عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-11-26, 20:57 رقم المشاركة : 22
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مواضيع تربوية جد مهمة


اللعب والتقليد

ينهمك الطفل في اللعب - خلال السنة الأولى من عمره - انهماكاً يأخذ عليه وقته كله ، ويشغف باللعب من دون دمى حقيقة بين يديه ، والحق أن اللعب لدى الطفل يتمثل في استعمال الأشياء وتخيلها ، وترتبط الألعاب الأولى للطفل بِمُتَع عملية معيَّنة ، كالإمساك بالأشياء وتحريكها ، وما إلى ذلك .
ويلاحظ أيضاً أن الطفل يجد متعة خالصة في إكمال حركة لم يكن قادراً على إكمالها من قبل ، وهذا ما يثير في نفسه استجابة ممتعة تحفزه على إنجاز حركات متقدِّمة ، وإن مما يثير الطفل ويمتعه - كما سبق أن ذكرنا - أن يكون هو مسبِّباً لشيء معين ، كأن يشد حبلاً مثلاً فيؤدِّي ذلك إلى تحريك دمية أو إخراج صوت منها .
والطفل يميل إلى هذه الألعاب ميلاً نفسياً ، فيشعر إذ ذاك باستقلاله وابتعاده عن أعماله السابقة ، ولهذا فإن الدمى التي تثير الطفل - كالأشياء التي يسهل ضغطها ، أو يلذ لمسها أو تذوقها أو الاستماع إليها أو مجرَّد النظر إليها - تسهم في التطوُّر الفكري والاجتماعي للطفل ، فعن طريق اللعب يتصل الطفل بالعالم .
وفي حقيقة الأمر أنَّ الألعاب هي رياضة الحياة التي لا تُضاهى ، وهي تمثل اللقاء الأول للطفل مع جسمه وبيئته ، وعن طريق اللعب يشرع الطفل في إدراك العلاقات بين الأشياء ، أو بين الفضاء وبين تنسيقه العضلي ، وهكذا يبدأ يدرك بصورة خاصة أنه يستطيع أن يعدِّل بيئته بأفعاله ، ثم إن مجرَّد استعمال الأطفال الصغار جداً للأشياء القريبة منهم يشكل منبِّها حسِّياً بالغ الأهمية ، وهذا ما يوفر للطفل طريقاً ملموساً ممتعاً نحو تجارب جديدة تُعدُّ جوهرية فيما يتعلَّق بنموه .


أما التغيرات التي تطرأ على الطفل في الشهر السابع أو الثامن تقريباً فهي تتيح للأم أن ترى طفلها قد بدأ يلهو بالأصوات ، فإنه شرع فعلاً باللغو لنفسه ، وبتقليد الأصوات البسيطة الموجَّهة إليه ، وأما التطور اللفظي فإنه يرتبط باهتمام بالغ لدى الطفل في الدمى التي تخرج أصواتاً أو موسيقى ، ولذلك ينبغي أن ترضي الدمى في هذه المرحلة تلك القدرات الجديدة المتطوِّرة لدى الطفل .
ولا بأس في استباق هذه الحاجات بوضع دمى معيَّنة أمام الطفل ، كساعة ذات عصفور ، أو حيوانات ، أو صناديق تحتوي في داخلها على دمى متحركة ، أو أجراس أو دمى تصدر أصواتاً ، وبين الشهرين الثامن والتاسع يستطيع الطفل الجلوس وحده منتصباً في فراشه ، ويرى البيئة المحيطة به من زاوية مميَّزة شديدة الاختلاف ، ويتَّسع مدى رؤيته إلى حدٍّ كبير ، ويتمكن إذ ذاك من تحريك نفسه بمزيد من السهولة ، ومن استعمال الأشياء المحيطة به .
ولا تقتصر حركاته على الإمساك بالأشياء بل على رميها وتكديسها ، ويمثل ذلك كله تطوراً في ذكائه يوماً تلو يوم ، فالدُّمى التي تتحرَّك تلقائيّاً مثلاً ، والألعاب ذات العجلات ، والقطارات والسيارات الصغيرة ، وغير ذلك تعدُّ ذات نفع كبير للطفل ، بعد أن تعلَّم الزحف على أطرافه الأربعة .
والحق أن الطفل يحب أن يَجرَّ ألعابه المفضلة حيثما يزحف ، وذلك في محاولاته الأولى للتحرك مستقلاً عن الآخرين ، ولكن ينبغي للأم أن تحذِّر من وضع دُمى كبيرة حوله ، فالطفل لا يزال يحتاج إلى أن يسند نفسه بإحدى يديه على الأقل ، وعندما يصبح الطفل قادراً على المشي تتَّخذ الدمى طابعاً مختلفاً بالنسبة إليه ، ففي هذه المرحلة يصبح الطفل قادراً على أن يصل إلى الأشياء الجديدة ويرفعها عن الأرض ، وفي هذه المرحلة أيضاً يكون قد برع في استعمال يديه على وجه معيَّن .
وتنشأ لديه رغبة قويَّة للاستكشاف باستعمال جسمه ، وتتمثل في تسلُّق كل شيء ، ومحاولة الوصول إلى كل ركن من أركان البيت ، وبذل كل ما في وسعه للهرب من حظيرته النقالة ، وهذه المرحلة بالغة الأهميَّة في حياة الطفل ، فهي تزوِّده بالوسائل اللازمة من أجل تطوُّره العقلي ، وتمكنه كذلك من تنمية ثقته بذاته ، تلك الثقة المؤسسة على شعوره باستقلاله .
فالطفل يحتاج إلى اللعب ، وإلى تدريب عضلاته ، وبناء الثقة في ذاته ، ولكنه يحتاج في الوقت نفسه إلى بيئة سليمة ، فيها شخص كبير يكون دائماً إلى جانب الطفل ، ضماناً لحمايته ، من دون هيمنة عليه ، ولذلك على الأم ألاَّ تدع القلق يستبد بها إذا رأت طفلها يكثر سقوطه خلال شروعه في السير ، ولعلَّ من الأجدى أن تسعى الأم إلى الإقلال من عدد سقطاته بدلاً من أن تهرع إلى مواساته ، والدمى المتوافرة ، وهذا من سوء الحظ لا تقدِّم المتعة البالغة للأطفال الذين شرعوا بالمشي لِتَوِّهِم .
وفي الحقيقة أن الطفل يُحبُّ التجوال والاستكشاف ، لذلك ينبغي للأبوين إيجاد الألعاب لطفلهما ، كما ينبغي لهما إرضاء هذه الحاجات لدى طفلهما ، فهي ضرورية للطفل الذي تجاوز السنة الأولى من العمر ، ولا بأس في أن تشرع الأم في إنشاء مَمَرَّات ومنحدرات محميَّة بالوسادات أو المواد الليِّنة ، كالبطانيات أو الأثاث الصلب المكسو بالمواد اللَّيِّنة لتخفيف وطأة الصدمات أو السقوط .
ولا بأس كذلك في أن توفِّر الأم لطفلها علباً من الورق المقوَّى ، حتى تتيح له الفرصة لإنشاء فراغات جديدة ، أمَّا الدمى التي تجذب انتباه الأطفال الأكثر نضجاً وذكاء فهي التي يمكن تركيبها أو تجميعها ، فالطفل يفرغ من عملية الاستكشاف ليرضي غريزة أخرى لديه ، وهي عملية الابتكار .
ولعلَّ من الأفضل أن تختار الأم لطفلها لعباً على شكل عمارات تركب الواحدة فوق الأخرى ، أو يدمج بعضها في بعض ، أو دمى مؤلَّفة من أجزاء بسيطة قابلة للفكِّ والتركيب ، وينبغي للأبوين اختيار هذه اللُّعَب ملائمة لسنِّ طفلهما ، لئلاَّ يهجرها ويتركها من دون استعمال إذا كانت فوق مستواه العقلي .
كما ينبغي للأبوين اختيار لعب طفلهما بِحُريَّة دون ما إصغاء إلى نصائح الآخرين ، أو التأثر بالدعاية المرافقة للُّعَب ، ومع الزمن يمكن اختيار لعب أكثر تعقيداً تثير القدرات الحركية النفسيَّة لدى الطفل ، وتوقظ فضوله .


ولعل من المستحسن أيضاً إرضاء جانب آخر من جوانب الإبداع لدى الطفل ، بتقديم ورق وألوان وأقلام وعجين ، ومن الطبيعي أن تختار الأم لطفلها أصباغاً مأمونة لا أثر للسّم فيها ، كما ينبغي لها أن تراقبه وتعلِّمه استخدامها .
وبعد ذلك يشرع الطفل بالاستجابة المناسبة لما يقدَّم إليه من منبِّهات ، ويبدأ ذكاؤه بالتطوُّر والنمو عن طريق الألعاب المختلفة ، ومن الممكن أن ترصد الأم تقدُّم طفلها رصداً مباشراً عن طريق اللعب ، ومن جهة أخرى فإن تقليد الكبار يُعدُّ أمراً أساسياً في تطوُّر الطفل .
وأول دليل على التقليد يتمثَّل في ألعابه الأولى ، ففي أثناء اللعب يستخدم الطفل حواسَّه ، وينسق بين عضلاته وحركاته ، ويشحذ قدراته العقلية كلها ، ويزيد خياله وقدرته على التكيُّف الاجتماعي ، ويبدأ الطفل في الشهر الثامن عشر بممارسة الألعاب الرمزيَّة التي تعتمد على موقف معيَّن يكون أساساً لها ، وتعتمد الألعاب الرمزية الأولى على تقليد إشارات الكبار وسلوكهم ، ولكن يستعاض فيها عن الأشياء الحقيقية بأشياء وهميَّة .
-*******************************-






    رد مع اقتباس