2017-01-24, 23:18
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | تذوق اللغة العربية الفصيحة و تنمية القدرة على استخدامها | تذوق اللغة العربية الفصيحة و تنمية القدرة على استخدامها بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
اللغة العربية الفصحى محبّبة للنفس ، سهلة على التقبّل ، ميسّرة للتذوُّق والتعلُّم والاستخدام . إلا أن واقعنا اليوم وما يمرّ به المسلمون من ضعف وهوان ، ومع امتداد اللغات الأجنبية واللغة العامية في معظم المجتمعات الإسلامية ، جعل صعوبات أمام الطفل والشباب ، أمام أبناء المسلمين بصفة عامة ، في تذوقهم أو دراستهم للغة العربية .
إن كلّ لغة تحتاج من أجل تعلُّم أبنائها لها إِلى بيئة يتلقّي الطفل فيها لغته منذ صغره ، منذ طفولته . هذه البيئة المطلوبة غير متوافرة في واقعنا اليوم بالنسبة للغة العربية ، يضاف إلى ذلك أن من بين أبنائنا من تخلى عن اللغة العربية مدّعياً صعوبتها ادعاءً لا يقوم على أساس .
ملايين من المسلمين في الأرض لا يعرفون اللغة العربية ، أصبحت لغتهم الرسمية لغة أخرى غير العربية . مما يوجد صعوبة كبيرة في نشر اللغة العربية . يضاف إلى ذلك وجود قوى شديدة تحارب الإسلام ولغته بين المسلمين ، وقامت دعوات كثيرة للتخلّي عن العربية ، أو لتغيير حروفها ، أو لتغيير حركاتها . قوى كثيرة تعمل مزوّدة بالعدة والعلم والنهج .
في هذا الجو نريد أن ننشر اللغة العربيّة ونحبّبها إلى المسلمين جميعاً ، وخاصة إلى أطفال المسلمين ، أمام تحدّيات كثيرة جداً .
ولكن الذي يسهّل الأمر أن هذه اللغة هي لغة القرآن ، لغة الذكر الذي تعهد الله بحفظه :
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ الحجر :9]
ومما يسهل الأمر كذلك ارتباط هذه اللغة العظيمة بالإيمان ، بالإسلام ، والقلوب المؤمنة مازالت تخفق بإيمانها وإن كانت ألسنتها عجمت . ومازال هناك مؤمنون يعملون ويجاهدون .
ولكن لا بدَّ أن تلتقي الجهـود على هذا الأمر وعلى غيره من قضايا الإسلام ، بدلاً من أن يظل كلٌّ يعمل بمفرده ، فتتناثر الجهود ويضعف أثرها .
وكذلك يجب أن يأخذ العملُ صورة الخطة والنهج حتى يتضاعف أثره وعطاؤه ، وأن يكون النهج بصورته العامة واحداً لدى الجميع . ولا نستطيع هنا في هذه العجالة إلا أن نُعْطِي ملامح عامة ، حتى تتم الدراسات المفصّلة .
إن تذوّق الطفل للغة العربية الفصيحة وقدرته على استخدامها يعتمد على عوامل رئيسة يمكن إيجازها بما يلي :
المربي وقدرته وما يحمل من خصائص تفيد في هذا الهدف ، ومدى التزامه باستخدام اللغة العربية الفصيحة ، أو المؤسسات وأمثالها .
البيئة ومدى توفيرها للجو الصالح وعدم إثارتها عقبات .
طبيعة اللغة العربية وخصائصها التي يمكن الاستفادة منها لهذه الغاية .
الطفل طبيعته وخصائصه التي يمكن الاستفادة منها في هذا السبيل .
أما المربي فلا بدَّ أن يكـون هو نفسه ملتزماً باستخدام اللغة العربية الصحيحة ، ويملك القدرة على التوجيه والتربية والبناء ، أو أن يكون نال تدريبات وافية على هذه المهمة .
والبيئة هي العامل المؤثِّر بصورة مباشرة وغير مباشرة على تنمية هذا التذوق للغة العربية وعلى استخدامها . والبيئة قد تكون عائقاً أمام هذا الهدف ، حين تغزوها اللغات العامية وتسود فيها ، أو اللغات الأجنبية . ونقصد بالبيئة : البيت والأسرة ، والمدرسة والمربّين ، والمجتمع ومؤسساته الثقافية والإعلامية والتربوية .
ولقد كان بعض الخلفاء المسلمين ، وبخاصة في العصر الأموي ، يرسلون أولادهم إِلى أجواء القبائل العربية حيث تكون اللغة أصفى ، ويبقون فيها مدة يتلقون اللغة تلقّيا نقيّاً حتى تصبح طبيعة لهم . ذلك لأنهم أدركوا دور البيئة في الترغيب باللغة وتعلمها . فلا بُدَّ من توفير البيئة الصالحة لتنمية تذوّق الطفل للغة العربية الفصحى ، ولا بد من توفير التعليم مع الرعاية والتوجيه .
البيت والأسرة هو الحضن الأول للطفل ، سواءً أكان ذلك في مرحلة الحمل أَم الولادة أَم في سائر مراحل نمو الطفل التي سنأتي على ذكرها . ويتحمل الوالدان أكبر مسؤولية في تربية الطفل وتعهّده ونشأته . وبذلك جاء حديث الرسول :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول r قال : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة وأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون منها من جدعاء " [ رواه الشيخان وأبو داود ]([1])
فنستفيد من هذا الحديث الشريف عدة فوائد رئيسة : مسؤولية الوالدين ، الفطرة التي فطر الله الناس جميعاً عليها ، وأهمية دورها في التربية والبناء ، وما أودع الله فيها من قدرات وغرائز . ولنتدبر قوله سبحانه وتعالى :
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) [ الروم :30ـ32]
فالفطرة تكون في الطفل المولود سليمة غنية بما أودع الله فيها من قدرات تأخذ بالنمو على سنن ربانية ، وأهم هذه القدرات : قوة التفكير ، العاطفة ، الغرائز المختلفة ، وقبل ذلك كله الإيمان والتوحيد كأنه النبع الذي يروي جميع القوى والغرائز في الفطرة لتؤدِّي كل قوة أو غريزة دورها الذي خُلِقَتْ له ، ما دامت الفطرة سليمة لم تنحرف ولم تلوّث ولم تفسد .
وسلامة الفطرة وحمايتها من الانحراف أو التلوث أو الفساد هي الحق الأول للإنسان ، الحق الذي أهملته جميع المؤسسات الدولية أو القطرية لحقوق الإنسان .
وفي جو الأسرة بين الوالدين وسائر أفراد الأسرة يتلقَّى الطفل أَول غذاء لفطرته وقدراته . وأول حاسة تنشط عند الطفل هي حاسة السمع . إنها تنشط فيه وهو جنين في بطن أمه ، ويتأثر بكل ما يدخل سمعه في هذا الجو . ولذلك كان من معجزات الرسول r أن نبَّهَنا إلى أهمية حاسة السمع ، وذلك بالتوصية بالأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى :
فعن الحسين بن علي رضي الله عنهما عن الرسول r قال : من ولد له ولد فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان " ([2]) وأم الصبيان هي التابعة من الجن . فالصوت يؤثر في المولود ولو كان لا يعي معنى الكلام .
وعند الموت كان أمر الرسول r أن يُلقّن المحتضر لا إله إلا الله . فعن أبي سعيد وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وعن الرسول r قال : " لقّنوا موتاكم : لا إله إلا الله " [ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي ]([3]) وفي حياة المؤمن تظل الشهادتان تتردّدان على لسانه وفي قلبه . فهي السمة الأولى التي تظل ترافق المسلم منذ ولادته حتى وفاته ، مادام مسلماً مؤمناً .
فحاسة السمع ونشاطها يمكن الاستفادة منها في ترغيب الطفل باللغة العربية وبتغذية الإيمان في قلبه . فالصوت يترك أثره في الجنين وفي الطفل بطريقة ربّانية لا يدركها العلم حتى اليوم .
تقول د. آريان آيزينبرغ وزميلتاها في كتابهنّ : " ماذا تتوقع عندما تنتظر الجنين " ، إن حاسة السمع عند الجنين تكون قد تطورت تطوراً كبيراً مع نهاية المرحلة الثانية من الحمل أو بداية المرحلة الثالثة . فيصبح أن الأجنّة يسمعون ما يدور من أحاديث أو قراءات في البيت ، أو عند الأصدقاء . ويعتقد بعض الباحثين المختصين في هذا العلم أنه يمكن إثارة الجنين قبل ولادته ليكون مولوداً متميزاً " .
فالبيت والأسرة هما الحضن الأول للطفل ، للإنسان ، وما يناله في هذه المرحلة المبكرة يكون أَثبت في القلب مما قد يناله في سنوات متأخرة من عمره . وصدق المثل القائل : " العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ! فلا بد من الحرص على توفير الجو الصالح في البيت والأسرة . وإنها مسؤولية الأمة كلها والعلماء والدعاة والدولة عن العمل لبناء هذا الجو الإيماني في الأسرة المسلمة . ومن هذا الجو يتوافر كثير من العوامل التي تعين على بناء تذوق الطفل للغة العربية الفصيحة وتنميتها ، وتنمية قدرته على استخدامها . والمدرسة جزء رئيس من البيئة
يتبع | التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |