عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-09-04, 20:49 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: التربية الاستبدادية تقتل الإبداع في الطفل





نظرية الكواكبي التربوية

د. محمد علي محمد عطا




كثير من المشاريع الإصلاحيَّة الإسلاميَّة تشمل نظرةً تربويَّة تتلاءم مع تشخيصها لدَاء الأمَّة ومنهجها الإصلاحي، ومن خلال كتاب "طبائع الاستبداد"؛ للكواكبي (ت1902م)، يمكن استخلاص نظريَّة تربوية متكاملة، تشمل شقَّين:


1- شقًّا نظريًّا يَشمل: تمهيدات في جِبِلَّة الإنسان، وتعريفًا للتربية واحتياجاتها، وأهمِّيتها وتأثيرها في حياة الإنسان وفي آخرته، ومقاصدها، ومراحلها، ووسائلها مؤصَّلة تأصيلاً شرعيًّا، ونتيجتها، ودور الحكومات فيها وما ينتج عن قيامها بدورها، والمعوقات التي تَعوق هذه التربية من استبدادٍ وفقرٍ.

2- وشقًّا تطبيقيًّا عمليًّا؛ حيث لم يكتفِ الكواكبيُّ بالجانب التنظيري؛ بل ذكر منهجًا تطبيقيًّا يمكن من خلاله تكوين الفرد الذي يمكنه أن يتصدَّى للاستبداد.

الشق الأول: الشِّقُّ النظري[1]




أولاً: تمهيدات في جِبِلَّة الإنسان: وتشمل ثلاثة مبادئ مهمة، وهي:


1- داخل الإنسان استعداد للصَّلاح وللفساد: يرى الكواكبي أنَّ الله تعالى خلَق في الإنسان استعدادًا للصَّلاح واستعدادًا للفساد، وأبواه هما المسؤولان عن إصلاحه أو إفساده.


وهذا الرَّأي يتوافَق مع الشريعة الإسلاميَّة؛ حيث قال الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ مولودٍ يولَد على الفِطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه؛ كمثل البهيمة، تُنتَجُ البهيمةُ هل ترى فيها جدعاء؟))؛ [البخاري (1385)، ومسلم (2658)].

2- لا حدَّ لغايتَي الرُّقي والانحطاط عند الإنسان: يَرى الكواكبي أنَّه لا حدَّ لغايتي الترقي والانحطاط عند الإنسان، ففي قُدرته بلوغُ قمَّة الترقِّي إلى ما فوق مَرتبة الملائكة، وفي قدرته بلوغ قمَّة الانحطاط ليكون أحطَّ من الشياطين.

3- الإنسان أقرب للشرِّ منه للخير: يرى الكواكبي أنَّ الإنسان أقرب للشرِّ منه للخير؛ ويدلِّل على ذلك بأنَّ الله تعالى ما ذكر الإنسانَ في القرآن إلاَّ وقرَن اسمه بوصفٍ قبيح مثل: ظلوم وغرور، وكفَّار وجبَّار، وجَهول وأَثيم؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس: 17]، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ﴾ [الزخرف: 15]، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 2]، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6]، ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]، ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37].

ثانيًا: التربية، وشمل حديثه عن التربية: تعريف التربية واحتياجاتها، وأهميَّتها وتأثيرها في حياة الإنسان وفي آخرته، ومقاصدها، ومراحلها، ووسائلها مؤصَّلة تأصيلاً شرعيًّا، ونتيجتها، ودور الحكومات فيها وما يَنتج عن قيامها بدورها، والمعوِّقات التي تعوق هذه التربية من استبدادٍ وفقرٍ.

1- تعريف التربية واحتياجاتها: عرَّف الكواكبيُّ التربية بأنَّها: "مَلَكةٌ تَحصل بالتعليم والتمرين والقدوة والاقتباس، فأهمُّ أصولها وجود المُرَبِّين، وأهمُّ فروعها وجود الدِّين"، ولا أسلِّم له بجَعل الدين فرعًا؛ بل هو الأصل في التربية.

2- أهمية التربية في حياة الأمم: يرى الكواكبيُّ أنَّ التربية هي أهم ما يَجب أن تهتمَّ به الأمم؛ لأنَّ فقدها هو المصيبة العظمى، فإنَّ الإنسان يكون إنسانًا بتربيته، وكما يكون الآباء يكون الأبناء، وكما تكون الأفراد تكون الأمَّة.

3- تأثير التربية في الإنسان حيًّا وميِّتًا: يرى الكواكبيُّ أنَّ تأثير التربية ليس في حياة الفرد فقط؛ بل يمتد ليَشمل آخرتَه أيضًا؛ فالإنسان الذي يَنشأ غصنًا ليِّنًا مستقيمًا بطبعه تَميل به أهواءُ التربية إلى الخير أو الشر، فإذا شبَّ رسخَت فيه تربيتُه، وبقي على ما هو عليه طوال حياته، فإذا مات على التربية الخيِّرة، سعدَت روحُه في الآخرة، وظلَّ في نعيمٍ مقيم، وعلى العكس إذا مات على التربية السيِّئة ظلَّ في جحيم مقيم.



4- مقاصد التربية: ذكر الكواكبيُّ أنَّ مقاصد التربية هي:
قصر النَّظر على المحاسِن والعِبَر.
وقصر السمع على الفوائد والحِكَم.
وتعويد اللِّسان على قول الخير.
وتعويد اليد على الإتقان.
وتكبير النفس عن السَّفاسف.
وتكبير الوجدان عن نصرة الباطل.
ورعاية الترتيب في الشؤون.
ورعاية التوفير في الوقت.
ورعاية التوفير في المال.
والاندفاع بالكلِّية لحفظ الشرف.
ولحفظ الحقوق.
ولحماية الدين.
ولحماية النَّاموس؛ (يقصد الكواكبي بالناموس واجب الفرد نحو نفسِه ونحو أسرته ونحو عائلته ونحو مجتمعه، ثمَّ نحو الإنسانيَّة).
ولحبِّ الوطن.
ولحبِّ العائلة.
ولإعانة العالَم.
ولإعانة الضعيف.
ولاحتقار الظالمين.
ولاحتقار الحياة.
"وعلى غير ذلك ممَّا لا يَنبت إلاَّ في أرض العدل، تحت سماء الحريَّة، في رياض التربيتين: العائلية والقومية".





5 - التربية المطلوبة: يرى الكواكبيُّ أنَّ التربية تَشمل تربيةَ العقل والنفس والجسم، ولكل عنصر من هذه العناصر مطالب كما يلي:





أولاً: تربية العقل: وتكون عن طريق:
إعداده للتمييز.
ثمَّ على حسن التفهيم والإقناع.
ثمَّ على تقوية الهمَّة والعزيمة.
ثمَّ على التمرين والتعويد.
ثمَّ على حسن القدوة والمثال.
ثمَّ على المواظبة والإتقان.
ثمَّ على التوسُّط والاعتدال.



ثانيًا: تربية الجسم: "وأنْ تكون تربية العقل مصحوبةً بتربية الجسم؛ لأنَّهما متصاحبان صحَّة واعتلالاً، فإنَّه يقتضي تعويد الجسم على:
النظافة.
وعلى تحمُّل المشاق.
والمهارة في الحركات.
والتوقيت في النوم والغذاء والعبادة.
والترتيب في العمل وفي الرياضة والراحة".



ثالثًا: تربية النفس: "وأن تكون تلكما التربيتان مصحوبتين أيضًا بتربية النفس على:
معرفة خالقها.
ومراقبته.
والخوف منه".



6 - مراحل التربية وأعمارها: قسَّم الكواكبيُّ التربيةَ من حيث مجالها وسنُّها والقائم بها إلى تربية:
"الجسم وحده إلى سنتين؛ وهي وظيفة الأم أو الحاضنة.
ثمَّ تُضاف إليها تربية النفس إلى السابعة؛ وهي وظيفة الأبوين والعائلة معًا.
ثمَّ تُضاف إليها تربية العقل إلى البلوغ؛ وهي وظيفة المعلِّمين والمدارس.
ثمَّ تأتي تربية القدوة بالأقربين والخلطاء إلى الزواج؛ وهي وظيفة الصُّدفة.
ثمَّ تأتي تربية المقارَنة؛ وهي وظيفة الزوجين إلى الموت أو الفراق.
ولا بدَّ أن تصحب التربية من بعد البلوغ تربية الظروف المحيطة، وتربية الهيئة الاجتماعية، وتربية القانون أو السير السياسي، وتربية الإنسان نفسه".



7- وسائل التربية الصَّحيحة وتأصيلها شرعًا: ذكر الكواكبيُّ من وسائل التربية الصَّحيحة التي أجمع عليها علماءُ الاجتماع والأخلاق والتربية:
الإقناع؛ فهو خير من الترغيب، فضلاً عن الترهيب.
الحريَّة؛ فإنَّ التعليم مع الحرية بين المعلِّم والمتعلِّم أفضل من التعليم مع الوقار.
الرَّغبة: فإنَّ التعليم عن رغبة في التكمُّل أرسخ من العلم الحاصل طمعًا في المكافأة، أو غيرةً من الأقران.

ولم يكتفِ الكواكبيُّ بإجماع العلماء على هذه الوسائل؛ بل اهتمَّ بالتأصيل الشرعي لها فقال: "من يتأمَّل جيدًا في قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 179]، ملاحظًا أنَّ معنى القصاص لغةً: هو التَّساوي مطلقًا، لا مقصورًا على المعاقبة بالمثل في الجنايات فقط، ويدقِّق النَّظر في القرآن الكريم وسائر الكتب السماويَّة، ويتَّبع مسالِك الرُّسل العظام عليهم الصلاة والسلام، يرى أنَّ الاعتناء في طريق الهداية فيها منصرفٌ إلى:
الإقناع.
ثمَّ إلى الإطماع عاجلاً أو آجلاً.
ثمَّ إلى الترهيب الآجل غالبًا.
مع ترك أبواب تُدلي إلى النجاة".



8- رسوخ التربية: يرى الكواكبيُّ أنَّ التربية السيئة يرسخها الشيطان، بينما التربية الخيِّرة تظل قلقة كالسَّفينة وسط الرِّياح، ما لم يردعها الوازعُ الديني القوي في السرِّ والعلَن، أو القانون؛ لأنَّ فيهما يقين العقاب.



9- دور الحكومات العادلة في التربية: يرى الكواكبيُّ أنَّ الحكومة لها دور كبير في تسهيل تربية أبناء الأمَّة، منذ أن يكونوا أجنَّة في ظهور آبائهم، والمطلوب منها حتى تحقِّق ذلك أن:


تسنَّ قوانين النِّكاح.
تعتني بوجود القابلات والملقِّحين (الممرضين) والأطباء.
تفتح بيوت الأيتام اللقطاء.
تعدُّ المكاتب والمدارس للتعليم من الابتدائي الجبري إلى أعلى المراتب.
تسهِّل الاجتماعات.
وتمهِّد المسارح.
وتحمي المنتديات.
وتجمع المكتبات والآثار.
تقيم النُّصُب المذكِّرات.
تضع القوانين المحافِظة على الآداب والحقوق.
وتسهر على حفظ العادات القومية، وإنماء الإحساسات المِلَلِيَّة.
وتقوِّي الآمال.
وتيسِّر الأعمال.
وتؤمِّن العاجزين فعلاً عن الكسب من الموت جوعًا.
وتدفع سليمي الأجسام إلى الكسب ولو في أقصى الأرض.
وتحمي الفضل.
وتقدِّر الفضيلة.

ويؤكِّد الكواكبيُّ على ضرورة أن تلاحظ الحكومة كلَّ شؤون الفرد بما لا يخل بحريَّته الشخصية واستقلاله، فلا تَقترب الحكومة من إنسانٍ إلا إذا جنى جرمًا لتعاقبه عليه، أو مات لتواريه، أو مرِض لتشافيه.

10- نتيجة قيام الحكومة العادلة بدورها في التربية: يَنتج عن قيام الحكومة بدورها في التربية: أن يعيش ابنُها راضيًا بنصيبه من الحياة لا يحس بغبنٍ أو ظلم، وأن يموت راضيًا لا يفكِّر مطلقًا في حالة أولاده الضِّعاف من بعده، محبًّا لوطنه وأمَّته.

هذا ما ذكره الكواكبيُّ عن نتيجة قيام الحكومة العادلة بدورها في التربية، ولكنَّه غير جامع؛ لأنَّه ركَّز على النتيجة على الفرد فقط، ولم يَذكر نتيجتَه على الأمَّة كلها وعلى الحكومة نفسِها؛ من طاعةٍ وتأييد، ومساعدَة وشدِّ أَزْر، وحماية وطن وتضحية، وجهادٍ ورفعة، وتضامن وكفالة، وإنتاج وأمل.



ثالثًا: معوِّقات التربية: يرى الكواكبيُّ أنَّ أهم معوقات التربية أمران: الاستبداد والفَقر، ولكنَّه تقسيم شَكلي منه؛ لأنَّه يعود ويَرجِع سببَ الفقر إلى الاستبداد، ويجعل الغنيَّ مثل الفقير في سوء التربية في عهود الاستبداد؛ لذلك يمكن القول بأنَّه يرى أنَّ المعوق الوحيد للتربية هو الاستبداد لا غير.

قال الكواكبيُّ مصوِّرًا فوضى التربية في ظلِّ الاستبداد: "أمَّا المعيشة الفوضى في الإدارات المستبدَّة، فهي غنيَّة عن التربية؛ لأنَّها محضُّ نماء يشبه الأشجار الطبيعية في الغابات والحراش، يَسطو عليها الحرق، والغرق، وتحطِّمها العواصفُ، والأيدي القواصف، ويتصرَّف في فسائلها وفروعها الفأسُ الأعمى، فتعيش ما شاءت رحمة الحطَّابين أن تعيش، والخيار للصُّدفة تَعْوَجُّ أو تستقيم، تثمر أو تعقم، والاستبداد ريحٌ صرصر فيه إعصارٌ يَجهل الإنسان كلَّ ساعة شأنه".

ويؤكِّد الصورة الخياليَّة السَّابقة بكلام أكثر إيضاحًا قائلاً: "الاستبداد المشؤوم يؤثِّر على الأجسام، فيورثها الأسقام، ويسطو على النُّفوس فيفسد الأخلاق، ويضغط على العقول فيَمنع نماءها بالعلم، بناء عليه؛ تكون التربية والاستبداد عاملَين متعاكسين في النتائج، فكلُّ ما تَبنيه التربية مع ضَعفها يهدمه الاستبدادُ بقوَّته، وهل يتمُّ بناءٌ وراءه هادم؟!".

وبشكل أكثر تفصيلاً فإنَّ أوجه تأثير الاستبداد على التربية، هي:


يتبع









التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس