عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-07-25, 21:08 رقم المشاركة : 5
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: صدى رجالات آسفي في التاريخ


الأستاذ عبد الله الهسكوري







الأستاذ عبد الله الهسكوري : اسم ألمعي بحمولة ثقافية وأدبية .. اسم تنبع من مكونيه الرئيسيين ، مناقب ومحامد ومزايا وصفات ونعوت وعلامات نذكر منها ، البذل والعطاء ، رحابة الصدر ، جمال الاتزان ، الإحساس بجسامة المسؤولية كوالده الفقيه محمد الهسكوري رحمه الله . هكذا هو السي عبد الله الهسكوري ، عنفوان حالم ن وقلب دينامي نابض بالعشق ، وعقل نوراني دائم التحليق .


ولد الأستاذ عبدالله بأسفي عام 1942 .. التحق بالكتاب الذي كان والده يشرف عليه ويتصدر للإقراء والتدريس وتحفيظ كتاب الله في حسن سمت ولين جانب ودماثة أخلاق .. عهدت مزاياها في البيت الهسكوري . لذلك ، فالأستاذ عبد الله الهسكوري :
سليل بيت كريم فيه الفخار مكين
سليل علم وحلم يكسوه دين متين


وهكذا تولاه والده بالعناية والاهتمام والتربية القويمة . يقول تعالى : " والذين آمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان ، ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ، كل امرئ بما كسب رهين . "


ويقول الشاعر :
عهود من الآباء توارثها الأبنا بنوا مجدها لكن بنوهم لها أبني
ويقول آخر :
وينشـأ نـاشئ الفتيـان فينـــــا على ما كان عوده أبــــــــــــوه


بعد ذلك ، التحق بمدرسة بياضة حيث حصل على الشهادة الابتدائية ، ليتابع دراسته فيما بعد في ثانوية مولاي يوسف بمراكش ، ثم كلية الآداب بالرباط حيث سيحصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها . وبعد التخرج ، سيتم تعيينه بإحدى الثانويات بالرباط سنة 1962 ، ليعود فيما بعد إلى أسفي مدرسا بثانوية الهداية التي أسسها والده رحمه الله .. وربما لم يرق له المقام بأسفي ، فعاد من جديد إلى الرباط .



وسواء في أسفي أو في الرباط ، فإن السي عبد الله الهسكوري قد صنع لمسار حياته طريقا موشوما بأكثر من وشم ، لا مكان فيه للمقعرات ، يدافع عن قيم النبالة وشرف المعرفة .. كيف لا ، والوسط الأسري الذي عاش فيه ، خلق منه شخصية بمواصفات خاصة ، حملت فوق أكتافها نكهة العطاء الرقراق ، في ترنيمة خلود مرصعة بأعمال ومواقف وحروف ذهبية ، إذ عرف لدى مجايليه بالطموح المتوقد ، والذكاء الثاقب ، والقراءة العميقة . فقد كانت له شهية مفتوحة للمطالعة وطلب العلم . فهو من رواد مكتبة السي لحبيب البخاري على حد ما أوردنا سابقا في الحلقة التي خصصناها لمكتبة السي لحبيب .


منذ نعومة أظافره ، كانت كل المؤشرات تتكلم لغة واحدة ، هي لغة التميز والروح الوطني . فقد انصرف للعلم ، وشغف بالتدريس ، وأصبح مؤهلا لمزاولة وظيفة التربية والتعليم ، فكان أنموذجا للأستاذ الناجح بشهادة زملائه والمدراء والمؤطرين التربويين والتلاميذ .. كما تشهد له دروسه التي تتجنب الاجترار والرتابة بالخلق والإبداع . فقد كانت تخرج عن المألوف ، وتقدم إلى المتلقي بطريقة جذابة هبل بوهج الطرافة والطراوة والجدة .. تتداخل في عوالمها العلوم والفنون ، الرواية والقصة والمسرح والشعر والموسيقى والسينما .. بمنهج فريد ، يلتقي في محرابها طرفة بن العبد وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى والجاحظ وطه حسين ونجيب محفوظ ونزار قباني ... كل ذلك في جو مفعم بحاجة المتلقي إلى الجماليات والارتقاء بالذوق ، وإقحام المتعلم كفاعل رئيس .



لقد أحب السي عبد الله الهسكوري مهنة التربية والتعليم وعشقها حتى النخاع ، مما جعله يتعامل مع تلاميذه بأريحية ، غايته صناعة التلميذ المتمكن الذي يواجه المعرفة النصية بعقل يقظ لتقديم الفائدة والإضافة .


لم يكتف السي عبد الله بالتدريس ، بل اهتم أيضا بالعمل الإداري ، فكان ناظر دروس بثانوية ابن خلدون ، ليلتحق بعد ذلك بالمركز التربوي الجهوي بأسفي كمدرس ومكون للطلبة الأساتذة ممن أسعفهم الحظ للتلقي والأخذ من معين المعارف التي كان يتقنها رحمه الله . ثم ما لبث أن عين مديرا بثانوية أبي شعيب الدكالي بأزمور عام 1981 حيث قضى بها ت سنوات ، ليعود إلى أسفي كمدير لثانوية الهداية من 1988 إلى 1990 ، إذ بعد هذا التاريخ بسنتين ، سيفارق ـ رحمه الله ـ هذه الحياة ، كان ذلك بالضبط سنة 1992 حيث وافاه الأجل المحتوم ليدفن بمقبرة " الروامشة " تاركا وراءه حزنا دفينا شمل أسرته وأصدقاءه وكل من كانت له به صلة .



لقد كانت اهتماماته متعددة ، منها الترجمة من العربية إلى عدة لغات أخرى ، كان يتقنها رحمه الله ، كالفرنسية والإسبانية والإنجليزية والروسية والألمانية والعبرية والفارسية واللاتينية والإسبرانتو ، وهي لغة تتكون من كلمات وعبارات استمدها واضعها من بولونيا من مختلف اللغات الأوروبية ، وضع لها قواعد نحوية وصرفية ، إلا أنها لم يكتب لها التداول فضلا عن الانتشار ، وذلك بسبب منافسة اللغة الإنجليزية لها . كما للأستاذ الهسكوري غير قليل من الأبحاث في اللغة والآداب والعقائد والتاريخ ، وكلها ضاعت بمجرد وفاته ، إذ كان لا يبخل بالأبحاث والكتب التي كانت تزخر بها مكتبته ، أعارها بقصد الاستفادة ، لكن ـ للأسف ـ لم يكلف أحد نفسه إرجاعها خاصة بعد وفاته في وقت لم يكن يتوقع أحد وفاته .


إنها جهود جبارة قام بها الأستاذ عبد الله الهسكوري إلى جانب ثلة من رجالات أسفي المخلصين والتي ما أحوجنا اليوم أن نستحضرها وأن نبعثها في نفوسنا ، وأن نقدر هؤلاء الذين قاموا بها ، وأن نسعى كذلك إلى أن نحافظ على النتائج التي أدركناها بفضل تفانيهم في العمل ، وإخلاصهم فيه بكل صدق وأمانة ، حتى لا نعبث بهذه النتائج وباستقلال هذه الأمة وبمقوماتها . تلكم المقومات التي كافح أمثال هؤلاء الرجال من أجلها ، من أجل الثقافة ، ومن أجل الكيان ، ومن أجل هوية هذه الأمة .






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس