عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-04-12, 10:36 رقم المشاركة : 1
admin
الإدارة الأولـــى
 
الصورة الرمزية admin

 

إحصائية العضو








admin غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي الإنسان والثقافة


التعايش أم الصراع بين الثقافات والحضارات
لقد أضحى التسليم بالتعددية الثقافية الراهنة من لدن كافة المجتمعات بمثابة تحصيل حاصل. ومرد ذلك إلى عدة أسباب:
  1. أن القضايا التي كانت تحسب في دائرة الشأن الداخلي كقضايا حقوق الأقليات الثقافية والدينية.. أصبحت خارجية من صميم اهتمام الخارج.
  2. أن قضايا عالمية كالتنمية وحركة رؤوس الأموال تحولت إلى قضايا تهم الشأن المحلي لكونها مرتبطة ارتباطا كبيرا بالأمن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
  3. لم تعد السيادة مرتبطة بالقرار السياسي الداخلي، إذ أصبحت تتحكم فيها عوامل خارج الحدود الوطنية ضمن نظام عالمي له قوانين خاصة به.
  4. سيادة ديمقراطية تعدد الثقافات وإصرار مجموعة من المؤسسات الدولية على دفع الدولة إلى احترامها وإيجاد الآليات القانونية والمؤسساتية.
إن التعددية هي ظاهرة إنسانية تاريخية تعرفها كل المجتمعات بسبب اختلاف طبيعة ومصالح البشر، وهذه التعددية لها وجهان:
الأول، إيجابي حيث تصبح التعددية عامل قوة وتعمق التطور السياسي والاجتماعي، وبهذا المعنى يكون فهم التعددية في الدول المتقدمة.
والثاني، سلبي، حيث تصبح التعددية خطرا يهدد الدولة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وتفتح الباب أمام الأطماع الخارجية، وهذا هو التوجه السائد للتعددية في كثير من دول العالم الثالث التي تواجه مشكلات الاستقلال ومحاولات الاختراق الخارجي. ولهذا يمكن أن تكون التعددية عامل قوة كما يمكن أن تكون عامل ضعف وذلك حسب الصيغة السياسية المطروحة.
إن التعددية الثقافية إذن إما أن تكون:

  • تعددية عالمية.
  • تعددية داخل دولة تشمل عددا من الإثنيات والمناطق حسب تاريخها.
  • تعددية متعايشة مع ثقافة قوية.
  • تعددية ثقافية مفروضة نتيجة لظروف سياسية خاصة: هجرة جماعية مثلا.
  • تعددية ثقافية ناتجة عن متطلبات اقتصادية (حالة اليد العاملة المهاجرة من أجل كسب لقمة العيش بدولة أخرى)
  • تعددية ثقافية نتيجة لاختيار شخصي (سياحة مثلا أو استقرار في مناطق جديدة)
لهذا تتعدد الثقافات داخل المجتمع الواحد كما تتعدد في نطاق الحضارة الواحدة فتختلف، وتتمايز، مثلما تأتلف أو تتنافر وتتصارع وتتحد وتتنافس لكنها في تحاورها وتجاورها تخلق آليات تعايشها ومعايير التبادليه فيما بينها. غير أن ظاهرة العولمة الراهنة كشفت وتكشف وجود صراع للثقافات والحضارات.
إن للعولمة تاريخا محكوما بتحولات عميقة ترتبط برأسمالية القرن التاسع عشر. وإذا كانت فلسفة الأنوار دافعت عن كونية العقل والإنسان ومبدأ التقدم (كوندورسيه) فإن وضعية أوكوست كونت على الرغم من ثورتها الإبستمولوجية، قد بدأت ترتب أوراق فلسفة جديدة مبنية على فرض نموذج واحد للمعرفة والتطور وواضعة للتاريخ نهاية محددة متمثلة في الهيمنة البورجوازية. هذه الأدلجة الجديدة للفلسفة لصالح هيمنة محددة، شكلت منطلقا خطيرا على الصعيد المعرفي والتاريخي تمثل في وضع حد فاصل بين شعوب متقدمة، عقلانية، وأخرى بدائية ما زالت تعيش المرحلة الميتافيزيقية حسب نظرية المراحل الثلاث الشهيرة لدى كونت.
إن خطاب العولمة الآن يجد سنده الكبير في الأنثروبولوجيا الاستعمارية المتمركزة حول العرق وحول ثنائية شعوب بدائية/شعوب عقلانية متحضرة. كما أن فلسفة هيجل باتت تشكل المنطلق الأساسي لأغلب منظري العولمة، وذلك استنادا إلى أطروحة "نهاية التاريخ". فكونية المطلق الهيجلي سقطت بمجرد وضعه ذاك التمايز الشهير بين الغرب، العقلاني والحر، وما أسماه بالعالم الشرقي المؤسس على أرضية الاستبداد. وكان هذا الفيلسوف العظيم ممهدا لأخطر تصور استشراقي استفادت منه الكثير من النظريات الكليانية والعرقية ضدا على الجدل الهيجلي ذاته.
إن أطروحة نهاية التاريخ والعلاقة الدموية بين العبد والسيد والصدام الحضاري تشكل الخلفية الفلسفية لكل دعاة العولمة. وقد حاول صامويل هانتغتون أن يخفي العلاقة السببية بين نظام العولمة و ظهور أشكال صراع جديدة في البلدان التابعة رغم إقراره بأن "العالم معرض لأزمة هوية شاملة، حيث كل الشعوب والأمم تسعى للإجابة على السؤال: من نحن؟ ويجيبون بالرجوع إلى كل ما هو عزيز عليهم، أجدادهم، دينهم، لغتهم، تاريخهم، قيمهم، عاداتهم، مؤسساتهم، وبالتحامهم في جماعات ثقافية على شكل عشيرة، مجموعة إثنية، مجموعة دينية، أمة وأخيرا على شكل حضارة". لم يكن هذا المفكر سوى فاتحا لفهم غربي مؤسس على الرغبة في استغلال كل التمايزات العرقية والثقافية والدينية لصالح نظام العولمة وذاك بإذكاء الحروب الأهلية والتطاحن الديني وهو الأمر الذي يبين أن نظام العولمة يريد إقرار هيمنة مطلقة وفرض نمط أحادي الجانب في المعرفة والوجود وهو ما تسعى إليه بكل قوة الليبرالية المتوحشة. لقد بات من الواضح أن نظرية العولمة مازالت في حاجة إلى الوضع الأنثروبولوجي الذي تعيشه الشعوب التابعة، من أجل تأييد عملية الاستغلال والاستلاب، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة التفكير في كل إمكانيات التحرر بعيدا عن الخصوصية الضيقة التي لن تبرر إلا سيكولوجيا الخضوع والاضطهاد. فماذا إذن عن علاقة الخصوصية بالهوية الثقافية كمشروع ثقافي بديل يراد له أن يخترق إرادة خطاب العولمة في الهيمنة؟
إن المعارك الثقافية هي أعمق تجربة يمكن لمجتمع أن يخوضها من أجل تجاوز رواسب الماضي وأطر التقليد وآليات الاستلاب الفكري والهيمنة الإيديولوجية. إنها إرادة إحلال هيمنة محل هيمنة أخرى، لكن على أرضية التحرر. وهذا تشهده كل هوية ثقافية فاعلة ومتفاعلة مع الخاص والكوني. إن البعد الثقافي هو معيار أولي لتحديد طبيعة مجتمع ما. و في غياب هوية ثقافية يكرس المجتمع الاستلاب واللافاعلية. وإذا كان المنظور الثقافوي يدافع عن الثقافة كمنطلق وهدف وزاوية نظر، فإنه يغفل تداخل مجموعة عوامل في تدمير ثقافة ما أو نهوض هوية ثقافية. إن الثقافي ليس وحده مؤسسا للوجود، مما يعني أن مناقشة إشكالية الهوية الثقافية لا تبتعد عن طرح قضايا التحرر والتغيير الاجتماعيين والتنمية المستقلة. فمجتمع مركب لا ينحل إلا على أرضية المعارك الشاملة. وبالفعل تعطى الأولوية للجانب الثقافي لكن ليس في انفصلا عن المعارك السياسية والاقتصادية. فمجتمع تآكلت بنيته الاجتماعية والاقتصادية لن ينتج وعيا عقلانيا بالعالم، بل فقط تأجج المكبوت الديني كرفض لواقع استغلالي هيمني متصالح مع نظام العولمة لكن لا ينتج إلا ثقافة البؤس والحرمان. إن المعركة الثقافية لن تنجز إلا داخل سيرورة إنجازات اقتصادية وسياسية، وإلا سيتخرق المجتمع عنصران متضادان هما الأصولية الرافضة للعولمة والغرب والليبرالية في شكل لاعقلاني. ولن يكون التوفيق بين الأصولية والليبرالية في شكل ما يسمى بالوسطية هو المخرج، لأن ذلك سيعيد إنتاج نفس الماضي دون أدنى تلمس لمكمن الخلل وهو غياب مشروع اجتماعي متكامل وقواه الفاعلة.
إن العولمة هي معركة ثقافية و اقتصادية. فالبحث عن السوق لترويح البضائع لا يتم بمعزل عن تدمير الثقافات "المستضعفة"، كما أن استثمار الرأسمال المالي يرتبط بتوظيف الرأسمال الرمزي في اتجاه العصبية والطائفية والحجاج الديني. مما يؤكد أن الاختراق الثقافي لنظام العولمة لن ينفصل عن تحديد الموقع داخل المنظومة الاقتصادية الكونية. فالعولمة، إذن، لا يمكن اختزالها في الثقافة بل هي استراتيجية معرفية-اقتصادية وسياسية. إنها نسق يلفظ كل من هو دونه أو يبتلعه وفق معدل الربح. كما أن معرفة الهوية الثقافية ليس مجالها هو الثقافي فقط، بل حتى السياسية والاقتصاد. مما يعني أن الثقافي سيبقى لاحقا في الشروط الراهنة للمعرفة الاقتصادية. إذ أن تجدد الرأسمالية المتوحشة سيزيد حتى من الاقتلاع الفكري والثقافي. إن معركة الهوية الثقافية ليست هي الثقافة إذن بل الوجود الاجتماعي بكل مستوياته.
صحيح أن خطاب العولمة يرفض كل تنازل لصالح ثقافات الشعوب غير الغربية. محافظا على التراتبية الثقافية التي دافع عنها الأنثروبولوجي الاستعماري. لكن الأهم بالنسبة للشعوب هو إقرار تحرر شامل يساهم في كسب رهان الهوية الثقافية الذي هو معركة صعبة وليس مجرد نداء لرفض الوصاية الغربية. ومن المعقول القول بأن آخر ملجإ للدول التابعة هو الثقافة، لكن كيف يتجادل الدفاع عن الثقافي والبحث عن المورد الاقتصادي داخل نظام السوق؟
أثبتت التجارب أن كل تقدم اقتصادي يدفع في اتجاه الانفتاح الثقافي وتصليب الهوية (نموذج الصين، اليابان) وأن كل تخلف وتبعية اقتصادية لا تزيد إلا من فرض البؤس الثقافي. وهنا يكون البحث عن هوية ثقافية داخل نظام التبعية والانفتاح اللاعقلاني والغير مخطط، مجرد ترميم لثقافة ممزقة لن تساهم في معركة التحرر. وإذا كان كل مجتمع مطالب بتحصين ذاته ثقافيا فهو مجبر كذلك على خوض المعارك الاقتصادية لكن في اتجاه التحرر الاجتماعي من كل آليات الاستغلال والاستلاب الداخلية والخارجية.
ينبغي إذن البحث عن سبل التعامل الجدلي والنقدي مع نظام العولمة، وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في مطلب الهوية، ليس على غرار الطرح الخصوصي، أو على شاكلة دعاة الإندماج المطلق في النظام الغربي، بل وفق عملية بناء نقدي للثقافة والرأسمال الرمزي الموجودين بداخل المجتمعات الجنوبية، دون حنين للعبة الرهان على الأصول، أو رغبة في الانكفاء الدراماتيكي داخل شعار الأصالة. إن هوية ثقافية نقدية قادرة على الربط بين الثقافي والاقتصادي والكشف عن مفارقات خطاب العولمة، تبقى هي المدخل لتجاوز الكثير من العوائق المعرفة والسيكولوجية التي حكمت سواء الخطاب التقليدي أو الإيديولوجيا الليبرالية. مما يعني أن بناء هذه الهوية هو نفسه مشروع معرفي لن يستقيم إلا على أرضية النقد والعقلانية والاختلاف.





    رد مع اقتباس