عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-01-09, 10:29 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

a7 المنهاج الحواري" تربية على الحجاح


المنهاج الحواري" تربية على الحجاح








الحجاج آلية ومنهج في التواصل وبلوغ المعرفة الصحيحة، كما يقول أبو الوليد الباجي في كتابه "المنهاج في ترتيب الحجاج"، وهو كتاب يصنف ضمن أصول الفقه: (وهذا العلم من أرفع العلوم قدرا وأعظمها شأنا لأنه السبيل إلى معرفة الاستدلال وتمييز الحق من المحال. ولولا تصحيح الوضع في الحجاج لما قامت حجة ولا اتضحت محجة، ولا علم الصحيح من السقيم ولا المعوج من المستقيم) ص 24.
إن مقصدية الحجاج، كما تطرح في النسق الفقهي الأصولي، تتغيا أن يكون الكون موافقا للقول، وإلا ستكون "المشاغبة" و"التبكيت السفسطائي"، على حد تعبير أرسطو؛ فالسفسطائي يجعل محاجه ينتج خطاب الإقصاء، أو خطابا متناقضا أو هامشيا أو يجعله مكررا.


وقد جعل علماء أصول الفقه تعلم الحجاج فرض كفاية واعتبروه آلية لتبديد الاختلاف بين الأحكام المختلفة.


إننا نطمح إلى أن يكون الحجاج ممارسة للفكر الصائب والتفسير والبرهنة بواسطة الحجج والعلل، وتحقيق المناطات، والربط بين الفكر والعمل، ومراعاة المقامات الاجتماعية التي تحددها الآليات البلاغية.


وتاريخ البلاغة لا يمكن فصله عن التاريخ السياسي، والتأثير السياسي يستدعي خطابا بلاغيا، والعلاقة بينهما اليوم شرط للحياة الديمقراطية، ونجاح المؤسسات يقتضي الرهان على المنظومة التربوية بإرساء ثقافة الحجاج.


والإصلاح السياسي رهين بتنشئة تربوية، أي إقامة مشروع خاص بالتربية على الحجاج أو التربية على المواطنة، حسب النماذج التشاركية أو المعرفية النمائية أو "نظرية التمثلات"، نستطيع من خلالها تجاوز أزمتنا في تدبير خلافاتنا ونسلم من تهديد تماسكنا المجتمعي.


وقد أثبتت الدراسات، تاريخيا، العلاقة بين حرية التعبير وبين طبيعة الثقافة التعليمية في المؤسسات التربوية التي تشجع على المبادرات الكلامية بكل حرية.


لكن السؤال هو كيف سننقل من المعارف الأكاديمية إلى تعليمية حجاجية؟ كيف سنهيئ الوضعيات التعلمية لتطوير هذه القدرة؟ ما الهندسة التعليمية التي ستمكننا من ذلك؟


إن تدريس الحجاج أهم أداة تربوية لتعليم قيم التسامح وحق الاختلاف في مراحل مبكرة، حيث يوضع التلميذ في وضعيات نزاعية ذات وظيفة تربوية، الغاية منها إكسابه آليات تعليل المواقف وطرق الاعتراض دون المس بشخصية الآخر، ثم طرح الحجج المضادة لجعله يعدل عن موقفه، وذلك في شكل ورشات أو محترفات للحجاج.




هكذا، نعلم التلميذ قواعد الحجاج على المستوى اللغوي والمنطقي والتأدبي، ونطور قدراته الحجاجية التي تظهر مبكرا، معتمدين على دراسات الخطاب الحجاجي المتنوعة.
"أصول الفقه" خطاب معرفي للمنهاج الحواري:


في المجال النظري الابستمولوجي، تأخذ العلوم مفاهيمها من علوم أخرى تبني عليها استدلالاتها، كما أخذت العلوم من اللسانيات منهجها، والعقل العربي الإسلامي أخذ منهجه من علوم في مقدمتها علم أصول الفقه.


فعلم أصول الفقه قواعد عقلية منطقية لغوية مستوحاة من الشرع، وأغلب المحدثين أو الفقهاء يحيلون عليه، فـ(نقد السند أو نقد المتن، أو قبول الخبر بين المتواتر والآحاد، وتحقيق المناط بالسبر والتقسيم، والإبقاء والإلقاء، ومبدأ المطابقة والتضمن والالتزام، ونظرية التحسين والتقبيح وغيرها من القواعد) منهج وآليات أصولية بامتياز.


ولم يغفل المفسرون علم أصول الفقه في قواعد تفسيرهم، كما أشار ابن جزي الغرناطي في كتابه "التسهيل في علوم التنزيل"، أو ما أشار إليه السكاكي في مفتاح العلوم أن أولى ما يعين المفسر على تحصيل العلم بكتاب الله علم أصول الفقه.
أما علم العقيدة كإطار عقلي قائم على الحجاج في النفي والإثبات، أو كإطار منهجي في فقه الأسماء والصفات، فقد كان أصول الفقه حاضرا فيه بوضوح.


إننا بحاجة إلى أصول الفقه من أجل التكامل المعرفي، حيث سيساعدنا في بناء فقه الأولويات ويقرب الاجتهادات ويسوقنا إلى المقاصد؛ فبالمقاصد نستطيع الإجابة عن مشكلات التدين ورسم الأولويات وإدارة الاختلاف الداخلي والخارجي، ونخدم بالتالي الخيارات المتعددة للأمة، فالأمر يحتاج إلى استيعاب الواقع واتجاهات الفكر لصياغة رؤية علمية حوارية.


إن أصول الفقه إجابة عن مشكلات المنهج حيث (المرجعية والمنهجية)، أي كيف نفهم الخطاب؟ وكيف يتم تنزيله؟
فعلم أصول الفقه مسلك منهجي لبناء المرجعية، في شقيها المعرفي والمنهجي، وهذا يقتضي حوارا داخليا حول الأصول الشرعية التي يلزم على العقل الإسلامي الرجوع إليها، (وتوحيد المرجعية لا يعني بالضرورة إلغاء الاختلاف، فتفسير القرآن وتعليله والعقيدة واستحضارها تطلب مدارس ومناهج علمية).


إن توحيد المرجعية يحيل إلى "المنهجية الشرعية"، و"المنهجية التشريعية"؛ فالأولى ترتبط بالرؤية في الأحكام الشرعية، أي البحث عن المطلوب شرعا قبل البحث في أولويات المصلحة الاجتماعية والسياسية والثقافية. أما "المنهجية التشريعية"، فهي التي تضع القواعد ومراتب التكليف، التي حددها علماء أصول الفقه.


أما بعد:
المنهاج الحواري أو الحوارية من أسس العقل الحضاري، تحدد العلاقة بين الأنا والذات نفسها، والأنا والآخر، أنتجت المدارس الفقهية والمدارس العقدية الكلامية، وهي مؤشر على وعي الأمة.


الحوارية، أو علم المناظرة بدورها الفكري والأخلاقي، تقتضي الادعاء بصحة الدعوى والاعتراض بانتقادها، اعتمدت على الجدل والحجاج القرآني.
الحوارية دائرية فكرية، دائرة تحاور دائرة ليكون الدوران، والدائرة أصل الأشكال الهندسية.


من خلال حديثنا عن المنهاج الحواري، اتضح أن الحقيقة متعددة وليست واحدة وبالتالي سيكون الحكم عليها متعددا.
وأن المنهاج الحواري يمنحك حقوقا وواجبات: لك الحق في الاعتقاد والقول وانتقاد الرأي، لكن من واجبك الإنصات إلى ما ينقال لأدلة الانتقاد والاعتراض.


فالمنهاج ممارسة استدلالية نختبر فيها الآليات وصحة الدعوى من عدمها، لنكون في سياق " بناء المعرفة"، محضن " الجماعة العلمية".


إن المنهاج الحواري يفتح الباب لـ"المخالف" في كل التوجهات والمذاهب والملل، بحثا عن الوظيفة التساؤلية، كعملية فكرية، فلا معرفة بدون حجاج ولا حجاج بدون حوار، والحجاج حل لكل اختلاف، والعلاقة الحجاجية أصل كل تفاعل وخطاب.


نختم حديثنا عن المنهاج الحواري بأفق لمراتب الحوارية، كما حددها الدكتور طه عبد الرحمان، وهي: "الحوار" و"المحاورة" و"التحاور"، ويختص كل منها بمنهج استدلالي وآلية خطابية وبنية معرفية ونماذج نظرية وشواهد نصية، وتتفاوت في قدرتها على أداء الحوارية وتأصيلها.
مراتب الحوارية: الحوار المحاورة التحاور
المنهج الاستدلالي: البرهان الحجاج التحاج
الآلية الخطابية: العرض الاعتراض التعارض
البنية المعرفية: النظر المناظرة التناظر
النموذج النظري: البلاغ الإبلاغ التبليغ


ادريس مستعد
الأحد 08 يناير 2017





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس