيا للأمم السالفة. أما الآيديولوجيا, فهي دين الأمم المعاصرة .‏
الكتاب من الحجم الكبير. يقع في /180/ صفحة. إصدار دار أنانا للطباعة والنشر . دمشق . ركن الدين . سنة النشر /2009/ .‏







التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس