الفشل الدراسي وأساليب التقويم التربوي |
إن ما يزيد من خطورة الأسباب المدرسية للفشل الدراسي والتي أشرنا إليها سريعا، هو ما نسميه بالطبوع المحبطة التي تميز المدرسة و النظام التعليمي عموما والتي يمكن أن تشكل عوامل مستقلة بذاتها ،طبوع يمكن تلخيصها كما يلي:
الطابع الهيكلي - التنظيمي للمدرسة .
الطابع الفصولي التتابعي .
الطابع الجمعي للتدريس .
الطابع الاختباري . 1- الطابع الهيكلي- التنظيمي للمدرسة . ما أن يلج الطفل المدرسة إلا و تتغير الأمور و يتبدل العالم من حوله و تبدأ المشاكل و التعقيدات ، فيبدأ التلميذ في فقدان التلقائية و الحرية التي كانت تميز حياته السابقة ( أي حياته قبل التحاقه بالمدرسة ) ، فيدخل في دوامة من الإلزام و الخوف و ربما الهلع ، أمام هذا الطابع الهيكلي التنظيمي و الجامد الذي يميز الحياة الدراسية : المقررات ، الأوامر و النواهي ، التوجيهات ، الانتظام في صفوف ، الجلوس بهدوء و الامتناع عن الكلام ( و ربما عن الحركة ) لفترات طويلة و الانتباه إلى ما يقوله المدرس و ما يفعله و الالتزام بالوقت و انتظار الجرس ، و إنجاز التمارين و الواجبات و الانخراط في منافسة شرسة مع الزملاء للحصول على النقاط العالية و المراتب الأولى ، و الإعداد للامتحانات و تجنب إهانة السقوط و البحث عن عزة النجاح ... فيدخل بالتالي في إطار يحدث له نوعا من الصدمة النفسية/الثقافية ، تجعله يتعلم بنوع من الضغط و الإكراه بدلا من الرغبة التلقائية و الإقبال العفوي على التحصيل و التثقيف الذاتي . فتصير المعادلة ( أو العملة ) السائدة في إطار هذا الطابع الهيكلي للتعليم ، هي : " في المدرسة لا يمكن لأي واحد أن يتعلم أي شيء مع أي كان و في أي وقت يشاء و بأية طريقة تحلو له ". فلا بد لمن يريد أن يتعلم، أن تتوفر فيه الشروط ( السن و مكان الازدياد ... ) و أن يتعلم محتويات مقررة في المنهاج الرسمي العام و المشترك بين جميع المؤسسات و أن يتعلم مع مجموعة من التلاميذ المصنفين بناء على اللوائح التنظيمية المعمول بها ، و في أوقات محددة في استعمالات الزمن و بالطرق التي تفرضها التقاليد التدريسية السائدة في مدرسته و بين مدرسيه . فلا يمكن للفرد أن يتعلم إلا في إطار هذا النظام التعليمي المهيكل والصارم من طرف الراشدين ، و فقط عندما تكون الأهداف محددة و بحضور مدرس مهيأ للقيام بالتعليم و في إطار مواد و حصص و توزيع زمن مبيت سلفا . 2 - الطابع الفصولي التتابعي : الخاصية الثانية التي تميز الأنظمة المدرسية بشكل عام ، هي الخاصية الفصولية و التعاقبية . و مؤداها أن المقررات تبنى في العادة على أساس التعاقب و التتالي ، أي على أساس أن المادة الواحدة من المقرر تقسيم و تجزأ إلى مجموعة من الدروس و الوحدات و داخل كل درس أو كل وحدة دراسية هناك مواضيع تكون عبارة عن حلقات متسلسلة يؤدي الواحد منها إلى الآخر بالضرورة . فمثلا في الحساب لا يمكننا أن نتعلم القسمة قبل تعلم الضرب و لا يمكن أن نفهم و نتعلم الضرب قبل تعلم عمليات الجمع و الطرح ، كما لا يمكن اكتساب هذه العمليات دون اكتساب مفاهيم العدد و الزائد و الناقص ... و هذا المثال ينطبق مبدئيا على اللغة و على بقية المواد الأخرى العلمية منها أو التقنية أو الأدبية .
و نتيجة لهذه الطبيعة التعاقبية و المتمثلة في ارتباط المواضيع داخل الدرس الواحد و بنائها بشكل متسلسل ، لا يكون أمام التلميذ من خيار سوى النجاح ، فليس أمامه من حل آخر . ذلك أن فشله في اكتساب الوحدة الأولى ، ينتج عنه بالضرورة فشل في اكتساب الوحدة الثانية ، ما دامت هذه الوحدة مبنية على السابقة و لا يمكن فهمها و تحصيلها ما دمنا لم نحصل بشكل ملائم الوحدة الأولى و هكذا . فإذا لم يستوعب التلميذ في مثالنا السابق ، عمليات الجمع و الطرح فسيصعب عليه استيعاب الضرب و سيصعب عليه تعلم الوحدة التالية و هي القسمة .
و هكذا فان ما يحدث من تعثر بسبب الطبيعة الفصولية و التعاقبية للمواد الدراسية ، قد يؤدي إلى تأصل " ميكانيزم الفشل " لدى التلاميذ المتعثرين ، و القاعدة تقول : " إن الفشل يولد الفشل " ، كما بينت العديد من الدراسات أن " النجاح يولد النجاح " ، و لو كان النجاح كاذبا أو جزئيا و صغيرا فانه في حد ذاته محفز على التقدم و التفوق ، في حين أنه و بمجرد ما يبدأ الفشل في الظهور كسمة في سلوك الطفل ، إلا و تنتج عنه مشاعر الخوف و القلق الأمر الذي قد أن يؤدي إلى تسرب ميكانيزم الفشل و الشعور بالعجز و فقدان الثقة في النفس . . 3- الطابع الجمعي للتدريس : النظام التعليمي السائد حاليا في جميع الأقطار ، هو النظام الذي يغلب عليه أسلوب التعليم الجمعي . و الذي يقضي تجميع أعداد من التلاميذ في قسم واحد بناء على معايير معينة ، حيث يستفيدون بشكل جماعي و في نفس الوقت من نفس التعليم و من نفس المنهاج الدراسي .
و لكن و أمام انتشار التعليم و دمقرطته و السعي نحو الاقتصاد ( اقتصاد في الوقت و الجهد و الإمكانيات ) و ازدياد الإلحاح على تعميم التعليم و الذي لم يبق حكرا على فئة اجتماعية دون أخرى و خاصة على فئة النخبة و التي كان بإمكانها توفير معلمين خصوصيين لأطفالها و توفير الظروف الملائمة لتعليمهم ... أمام كل ذلك تضاعفت أعداد التلاميذ الطالبين للتعليم ، فأصبح من المستحيل اليوم ، اللجوء إلى التعليم الفردي كما كان يمارس في الماضي . لقد أصبح المدرس اليوم يجد نفسه و في إطار التعليم الجمعي ، أمام 30 وربما 40 تلميذا أو أكثر ، فكيف يواجههم و بأي أسلوب سيتعامل مع خصوصياتهم وفروقهم الفردية ، فكيف سيكون تعليمه في هذه الحالة ؟ إن المدرس في هذه الحالة يتعامل مع كل هؤلاء و يوجه خطابه إليهم في نفس الوقت و بشكل جماعي ، يفعل ذلك كما لو كان أمام تلميذ افتراضي واحد . على أننا نلاحظ أن أفضل المعلمين و أكثرهم التزاما ، يجاهد في أن يتموضع خطابه و نشاطه التعليمي بشكل عام ، في الوسط ، بحيث يسير بإيقاع و سرعة من يفترض أنهم متوسطون ، بناء على كون معظم التلاميذ و انطلاقا من التوزيع الطبيعي للبشر ( أي التوزيع الذي يتخذ شكل الجرس ) ، يوجدون في الوسط . و لكن هذا الموقف الشائع كثيرا ما يكون على حساب الطرفين أي على حساب الضعاف و الأقوياء على حد سواء . 4 - الطابع الاختباري : لعل من أهم الانتقادات التي توجه للأساليب القديمة في التقويم و بالتالي للطابع الاختباري للأنظمة التعليمية ، هو إيلاؤها الامتحانات أهمية كبيرة ، بحيث ينظر الجميع إلى الامتحان كغاية في حد ذاته و ليس كوسيلة للكشف و التشخيص و التطوير ... و هكذا ففي نظام التقويم المعتمد ، نجد سيادة أسلوب الاختبارات و الامتحانات . إن التقويم بشكل عام ، يلجأ إلى طريقة و حيدة و هي الامتحان ، كتابيا كان أم شفاهيا ، لمعرفة مدى ما حفظه التلاميذ .و"عند الامتحان يعز المرء أو يهان".
و لا يستعمل التقويم كأداة لإعادة النظر في العملية التعليمية و تصحيح مسارها . كذلك فان الامتحانات و ما سيحصل عليه التلميذ من نتائج في نهاية السنة و ربما من مكافآت ، تشكل العنصر الأساسي في أسلوب التحفيز أي في دفع و إثارة همة التلميذ و تحفيزه للتحصيل و الجد في طلب العلم . و الكل يعلم ما يترتب عن ذلك من ظواهر سلبية تزيد في تعميق مشاعر الفشل و الإحباط ، و في مقدمتها الخوف و الهلع من الامتحان و الاضطراب في الأداء في إطار المناخ القاسي الذي تمر فيه الامتحانات و بالتالي تعثر أعداد غير قليلة من التلاميذ ، بحيث لا يكشف الامتحان في نهاية المطاف ، عن مستوى تحصيلهم الحقيقي ، ذلك المستوى الذي كان سيكون مغايرا بكل تأكيد ، لو كانوا في وضعية مريحة لأداء الواجبات و التمارين ...
و قد تنتشر بارتباط مع ذلك ، ظواهر لا تربوية مفسدة ، مثل لجوء التلاميذ إلى الخداع أثناء إنجاز الواجبات أو إلى بعض السلوكات المشينة و العدوانية تجاه المدرسة و المدرسين . و من الإفرازات الخطيرة لهذا الطابع الاختباري للتعليم ، انتشار ظاهرة الغش المتمثلة في لجوء العديد من التلاميذ إلى أساليب ملتوية و غير أخلاقية لمواجهة ضغوط الامتحانات . يتبع
| آخر تعديل صانعة النهضة يوم 2014-09-19 في 15:55. |