عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-10-29, 11:15 رقم المشاركة : 6
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: الفيلسوف طه عبد الرحمن يفكك التطرف بمطرقة النقد الأخلاقي


في نقد "الجهاديين"



الإسلاميون "الجهاديون" أو القتاليون [الانقتاليون بتعبير طه] الذين تورطوا في اعتداءات طالت العديد من دول العالم، معنيون أكثر من غيرهم من الإسلاميين، بقراءة مضامين هذا العمل، ومعهم أيضاً، كل الإسلاميين القتاليين الذين يفكرون في تنفيذ اعتداءات هنا وهناك، ونضيف أيضاً، ولو بدرجة أقل، كل الإسلاميين الذين يرون أنه لا مفر من تبني شتى أشكال العنف، من أجل مواجهة السلطة، أو لا مفر من إحياء "دولة الخلافة"، حيث يتحدث المؤلف هنا عن "الخلافة الأخلاقية" تحديداً، وليس "الخلافة السياسية بمعناها التسيُّدي" [السلطوي]، (ص 83).



لا يتحدث طه عبد الرحمن هنا بالمرة، عن "الداعشية" أو "القاعدة"، بل حتى مصطلح "السلفية الجهادية" لا نجد له أثراً، وبالكاد يتحدث عن "القوة الجهادية" (ص 122)، التي تُضاد "القوى الهابيلية" [نسبية إلى هابيل]، وبالتالي، نحن إزاء "قوة قابيلية" [نسبة إلى قابيل]، لديها قابلية حرق الأخضر واليابس لاعتبارات نفسية أساساً، حيث يُفصل في ذلك ملياً، وتحدث مرة واحدة عن "الجهالة" (ص 100)، التي تورطت في هذه الاعتداءات، منتقداً معالمها العقدية والسلوكية، وقد وظف هذا المفهوم انطلاقاً من مقتضى الآية الكريمة التي جاء فيها:
"إنه كان ظلوما جهولا" [الأحزاب، 71].



بالنسبة للفاعلين الإسلاميين الذين استهدفوا المساجد وبيوت العبادة، فقد خصهم كتاب "سؤال العنف" بالعديد من الإشارات النقدية، نذكر منها مثلاً، أن الفاعل الإسلامي القتالي الذي يُفجر نفسه في المساجد، لا يسقط في انتهاك حرمة المساجد وحسب، و"لا في مجرد إثبات الذات بهذا الانتهاك، بل فيه تحدّ لذات الإله؛ إذ لا مكان يشهد فيه الشاهدون بألوهيته ووحدانيته مثل بُيوته، ولا مكان ينبغي أن تُنكر فيه الذات إنكارها في هذه البيوت الملكوتية، ومع ذلك، فإن العنيف، وقد بلغت جهوليته منتهاها، يريد أن يشهدوا له، قاتلاً واحداً، بَدَل الشهادة بربهم، إلهاً واحداً". (ص 130).



هذه البيوت، يُضيف المؤلف، "ليست في ذاتها أمكنة فاسقة ولا كافرة وإنما أمكنة مؤمنة وذاكرة، إذ ظلت جنباتها تمتلئ تلاوة لكتاب الله وتدارساً لأحاديث نبيه وصلوات آناء الليل وأطراف النهار، فكان ينبغي أن تصان ولا تداس، شافعة لفساقها وكفارها المزعومين، حتى يتركوها، على فرض أن هؤلاء الأولياء وُكِل إليهم إزهاق أرواحهم". (ص 131)، ومن يقرأ هذا الإشارة النقدية، قد يستحضر دلالة القواسم المشتركة بين جماعات إسلامية تؤمن ببدعية قراءة القرآن جماعة في المساجد، وجماعات أخرى، تتشارك معها في المرجعية الفقهية والمذهبية، ولكنها لا تتردد في إقناع أتباعها بتفجر هذه المساجد!



بالنسبة للبديل الائتماني الذي يرومه العمل، والمؤسّس على مرجعية "الفقه الائتماني" [من الأمانة وليس الأوامر كما هو الحال مع "الفقه الائتماري"]، فلا يخرج عن الانتقال من "أخلاق العنف إلى أخلاق اللطف" ومن "الأخلاق النفسية إلى الأخلاق الروحية‎"، أو كما نقرأ ملياً، إن "التغيير الذي توجبه الحكمة في التعامل مع العنيف تغييراً لإنسانيته، أي تغييراً لماهيته الأخلاقية، وليس تغييراً لمُواطنيته ذات الصيغة السياسية، إذ يروم هذا التغيير إخراج العنيف من أخلاف العنف إلى أخلاف اللطف، على اعتبار أن العنف عبارة عن جملة من الأخلاق النفسية، وينبغي إحراجه إلى اللطف الذي هو عبارة عن جملة من الأخلاق الروحية". (ص 151).



كما وجه المؤلف الدعوة إلى أهل التفكر في سياق إحياء مفهوم الأمانة في الإسلام وتوسيع مجال التفكير فيه، لاعتبارين اثنين:



"أحدهما أن المسؤولية بحسب هذا المفهوم ذات أصل ملكوتي، والاعتبار الثاني أن العنيف سطا على هذا المفهوم ومسخ دلالته وضيَّقه إلى أقصى حد بأن جعله دالاً على التسلط ذي البأس الشديد في صورة تسييس لا أخلاقي للخلافة". (ص 154)



إشارة أخيرة، تهم نفس المأزق الفقهي الائتماري، والمرجعية الحداثية في آن، حيث يُؤاخذ طه عبد الرحمن على النموذج الأمري التقليدي، تحمله جزء من المسؤولية التي خولت للفاعل الديني العنيف، أن يعتقد أنه سيد على سواه، وبيان ذلك أن "الفقه التقليدي أثر في تعاملات العنيف مع الناس والأشياء، فأصبح لا يعقلها إلا على جهة أنه آمر وغيره مأمور"؛



أما الجزء الآخر من المسؤولية الأخلاقية والمعرفية، فذات صلة بـ"مفهوم السيادة الذي غزا العقول منذ فجر الحداثة، عندما أصبحت علاقة الإنسان بنفسه وبالعالم من حوله، تُتصّور على أنهما علاقة السيد بهما، ولم ينج المسلم من التأثر بهذا التصور المنقول، فأضحى، هو الآخر، يرى أنه سيّد نفسه وسيد العالم"،



ومن هنا جاء اعتقاد الفاعل الديني الحركي بشكل عام، أن "التغيير لا يكون إلا سيادياً، أي بالاستيلاء على السلطة، أي من الموقع الذي تصدر منه الأمرية العظمى". (ص 154).



وإجمالاً، أحصى المؤلف ست صور للتخليق الذي تتولاه الحكمة وهي "الائتمانية" و"العبدية" و"الإنسانية" و"الأخلاقية" و"الأسمائية" و"الاعتراضية" (ص 162)، وهي صور من التخليق تُجسّد ممارسات، لا مُجرد توجيهات نظرية، لذلك نحسبُ أنها قادرة على إزالة مظاهر عنف العنيف، بل إنها قادرة على إزالة قابلية العنف لديه.



الحوار بين المسؤولية والأمانة


يتبع








التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

آخر تعديل صانعة النهضة يوم 2017-10-29 في 15:40.
    رد مع اقتباس