عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-06-29, 12:58 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي فجوة الإبداع في الفن التشكيلي العربي



فجوة الإبداع في الفن التشكيلي العربي

إنّ كان للثقافة العربية دور تلعبه في مجتمع المعرفة، فلن يتحقق ذلك ما لم تتعاضد

المساعي بين مجالات المعارف العلمية والإنسانية، ومجال الإبداع الفني.



وما يثير القلق راهناً هو الحماس لدخول مجتمع المعرفة بالتحديث التكنولوجي دون الانتباه
إلى ضرورة تنشيط الإبداع لتهيئة المجتمع للحداثة الثقافية.
يواجه الإبداع العربي تحديات داخلية وخارجية، تشعبت لتتولد عنها أزمة في تعريف الانتماءات الثقافية، وكيفية الخوض في تجربة الحداثة، التي أنماها الروَّاد مع بزوغ القرن الماضي. وبينما تقاطعت مسارات الحداثة الفكرية والفنية – عند منعطف القرن العشرين – تغيرت الأوضاع بدءاً من منتصف القرن نتيجة الضغوط الأيديولوجية المفروضة على الفنون من قبل حكومات ما بعد الاستقلال. لقد سخّر العلم للدفع بالتفوّق العسكري، تيسيراً لطموح الزعامة، بينما وظفت الفنون، إما لترسيخ الأيديولوجية القومية المتشددة، وإما للترفيه «لرفع المعاناة عن الشعوب»، وهو ما أدى إلى تقليص دور الإبداع، حتى وإن لم ينجح في سحقه.
ولم يقتصر الخطاب السلطوي على المؤسسات الحاكمة، فلم تنفرد وحدها بالحصار الفكري، ففي مجتمعات تهيمن عليها سلطة التقاليد والتعمية الفكرية، تسلب من الأفراد حقوق المواطنة، ليغدوا ذواتاً خاضعة تعيد إنتاج خطاب السلطة. ومن جهة أخرى، فقد ترتب على انتشار الأمية الأبجدية والثقافية، وعلى سلبيات التحديث العشوائي، رفض الجديد بصفة عامة، والتخوف من الإبداع بصفة خاصة.
خلاصة طرحي في هذا المقال ترتكز على التحديات الداخلية والخارجية، التي يجابهها المبدع، في زمن تغدو فيه حرية الإبداع التشكيلي ضرورة، ففي تقييد انطلاق الخيال، وإعاقة حرية التعبير، إعاقة لتحقيق مفهوم المواطنة، على المستوى السياسي، وتعجيز لاكتمال الحداثة الفكرية، على المستوى الثقافي، فيظل التحديث التكنولوجي والمعلومات بمعزل عنهما، ومنفصلاً عن المجتمع، ودافعاً إلى الاغتراب. لذا، ينبغي – الكشف عن تحديات الإبداع في الفن التشكيلي العربي لاستبيان الأسباب، التي آلت إلى الفجوة بين العقل العربي والإبداع، والفجوة بين المبدع والعامة – على المستوى المحلي – وبين المبدع والعالمية في زمن العولمة، مما نشأ عنه وجود أزمة في تعريف الخصوصية الفنية.
الإبداع والمعرفة:
علينا أن نتفق على تعريف المعرفة، ليتضح لنا أهمية الإبداع الفني بين الممارسات البشرية، حتى وإن اعتبرنا الفنون – أو الإبداع – ممارسات لا تضيف إلى المعرفة لاعتمادها على الخيال. وإن اعتمدت المناهج المعرفية أحياناً على الخيال، خاصة في لحظة الاكتشاف، فإنها تُخضع الخيال إلى مسارات العقل للتوصل إلى المحطة النهائية. وعلى العكس من ذلك يخضع الإبداع العقلي للخيال. فليست هناك أطر للخيال المبدع، ولا حدود، والحقائق المستمدة من الأعمال الفنية ينسجها الخيال، وتمثل عالماً آخر لا يرغمنا على الامتثال له، وإن لم يوجه الفن عقل المتلقي، فهو ينمي إدراكه.
تخلص النظريات الحديثة لعلم اجتماع المعرفة إلى أنّ تعريف المعرفة، يختلف تبعاً للسياق الاجتماعي والتاريخي. فبينما حصر الفكر المحافظ المعرفة في إنتاج الصفوة – الذين وسموا دائماً بالعلماء – يميل التوجه التقدمي أخيراً إلى الأخذ بالتجارب والممارسات البشرية كافة، بما في ذلك تجارب العامة من البشر. فالتجارب الإبداعية، بل والمعرفة الناجمة عن الواقع المعيش لا تقل في أهميتها عن المعرفة الرسمية، أو التي تقوم على أسس علمية، إضافة إلى أنّ الثقافة الشفاهية تزخر بمعارف لا تقل في أهميتها عن الثقافة المكتوبة.
ويتعارض ذلك التوجه القومي مع مفهوم التقدم العلمي السائد، الذي كان يؤخذ به معياراً لتمييز العلم على الفن، فاستبدلت فكرة «التقدم العلمي» بفكرة «التراكم العلمي»، مما يدفعنا إلى تغيير مقاربتنا للظواهر الطبيعية. وفي وقتنا الراهن، لا يقنع العلماء بالإدعاءات السالفة، التي تزعم بأنّ العلم يسير في تقدم خطّي نحو الحقيقة المطلقة، وهذا منظور يقترب من رؤية المبدعين، بل يتفق معهم في صعوبة التكهّن بوجود حقيقة مطلقة. خلاصة القول، أنّه يجدر بنا تغيير مفهومنا للمعرفة، فهي لا تتحدد بمنهج معرفي واحد، وليست للمعرفة أداة أو منهج وحيد، ومن اللازم أن نؤكد هنا على أنّ المعرفة لا تنشأ عن ثقافة منطقة جغرافية رسمتها سياسة الهيمنة، فقد ساهمت البشرية جمعاء في تشييدها. وأنّ أهمية المعرفة – وأداتها العقل – لا تقلل من دور الخيال في تنمية مستويات مغايرة للإدراك.
وإن كان يصعب علينا تصنيف الإبداع ضمن المجالات المعرفية، لتغاضي المبدع عن الوصول إلى براهين أو نتائج، فعلى الرغم من ذلك، تعمل الممارسة الفنية على تنمية العقل، وتعميق الإدراك. وعليه، يمكن تقييم جدية العمل الفني بإمكاناته في إثراء الإدراك دون التوصل إلى حقائق نهائية، أو حلول حتمية.
تعد العلوم الإنسانية والطبيعية على مناهج من البحث الذهني، يتحرك فيها العقل من قاعدة متفق عليها يصل من خلالها إلى نتائج جديدة، لتشكّل بدورها قاعدة أخرى تغدو نقطة انطلاق لسلسلة جديدة من البحوث. يختلف الأمر في الفنون لاعتمادها على الخيال، ويستحيل ترجمة لغتها ترجمة دقيقة، فالتجربة الفنية تراوغنا كلما سعينا إلى تعريفها.













    رد مع اقتباس