عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-02-18, 21:08 رقم المشاركة : 4
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: فصاحة اليد تتم فصاحة اللسان


الخط والحاسوب

* كيف تجد وضعية الخط العربي اليوم، وهل يمكن للحاسوب أن يشكل تهديداً حقيقياً للخطاط؟
الخط العربي يعيش اليوم حالة من الانتعاش لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه كله، والمسابقات الدولية التي بدأت من عام 1986 أفرزت أقلاماً قوية جديرة بالاحترام. وهناك تلامذة كثر لهم في أرجاء المعمورة ينهلون منهم ( عياناً ومراسلة). ملتقيات الخط ومهرجاناته لا تهدأ في العواصم والمدن العربية والإسلامية: “إستانبول، طهران، الشارقة، بغداد، دبي، كاظمة، بيروت، طرابلس، دمشق، حلب، الرقة.”. وهو مما يثلج الصدر، ويبعث الأمل بنهضة خطية كبيرة على المدى المنظور إن شاء الله.


وأما بالنسبة لتأثير (الحاسوب )، فهذا تقدم علمي مبهر لا يمكن إنكاره، ولست أرى أي خطر منه على فن الخط العربي إذا أحسن استخدام التقنيات والإمكانات التي يتمتع بها. فهو يساعد مثلاً في صنع الخلفيات والظلال للخطوط المكتوبة على أغلفة الكتب، كما يساهم في تجميل الكادر الذي يحيط باللوحة الخطية. إلخ، أما أن يكتب الخط نفسه عن طريق الحاسوب فهذا هو الخطأ الذي لا يغتفر، وهو يسيء بشكل بالغ إلى جمال الخط العربي ورفعته.

* كيف ينظر الخطاط الكلاسيكي إلى استخدام الفنانين التشكيليين المعاصرين وحدات من الفن الإسلامي أو الخط العربي في أعمالهم الفنية؟


لقد اطلعت على كثير من تلك المحاولات فوجدت الركاكة والضعف الفني يغلف معظمها، ورأيتها بعيدة عن النضج والتبلور. وبرغم ذلك فهي تجربة جديدة على كل حال، وإن استخدام الحرف العربي من قبل التشكيليين شرف كبير لهم ولأعمالهم، وعودة محمودة منهم إلى جذورهم العربية على الأقل، بدل التخبط ذات اليمين وذات الشمال الذي مارسوه عقودا طويلة من جراء تبعيتهم العمياء للغرب.

* بما أنك أديب ولديك كتابات نثرية ومنظومات شعرية، وتملك صوتاً رخيماً ومعرفة بالمقامات الموسيقية وطرائق الإنشاد الديني. فهل لك أن تحدثنا عن العلاقة التي تربط بين الأدب والموسيقى والخط العربي؟
(الإمتاع والمؤانسة) هما الهدف المشترك بين الفنون والآداب جميعها، وكأنّ هذه الفنون – على اختلافها ظاهراً وتوحّدها باطناً – تتنافس فيما بينها لإحراز أكبر قدر من الجمال المطلق. ولن تصل إليه بطبيعة الحال. لأن كلّ ما هو مطلق هو من صفات الله جلّ وعلا (رفعت الأقلام وجفت الصحف).



ولكنها تصل إلى الجمال النسبيّ (الاصطلاحيّ) المشوب بالنقص والكدر، ولا يتفاوت المبدعون فيما بينهم إلا بمقدار وجود نسبة هذا النقص في أعمالهم – انخفاضاً أو ارتفاعاً – أو يتفاوتون بالقدرة على تجميل النقائص والعيوب وممارسة ما يسمّى (خداع النظر والسمع) في محاولة صرف الانتباه عنها.


وهذا يفسّر قول الأدباء المرموقين وهم يصفون أعمالهم: “أرجو ممن نظر إلى عملي أن يسبل ذيل الستر عليه، وأن يغضّ الطرف عن عيوبه، فإن الكريم يصفح، واللئيم يفضح”.

وإذا كان هذا القول وما يشابهه يدخل في باب التواضع المحمود الذي عرف به العلماء الكبار. فإنه في الوقت نفسه وصف دقيق لحقيقة الحال. ذلك أن العالم المبدع – أديباً كان أو موسيقياً أو خطاطاً – يدفعه طموحه المتقد ونفسه الوثابة وهمته العالية إلى تركيز همه واهتمامه على المنطقة العلمية الفنية التي لم يحرزها ولم يسبر أغوارها بعد، فيرى نفسه مقصراً أيما تقصير.



بينما يراه الناس محلقاً أيما تحليق. ولا يلتفت أبدا إلى الوراء؛ لأن الالتفات من شأنه أن يذكره بإنجازاته، فيضيع الوقت الثمين وهو يستعرضها متلذذاً، وقد يقع في مطب العجب والغرور. ومن هنا قال المتصوفة: (ملتفتٌ لا يصل). مستقر الفنون والآداب ومستودعها واحد. ألا وهو (القلب العاقل)، ولكن دهاليز الوصول إليه تختلف بين فنّ وآخر. فالموسيقى والأدب يلجان القلب العاقل عن طريق إطراب الأذن وإثارة منطقة الخيال والتصورات.



أما فن الخط فطريقه إدهاش (العين) وإمتاع منطقة الذوق السليم والارتقاء بها إلى سماوات اللطف الروحي من خلال قوة النص (الأدبية ) وروعة هندسته (الفنية).

أما الشاعر فإنه يتلمس مواطن الجمال حوله، ويُجنّد موهبته في تصويرها أجمل تصوير ممكن، ويضفي عليها من خياله المجنّح لمسات الإمتاع والسحر. ولا بد له من الالتزام بضوابط اللغة والقافية والوزن الشعري. لعله ينشئ (وحدة حال) مع المتلقي من خلال إمتاع قلبه وصولا إلى إمتاع عقله.

فإذا كان الموضوع الشعري من الأهمية بمكان بحيث يتعلق بالأمة كلها. سار إليه، على الأغلب، على أشرعة (البحر البسيط) أو الكامل أو الطويل المعروفة بأوزانها القوية المؤثرة، وانتقى له قافية مجلجلة ومفردات جزلة متينة. أما إذا كان الموضوع داخلاً في باب (الإخوانيات) أو باب (النجوى) الشخصية، فتراه يمتطي بحراً ناعم الإيقاع (كالرجز أو الرمل أو الهزج)، وينتقي قافية حالمة ومفردات سلسة سهلة، وربما لجأ إلى شعر (التفعيلة) العذب الانسياب. إلخ.

وكذلك الموسيقي. يمتطي مقام (الرصد) القوي للأعمال الكبرى. أو (البيات) ، وينتقي للمقاطع الحزينة مقام (الصبا) أو (الحجاز)، ولأغاني الأطفال مقام (العجم) المفرح، ولنجوى الحب يسعفه مقام (النهاوند) الناعم للتعبير عما يجيش في صدره من عواطف دافئة.


والخطاط المبدع الذي يقضي عمره بين (بكاء قلمه وضحكة قرطاسه) لديه أيضاً خيارات متشابهة: فخط الثلث الجلي بقوته وشموخه يناسب النص القوي الشامخ، لذلك نجد أن معظم اللوحات القرآنية تخط به، وخط التعليق والشكسته، برقتهما وعذوبتهما، يتناغمان مع الموضوعات الشعرية بشكل عام، والديواني والديواني الجلي، بفخامتهما وأبهتهما، يصلحان لكتابة ما هو موجّه إلى الشخصيات المرموقة، والنسخ والرقعة، لبساطتهما وسرعة أدائهما، يناسبان المكاتبات اليومية السريعة.


وهذه قواعد عامة، ولكنها ليست فاصلة أو منزلة، إذ من الممكن تجاوزها. فيمكن لبحور الشعر الجزلة أن تأخذ مكان البحور الناعمة، والعكس صحيح، وفي الموسيقى مثلا يجوز لمقام (الصّبا) الحزين أن يستعمل في موضع الفرح، كما يجوز لمقام (العجم) المفرح أن يستعمل في موضع الحزن، وذلك بحسب براعة الشاعر والموسيقي، وقدرتهما على التأثر والتأثير.
وبالمقابل. يستطيع الخطاط الحاذق أن يستبدل أماكن الخطوط تجاه موضوعاتها تبعاُ لذوقه الخاص. الشأن كله متعلّق بقوة العمل الفني، أدباُ أو قطعة موسيقية أو لوحة خطية، وهذه القوة الفنية من شأنها أن تدخل من غير استئذان عبر بوابتي الأذن والعين إلى قلب المتلقي وعقله. أي إلى (قلبه العاقل). وإن قواعد أي فن أو ضوابطه، والتي لا وجود له من دونها أصلا، إنما وضعت لكي تمارس ردحاً من الزمن، عملاً وذوقاً، ثم يتجاوزها نحو الأجمل من يجد نفسه مؤهلاً لذلك.

* ماذا أضفت من جديد على عالم الخط. وما هي أهم الأعمال التي أنجزتها؟
يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس