منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   النثر والخاطرة (https://www.profvb.com/vb/f339.html)
-   -   حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي (https://www.profvb.com/vb/t107086.html)

عبد العزيز قريش 2012-10-17 23:25

حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي
 
خاطرة مما كان في الزمن والمكان


حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي

سكن روعي بنصفي القائم في ذاتي، الحال في روحي وكياني، الغارق فيه كل وجداني وحناني وعطفي، ففاحت به منذ سنين رياحين حروفي، التي اتخذت منه محراب صلاتي وكتبي. ونبعت منه كل أودية بساتين قلمي وأوراقي. وهدأ به روع الألواح وزوابع النفس والهجر والفتن في الصمغ. وامتد هكذا منذ قال له الخالق كن؛ فكان كما كان نصفه الأول: هو، ونصفه الثاني أنا. هكذا كانا نصفين ممتدين مدى الدهر والحروف والنهر. وحكت نفسي عن نفسي ولكل الأنفاس والحروف أني كنت أحيى حياة الأنس والدفء بين أحضان النصف الغارق في الكل حد التماهي والانصهار. فكانت الحروف تسبح في قطرات الأوراق ومياه الكتب، وفي عالم الفكر وفضاء الروح وصفاء السريرة. فكتبت أنشودتين سقطت ما بينهما ريحانة العمر والقلب. واستمرت الحروف تخط الخطى إلى أن مسها في يوم نحس مشؤوم شبح ادعى التقرب من الحروف بالقلم. أنه تائه في المصطلحات والقول والنظم، لعله بخطى الحروف يسلك مسلك العابد الزاهد الورع إلى مقام الشيخ لا المريد. فنشر كل الصحف والنثر والشعر مستنجدا بطريقة الشيخ. فلاح منه جنية عنكبوتية لها ألف قول مسموم وقول. وهي حروف النصف القابعة في البراءة. وبحكم السذاجة والغفل والبله ساهت عن العقل والوجدان، وعن المنطق والتأمل في القول تحليلا وتساؤلا عن كنه الحرف والنقط والرسم، وما به من خرف وهذيان ومس من الجن والإنس. لو لم أكن في الحلم وأنا شارب للخمر وملتحف بالنسيان والنكران وطول سين. لقلت ما لهذا القول أتى إلى النصف والحروف، وهو يدري أن للمقام هيبة وحرمة الاقتراب؟ فهو المقدس في الأديان والشرع؟ فإن سها الشيخ فالمريد للتذكير نصيب من الفرقان. لكن؛ هيهات لحية سمها سرى في كل المواقع والأوطان والأبدان، أن تعي للوقع أسرارا في الأكوان؟! هدمت الحروف والحس والبنيان بقول زائف ماكر ما له من طعم غير السم والتيه والطغيان.
حروفي كانت مسالمة حالمة بالكتاب والبنان، غير أن جنية الموقع انبعثت من الركام والحطام، تنادي في القوم أني حياة ودوني موت وسراب. فصدقت حروفي النداء، وتراءته يتراقص بين العين والقول صدقا دون وعي، ولا بحث، ولا تنقيب، ونبش في القبر وكل الحفر. فازداد السم سريانا في مفاصل الحروف وشق القلم. وهو الوهم بمجرد الصحو والتمعن في نقط الحروف. ما كان لحروف ساكنة ومسالمة أن تستسلم للمس والسم في دسم الحلم! فمازادها ذاك إلا غرقا في الرذائل والجيف. هكذا ألفت حروفي نفسها بعدما زال السم وأغشية الجمل. وباتت تلطخ كل الأوراق بالمداد والعفن. أن الجنية ما تركت ذكرى للحروف غير الألم من يوم لاحت فيه منشدة للشعر والطرب. فقالت لي حروفي الجميلة: تبا لك ولحيتك وليومها ولمسها ولحروفها وقولها، الذي مزق نصفك وكلك، والتهم بالسم كل الحركات والنقط والأوراق والكتب. تبا لك ولأيامك النحس، التي لم تحسن التصريف ولا الإعراب ولا الجمل ولا الكتابة. فتركت بالشرود والغفلة مسها يراودنا ونحن الصفاء والنقاء والطهر. فتبا للجسد والعروق والنبض والمداد والريشة والرسم الملطخ بكل الأوساخ والرذائل والعفن. فلولا رحمة الله بنا، لما عدنا حروفك، ولما عاد نصفنا إلى النصف كيانا يحرق الحية وما حوت من حلم وقول، وما كتبت من نطق. ويمحي مسها من ليالينا ومن أسفارنا. فتبا لوجودها ولكل ألوانها وما رسمت من لوح وصخر. وما نخالها تائبة ولا طائعة لأنها تخرج من المستنقع الآسن النتن مرات لكل حرف شرد من الأبجدية. ولكل وارد على العفن، فهي الجنية التي أتقنت اللعبة، وحاكت خيوط شباكها بالخمائل الغارقة في الأجساد بالسم والقتل والفتك.
حروفي نادت نصفي في الواقع لا الحلم: أن المس يبقى مسا، والجنية تمسي جنية. لكن؛ أن الجسد والروح والمداد والمدى والصدى. منك البداية وإليك النهاية. أنت كل الحروف وما حوت من كلم، وما كتبت من قول، وما حفظت من خط. فأنت النصف ونحن الحروف وما بيننا سوى الحلول. وما الأسماء فيك سوى اسم واحد له حرف وقلم ولوح وشمس وقمر. وقالت حروفي بعد الشرود والتيه والتيقن والتحقق والصدق والتوبة من الحلم والمس والجنية، والاحتراق كل يوم وساعة، في الليل والنهار، في الصلاة والدعاء، في التذكر والتفكر: نصفي نور في سماء حياتي، وتاج فوق رأسي، ووسام على صدري، ووشم على قلبي، فهو كل ذاتي. فنصفي نبض حياتي وعش طيري وقفص حمامي. فبه أنا موجود ودونه مفقود. فاعلمي أيتها الجنية العنكبوتية الشبكية السامة القاتلة، أن سمك لم يسر في الذات. فما قلت، وما كتبت، فذاك سم منك له ألف ترياق. فلست سوى مس وسراب وخراب وشؤم. فتبا لك مدى الدهر. فنحن الحروف وما حوت من صفاء ونقاء.
وعادت الجنية تراود حروفي بالليل وبالنهار، فهي الشبح القادم من حلكة الليل ومن سحابة الصيف. لكن صدتها تعويذات حروفي، فأسقطتها بالمرة من ذاكرة أقلامي، ومن محبرتي، ومن معاجمي، فحروفي حروفي تدود عني.
وحكت لي حروفي ما انتابها من هذيان ونسيان عندما غادرت السطور والعقول. فكان ما كان، وعادت حروفي للزمان أقوى مما كانت، وأشد حرصا على التعقل والتمكن مما كان وسيكون في عوالم الخلق والبيان. فسبحان من عدت به من الغي والطغيان. وتاب عني من العصيان في الزمان والمكان، وما حصل لحروفي كان مما كان.

راويه عن حروفه في اليقظة لا في الحلم والسهو والنسيان


عبد ربه التائب إليه


عبد العزيز قريش

أم الزهراء 2012-11-02 19:10

رد: حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي
 
ما أجمل هذا القلم وما أجمل هذا البوح
دمت كما أنت متألقا

عبد العزيز قريش 2012-11-03 17:11

رد: حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي
 
لمثل قلمك أبوح فقط. دام عطاؤك الفكري والأدبي ينير ظلمات التائهين في حياة الكلمة و شكرا جزيلا على المرور.

سعيدة سعد 2012-11-04 19:04

رد: حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي
 
أهي حقيقية تلكم الحية العنكبوتية ؟ أيومن جانبها ؟ ألن تدس سمها في حروف أخرى غير حروفك أستاذ قريش ؟
ولم التوبة ؟ أكان تسلل الحية إلى حروفك بعلمك ؟ أم ان حروفك تواطأت معها ضدك وضد نصفك الثاني القائم في ذاتك ؟ أم تراها كانت بقناع غير قناع الغدر فخدعتك وخدعت حروفك ؟هل الكتاب "الشيخ والمريد" تأثير في نفسية الأستاذ عبد العزيز قريش ؟ ما علاقة الشيخ والمريد بالحية العنكبوتية؟ بم يخدم النص اتوظيف بعض المصطلحات الصوفية إضافة إلى مصطلحات تحيل إلى الغيبيات ؟
أسئلة كثيرة تبادرت إلى ذهني في كل مرة أقرأ النص وأحاول التغلب على صعوباته فيغلبني :)

نص يحمل أسرارأ ،ويكشف أخرى متمثلة في الجانب الأدبي الذي لم أكن أعرفه عنك أستاذ قريش .فقد ألفت قراءة مقالاتك الهامة في المجال التربوي أما وقد أتحفتنا بنص متين اللغة ، متراص البنيان ، قوي التركيب ، فأنا أسجل إعجابي به كونه من التحف التي تتطلب الوقوف مطولاً أمامها لفك شفراتها اللغوية والتصويرية في آن واحد.وكونه أيضاً يدخل ضمن خانة السهل الممتنع الممتع .
تحية لك ولقريحتك المتقدة أستاذي الكريم وأنتهزها فرصة للترحيب بك في قسم الإبداعات الادبية راجية ألا تبخل علينا بجديدك المفيد والممتع .
تحيتي وتقديري .

tanmirt 2012-11-04 22:28

رد: حية عنكبوتية نفثت سمها في حروفي
 
سمة الحداثة تطبع نصك الرائع جذبتني رموزه وانزياحاته بارك الله فيك


الساعة الآن 21:07

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd