الموضوع: درس من الطبيعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-03-25, 21:43 رقم المشاركة : 1
lamgharir11
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية lamgharir11

 

إحصائية العضو








lamgharir11 غير متواجد حالياً


افتراضي درس من الطبيعة


كان الوقت أصيلا ؛ وللأصيل في الأرياف رونق وجمال. افترش عصام زربية صغيرة تحت شجرة وارفة الظلال ؛ وبين يديه قصيدة المساء لخليل مطران. يحللها تحليلا أدبيا. وينتقل بين سطورها من سطر إلى آخر.
وهو كذلك ؛ اقتربت منه فراشتان صغيرتان ذات ألوان طيفية زاهية..وتعانقتا في الهواء...وقبلت إحداهما الأخرى..وتداعبتا..وحلقتا في الفضاء اللامتناهي.. وغابتا عن نظره..منظر جميل هذا الذي تراءى لعصام لحظتها..مقطع سينمائي عفوي هذا الذي مر أمامه في أكبر كبريات قاعات السينما...إنها الطبيعة...إنها الحياة....إنه الحب...إنه الجمال..
وضع عصام القصيدة جانبا..وتنهد تنهيدة خرجت من أعماق الأعماق ؛ حملها الأثير مع نسيمات أصيلية . وغاب بوجدانه وراء الفراشتين في إبحار استكشافي للمجهول..غاب متأملا في سعادتهما وحبهما الأزلي..إنها السعادة الحقة..السعادة المنشودة...إنه الحب...الحب الروحي الصافي...
فراشتان تحلقان معا وتنزلان معا..جسدان بروح واحدة..فالكون كله لهما...لا جمارك..لا رسوم..لا ضرائب...لا بطائق هوية..لا جوازات سفر..لا شاهدا عدل...لا...لا...لا...
كل صباح..كل وردة تتفتح قائلة لهما : أنا مطار لكما..فمرحبا بكما...كل مساء..كل زهرة تبتسم لهما :أنا ميناء لكما..أهلا وسهلا بكما..هكذا تعيش الفراشات..أوهكذا خُيِلَ لعصام أنها تعيش..ليس لها أبواب توصد أو نوافذ تغلق...ليس في جيبها درهم أودينار ليس في يدها خاتم أوسوار سبحانك ياخالق..يامبدع..
عند غروب الشمس عاد عصام إلى البيت وهو يحمل أفكارا جديدة...أفكار لم يستلهمها من قصيدة المساء..بل من الطبيعة...أفكار غيرت مجرى حياته ...وأصبح ينظر للحب نظرة أخرى مغايرة وغير مألوفة...ليس للحب وحده بل للحياة كلها..درس لم يستنبطه عصام طيلة حياته...
وبعد العشاء ؛ خرج كعادته إلى حيث يتجمع شباب البلدة للسهر والسمر في بيت مهجور...تتوسطهم شمعة واحدة ومذياع صغير لخفير البلدة...تكلم الجميع ودار بينهم حديث عن إلقاء القبض عن مروجي المخدرات بالخارج ومن بينهم بعض أبناء جلدتهم...
وعن الفتاة اليتيمة التي حبلت وهي لا زالت عذراء..أغواها أحد الذين زُج بهم في السجن..قال أحدهم : إن الله يمهل ولا يهمل .وتكلم الخفير عن مجيء المقدم لتوزيع الضرائب مستعينا في ذلك بالفقيه.ووجدها البعض فرصة للتخلص من الفقيه مادامت نساء البلدة يقصدنه قصد السحر...ومن باب السحر شارك عباس في الكلام أن فقيها سوسيا يحضر يوم السوق لتزويد زبنائه بِطَلاسِيم تسهل عملية المرور إلى الضفة الأخرى..وعن الهجرة السرية تكلم أحمد عن مغامراته الثلاث...وسقوطه ضحية النصب والاحتيال...ولم يخل حديثهم من الغلاء وأزمة النقل...وشاركتهم المذيعة عبر الأثير بخبر مفاده أن الحكومة لم تتوصل لأي حل مع الأطراف المحاورة...وأن السلطات فككت العديد من العصابات..وأن جمعية العاطلين قررت خوض إضراب مفتوح...
في تلك الأثناء التي خيم فيها الصمت..وتبادلت النظرات بين الجميع..رفرفت فراشة بينهم وارتطمت بلهيب الشمعة..وخرج عصام وفي عينه دمعة...






الصور المرفقة
نوع الملف: jpg 1.jpg‏ (55.9 كيلوبايت, المشاهدات 3)
نوع الملف: jpg 2.jpg‏ (80.0 كيلوبايت, المشاهدات 1)
نوع الملف: jpg 3.jpg‏ (75.8 كيلوبايت, المشاهدات 2)
نوع الملف: jpg 4.jpg‏ (76.1 كيلوبايت, المشاهدات 0)
نوع الملف: jpg 5.jpg‏ (89.8 كيلوبايت, المشاهدات 0)
نوع الملف: jpg 6.jpg‏ (71.2 كيلوبايت, المشاهدات 0)
نوع الملف: jpg 7.jpg‏ (86.7 كيلوبايت, المشاهدات 2)
التوقيع

مكرمفر في الــميدان لا مـــــتأخر
حوافرك في السـبق كأنــها عقبان

مثل البرق بين السـحاب تمــضي
خلفك يعض نواجــذَهمُ الفرســانُ

    رد مع اقتباس