الموضوع: ما الفلسفة ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-10-09, 00:17 رقم المشاركة : 1
rachid obra
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية rachid obra

 

إحصائية العضو







rachid obra غير متواجد حالياً


cour ما الفلسفة ؟


من المشروع بالنسبة إلينا أن نطرح مشكل ماهية الفلسفة، بما أن الفلسفة معرفة بالمفاهيم مثلما اقر ذلك يورغن هابرماس و من بعده جيل دولوز. أما إذا أضفنا إلى ذلك الاختلافات الكبيرة التي وقع فيها الفلاسفة عندما أجابوا عن سؤال " ما الفلسفة؟ " نتبين أهمية هذا المبحث بالنسبة للفلسفة ذاتها. و هايدغر يقدم لنا مقاربة متميزة لهذه المسألة، إذ يتناولها من زاوية نقدية. فسؤال " ما الفلسفة؟ " بالنسبة إليه هو سؤال سيئ الطرح لأنّه لا يمكننا من تقديم إجابة شرعية. ذلك أن الإجابة الشرعيّة تقتضي الدخول في الفلسفة و مساكنتها أي ممارسة التفكير الفلسفي. و من هذا المنطلق ينقد هايدغر المنهج التاريخي الذي يقوم على العود إلى تاريخ الفلسفة لرصد تعريفات الفلاسفة بغية صهرها في تعريف واحد، و هو ما لا يمكن تحقيقه نظرا لتعدد تعريفات الفلاسفة و اختلافها إلى درجة التناقض. ثم نحن نعرف إن التعريف يقتضي تحديد ما هو ثابت في المُعرَّف، أي خصائصه الجوهرية لا تحديد ما هو متغير فيه، ما هو متغير في الفلسفة هو أطروحات الفلاسفة و مقارباتهم للمسائل و مناهجهم و مواضيعهم...، لكن الثابت أن الفلاسفة على اختلافاتهم هذه يتفلسفون.
. وهكذا فإن مساكنة الفلسفة تقتضي حسب هايدغر التساؤل عن التفلسف لا عن الفلسفة، خاصة و أننا لا نعثر على الفلسفة في تاريخها وإنما على الفلسفات وهو ما يتبناه سارتر أيضا عندما أقر بأن " الفلسفة لا وجود لها بأي صورة تفحصناها، فهذا الظل للعلم، أو هذا الوجه الخفي للإنسانية ليس إلاّ تجريدا أقنوميا ".
لكن يجب أن ننتبه إلى كون هايدغر ينقد المنهج التاريخي في تحديد الفلسفة لا تاريخ الفلسفة ذاته، الذي يعتبره ضروريا للتفلسف إذ يمكننا من تحصيل ثقافة فلسفية. و بما أن تاريخ الفلسفة ضروري للتفلسف فإنه من اللازم بالنسبة لنا أن نعاين الطريقة التي تناولت بها الأنساق الفلسفية مسألة الفلسفة حتى نتحسس نتوءات هذا المجهول الذي دعانا هايدغر للدخول فيه.
أوّل ما يجب تحسسه من نتوءات هذا المجهول هو مصادره، أي منابعه وأصوله التي تدفع إليه دون انقطاع. و أرسطو يقدم الدهشة باعتبارها أحد هذه الأصول الهامة. و الدهشة لا كانفعال و رد فعل آلي تجاه حدث لم نعتده أو شيء يفاجئنا، بل الدهشة كعلامة للوعي بالجهل، فعندما أندهش أعترف بجهلي و أعي به،و عن هذا الوعي بالجهل ينتج السعي لتجاوز الجهل و بالتالي التساؤل الذي يحملنا على البحث في مبادئ الأشياء التي تثير دهشتنا، لذلك كانت الفلسفة عند أرسطو " معرفة بالعلل و المبادئ الأولى".
ذلك أيضا ما ذهب إليه أفلاطون، الذي يميز بين نوعين من الجهلة. جاهل يجهل جهله لأنّه يعتقد أنّه يعرف فلا يسعى إلى تحصيل المعرفة، و جاهل يعي أنّه جاهل وهو الفيلسوف. و على هذا الأساس يرى أفلاطون أن الوعي بالجهل يجب أن يكون مدعوما برغبة الحقيقة، ذلك هو حال سجين الكهف الذي تحرر بملاقاة الغيرية من أوهامه، فتبين أن الظلال التي كان يدركها في الكهف ليست إلاّ انعكاسا للمحسوسات التي لا تمثل الوجود الحقيقي و إنما هي ذاتها انعكاس للمثل، تلك الماهيات الذهنية المجردة التي هي الوجود في ذاته والتي تمثل الموضوع الحقيقي للفلسفة، و من هذا المنطلق المثالي حدّد أفلاطون الفلسفة بما هي " تدرب على الموت " أي سعيا لتجاوز المحسوس نحو المعقول.
غير أن إبكتات يرى على خلاف ذلك بأن مصدر الفلسفة هو الوعي بالتناقض و النزاع الذي " يقذف البشر وجها لوجه ". فدافع التفلسف هو الوعي بالتناقض و حاجة الإنسان لتجاوزه عبر التفكير في أسبابه. أسباب يختزلها إبكتات في الظن، أي رأي شخصي ذو مظهر مزدوج : فهو معرفة غير شرعيّة، لأنّها ليست ناتجة عن تفكير، تتقدم زورا و بهتانا في شكل يقين. لذلك فإن الوظيفة الأولى للفلسفة تتمثل في فضح الظنون و التشنيع بها. لذلك يجب إنتاج معيار يمكننا من الحكم على الآراء و التمييز بين الصادق و الكاذب منها.
الفيلسوف مسكون، إذن، بهاجس الحقيقة. لذلك يمكن أن نقول بأن البحث عن الحقيقة يمثل أحد المصادر الأصيلة للتفكير الفلسفي. لكن كيف لنا أن نبلغ الحقيقة و قد تلقينا منذ نعومة أظافرنا مجموعة من الآراء و الظنون تدعمها العادة و التقاليد؟ ما هي الآليات التي تساعد الفيلسوف على التماسه للحقيقة؟
لقد قال لنا أرسطو أن الدهشة هي بداية الفلسفة، لكن عندما نندهش و نسعى لمعرفة الأشياء، يكون العالم الخارجي قد أخذنا بسحره، فنعتقد أنه موطن الحقيقة و ننسى ذواتنا، ذلك ما تفطّن إليه ديكارت عندما اعتبر العودة على الذات مصدر كلّ يقين. لذلك لا بدّ من مراجعة المعارف التي ورثناها و تلقيناها بطريقة سلبيّة. و من هذا المنطلق مارس ديكارت الشك كمنهج لبلوغ اليقين، ذلك أن الشك هو أحد المقومات الأساسية للقول الفلسفي.
و الفلسفة كموطن للاختلاف و كمدافع عن حق الاختلاف، أبت إلاّ أن تجعل الفلاسفة يختلفون في مقاصد الشك و غاياته. فإذا كان ديكارت يسعى من خلال شكّه إلى تأسيس اليقين الذي ينبع من الشك ذاته كبداهة لا يطالها الشك، بداهة الكوجيتو الواضح و المتميز، فإن الريبيين (الشكاك) يئسوا من بلوغ الحقيقة، نظرا لاختلافات الفلاسفة و نظرا لعجزهم عن ترجيح طرف على آخر، فعلّقوا الحكم, و كانت بذلك غاية الشك عندهم ثلاثية : تحقيق الطمأنينة و الاعتدال في الضرورات و تعليق الحكم. لكن إذا كنا نثمن الموقف الريبي (الشكي) لمعاداته للدوغمائية و لكشفه عن أحد مقومات الخطاب الفلسفي، فإننا نعيب عليه لا أدريته لأن الشك الذي لا يؤسس معرفة يبقى فكرا خاويا من كل محتوى، فكرا صوريا لا يعبر إلاّ عن تعاسة الوعي وفق النقد الهيغلي.
وعندما يراجع الفيلسوف الأنساق السابقة عليه يسمى ذلك نقدا، فالخطاب الفلسفي يتحدد بالنقد و الفيلسوف يسعى دائما لبيان مكاسب و حدود كل موقف يراجعه، بل إن النقد يشمل العقل أيضا مثلما هو الشأن عند كانط. فكانط ينقد العقل قبليا، أي قبل المعرفة ذاتها، ليبين حدوده، إذ أن للعقل مفاهيمه التي ينتجها من ذاته، و هي مفاهيم قبلية تحدد شروط إمكان التجربة. لكن النقد عند كانط يعني كذلك التمييز بين مجالات المعرفة، فهذا التمييز ضروري لبناء معرفة متأصلة، و من هذا المنطلق يميز كانط بين الميتافيزيقا التي تتكفل بسؤال " ماذا يمكنني أن أعرف؟ "، و الأخلاق التي تجيب على سؤال " ماذا يجب عليّ أن أفعل؟ "، و الدين الذي موضوعه الأمل، و أخيرا الأنتروبولوجيا التي ترجع إليها كل المباحث السابقة بما أنها تبحث في الإنسان. و هذا يعني أن مشروع الفلسفة الكانطية يقوم على فهم الإنسان كمعرفة، كفعل و كوجدان. و لأنّ النقد هو ميزة القول الفلسفي يؤكد كانط على ضرورة نقد العقل لدعم قدراته. لذلك يقتضي النقد حركة ثانية تكمله و تضفي عليه أهمّيته الفلسفية هي حركة التأسيس. ذلك أن الفلسفة لا تنقد بغية الهدم و إنما تنقد لتؤسس، و هو ما يظهر بجلاء في جدلية العلاقة بين الأنساق الفلسفية، فآلية النقد و التأسيس تمكن الفلسفة من التطور و التواصل في التاريخ الذي تواكبه، إذ ما معنى الشك و النقد و التأسيس إذا لم يرتبط التفلسف بالتاريخ، أي بواقع الإنسان عبر مراحل تطوره.
لقد أعلن أفلاطون في الكتاب السابع من " الجمهورية " أن الفيلسوف مدعوّ لمساعدة العامة من الناس على التخلّص من جهلهم كلّفه ذلك ما كلّفه، و سقراط مارس هذا السلوك الفلسفي إلى حد قبول الموت من أجل تنوير شباب أثينا. فالفلسفة مهما كانت مثالية، ترتبط بالواقع، ذلك أن الفيلسوف هو ابن زمانه، مثلما علّمنا هيجل، و الفلسفة هي عصرها ملخّصا في الفكر، فهي عقلنة لما هو كائن، و هذه العقلنة تتحقق في سيرورة جدلية تتطابق مع الصيرورة ذاتها، إذ يتطابق الفكر مع التاريخ عند هيجل، و عليه فإن الفكر مدعو لتجاوز تعارضه مع التاريخ ليتحقق المطلق. فجدلية الفكر عند هيجل، هي جدلية يحركها التناقض، و كذلك شأن الصيرورة، و العقل مطالب بالالتحاق، في سيرورته، بسيرورة الصيرورة حتى يلتحم بذاته و يتجاوز اغترابه، ذلك أن الفلسفة لا تأتي إلاّ متأخرة مثل " بومة مينرفا "، إذ تأتي عندما يكتمل تطور الواقع لتعقلنه. و رغم النقد الذي يلاقيه هذا التصور الهيجلي لعلاقة الفلسفة بالواقع، باعتبار أن الفلسفة تبدو في هذا الشكل مجرّد تبرير للواقع، فإنه علينا أن ننظر على الأقل، إلى البعد الإيجابي الذي تفتح عليه، ذلك أن فهم الواقع هو شرط تغييره، ثم إن فلسفة هيجل بما هي فلسفة تطوّرية لا يمكن أن تكون مجرّد فلسفة محافظة تكرّس ما هو كائن و تبرره.
لعلّ التصور السارتري لعلاقة الفلسفة بالواقع يبرز بأكثر جلاء ثورية الفلسفة. إذ يرى سارتر أن الفلسفة تعبر عن حركية المجتمع في فترة ما، و تعبر عن وعي الطبقة الصاعدة بذاتها. فالديكارتية، مثلا، تعبر عن وعي الطبقة البورجوازية الصاعدة من الحقوقيين و التجار و أصحاب المعارف، بذاتها كقدرة على الفعل و الخلق، لأن هذه الطبقة لم ترث الثروة و لكن حققتها بمجهود خاص. و الذات الديكارتية بما هي ذات منتجة لليقين تعبر عن وعي هذه الطبقة البورجوازية بذاتها. و هذا يعني انه في كل مرحلة تاريخية تسيطر فلسفة ما تكون بالضرورة تعبيرا عن الواقع الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي في تلك الفترة، و من أجل ذلك يرى سارتر " أن الفلسفة تبقى حية طالما وجد براكسيس ". إلاّ أنّ تاريخ الفلسفة يعلّمنا أن المنهج يمسخ في عقيدة و الحكمة تفضح نفسها عندما يتحول الموقف إلى نظرية، أي يتحول إلى ريبية شقية في مستوى المعرفة و إحساس لا إنساني في مستوى الحياة و الفعل
.





    رد مع اقتباس